الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن كان يروى أن هذه القاعدة توجد فى الجهة الجنوبية منها أسطوانة وهى فى مكان قطعة النخلة المذكورة إلا أن هذه الرواية غير صحيحة.
ويعرف المحدثون الكرام هذه الواقعة بحنين الجذع والجذع هو جسم الشجرة ابتداء من جذورها إلى فروعها، والحنين هو الأنين من شدة الشوق، وقد روى هذه الواقعة تسعة من الصحابة مثل أبى ابن كعب، جابر بن عبد الله، أنس بن مالك، عبد الله بن عمر، عبد الله بن عباس، سهل بن سعد أبو سعيد الخدرى، أم سلمة والمطلب بن أبى وداعة، أى أن الوقعة قد نقلت متواترة، لذا فلا شك فى صحتها.
استطراد
وقصة حنين الجزع وصورة وقوعها ذكرها الإمام البخارى
(1)
والنسائى والإمام أبو-داود عليه رحمة الله الودود-ناقلا عن جناب جابر رضى الله عنه الذى قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا خطب اتكأ إلى جذع من سوارى المسجد، فلما صنع المنبر فاستوى عليه، صاحت النخلة التى كان يخطب عليها حتى كادت أن تنشق فنزل عليه السلام حتى أخذها فضمها إليه، وكانت تئنّ أنين الصبى الذى يسكت حتى استقرت، قال النبى-عليه السلام-بكت على ما كانت تسمع من الذكر.
وقد صدقت الرواية بهذا الحديث الشريف يعنى أن حضرة جابر قال وهو يبسط تلك القصة بينما كان النبى صلى الله عليه وسلم معلم العالم يخطب مستندا لإحدى أساطين مسجد السعادة وهى جذع نخلة وكان يتحدث عن الأوامر والنواهى الشرعية وأحكامها ويوصلها إلى مسامع المسلمين، ولما توسطت شمس الإيمان كبد السماء وماج بحر حقائق الحكمة ودخل قبائل العرب والعجم بناء على السر الجليل الذى يقول «يدخلون فى دين الله أفواجا» واقتحموا شعار الإسلام وبعد ما كانت الفرقة الناجية المؤمنة قطرة فأصبحت بحرا وبعد أن كانت ذرة أصبحت شمسا
(1)
فى كتاب المناقب الحديث،3583 - 3585،باب علامات النبوة فى الإسلام.
فتح البارى 696/ 6 - 698 ط.الريان.
وهكذا تزايدوا وكثروا فأصبح الذين يظلون فى آخر المسجد النبوى من البررة الكرام لا ينالون متعة رؤية وجه النبى الجميل ويتمتعون بصوت النبى صلى الله عليه وسلم ويحرمون من فوائد فرائد ألفاظ حبيب الإله وذلك لشدة الزحام فصنعوا منبرا جديدا فصعد النبى صلى الله عليه وسلم فوق المنبر وجلس عليه، عندئذ صاح العمود صيحة حنين حينا وأن أنينا آخر حتى كاد أن ينشق قطعتين وسمع أهل المجلس صيحة الجزع الأليمة بآذانهم، ونزل النبى صلى الله عليه وسلم من المنبر رحمة بحال العمود الحزين وضمه بصدره وعانقه بكل رقة وشفقة. ومن هنا أخذ الجزع يبكى ويئن كصبى صغير وفى آخر الأمر سكن من تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم له كما يسكت الطفل عندما يسليه أبوه وأمه وانقطع عن الصيحة والأنين وبناء على خطب الرسول صلى الله عليه وسلم فى أصحابه الكرام قال يا أمتى وأصحابى! قد أن هذا العمود وبكى لأنه تأثر من مفارقته ما سمعه من الذكر والتسبيح الخاصين بالأوصاف الإلهية. انتهى.
هذه المعجزة من المسائل المشهورة والمصدقة بين الأئمة. قد حكى مؤلف المناقب الشافعية ابن أبى حاتم نقلا عن والده عن عمرو بن سوّاد عن والإمام الشافعى أن الإمام الشافعى قال: «إن النبى الأكرم قد أعطى الله له من المعجزات ما لم ينعم به على أحد من الأنبياء» وحكى ذلك فى صورة مفصلة. يقول عمرو بن سواد: «كنت قد قلت أن عيسى-عليه السلام-قد أعطى معجزة إحياء الموتى» قال الإمام الجليل «وقد أنعم الله على النبى صلى الله عليه وسلم بمعجزة حنين الجزع حتى سمع صوت الجذع، وهذا أكبر من معجزة إحياء الموتى»
(1)
.
قد روى بكاء الجزع وأنينه وصيحته بسبب فراقه الأليم للنبى صلى الله عليه وسلم، سواء أكان المؤرخون أو العلماء الذين شغلوا أوقاتهم من أئمة الحديث بنقل الأخبار النبوية وإخراجها، يعنى أن الأصحاب الكرام-رضى الله عنهم-الذين حضروا أحداث القصة المشروحة فى يوم وقوعها وسمعوا بآذانهم حديث حنين الجزع كأبناء البشر ونطقه وهو يعرض حاله للنبى صلى الله عليه وسلم وأقاموا على ذلك بينة عادلة إلا أن زمرة
(1)
انظر: فتح البارى 898/ 6.