الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصورة الثانية
وجوب مراعاة حق جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم
.
وقد قال سلطان الكائنات وهو يبين توصية جبريل خيرا بأهل المدينة. «مازال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»
(1)
(حديث شريف).وبناء على هذا يجب أن يخشى قول كلمات غير لائقة فى حق جيران رسول الله، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم وجوب شفاعته للشخص المدنى الذى يظل على إيمانه ويسلم روحه على تلك الحالة فى حديث روى عن الإمام الترمذى وابن ماجة والذى رواه ابن حبان عن عبد الله بن عمر-رضى الله عنهما-من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليمت بها فإنى أشفع لمن يموت بها»
(2)
ومن أجل هذا فمن واجب العباد الموحدين أن يحبوا أهل المدينة الميمونة وأن يظهروا لهم حيثما قابلوهم مظاهر التعظيم والتكريم. إن مراعاة جانب أهل المدينة كأنها توقير وتعظيم لسلطان الأنبياء-عليه أفضل التحايا-ولأجل نيل رضا النبى صلى الله عليه وسلم قد أبدى «ملوك الأمويين والعباسيين والأيوبيين والشراكسة» أعظم توقير للحرمين الشريفين ورعوا جانب سكانها أعظم رعاية، وبناء على ما سوف يعرف فى الصور الآتية قد تركوا آثارا خيرية كثيرة ستخلد أسماءهم فى صحيفة العالم.
وقد فاق السلاطين العثمانيون الملوك السابقين فى هذا الصدد إذ خصصوا لأهالى الحرمين ومجاوريهما جرايات مستوفية وتعيينات من الأشوان والمخازن المحلية، والمعاشات من وزارتى المالية والأوقاف وأنعموا عليهم بالصرر والهدايا وعملوا على تأمين راحتهم وإنقاذهم من غارات أشقياء العربان وأحيوا الآثار المسعودة بالتعمير والتجديد. ونذكر خاصة السلطان عبد المجيد خان-طيب الله
(1)
أخرجه البخارى فى كتاب الأدب حديث رقم (6015،6014) فتح البارى (441/ 10) ومسلم فى كتاب البر والصلة حديث رقم (2625/ 141،2624/ 14 ص (2025) ط.عبد الباقى، باب الوصية بالجار.
(2)
صححه الترمذى والدار قطنى فى العلل الكبير بما يطول ذكره. انظر: إعلام الساجد، ص 249،248.
ثراه-كان المسجد النبوى قد أشرف على الخراب فى زمنه. كما بين ذلك فى الصورة الخاصة-فأمر السلطان بهدمه من أساسه وبنائه رصينا متينا محافظا على زينته الخارجية. وقد شرع فى بناء المسجد بناء على رغبة السلطان وتم إنشاؤه فى ظرف اثنى عشر عاما، ولا شبهة أن السلطان المذكور قد أبهج روح رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الخدمة المفتخرة وبإظهار الحرمة والتوقير بسكنة الحرمين الشريفين الكرام.
وبما أن الرسول صلى الله عليه وسلم العارف العالم برموز الحكم قد بين لزوم محبة أهل المدينة جيرانه بأحاديث كثيرة، فيجب عرض المحبة والمودة لأهل المدينة. ومن علامات العبودية الخاصة حبّ من يحبه الرسول صلى الله عليه وسلم والابتعاد عمن لا يحبه. ومع كل هذا فمهما أظهر لسكان أهل المدينة من المحبة والوداد والأخوة، فلا يمكن مقابلة ما نراه فيهم من الرعاية والاحترام. والخدمة التى نقدمها لهم، هى إرسال صرة لهم مرة فى السنة مع أنهم يدعون لنا فى صلواتهم الخمسة أمام النبى صلى الله عليه وسلم، وإنهم يلاطفون زوار رسول الله صلى الله عليه وسلم غاية الملاطفة، وحيثما رأوهم يستفسرون عن أحوالهم ويحاولون إظهار أية خدمة لهم. وإنهم يخجلون من الواحد منهم الذى يخلو بيته من ضيوف فى مواسم الحج ويوبخونه قائلين معاتبين:«لو كنت رجلا سعيدا مستقيم الأطوار لبحثت عن ضيف وأطعمته» ومن عاداتهم أن يستقبلوا قوافل الحجاج فى ناحية جرف
(1)
وأن يظهر أطفالهم فرحهم وسرورهم بقدوم الزوار بإنشاد
سيد خواجه
…
يأكل دجاجة
فى صحن صينى
…
أنت سليمى
وإنهم يسارعون فى استضافة كل من يقابلونه من الزوار سواء أكان فى موسم الحج أو غيره بدعوته إلى منازلهم، وكلهم رجالهم ونساءهم ويطيب خواطر الضيوف، وإذا لم يكن عندهم قدرة لاستضافة من يدعونهم إلى دورهم
(1)
جرف تبعد عن المدينة مسافة ساعتين.
يستدينون ليقوموا بواجب الضيافة، وإذا قورن ما يقدمه الزوار من النقود والهدايا بما يقدمه أهل المدينة من الرعاية فلا يساوى ما يقدمونه عشر معشار ما يرونه من حسن الرعاية وما يقدم لهم من الضيافة.
قد أقمت أنا مؤلف الكتاب فى سنة 1289 هـ فى الدار السعيدة دار ابن نقيب الأشراف، من السادات العلوية محمد علوى بافقى أفندى.
وكان معى تسعة من رفقائى، وكان سيد أفندى يحضر لنا فى اليوم مائدتين من الطعام كاملتين، وكان أصدقائى يتحدثون فى أثناء الطعام ويخوضون فى الحديث عن قيمة ما يقدم لهم قائلين إن مثل هذه المائدة يمكن تجهيزها بقطعة ذهبية. يعنى بمائة واثنين وثلاثين قرشا. ولم يفارقنا سيد أفندى لحظة واحدة فى أثناء إقامتنا عنده، كما أنه لم يترك أثرا فى المدينة لم يأخذنا إليه، وإذا انتقل بنا الكلام إلى السيدة والدته فمن العادات المرعية بين نساء المدينة أن تقوم أكبر السيدات سنا بالطبخ، وألا يدخل المطبخ دون وضوء. فالسيدة المذكورة لم تغادر المطبخ مدة إقامتنا تاركة النوم والراحة.
ويقتضى الوقوف على دقائق الأحوال فى المدينة وأسرارها، الإقامة فى المدينة فترة ما والاختلاط والائتلاف بوضيعها وشريفها، لذا لا يستطيع أن يعرف دقائق الأمور فى المدينة من يقيم بها يومين أو ثلاثة أيام.
البيت:
فيمحوك الله فى لحظة مثل الرماد
…
لا تطل يدك ولا لسانك لأهل تلك البلدة