الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الأمر الثاني فكان بسبب استنفار المسلمين لغزو الروم في غزوة تبوك، وقد أوضحت الآيات في القسم الأعظم من هذه السورة نفسيات المسلمين، وظهور عوارض التثاقل والتخلف والتثبيط، ومراوغة المنافقين، ودسائسهم الماكرة، واتخاذهم ما أطلق عليه (مسجد الضرار) الذي نزل بشأنه أربع آيات، وكرا للتآمر والتخريب، وتعريتهم بشكل فاضح، حتى سميت السورة (الفاضحة) لأنها فضحت المنافقين، ولم تدع لهم سترا إلا هتكته.
والخلاصة: كانت هذه السورة سورة الحسم الكامل لأوضاع غير المسلمين، وربما كانت أخطر سورة حشدت جيش الإيمان وأعدته للمعركة الفاصلة النهائية بين المسلمين وغيرهم، سواء في داخل الدولة بتصفية جذور النفاق، والقضاء على مكر اليهود، أو في خارج الدولة بالتصدي لغطرسة الروم في غزوة تبوك التي أرهبتهم، وجمّدت كل تحركاتهم المشبوهة للقضاء على الإسلام والمسلمين.
وكان لهذه التصفية المقدّر والمخطط لها من قبل الله تعالى على الصعيد الداخلي والخارجي الأثر الأكبر في استقرار الدولة الإسلامية، والحفاظ على كيانها الدولي وإظهار هيبتها ومنعة وجودها، بعد انتقال مؤسسها وقائدها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى.
أضواء من التاريخ على صلح الحديبية:
عقد النبي صلى الله عليه وآله وسلم معاهدة صلح الحديبية سنة ست من الهجرة مع المشركين على وضع الحرب أوزارها، وعلى السلم والأمان مدة عشر سنوات، بشروط متسامح فيها عن قوة وعزة، لا عن ضعف وذلة. ثم نقضت قريش المعاهدة بإعانة حليفتها قبيلة بني بكر على قبيلة خزاعة حليفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالسلاح والرجال، فاستغاث عمرو بن سالم الخزاعي على رأس وفد بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأغاثه قائلا:
«نصرت يا عمرو بن سالم، لا نصرت إن لم أنصر بني كعب» فكان ذلك سبب عودة حالة الحرب مع قريش.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس بالتأهب للقتال، وسار لفتح مكة سرا، ففتحها في السنة الثامنة من الهجرة.
ولما بلغ هوازن فتح مكة، جمعهم أميرهم مالك بن عوف النصري لقتال المسلمين، وكانت غزوة حنين التي شهدها دريد بن الصّمّة في شوال في السنة الثامنة، ثم حاصر النبي بعدها الطائف بضعا وعشرين ليلة، وقاتلهم قتالا شديدا، ورماهم بالنبل والمنجنيق.
ثم خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رجب سنة تسع إلى غزوة تبوك، وهي آخر غزواته، وفيها نزلت أكثر آيات سورة براءة.
ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غزوة تبوك أراد الحج، ولكنه تذكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا الموسم على عادتهم، ويطوفون بالبيت عراة، فكره مخالطتهم، وبعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه أميرا على الحج تلك السنة، ليقيم للناس مناسكهم ويعلم المشركين ألا يحجوا بعد عامهم هذا، وأن ينادي في الناس:{بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} .
فلما قفل أتبعه بعلي بن أبي طالب، ليكون مبلّغا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكونه عصبة له. وقال له:«أخرج بهذه القصة من صدر براءة فأذن بذلك في الناس إذا اجتمعوا» .
فخرج علي راكبا العضباء ناقة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فأدرك أبا بكر في ذي الحليفة، وأمّ أبو بكر الناس في الحج، وقرأ عليّ على الناس صدر سورة براءة
(1)
.
(1)
تفسير ابن كثير: 331/ 2 وما بعدها، الكشاف: 26/ 2، تفسير القرطبي: 64/ 8 - 68