الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبي هريرة: «من خير معاش الناس لهم: رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه، كلما سمع هيعة أو فزعا، طار على متنه، يبتغي القتل والموت في مظانّه
…
» أي خير أعمال الرجل إعداد فرسه في سبيل الله، كلما سمع صيحة لقتال أو دعوة لجهاد، أقدم قاصدا الاستشهاد في المواضع التي يظن فيها ذلك.
وإذا كان أهل الإيمان لا يستأذنون للجهاد عادة، فإن الذي يستأذنك في التخلف عن الجهاد من غير عذر، إنما هم المنافقون الذين لا يصدّقون بالله واليوم الآخر، ولا يرجون ثواب الله في الدار الآخرة على أعمالهم، وشكّت قلوبهم في صحة ما جئتم به، فهم في شكهم أو ريبهم يتحيرون، ليس لهم ثبات على شيء، فهم قوم حيارى هلكى.
روي أن عدد هؤلاء كان تسعة وثلاثين رجلا.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يلي:
1 -
إن الأيمان الكاذبة توجب الهلاك، كما
قال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتقدم عن خيثمة بن سليمان: «اليمين الغموس تدع الديار بلاقع» .
2 -
الجهاد يتطلب التضحية والإيمان، للتغلب على أهواء النفس، وميلها إلى حب المنافع المادية العاجلة، وإيثارها على الباقي الدائم الخالد.
3 -
القرآن معجز لأسباب كثيرة منها إخباره عن المغيبات في المستقبل، مثل إخباره تعالى هنا أنهم سيحلفون، والأمر لما وقع كما أخبر، كان هذا إخبارا عن الغيب، فكان معجزا.
4 -
كان تقديم العفو على العتاب واللوم بالإذن للمنافقين بالتخلف عن غزوة تبوك لطفا عظيما من الله برسوله، ومبالغة في تعظيمه وتوقيره، وهو أخف من
العتاب على قبوله مفاداة أسرى بدر، الذي صدر بتقرير حازم صارم في قوله تعالى:{ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى} [الأنفال: 67/ 8].
أما ما احتج به بعضهم بهذه الآية على صدور الذنب عن الرسول من وجهين:
الأول-إصدار العفو، والعفو يستدعي سابقة الذنب، والثاني-الاستفهام الإنكاري في قوله تعالى:{لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} فيجاب عن الأول بأنا لا نسلم أن قوله: {عَفَا اللهُ عَنْكَ} يوجب الذنب، وإنما ذلك دليل على مبالغة الله في تعظيم نبيه وتوقيره. ويجاب عن الثاني بأنه بعد حصول العفو عنه يستحيل أن يتوجه الإنكار عليه، ويحمل قوله:{لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} على ترك الأولى والأكمل، لا سيما وهذه الوقعة من قضايا الحرب ومصالح الدنيا التي يجوز للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الاجتهاد فيها اتفاقا، فكان ما حكم به صادرا بمقتضى الاجتهاد.
5 -
دل قوله: {لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ.} . على وجوب الاحتراز عن العجلة، ووجوب التثبت والتأني، وترك الاغترار بظواهر الأمور، والمبالغة في التفحص والتريث.
6 -
قال قتادة: عاتبه الله كما تسمعون في هذه الآية، ثم رخص له في سورة النور، فقال:{فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} [62].
7 -
لا ينبغي الاستئذان في أداء شيء من الواجبات، وفضائل العادات مثل إكرام الضيف، وإغاثة الملهوف، وفعل المعروف، قال تعالى:{لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ، أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ} [النساء 114/ 4].
8 -
المنافقون غير مؤمنين بالله ورسوله واليوم الآخر، وعدم إيمانهم إنما كان بسبب الشك والريب، لا بسبب الجزم والقطع بعدمه، وهذا يدل على أن الشاك المرتاب غير مؤمن بالله تعالى.
9 -
قوله: {أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} دليل على أن الجهاد نوعان:
جهاد بالمال وجهاد بالنفس. والجهاد بالمال له وجهان: إنفاق المال في التسليح والإعداد المادي الذي تتطلبه المعارك عادة، وإنفاق المال على المجاهدين وأسرهم وإعانتهم بالزاد والعتاد. والجهاد بالنفس أنواع منها: مباشرة القتال بالفعل وهو الأفضل، ومنها التحريض على القتال والأمر به، ومنها الإخبار بعورات العدو ومواطن الضعف لديه، والإرشاد إلى مكايد الحرب، وتنبيه المسلمين إلى الأولى والأصلح في أمر الحروب،
كما قال الحباب بن المنذر حين نزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببدر، فقال: يا رسول الله، أهذا رأي رأيته أم وحي؟ فقال: بل رأي رأيته، قال:
فإني أرى أن تنزل على الماء وتجعله خلف ظهرك، وتغوّر الآبار التي في ناحية العدو، ففعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك. ومنها بيان ما افترض الله من الجهاد وذكر الثواب الجزيل لمن قام به والعقاب لمن قعد عنه.
وأي الجهادين أفضل، أجهاد النفس والمال، أم جهاد العلم؟ الحقيقة أن جهاد العلم أصل، وجهاد النفس فرع، والأصل أولى بالتفضيل من الفرع.
فإذا كان النفير عاما: تعين فرض الجهاد على كل أحد، فيكون الاشتغال في هذه الحال بالجهاد أفضل من تعلم العلم؛ لأن ضرر العدو إذا وقع بالمسلمين لم يمكن تلافيه، وتعلم العلم ممكن في سائر الأحوال، ولأن تعلم العلم فرض على الكفاية، لا على كل أحد في خاصة نفسه.
وأما إذا لم يكن النفير عاما: ففرض الجهاد على الكفاية، مثل تعلم العلم، إلا أن الاشتغال بالعلم في هذه الحال أولى وأفضل من الجهاد، لعلو مرتبة العلم على مرتبة الجهاد؛ لأن ثبات الجهاد بثبات العلم، ولأن الجهاد فرع عن العلم ومبني عليه
(1)
.
(1)
أحكام القرآن للجصاص: 119/ 3