الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا أبا لك، أما كان موسى راعيا، أما كان داود راعيا؟ فلما ذهب، قال عليه الصلاة والسلام: احذروا هذا وأصحابه فإنهم منافقون.
ثم وصفهم الله تعالى بأن رضاهم وسخطهم لأنفسهم، لا للدين، وما فيه صلاح أهله؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استعطف قلوب أهل مكة يومئذ بتوفير الغنائم عليهم، فضجر المنافقون منه. فقال تعالى:{فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا.} . أي إن أعطوا من الزكاة أو من الغنائم ولو بغير حق رضوا، وإن لم يعطوا منها فاجؤوك بالسخط، وإن لم يستحقوا العطاء، فهم إنما يغضبون لأنفسهم ولمنافعهم، لا للمصلحة العامة، فليس طعنهم أو نقدهم بريئا، ولكن لهدف خاص.
ولو أنهم رضوا ما أعطاهم الرسول من الغنائم وطابت به نفوسهم، وإن قلّ نصيبهم، وقالوا: كفانا فضل الله وصنعه، وحسبنا ما أصبناه، وسيرزقنا الله غنيمة أخرى، فيؤتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكثر مما آتانا اليوم، إنّا إلى الله في أن يمنحننا من فضله لراغبون، لا نرغب إلى غيره أبدا.
وقد تضمنت هذه الآية أدبا عظيما حيث إنها ترشدهم وتعلمهم الرضا بما آتاه الله ورسوله، والتوكل على الله وحده، وهو قوله:{وَقالُوا: حَسْبُنَا اللهُ} .
والمقصود إنما هو التعليم بأن يرضوا بنعمة الله، وبقسمة الرسول، فهو لا يفعل إلا العدل وما فيه المصلحة العامة للإسلام وأهله، وما على المؤمن إلا أن يرضى بما قسمه الله له، ولا يطمع بأكثر من ذلك.
فقه الحياة أو الأحكام:
يستفاد من الآيات ما يلي:
1 -
إن من أخلاق المنافقين الحلف بأنهم مؤمنون، والإقدام على الأيمان
الكاذبة، كما قال تعالى:{إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا: نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ} الآية [المنافقون 1/ 63].
2 -
المنافقون جماعة حيارى مضطربون قلقون كارهون العيش في الحقيقة مع المؤمنين، خوفا من افتضاح أمرهم، ويخافون أن يظهروا على ما هم عليه فيقتلوا، لذا يتمنون النجاة بأنفسهم واللجوء إلى شر الأمكنة كالحصون (الملاجئ) والمغارات (الكهوف في الجبال) والمداخل (السراديب المحفورة تحت الأرض).
3 -
ومن أسوأ أخلاق المنافقين وقبائحهم وفضائحهم طعنهم في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بسبب أخذ الصدقات المفروضة من الأغنياء، ويقولون: إنه يؤثر بها من يشاء من أقاربه وأهل مودته، أو بسبب قسمة غنائم الحرب المغنومة من الأعداء، كغنائم حنين التي تألف بها النبي المؤلفة قلوبهم من أهل مكة، وينسبونه إلى أنه لا يراعي العدل.
4 -
تدل الآية على أن من طلب الدنيا وحدها آل أمره إلى النفاق، وأما من طلب الدنيا بقدر ما أذن الله فيه، وكان غرضه من الدنيا أن يتوسل إلى مصالح الدين، فهذا هو الطريق الحق. والأصل في هذه الأمور المادية الرضا بقضاء الله وقدره، بعد اتخاذ الأسباب، لذا قال تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَقالُوا: حَسْبُنَا اللهُ، سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ، إِنّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ} .
5 -
اشتملت هذه الآية: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا} على مراتب أربع:
الأولى-الرضا بما آتاهم الله ورسوله؛ لأنه تعالى حكيم منزه عن العبث والخطأ، فحكمه حق وصواب.
الثانية-أن تظهر آثار الرضا على اللسان، وهو قوله:{حَسْبُنَا اللهُ} أي الرضا بحكم الله وقضائه.