الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصورة الثالثة
فى ذكر الأحاديث الشريفة التى وردت فى حق الذين اختاروا الإقامة فى
المدينة الطاهرة والذين أحدثوا البدعة والمبدعين والذين يعاونونهم
.
وقد فتح سلطان الرسالة-عليه أسمى التحية-فاه الشريف مبينا عظمة وقدر وفضل المدينة المنورة وقال ما معناه أنه سيأتى زمان على الناس سينقل فيه كل شخص أولاده وعياله وقومه وقبيلته إلى أماكن رخيصة وذات سعة فى العيش وكما تدخل الثعابين فى جحرها خائفة من أعدائها هكذا سينسحب نور الإيمان فى ذلك الوقت من البلاد الأخرى وسيتوجه نحو مدينة دار السكينة، وأقسم بالله الذى نفسى بيده بأن الذين لا يقدرون عظمة وخيرية المدينة المنورة ولا يذعنون لذلك ويغادرون المدينة المنورة ويفارقونها إلى البلاد الأخرى فسيأتى مكانهم من هو خير منهم، وإن كل نفر يعرض عن المدينة ويهاجر إلى البلاد الأخرى إلا وبدله الله سبحانه وتعالى بشخص يرغب فى الإقامة فى المدينة ويصبر على بلائها وعنائها.
يعنى يرسل إليها من هم خير من القادرين، وكل من يتحمل ضيق وعناء وشدة دار السكينة فإنه صلى الله عليه وسلم يشهد فى يوم القيامة ذى الأهوال الشديدة على طاعة أهل الصبر ويبالغ فى شفاعته لأمته.
ذهب حضرة سعيد مولى المهرى إلى أبى سعيد الخدرى عقب توالى الظلم والغدر أيام واقعة الحرة فشكى من ضيق الحال وكثرة العيال ونقل إليه رغبته فى الهجرة إلى بلاد أخرى بهدف معايشة عياله وأولاده فى رفاهية وسرور. فأجابه أبو سعيد الخدرى قائلا «أوه لحالك هذه إننى «لا أرى من المناسب أن تترك هذا البلد وتضحى به» فأورد له الحديث الشريف الذى يقول حق المدينة «لا يصبر على لأوائها أحد إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة»
(1)
وفى نفس ذلك الوقت
(1)
الحديث رواه الإمام أحمد فى مسنده 69،29/ 3،155/ 2،وانظر مجمع الزوائد 300/ 3.
المشحون بالفيض الإلهى لقى شخص آخر عبد الله ابن عمر وقال «يا أبا عبد الرحمن. قد حل زمن زاد فيه الجور والظلم وزادت حالة العباد ضيقا واشتدادا وبناء على هذا فأنا أريد أن أهاجر إلى بلد ذى شهرة بالرخص» .فذكر له عبد الله بن عمر الحديث الطويل سالف الذكر وقال له لا تفارق مكانك الذى أنت فيه ولو خطوة واحدة.
إن تفضل الآمر بالحكمة-عليه أفضل التحية-قائلا «أكون إما شفيعا أو شهيدا على من يتحملون بلايا المدينة المنورة بالصبر عليها» لا يشك فيه لأن معناه أكون شاهدا للمطيعين وشفيعا للعصاة ولما كانت هذه الشفاعة أخص من الشفاعة العامة فإن ذلك الحديث يدل على أن سكنة تلك المدينة المذكورة يتوفون على إيمانهم ومعلوم أن الشفاعة ستكون فى حق أهل الإيمان.
إن تبشير متوفى المدينة جعل سكان دار السكينة رهن السرور ومما لا شك فيه أن الحديث الشريف (من مات بالمدينة كنت له شفيعا يوم القيامة)
(1)
سيسر الذين يؤثرون الفداء بأرواحهم فى المدينة المنورة، ويروى ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يدعو فى أثناء وجوده فى مكة قائلا «نرجو من المعطى ألا يتوفانا فى مكة المكرمة» وذلك عن صحبته له-عليه السلام-ويروى من مصدر موثوق أن صاحب الآيات-عليه أفضل التحيات-يقول «إن الذين لهم ملك فى المدينة يجب أن يحرصوا على المحافظة على أملاكهم وأن يسعى الذين لا يملكون شيئا فى المدينة لبذل الجهود على أن يمتلكوا شيئا فيها» ،كما أنه-عليه السلام-نبه المهاجرين إلى البلدة الطيبة أن يهيئوا لأنفسهم ولو شجرة نخلة
(2)
واحدة.
وقد روى الإمام الزهرى مرفوعا «لا تتخذوا الأموال بمكة واتخذوها فى دار هجرتكم فإن الرجل مع ماله» كما روى ابن عمر الحديث اللطيف «لا تتخذوا من وراء الرق حاملا ولا ترتدوا على أعقابكم بعد الهجرة ولا تنكحوا بناتكم طلقاء
(1)
عند الترمذى بلفظ: «من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإنى أشفع لمن يموت بها» وفى رواية الطبرانى: «فإنه من مات بها كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة» .
وقال: حسن صحيح. انظر: إعلام الساجد ص 248،مجمع الزوائد 306/ 3.
(2)
راجع مجمع الزوائد 301/ 3.
أهل مكة» وبهذا ينقلون أن النبى صلى الله عليه وسلم حض على عدم امتلاك الأموال فى مكة بل فى المدينة لأن مال كل إنسان يكون بجانبه.
إن مدينة دار السكينة مثل
(1)
كير الحداد يفرق بين المخلصين من الموحدين وأهل النفاق وتفصل بينهما، كما أن الكير يفصل بين الحديد وخبثه وهكذا تفصل المدينة المنورة تمحص قذارة ووسخ أهل النفاق وتبعدهم عنها وتصفى وتبقى على أهل الإخلاص.
قال أحد الأعراب-وكان قد مرض بالمدينة-للرسول صلى الله عليه وسلم يا رسول الله! أقلنى عن بيعتى
(2)
.
فأبى الرسول صلى الله عليه وسلم وأعرض عنه، وغادر الأعرابى المدينة.
عندئذ قال خير البرايا-عليه أكمل التحايا- «وإن المدينة المنورة مثل كير الحداد يزيل الخبث ويصفى الطيب»
(3)
يفهم من هذا الحديث أن المدينة المنورة لا تقبل أهل الفساد والبدعة وتطردهم بعيدا، وما زالت هذه الخاصية فى المدينة الشهيرة ومشهورة بها.
وإن قال بعض الذوات أن الخاصية بالمدينة تنحصر فى عصر السعادة فبناء على حكم القول الشريف «لا تقوم الساعة حتى تنفى المدينة شرارها»
(4)
وبناء على ما قاله عمر بن عبد العزيز عند ما كان يفارق المدينة المنورة «أخاف أن أكون من الذين تبعدهم المدينة وتطردهم» فخاصية المدينة المنورة ستستمر إلى ظهور الدجال، ولكن الأشخاص الذين ستطردهم المدينة هم الكفار الذين يتصفون بالخبث الكامل، أما العصاة الذين لم يصلوا إلى درجة الكفر ينقلون إلى أماكن مناسبة بواسطة الملائكة بعد ارتحالهم وموتهم، ويفهم من هذا أن أهل المدينة الذين لا
(1)
يطلق الكير على موقد الحداد موقد المعادن.
(2)
الإقالة الادعاء بأن الإنسان قال شيئا وفى الحقيقة لم يقل شيئا كالافتراء.
(3)
الخبر فى الصحيحين: انظر صحيح مسلم 3296 فتح البارى 201،200/ 13 باب بيعة الأعراب، عمدة القارى 245/ 10.
(4)
رواه الإمام مسلم فى صحيحه، كتاب الحج، باب المدينة تنفى شرارها، حديث 3293.ط دار الغد العربى.
يستحقون الشفاعة ينفون إلى أماكن أخرى لإزالة ومسح ذنوبهم أو أنهم يمحون ذنوبهم بزيادة أجورهم ومثوباتهم كما تفيد الآية الجليلة:
أو أنها تظهر خباثة وفساد من فى قلوبهم الفساد والخبث.
وقد ثبت بحكم الأحاديث الشريفة أن الذين يحدثون البدعة فى المدينة أو يعينون على ذلك سيلعنون من قبل الرحمن، وأن صلوات مثل هؤلاء الرجال المفروضة ونوافلهم لن تقبل منهم فالآثام الصغيرة التى ترتكب فى المدينة المنورة تعد من الكبائر بناء على الإفادة العاتبة لله-سبحانه وتعالى-إن الله-سبحانه وتعالى-يمحو الذين يسيئون إلى أهل المدينة المنورة كما يذيب الماء الملح يذيبهم فى جهنم مثل الملح والرصاص
(1)
.
هناك اختلاف فى مدلولى لفظى المحو والإذابة إذ قال بعضهم إن الذين يتعرضون بالسوء إلى أهل المدينة المنورة سيؤاخذون على فعلتهم يوم القيامة، كما حكم بعضهم على أن هؤلاء سيؤاخذون على أعمالهم فى حياتهم، وإذا ما نظر إلى تلف المسلم الذى يناقض اسمه-أى مسلم بن عقبة
(2)
-والذى تجرأ فى ارتكاب حادثة الحرم الشهيرة، وكذلك إلى تلف يزيد
(3)
المفضوح الذى عينه للقيام بهذه المهمة الحزينة متعاقبين ترى صحة مؤدى القول الثانى وأصالته، وإذا ما نظر إلى تأخير مؤاخذة بعض الظالمين يرى أن القول معقول كذلك، ولا سيما إذا نظرنا إلى مصير طوائف القرامطة الباغية، ولكننا إذا ما نظرنا إلى مصير المغاربة الذين كانوا سببا فى إحاطة الشهيد نور الدين مرقد السعادة بجدار من الرصاص وإلى مصير المخذولين الأذلة الذين أساءوا إلى المدينة إذ تعرضوا-إن عاجلا أو آجلا-إلى أنواع المصائب والبلايا يقتضى ترجيح صحة القول الثانى.
وبما أنه قد ثبت أن الجبابرة الذين أساءوا إلى دار الهجرة المدينة المنورة قد نالوا جزاءهم من الآلام والعذاب حتى كانوا عبرة لأمثالهم ومثار الانتباه فلا شبهة أنهم
(1)
انظر: صحيح مسلم بشرح النووى حديث 3299 ط.دار الغد العربى. وإعلام الساجد، ص 257.
(2)
أهلكه الله منصرفه عن المدينة.
(3)
هلك يزيد بن معاوية أثر إغزائه أهل المدينة.
سيصيرون إلى الدرك الأسفل من النار ويذوبون مثل الرصاص. وقال الفرد الأكمل والأجمل-عليه سلام الله عز وجل «يا إلهى!! استعجل فى هلاك كل واحد يسيئ إلى أو إلى المدينة المنورة بلدى وحرمى، وكل من يظلم أهل المدينة يخيفهم فأخفه»
(1)
،وبهذا يومئ بهذا الدعاء أن الذين يظلمون أهل المدينة أو يخيفونهم سيتعرضون للعنة الله ومذمة الناس ويستحقونها.
الاستطراد: كان بسر بن أبى أرطاه أحد أمراء الفتنة، فلما قدم المدينة كان بصر جابر بن عبد الله قد ذهب، فقيل لجابر: لو تنحيت عنه؟ فخرج يمشى بين ابنيه فنكّب. فقال: تعس من أخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال ابناه أو أحدهما يا أبت وكيف أخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مات؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخاف أهل المدينة فقد أخاف ما بين جنبى
(2)
.
إفادة مخصوصة: كان بسر بن أبى أرطأة ذهب إلى مكة لإجراء التعليمات التى يحملها فى خلال السنة التاسعة والثلاثين الهجرية بعد المرور بالمدينة المنورة، وأقدم على هتك حرمة الحرمين الشريفين على سبيل الإهانة. وبعد أن أتلف بسيف الغدر كثيرين من أهل الحرمين الذين لا يوافقونه فيما يرتكب وأعدمهم ثم ذهب إلى ديار اليمن وهناك أيضا جعل رءوس مئات من المسلمين ذوى العقيدة الطاهرة والمساكين ضحية سيفه الغادر الظالم. وكان أبو أيوب الأنصارى والى المدينة قد ترك دار السكينة المدينة المنورة فى اليوم الذى دخل ابن أرطأة فيها.
جمع ابن أرطأة أهالى المدينة المنورة فى مكان واحد وقال مخاطبا لهم «قد هرب أبو أيوب من هنا حتى لا يبايع معاوية ابن أبى سفيان مع أنى سأقبض عليه بأى طريقة كانت فأقتله! يجب عليكم كلكم أن تضعوا رءوسكم فى ربقة بيعة معاوية وأن تطيعوه، يجب عليكم أن تبحثوا عن جابر بن عبد الله وأن تسوقوه إلى،! وقال يا أفراد بنى سليم. إذا لم تأتوا إلى بجابر لن أقبل بيعتكم وسأقتلكم كلكم بالسيف وسأظهر لكم سطوتى وجلادتى» .
(1)
انظر مجمع الزوائد 306/ 3.
(2)
رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح: انظر: مجمع الزوائد 306/ 3.
بناء على ما حققه ابن عبد البر فيما كتبه أن الخائن ابن أبى أرطأة قد بعث لدعوة الناس إلى مبايعة معاوية وفى حالة عدم مبايعتهم فإنه مأذون أن يستخدم معهم الشدة والغلظة، مع أن الذين رأوا ما أظهره حضرة جابر من شجاعة فى هذا الموضوع أعجبوا بها وقالوا لا يستطيع أن يقبل هذه البيعة وانسحب إلى حرة بنى سليم رافضين عرضه واتحد جابر مع أفراد بنى سليم ونجى من يد غدر ابن أرطأة وظلمه. ومع هذا لما فهم حضرة جابر أنه لن ينجو من يد بسر إذا لم يبايع معاوية وأن غرض بسر الحقيقى كان أن يقبض على جابر مهما بذل فى سبيل ذلك من تضحيات أو مال وفعلا بدأ فى التحريات فى هذا الخصوص. ولما اطلع جابر على ذلك لقى أم سلمة-رضى الله عنها-من أمهات المؤمنين وقال لها إن البيعة التى يطلبها بسر بيعة ضالة باطلة، ولكننى إذا رفضتها فلا شك بأنه سيقتلنى فما رأيكم فى هذا الخصوص؟ فقالت له: «على رأيى يجب أن تذهب بنفسك وتبايعه حتى تمنع وقوع نار الفتنة! فقد بعثت بابنى عبد الله
(1)
بن أبى سلمة أيضا لذلك وإنه سيذهب للمبايعة».وبما أن أم سلمة رضى الله عنها أفتت بلزوم البيعة فبايع مضطرا وهكذا نجى بنفسه من يد ظلم ابن أرطأة.
وكان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوصى برعاية أهل المدينة ويحذر من إخافتهم وقد ورد فى ذلك أحاديث كثيرة ومن ضمن ما قاله أمير الممالك والشفقة-عليه أطيب التحية- «المدينة دار هجرتى والمكان الذى رحلت إليه، فمن واجب أمتى اجتناب الكبائر ومراعاة جانب جيرانى، وكل من لا يحترمهم ولا يرعاهم يسقيهم الله يوم القيامة من عصارة أهل النار. والحديث إن المدينة مهجرى ومضجعى! إننى سأبعث من هناك فالذى يليق بأمتى رعاية جيرانى والمحافظة عليهم! وكل من يحافظ على وصيتى فإننى سأكون له شهيدا يوم القيامة، والذين يضيعون وصاياى فالله سبحانه وتعالى يسقيهم يوم القيامة من
(1)
عبد الله بن أبى سلمة هذا قد استشهد فى داخل الحرم النبوى من قبل مسلم بن عقبة فى وقعة الحرة إذ رفض أن يبايع يزيد.
والذى فى تاريخ الطبرى أنه عمر ابن أبى سلمة. تاريخ الطبرى 139/ 5.
حوض الخبال
(1)
ويرويهم».
وبناء على هذا حينما طلب المهدى العباسى من الإمام مالك أن يوصيه فقال له «أوصيك بالاعتراف بوحدانية الله وأن تبذل من لطفك وعطفك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال المدينة دار هجرتى، فى صحراء القيامة سأبعث من المدينة قبرى فى المدينة، وأهل المدينة جيرانى والواجب على أئمتى أن يتقيدوا بالمحافظة على أمتى! كل من يرعاهم ويحافظ عليهم يحافظون على حقوقى!
ومن يحافظ على حقوقى أكون شفيعا له فى يوم القيامة وشهيدا. والذين لا يحافظون على وصيتى يسقيهم الله من طينة الخبال يوم القيامة ويرويهم».
عند ما زار الخليفة المهدى المدينة المنورة وذهب لزيارة الحجرة المعطرة، استقبله الإمام مالك وسادات البلد وأشرافه وجملة الأعيان وكبار موظفى الحكومة من عدة أميال من المدينة. وعندما رأى المهدى الإمام الجليل فاحتضنه وعانقه، ثم استدعى من معه واحدا تلو الآخر وصافحهم بحرارة. وعندما رأى الإمام مدى التفات الخليفة لأهل المدينة ورعايته لهم وقف ناصحا له وقال يا أمير المؤمنين «إنك ستدخل الآن إلى المدينة وسترى فى يمينك ويسارك بعض الناس، وبما أن جميع هؤلاء الذين سيراهم بصرك من أحفاد المهاجرين والأنصار-رضى الله عنهم-فيلزم عليك أن تحيى كل واحد منهم متفردا وتسلم عليهم وتعرض عليهم
(1)
الخبال: عصارة أهل النار من العصاة وهو صديد وعرق أهل النار والحديث رواه الطبرانى فى الكبير على ما ذكر الهيثمى فى مجمع الزوائد 310/ 3.وفيه عبد السلام بن أبى الجنوب، وهو متروك قلت: وعبد السلام قال على بن المدينى: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: متروك، وضعفه الدارقطنى وجرحه ابن حبان. انظر الضعفاء الكبير للعقيلى 150/ 2.
احترامك لهم، لأنه لا توجد على وجه الأرض عشيرة خير وأفضل منهم. كما لا توجد بلدة أفضل من بلادهم «وقد رد الإمام على سؤال المهدى الذى قال له» وما هو دليلك الذى تستند عليه فى هذا القول «وليس على وجه الأرض قبر معلوم لنبى من الأنبياء غير قبر الرسول-عليه السلام-وإن هذه الطائفة التى استوطنت على أطراف المرقد النبوى ففضلهم ورجحانهم على سكنة البلاد الأخرى ظاهران.
وإذا ما نظرت إلى نصائح الإمام مالك للخليفة المهدى وأمعنت النظر فيما قاله محبوب الأنبياء-عليه أعظم التحية: «ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»
(1)
يفهم بداهة أفضلية مجاورة قبر الرسول-صلى الله عليه وسلم-اللامع. ورأيت ما للمدينة المنورة من الفضل والمزية، وأمكنك ترجيح سكنتها على سكنة مكة المكرمة التى تمتاز بتضاعف الأجر والمثوبة لسكانها.
وبناء على وصية الإمام مالك قد راعى الخليفة جانب سكان دار السكينة ولاطفهم وسرهم ببذل عطايا كثيرة لهم.
فلتسر روح المرحوم دده عاشق الرب فما أجمل منظومته هذه ذات المعانى الكثيرة فى مدح المدينة المنورة:
المدينة هى مدينة المصطفى الطاهرة
…
إنها محل نظر الله المتكبر
المدينة هى منزل القرآن والوحى
…
وهى أيضا مهبط رسول الله
المدينة هى مضجع المختار أحمد
…
وهى مطاف الإنس والجن وأّهل السماء
(1)
مسند الإمام أحمد 160،85/ 2 ومواضع كثيرة. وغيره من كتب السنن.
فى حديثه قال فخر العالم
…
كان ترابك شفاء للعليل
المدينة هى منبع الفيض والإحسان
…
وهى راوية المحتاج لمراجعة الحقيقة
المدينة هى فاتحة بلدان الإسلام
…
خصوصا فاتحة أم القرى
وهى مكان الغفران لقضاة المؤمنين
…
مدينة محو العصيان والخطأ
وهى حديقة الورد وهى فريدة
…
وهى كشف الغطاء عن شهود المعرفة
ترى هل نفس عيسى ترابها الطاهر
…
فهى تعطى الروح للقلب الميت
أنت سريد بيضاء لموسى طاهرة
…
أنت مليئة بالنور للقلب المظلم
المدينة مرقد خير البشر
…
وشفيع المؤمنين يوم الجزاء
أنت سرير سلطنة النبوة
…
المدينة هى العرش المجتلى
إنه الحريم المحرم لولاك لولاك
…
فالمدينة مجتلى سر الأم
المدينة دار الأنصار والمهاجرين
…
هذا مكان الدين والإيمان والحياة
المدينة هى ناشرة الرحمة للعالم
…
وخيرها دائم خاصة لأهلها
فالذى يراها مرة يتحسر قائلا
…
ليتنى أراها مرة أخرى فلقاؤها محبوب
هكذا انظر كم من مشكلات يحلها ذلك السلطان فمن الصعب أن يحلها العالم فى الحقيقة وإن كان لا ينكر ما خص به أهل مكة من مزايا مثل تضاعف الأجر والثواب فيها ومجاورة بيت الله الوهاب إلا أن أهل المدينة يرجحون ويفضلون على أهل مكة بسبب مجاورتهم وقربهم من حبيب رب العزة والطبيب المداوى قلوب أمته، وتؤيد الحكم السابقة ما قاله أحمد بن حنبل لما سأل أبو بكر بن حماد «يا أبا عبد الله! ما هو أولى والأحب بالنسبة لك المجاورة فى مكة المكرمة أم السكنى فى المدينة المنورة؟» قال له «المجاورة أولى وأحب بالنسبة للذين يختارون السكنى بالمدينة صابرين على مصائبها وبلاياها» .
والقول المختار فى هذا الموضوع أن اختيار المجاورة فى أى من البلدين مستحب لحبه ذلك البلد ولما يوجبه من مزية زيادة الأجر والثواب، إلا أن الذين ذهبوا إلى أولوية المجاورة فى المدينة على مكة المكرمة كرهوا مجاورة مكة المعظمة
(1)
رغبو فى الإقامة فى المدينة الأمينة وأحبوها.
(1)
إنما كرهها من كرهها لأمور، منها: خوف الملل، وقلة الحرمة للانس وخوف ملابسة الذنوب، فإن الذنب فيها اقبح منه فى غيرها.
انظر: شرح النووى على مسلم باب الترغيب فى سكنى المدينة كتاب الحج 920/ 4 ط.دار الغد العربى.