الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بوابو الحرم الشريف
2 بواب باب الرحمة
2 بواب باب السلام
2 بواب باب النساء
2 بواب باب التوسل
2 بواب باب جبريل
1 بواب السور الخشبى
11 المجموع
سقاء والحرم الشريف
1 الشيخ
9 السقاءون
10 المجموع
الحراس الذين يقفون مصطفين عندما يفتح باب الحجرة المعطرة صباحا ومساء
1 شيخ
استطراد
لم يكن فى صدر الإسلام أمام خطباء المدينة المنورة مؤذن منبر، وبعد ما احترق مسجد السعادة وخرب وضع نظام وجود أحد الأشخاص أطلق عليه مؤذن المحراب لحماية الخطباء من اعتداءات الأشقياء، وكان أكبر دافع لوضع هذا النظام هو اعتداء فرقة من غلاة الفرقة الإمامية وإساءتها، وقد استولت تلك الفرقة المذكورة على المدينة المنورة قبل الحريق وبالتدريج تغلب أفرادها على أفراد مذاهب الحق بالتدريج وسيطروا على مسجد السعادة وعلى جميع المساجد الأخرى والأضرحة التى أداروها وفق تعليمات وطقوس مذهب الرفض والإلحاد ومنعوا أصحاب المذهب الحق من الدخول فى مسجد السعادة وطبقوا فى المسائل الشرعية أحكام مذهبهم وحرفوا دقائق الكتب الفقهية كيفما شاءوا.
وانتزعوا زمام الحكم فى فترة ما واغتصبوا دور إفتاء مذاهب الحق، وتدخلوا فى الأحوال الشخصية لهذه المذاهب الحقة من حيث عقد النكاح وأخضعوا على الأحكام الفرعية لمذهبهم وأصبح لا يعقد النكاح دون الاستئذان من قضاة تلك الطائفة ودون وجود أحد أئمتهم. وطفح كيل أهل المدينة من مظالمهم التى لا تطاق وتشتتوا فى أطراف البلاد الأخرى فرادى ومثانى، واتحد أفراد الملاحدة واتفقوا على ألا يدخلوا أحدا من علماء المذاهب الحقة فى دار الهجرة، وطردوا العلماء الذين فى داخل المدينة واحدا تلو آخر؛ وبهذا أصبحت المدينة المنورة تحت أيدى طائفة الرافضة وخلع كل واحد منهم برقع الحياء والأدب وخرجوا جميعا من دائرة الشرع المنجية، وابتدعوا بدعا كثيرة متعددة وارتكبوا مساوئ تستدعى غضب الله، وهكذا كانوا سببا فى احتراق مسجد السعادة، حتى إنهم رأوا بعض الأبيات كتبت على جدران المسجد الباقية دون الاحتراق من قبل الرحمن وأخبروا ذلك وكانت الأبيات المشهودة تبين إساءات الطائفة المذكورة وقد سطرت أيضا فى الصورة من الوجهة الأولى، ولما استمرت وقاحة هذه الطائفة بعد تجديد مسجد السعادة أيضا قويت إرادة أحد ملوك «نصير» الشراكسة فعين مفتيا لموحدى المذهب الحق فى المدينة المنورة، وهكذا أرسل إلى طيبة الطيبة المفتى «شاهى» من أفاضل الفقهاء، ولما وصل المفتى المرسل من «نصير» إلى المدينة رأى أن أفراد المذاهب الحقة لا حكم لهم فى المدينة المذكورة لأجل ذلك فضل أن يؤدى مهمته فى مسجد ينسب إلى أبى بكر الصديق وقد أصبح مسجد السعادة تحت سيطرة غلاة الملاحدة وأخذ يصلى هناك ليلا ونهارا يعظ وينصح الناس فى خفاء وعزلة، وقد ظهر فى أثناء ذلك كثير من الموحدين الذين احترقت أكبادهم بنار الغيرة على الإسلام، وبذل المفتى جهده للتغلب على طائفة الملاحدة واستطاع بتصرفه الحكيم أن يدخل فى المسجد الحرام مع جم غفير ممن التفوا حوله من أتباعه وأخذ يعظ هناك وينصح وبهذه الطريقة الأصيلة استطاع أن يزيد عدد أتباع جماعات المذهب الحق يوما بعد يوم وبهذا ظهرت علامة إمكانية التغلب على الملاحدة.
ولما رأت الطائفة المذكورة ازدياد أتباع المذهب الحق أخذت تتبع المفتى حيثما يذهب وتؤذيه فى جسمه وترجمه بحجارة الجور والإهانة حيثما يعظ وينصح من المساجد، إلا أن المفتى قد فتح صدره بالصبر لتحمل اعتراضات الملاحدة وزاد من عدد جماعته يوما بعد يوم وبهذه الطريقة استطاع أن يعظ ويخطب أحيانا حتى فى مسجد السعادة إلا أن جور ملاحدة الإمامية وأذاهم زاد قدر سعيه وجهده إذ أخذوا يرجمونه حينما يخطب فى المسجد حتى وهو يستأذن النبى صلى الله عليه وسلم واقفا أمام قبره وتعرض إلى غير ذلك من الأذى والتعب حتى أصبح يخاف على نفسه فقلت جرأته-وفق عادات البشر-وأراد أن يحصر وظيفته-الإمامة والخطابة-فى المسجد الذى ينسب لاسم الصديق الأكبر-رضى الله عنه-ومع هذا لم يتركوه على راحته حتى فى مسجد أبى بكر ولم يستطع أن يؤدى مهمته مستريحا.
وقد تأثر أفراد سادات المذاهب الحقة من هذا الوضع وثقل عليهم، لذا قرروا فى مجلس عقدوه لبحث هذا الموضوع أن يخطب المفتى فى مسجد السعادة فإذا ما التزمت الطائفة المذكورة طريقة الإساءة والأذى والتسلط كان له أن يقاومهم بالسلاح وقد كثر عددهم وعلى هذا عادوا يوما لأداء الصلاة فى مسجد السعادة، وقد اتحد مردة دائرة الرفض والإلحاد على أن يؤذوا ويسيئوا للخطيب فى داخل جماعته إلا أنهم جبنوا عن ذلك لما وصلهم من اتفاق أهل المدينة على المقاومة وأنهم كلهم متسلحون وعلى هذا لم يستطيعوا أن يتسلطوا على الخطيب بالرجم بل أطالوا ألسنتهم وأظهروا خبثهم بهذا الشكل.
وأخذ المفتى بعد هذه الواقعة يكثر من خطبه ومواعظه فى مسجد السعادة. إلا أن هذا العمل أثار غيظ علماء الطائفة المذكورة وغضبهم لذا فكر عقلاء الأهالى أن يحموا شخص المفتى ذو المحاسن من سهام إهانة الأشقياء وعن سوء قصد الملاحدة وقرروا أن يسير أمام الخطيب المفتى حينما يقوم من مكانه الخاص ويتجه إلى منبر السعادة حارسا وشخصا آخر أطلقوا عليه مؤذن المنبر، وفى الواقع إن هذا القرار كان صائبا ومناسبا لوقته.
وبناء على ما عرف-فى الصورة العاشرة من الوجهة الثالثة-أن الأمور سارت على ذلك المنوال فترة ما إلا أن الأهالى تغلبوا على جماعة الملاحدة المكروهة وأخرجوهم كافة من بلدة المدينة المنورة المباركة إلا أن الأهالى قد أبقوا خدمة مؤذن المنبر لسبب ما، ومن ذلك الوقت أصبح من العادة أن يسير أمام خطباء الحرمين مؤذن منبر فى أيام الجمع والأعياد، والآن يوجد مؤذن منبر أمام الخطباء الذين يتجهون لإلقاء الخطبة رعاية لهذا النظام سواء أكان فى المدينة المنورة أو مكة المكرمة وفى بعض البلاد العربية.
ولا ينكر فوائد هذا النظام الشامل للمحاسن فإن كان مثل هذا النظام فى باب السعادة لما أصيب خطيب جامع الوالدة فى أقسراى بجرح فى أثناء خطبته.
مولد النبى صلى الله عليه وسلم يحيى أهالى المدينة ليالى المولد الشريف فى داخل المسجد الشريف ويجتمعون فى حلقات قرب الصباح أمام «باب النساء» وبعد أن يحضروا كرسيا إلى الساحة الرملية لحرم السعادة، يستمعون إلى المولد الشريف من قبل خمسة أشخاص ذوى أصوات رخيمة والشيخ الخطيب ويشربون الشراب الذى يوزع عادة ويعودون إلى منازلهم.
ويشرع فى قراءة القصيدة المذكورة مع طلوع شمس اليوم الثانى عشر من كل سنة وإن كان قرّاء المولد من أئمة مسجد السعادة إلا أن لهم وظائف أخرى، وقارئ المولد الأول خاص بقراءة منقبة مولد السعادة وإنه يصعد فوق كرسى موضوع فى ساحة الحرم الشريف الرملية ويقرأ حديثا ثم يدعو لسلطان الزمان وينزل، ثم يصعد الثانى ويقرأ ولادة النبى صلى الله عليه وسلم الباهرة، ويقرأ الثالث الرضاع، والرابع يقرأ جزءا خاصا بالهجرة السنية، والخامس يدعو، وهكذا يؤدى كل واحد منهم وظيفته.
فتح المحال فى يوم مولد النبى للبيع والشراء، والانشغال بأشياء أخرى ممنوع قطعيا بين أهل المدينة المنورة، يلبس فى ذلك اليوم الفيروزى الكبير والصغير الغنى والفقير كلهم ملابس فاخرة ويحتفلون بالعيد ويهنئ بعضهم بعضا قائلين
حينما يتقابلون إن هذا اليوم السعيد اليوم الذى ولد فيه سيد الكائنات إن أجسام الكائنات التى كانت ميتة تقريبا تجددت حياتها، المواسم المقدمة الأخرى خلقت لحرمة هذا اليوم، وقد نزل القرآن الكريم المبين لأجل هذا النبى المختار هذا اليوم يوم العيد الأكبر، هيا نظهر أقصى ما نستطيع من الفرح والسرور ونعلن هذا اليوم بإطلاق المدافع من القلاع وتفجير حشو البارود.
زيارة مشهد حمزة: ولما كان من عادة سكان البلاد الحجازية زيارة ضريح سيدنا حمزة بن عبد المطلب-رضى الله عنه-فى الليلة الثانية عشرة من رجب الفرد من كل سنة، فيذهب أهالى المدينة الطاهرة لزيارة مشهد سيدنا حمزة فى الليلة الثانية عشرة من شهر رجب وبعد الزيارة ينتشرون فى الخيم التى نصبت بجوار مرقد الشهيد المشار إليه ويحتفلون إلى الصباح وهم يطلقون حشو البارود.
ويخرجون فى الثالث والعشرين من رجب لاستقبال قافلة الزوار الذين يطلق عليهم «الرجبية» إلى خارج المدينة، وهؤلاء يفدون من الأطراف والأكناف قاصدين الزيارة، وبما أن هؤلاء الزوار يأتون إلى دار الهجرة راكبين الهجان قد يطلق عليهم «ركاب» أيضا.
وتتكون طائفة الرجبية من الزوار الذين يأتون من اليمن ومكة والطائف وأهالى البلاد العربية وخاصة من البلاد والقرى القريبة المجاورة لدار الهجرة، وكل هؤلاء يأتون راكبين الهجان ومعهم أولادهم وعيالهم وكل قبيلة قد رفعت علمها وجلبوا رئيس قبيلتهم أمامهم ويدخلون بالشوق والإخلاص داخل حرم السعادة وينالون شرف مسح وجوههم على عتبة مرتبة العرش النبوى ويتلون النعوت الشريفة والصلوات الشريفة ويبكون متأثرين بما يحدث هذا الموقف من أثر شديد فى نفوسهم.
عندما يدخل زوار الرجبية فى حرم السعادة يبكون قليلا إذ ترق قلوبهم، يسفحون الدموع الدامية إلى حدّ أن من يرونهم تذوب قلوبهم كالملح وإن كانت فى قساوة الحجر الأسود، إنهم يفدون إلى المدينة المنورة ويقتحمونها مزدحمين
حتى تكاد المدينة طيبة الشهيرة تمتلئ رحباتها يقيمون فى خشوع وخضوع ثلاثة أيام بلياليهن أمام قبر النبى صلى الله عليه وسلم وينشدون القصائد والمدائح دون توقف وهى قصائد فى مدح النبى صلى الله عليه وسلم ذات أثر بالغ فى النفوس وأناشيد دينية:
مرحبا بك يا محمد
…
مرحبا مرحبا مرحبا
إلى آخره.
وينتحبون بشدة من أثر مهابة المجلس الذى يعقدونه فى داخل حرم مسجد السعادة إذ يقف من يشهده شعر جسمه من غلبة المحبة المصطفوية عليه ويسفح من عيونه دموع الحيرة وهو صامت ساكن.
واليوم الرابع لورود الطائفة المذكورة تحل ليلة المعراج وبعد أداء صلاة العصر يوضع كرسى مزين فى ساحة باب الرحمة فيجلس عليه شخص رخيم الصوت جميله ويأخذ الشخص فى تلاوة منظومة «المعراجية» بصوت حزين ذات تأثير ويلقى فى قلوب السامعين نار الوجد والمحبة ويغادر الكرسى.
ويجتمع بمنطقة المعراج المبارك كافة أفراد الزوار من الرجبية وأعيان وأشراف البلدة فيمتلئ مسجد السعادة لآخره من الداخل والخارج حتى يكاد يتحول إلى ساحة عرفات ذات الفيوضات ويهتز كل ركن منه بصياح ونحيب الموحدين حتى غروب الشمس.
ولما كان ينتظر وقوع بعض الفوضى والفساد نتيجة لهذا الزحام الشديد قد وضع بعض العساكر ورجال الشرطة حتى يحولوا دون حدوث ذلك وتتشكل هذه الجماعة فى الطرف الغربى من حديقة الرسول وقارئها شخص واحد منفرد.
وسواء أكان فى الاحتفالات بالمعراج أو المولد الشريف تنصب خيمة فى خارج مسجد السعادة حيث تجهز المشروعات ويسقى الجماعات الذين فى داخل المسجد بأوان خاصة بالمياه. وتظل هذه الخيمة فى مكانها حتى تتفرق الجماعة تماما.
ومن العادات القديمة فى هذين الاحتفالين إرسال شراب حلو إلى منازل ألفين من الموظفين والأهالى ففى الوقت الذى ستزال فيه الخيمة ترسل إلى دائرة
المشيخة ودائرة نائب الحرم وإلى منازل الأغوات والأشخاص الآخرين وإلى العساكر السلطانية وإلى موظفى الحكومة وإلى أعيان البلاد وسادتهم إناءين أو ثلاثة أوان من الشراب وتتحمل كل هذه النفقات خزانة المديرية.
وبما أن وجود زوار آثار السعادة المصطفوية فى ليلة المعراج فى داخل المسجد النبوى من النظم المرعية فطائفة الرجبية يحتفلون فى داخل المسجد توأم الجنة ويزعجون أهالى المدينة بصياحهم وأنينهم حتى الصباح وبعد أن يصلوا صلاة الفجر مقتدين بإمام المذهب الشافعى وبعد أن يمر نصف ساعة من شروق الشمس يمتطون هجانهم ويعودون إلى بلادهم وبعد الوصول يقومون بإجراء مراسم التهنئة فيما بينهم.
ومن العادات القديمة الجارية بين الأهالى توديع طائفة الرجبية وتشييعهم ففى اليوم الذى ستغادر فيه الطائفة المذكورة يخرج عامة الأهالى إلى خارج القلعة ويعودون مبتهلين بالهم والبكاء وقد تأثروا بنياح المفارقين، وصياحهم، ويطلق بين العرب لهذه الزيارة «حج النبى» .