الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلّب بن ربيعة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد» .
ولم يجز الشافعي أيضا دفعها إلى مطّلبي؛
لما رواه البخاري عن جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن بني هاشم وبني المطلب شيء واحد، وشبّك بين أصابعه» .
مقدار ما يعطى للفقير والمسكين:
للعلماء آراء متفاوتة في ذلك، فرأى أبو حنيفة: أنه لا يزاد على النصاب، أي أنه يكره أن يعطى إنسان من الزكاة مائتي درهم.
وذهب مالك إلى أن الأمر راجع إلى الاجتهاد، وأجاز مع الإمام أحمد إعطاء ما يكفي سنة.
ورأى الشافعي أنه يعطى الفقير والمسكين ما تزول به حاجته؛ لأن المقصود من الزكاة سدّ الحاجة.
نقل الزكاة لفقراء بلد آخر:
للعلماء رأيان: فذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز نقل الزكاة عن البلد الذي فيه المال إلى بلد آخر، لكن أجاز المالكية والشافعية والحنابلة نقلها إلى بلد آخر دون مسافة القصر (89 كم) لأنه في حكم موضع الوجوب. وأوجب الشافعية نقلها إلى أقرب البلاد لبلد الوجوب إذا لم توجد الأصناف الثمانية في بلد الزكاة، أو فضل شيء عن بعض منهم.
وأباح ابن القاسم وسحنون نقلها لبلد آخر لضرورة أو حاجة شديدة؛ فإن الحاجة إذا نزلت وجب تقديمها على من ليس بمحتاج،
«والمسلم أخو المسلم،
لا يسلمه
(1)
، ولا يظلمه» قال ابن العربي: وهو الصحيح.
وقال الحنفية: يكره تنزيها نقل الزكاة من بلد إلى آخر إلا أن ينقلها إلى قرابته المحتاجين ليسد حاجتهم، أو إلى قوم هم أحوج إليها وأصلح أو أورع أو أنفع للمسلمين، أو من دار الحرب إلى دار الإسلام، أو إلى طالب علم، أو إلى الزهاد، أو كانت معجلة قبل تمام الحول، فلا يكره نقلها. ولو نقلها لغير هذه الأحوال جاز؛ لأن المصرف مطلق الفقراء. والدليل قول معاذ لأهل اليمن: ايتوني بخميس
(2)
أو لبيس آخذه منكم مكان الذرة والشعير في الصدقة، فإنه أيسر عليكم، وأنفع للمهاجرين بالمدينة. وقد دلّ هذا الحديث على أمرين:
أحدهما-نقل الزكاة من اليمن إلى المدينة، فيتولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قسمتها، ويعضد هذا قوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ} ولم يفرق بين فقير بلد وفقير آخر.
والثاني-أخذ القيمة في الزكاة. وهو رأي الحنفية؛ لأن المقصود من الزكاة سدّ حاجة الفقراء، وأي شيء سدّ حاجتهم جاز، وقال الله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً} ولم يخص شيئا من شيء.
ولم يجز الجمهور إخراج القيمة في شيء من الزكاة؛ لأن الحق لله تعالى، وقد علقه على ما نص عليه، فلا يجوز نقل ذلك إلى غيره، كالأضحية لما علقها على الأنعام، لم يجز نقلها إلى غيرها، وإنما يجب العلم بالمنصوص عليه.
والمعتبر عند الحنفية والشافعية والحنابلة في زكاة المال: المكان الذي فيه المال، والمعتبر في صدقة الفطر مكان وجود الصائم.
(1)
أي لا يتركه مع من يؤذيه، بل يحميه. والحديث رواه أبو داود عن سويد بن حنظلة.
(2)
الخميس: لفظ مشترك: وهو هنا الثوب طوله خمسة أذرع، وأول من عمله الخمس أحد ملوك اليمن.
وعند المالكية قولان: قول يعتبر مكان المال وقت تمام الحول، فتفرق الصدقة فيه، وقول يعتبر مكان المالك، إذ هو المخاطب بإخراج الزكاة، فصار المال تبعا له.
ومن أعطى فقيرا مسلما، ثم تبين له أنه عبد أو كافر أو غني، أجزأه على الأصح عند مالك، بدليل حديث مسلم عن أبي هريرة المتضمن قبول الصدقة على زانية وغني وسارق، ولأن المطلوب منه الاجتهاد في المعطى، فإذا اجتهد وأعطى من يظنه من أهل الزكاة، فقد أتى بالواجب عليه.
ومن أخرج الزكاة عند حلول الحول، فهلكت من غير تفريط، لم يضمن عند المالكية؛ لأنه وكيل للفقراء. فإن أخرجها بعد ذلك بمدة، فهلكت ضمن؛ لتأخيرها عن محلّها، فتعلقت بذمته، فلذلك ضمن.
وإذا كان الإمام يعدل في الأخذ والصرف، لم يسغ للمالك أن يتولى الصرف بنفسه في الناضّ
(1)
ولا في غيره.
3 -
العاملون عليها: وهم السّعاة والجباة الذين يبعثهم الإمام لتحصيل الزكاة بالتوكيل على ذلك.
روى البخاري عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا من الأسد على صدقات بني سليم يدعى ابن اللّتبيّة، فلما جاء حاسبه.
واختلف العلماء في المقدار الذي يأخذونه على ثلاثة أقوال:
الأول-قال مجاهد والشافعي: هو الثمن، فإن زادت أجرتهم على سهمهم، تمّم لهم من بيت المال، وقيل: من سائر السهمان. وهذا رأي موافق لظاهر الآية.
(1)
الناض من المال: هو الدرهم والدينار، وإنما يسمى ناضا إذا تحوّل نقدا بعد أن كان متاعا، أي صار ذا سيولة.
الثاني-قال الحنفية والمالكية: يعطون قدر عملهم من الأجرة؛ لأنهم عطّلوا أنفسهم لمصلحة الفقراء، فكانت كفايتهم وكفاية أعوانهم في مال الفقراء. وإذا استغرقت كفايتهم الزكاة، فلا يزيدهم الحنفية على النصف، ويعطون الوسط.
الثالث-يعطون من بيت المال، وهو قول ضعيف الدليل؛ فإن الله سبحانه أخبر بسهمهم في الزكاة، فكيف لا يعطونه؟ والذي يعطى للعامل هو بمثابة الأجرة على العمل، فيعطاها ولو كان غنيا، لذا فإنه يعطاها ولو كان هاشميا في رأي مالك والشافعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث علي بن أبي طالب مصدّقا، وبعثه عاملا إلى اليمن على الزكاة، وولّى جماعة من بني هاشم، وولى الخلفاء بعده كذلك، ولأن العامل أجير على عمل مباح، فوجب أن يستوي فيه الهاشمي وغيره كسائر الصناعات.
وقال أبو حنيفة: لا يعطى العامل الهاشمي؛ لأن سهمه جزء من الصدقة، وقد قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم عن المطّلب بن ربيعة:«إن الصدقة لا تحلّ لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس» .
ودلّ قوله تعالى: {وَالْعامِلِينَ عَلَيْها} على أن كل ما كان من فروض الكفايات كالساعي والكاتب والقسّام والعاشر والعريف والحاسب وحافظ المال، يجوز للقائم به أخذ الأجرة عليه. ومن ذلك الإمامة، فإن الصلاة وإن كانت فرضا عينيا على كل واحد، فإن التفرغ للإمامة من فروض الكفايات، كما ذكر القرطبي
ودلّ هذا القول أيضا على أنه يجب على الإمام أن يبعث السعاة لأخذ الصدقة (الزكاة)؛ لأن بعض من يملك المال لا يعرف ما يجب عليه، وبعضهم قد يبخل،
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث عمر بن الخطاب
رضي الله عنه على الصدقات.
وروى أبو داود عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا من بني مخزوم على الصدقة.
والنص على العامل في الآية يدل على أن أخذ الزكاة إلى الإمام، ويجب دفعها له، ولا يجزي رب المال أن يعطيها إلى المستحقين، ويؤكده قوله تعالى:
{خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة 103/ 9].
لكن يعارض ذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج 25/ 70 - 24] والحق يجوز لمن يجب عليه دفعه للسائل والمحروم مباشرة. لذا فصل العلماء فقالوا:
أ-إن كان مال الزكاة خفيا (باطنا) كالنقود: فيجوز بالإجماع للمالك أن يفرقه بنفسه أو أن يدفعه إلى الإمام.
ب-وإن كان مال الزكاة ظاهرا كالماشية والزرع والثمر: فيجب دفعه إلى الإمام في رأي الجمهور؛ لأن حق المطالبة فيه للإمام، فيدفع إليه كالخراج والجزية.
وقال الشافعي في الجديد: يجوز للمالك توزيعه بنفسه؛ لأنه زكاة كزكاة المال الخفي.
4 -
المؤلفة قلوبهم: وهم قوم كانوا في صدر الإسلام ممن يظهر الإسلام، يتألّفون بدفع سهم من الصدقة إليهم لضعف يقينهم. وهم نوعان: مسلمون وكفار، يعطون ليتقوى إسلامهم.
أما الكفار حال كونهم كفارا: فيعطون من الزكاة في مذهب الحنابلة والمالكية، ترغيبا في الإسلام؛
لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم «أعطى المؤلفة قلوبهم من المسلمين والمشركين»
(1)
.
(1)
نيل الأوطار: 166/ 4