الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصورة الخامسة
فى تعريف رؤية الملاحم التى ظهرت قبل الإسلام بين قبائل الأنصار الكريمة
والمعارك المشهورة
.
انتصر أفراد القبائل الذين تشعبوا من سلالة الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقيا بعد واقعة مالك بن عجلان، واختارت كل بطن قرية تسكن بها كما سطر آنفا، وأخذ كل واحد من أفراد القبائل يحث الآخر فى تعمير الأملاك والأراضى وعاشوا متآخين فترة طويلة؛ ولكن ما ظهر بينهم فيما بعد من آثار النفاق والشقاق دفعتهم لاستخدام السيف والسنان ضد بعضهم حتى وصلت الحروب التى قامت بينهم قبل عصر السعادة بمائة وعشرين سنة إلى درجة تسلب عقول العقلاء ويروى المؤرخون أن الحرب آتية الذكر من أشهر معارك تلك القبائل المذكورة.
وقعة سمير-إن وقعة سمير أولى الملاحم المحزنة من بين الحروب التى وقعت بين قبائل الأنصار، ولما كان سبب حدوث هذه الواقعة رجل اسمه سمير من قبائل الأوس، قد اشتهرت تلك المعركة باسم وقعة سمير.
إن أصل الواقعة قتل سمير لأحد الأشخاص من الذين دخلوا فى حماية مالك بن عجلان الخزرجى يسمى كعبا بالاتفاق مع أحد أشرار بنى ثعلبة، وكان كعب هذا قد أحدث فتنة وفسادا بين قبيلته الأصلية بنى ذبيان ثم هرب ناجيا برقبته واحتمى بمالك بن عجلان.
ولما كان قتل شخص دخل تحت حماية أحد الأشخاص يعد مصيبة بين القبائل تلوث شرف مالك بن عجلان ومكانته، لهذا قام ابن عجلان بطلب دية كاملة من قاتل كعب وعند المخالفة لهذا التقدير أعلم أشرار بنى ثعلبة أن يستعدوا للقتال.
وكانت العادة المرعية فى تلك الأوقات عند العرب أن يعطى لمقتول الحليف نصف دية المقتول النسيب لذلك قال رجال القبائل الأوسية التى ينتسب إليها سمير أن إعطاء دية النسيب
(1)
لقتيل الحليف
(2)
مخالف لقانون العرب، وإنها ليست شيئا نعجز عن دفعه إلا أننا نخاف أن يظل كالعادة بين العرب وبناء على هذا نعطى دية الحليف حتى نقف دون احتمال وقوع هذه العادة، ولكن مالك بن عجلان أصر فى ادعائه وطلبه، وحاول رئيس قبائل الأوس أحيحة بن الجلاح أن يقنع مالكا حتى يحافظ على عادات العرب القديمة.
وطال الإصرار والمدافعة ونتج عن الحوار الجدال والمشاجرة، وتسلح الطرفان وشرع كل طرف فى شتم الآخر وضربه وتضاربا ثمانى ساعات أو عشر، وفى النهاية تغلب الأوس على الخزرج وعينوا منذر بن حرام النجارى الخزرجى جد حسان بن ثابت-رضى الله عنه-حكما للفصل بين المتخاصمين.
وأخبر مالك بن عجلان بأنه سيقبل الرأى الذى يقضى به ابن حرام وبحكمه، وبعد أن أخذ منذر بن حرام تأكيدات قوية من أفراد طرفى المحاربين بأنهم سيوافقون على الحكم الذى سيصدره، ثم خاطب الأوس وقال:«يلزم أن تدفع دية النسيب لكعب المقتول على أن يكون لهذه المرة فقط» وإن كان أفراد قبيلة الأوس وافقوا على هذا الحكم وقاموا بتنفيذه وفصلوا هذه الحرب بحكم المنذر إلا أن الطرفين قد غضب بعضهم من بعض وفى النهاية أحدثوا فيما بينهما ملحمة يوم الرحابة.
يوم الرحابة-حدثت هذه الواقعة بين بنى حجبا من قبيلة الأوس وجماعات بنى مازن من أقوام الخزرج وقد أدى إلى حدوث هذه الملحمة المؤلمة قتل كعب بن عمرو المازنى من عشيرة مازن بن النجار من قبل بنى حجبا، لأن كعب بن عمرو المازنى كان يتلاقى من حين لآخر بباغية من نساء بنى حجبا، وعندما اطلع بنو حجبا لوقاحة كعب ومجونه حاصروه يوما فى منزل تلك الفاجرة وقتلوه. وأسرع
(1)
النسيب: يقال لمن هو من أصل القبيلة وذريتها.
(2)
الحليف: يقال للذين تعاهدوا وتحالفوا على أن يساعد بعضهم بعضا.
عاصم بن عمرو أخو كعب يتفق مع أبطال بنى مازن فى المطالبة بثأر كعب وأعلن خصومته كما أن رجال بنى حجبا تهيئوا لأسباب القتال فاجتمع رجال الطرفين فى موقع رحابة وأخذوا يتقاتلون.
وقد تحمل رجال الأوس وتجلدوا فى ميدان المعركة وأظهروا بعض البطولات إلا أنهم لم يتحملوا هجمات رجال الخزرج الشديدة وفروا فى النهاية منهزمين، وانفصل رئيس قبيلة الأوس عن الفارين ودخل فى القلعة المشهورة ب «ضحيان» مع أتباعه وأغلق أبوابها.
وكان أخو كعب المقتول عاصم بن عمرو يصر على أخذ ثأر أخيه من أحيحة بن الجلاح، وأخذ يبحث عن طريقة للوصول إلى أحيحة وقتله قائلا:«إنه زمن الانتقام تماما» وأخذ يتجول حول ذلك الحصن فى الليالى، وفى ليلة ما كان أحيحة قد خرج من الحصن ليسترق السمع للأحداث وأطلق أمامه الكلاب للأطراف والأكناف وأخذ ينظر إلى أطرافه الأربعة نظرات متجسسة قائلا: «يا ترى من أين يمكن أن يأتى العدو وقد هيأ عاصم بعض التمر وسار نحو حصن ضحيان ورمى عدة ثمرات لكل كلب يقابله حتى يمنعه من النباح واقترب من الحصن، ولكن أحيحة قد دخل حصنه وقد أقلقه نباح الكلاب أولا وسكوتها بعد ذلك ولكن عاصم قد رأى رغبة دخول أحيحة فى الحصن فأطلق من خلفه سهما ولكنه اصطدم بباب الحصن ولم يصب أحيحة ولما رأى ذلك هرب حتى ينجو من الوقوع فى أيدى الأوس.
ولما عرف أحيحة أن السهم الذى أطلق كان يقصده وأدرك أن غير عاصم لن يتجرأ على الاقتراب من الحصن بهذا القدر فجمع فتية القبيلة وأطلقهم من خلف عاصم إلا أن الوقت قد مر حتى يجتمع رجال القبيلة مما أعطى الفرصة لعاصم أن يصل إلى مقر قبيلته فلم يستطع رجال الأوس القبض على عاصم وعادوا وقد اغتاظ أفراد قبيلة أحيحة من فشلهم فى القبض على الفريسة التى أتت برجليها إلى الفخ وعودتهم يائسين وعلى إعطاء فرصة للفرار لعدو كبير قتلوا فى معركة رحابة أخاه كعب بن عمرو هذا.
ومن هنا عزموا على الانتقام من قبيلة الخزرج وذلك بمباغتتهم فى ليلة من الليالى وذلك بتصويب جميع أبطال القبيلة واتحاد رأيهم؛ إلا أن زوجته «سلمى بنت عمرو» النجارية أبلغت الأمر إلى أفراد قبيلتها أى أنها أيقظت الخزرج من نوم الغفلة وذلك بإظهار ما يضمره الأوس من شر لهم، ومن هنا لم يستطع أحيحة أن ينال غرضه، وغضب غضبا شديدا من زوجته وبسبب هذا الغضب طلق «سلمى» التى تتمتع بجمال بالغ حتى يتشفى منها؛ إلا أن هذا الغضب أدى إلى ارتباط السلسلة الذهبية النبوية ببنى النجار وكان سببا ظاهرا له، لأن هاشم بن عبد مناف الذى يحمل صفات النبى والجد الثانى له قد تزوج بمطلقة أحيحة «سلمى بنت عمرو» وقد حملت المشار إليها منه وولدت جد النبى صلى الله عليه وسلم عبد المطلب.
سلمى-وكانت هذه الحادثة سببا فى اشتهار سلمى «بمتدلية» إذ فهمت سلمى ليلة مباغتة الأوس لقبائل الخزرج من استعداداتهم ثم ربطت نفسها بحبل قوى وتدلت من الحصن بهذا الحبل وأخبرت قومها بأحداث الواقعة، وكان هذا العمل سببا فى طلاقها واشتهارها بلقب «المتدلية» وتكمن فى هذا السر حكمتان خفيتان أولاهما عدم انتقال النور المحمدى إلى نساء الأجانب وثانيتهما ارتباط سلسلة القبائل الخزرجية بالسلسلة النبوية وهذا مما يسر واقعة الهجرة لما عرض عليه الأنصار الكرام من العون والنصرة والانقياد.
عندما طلق أحيحة سلمى كان هاشم بن عبد مناف قد اشتهر فى قطر الحجاز بالحسن والملاحة ولما كان يحتوى على الغرة الغراء من عالم النجابة واليمن ولما كانت شمس سيد الأبرار تلمع فيه كلما قابله علماء اليهود والنصارى المطلعون على محتويات الكتب السماوية يسلمون عليه ويصافحونه ويقبلون يديه معا، وكانوا يعرضون عليه بناتهم للزواج.
وقد انتشر فى الجهات الأربع للعالم أن علماء العصر عرفوا بدلالة الصحف السماوية أن سيكون الجد الثانى لسيد العالم صلى الله عليه وسلم ومن هنا كانوا يظهرون له التعظيم والتبجيل ويعرضون عليه بناتهم اللائى بلغن أقصى حد الملاحة والجمال.