الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خصص لنا مكان عال يصدق سفراء أقوام العرب فضلنا ورحمائنا على الفقراء!» وتباهوا وتفاخروا بمثل هذه الكلمات.
وقال سيدنا سرور الأنام-عليه الصلاة والسلام «إننى لا أستطيع أن أطرد المؤمنين من مجلسى» مجيبا، إلا أنهم قالوا إن مجالسة الفقراء تجلب لنا العار والحقارة والخجل، على الأقل فكلما نأتى إلى مجلسك فلينصرف هؤلاء الفقراء من مجلسك متعللين بأى سبب كان إذا ما روعى هذا النظام فنحن نعرض انقيادنا وطاعتنا لك وأرادوا بهذا النهج أن يحصلوا على رضا النبى صلى الله عليه وسلم وأن يعطى لهم عهدا بذلك وإذ رجوا ذلك أحضر معدن الحلم والكرم صلى الله عليه وسلم سيدنا على حيدر الكرار ليكتب لهم عهدا وفق مطالب المذكورين، ولكن عقب ذلك أنزل الله سبحانه وتعالى-الآية التى تقول {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ}. (الأنعام:52).فصرف النبى صلى الله عليه وسلم النظر عن كتابة العهد وأحضر أصحاب الصفة-رضى الله عنهم-وقرأ عليهم الآية التى نزلت فى حقهم.
استطراد
كان فى ذلك الوقت بين القبائل العربية وخاصة بين شعبتى بنى أمية بنى مخزوم كثير من الحمقى انتعلوا الغطرسة والتكبر والتعظم وهم من الطائفة العرشية.
وقد وصل الغرور ببعضهم حد أنهم لم يجدوا فى هذه الدنيا الواسعة رجلا يستحق مصاحبتهم وقالوا: «لا يدانينا إلا فرقدا
(1)
السماء».
وإنهم لم يدركوا أن الكبر يجلب غضب الحق ويستوجب نفرة الخلق وأنه عندما ينفر الناس من أحد لن يستطيع أن يعيش حياة طبيعية سليمة وبناء على القول الذى يقول فى حق المتكبر: «الكبر على أهل الكبر صدقة» فكل الناس سينظرون إليه بالحقارة ومن هنا لن تستقيم حياته.
(1)
الفرقدان: نجمان ظاهران فى مكان ثابت تقريبا يهتدى بهما ليلا. أحدهما النجم القطبى، وآخر بجانبه.
أنعم أشرف الأنبياء سيدنا محمد على وائل بن حجر واقتطع له قطعة من الأرض وكلف حضرة معاوية بكتابة وثيقة بملكيتها وأن يرى حدود هذا الموقع؛ وبعد أن أخذ وائل قطعة الورقة التى سطرت عليها ملكيته للأرض ركب جمله وخرج مع حضرة معاوية إلى الطريق.
وقطعا مسافة لا بأس بها، وكان معاوية ماشيا على قدميه لأنه لا يمتلك جملا ولما اشتدت حرارة الشمس مع مرور الوقت وأصبح المشى فوق التحمل استأذن معاوية من وائل أن يكون رديفه فى ركوب الجمل كما جرت العادة بين العرب، وكان هذا الرجاء قد جرح عظمة وائل وكبره إذ قال له يا معاوية إنك لست جديرا بأن تكون رديفا لواحد من أعاظم العرب وأشرافهم وعندئذ قال له معاوية إذا كان كذلك فأعرنى نعليك فإنهما أكثر متانة من نعلى حتى لا تؤذى قدماى فقال له وائل:«يا ابن أبى سفيان، إننى لست رجلا بخيلا؛ ولكن الملوك الذين فى حوالينا إذا ما سمعوا الخبر سيؤذى كبريائى، كفى لك شرفا بأن تسير فى ظل جملى» ،وبهذا بين له أنه لن يتنازل حتى عن نعليه، وبعد مدة استولى على عظمة وائل وأرضه جيوش الفقر وتبدلت أحواله بينما أصبح معاوية بن أبى سفيان واليا على معظم سواد الشام، وسافر ابن حجر إلى الشام ليشتكى تقلبات الزمان الظالمة وتلاقى بمعاوية مضطرا، فاستقبله معاوية باحترام عظيم وأجلسه على سريره الخاص وسره بأن أجزل له العطاء ولم يتذكر الواقعة السابقة بل أخجل ابن حجر وأومأ له بأن الذين يتخلقون بالأخلاق المحمدية يتصفون بهذه المزايا العظيمة.
إذا ما وازنا مقابلة معاوية الجميلة لابن حجر فى ضمائرنا نحكم أن أخلاق أشراف القبائل العربية قد تبدلت فى عصر السعادة تبدلا جذريا.
قد فهم متكبرو الطوائف العربية أن الكبر والعظمة من الصّفات التى توجب غضب رب العزة وأنهم لا شك قد أصلحوا من أخلاقهم فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم إلا أن المرويات الآتية تثبت أنه كلما ابتعد عصر السعادة حدثت تحويلات كبيرة فى حال متكبرى العرب وشأنهم.
مثال-عندما قيل فى عصر الخلفاء العباسيين لأحد المتكبرين من بنى عبد الدار لماذا لا تسافر إلى الخليفة وتعمل على كسب حسن توجهه نحو قبيلتنا؟ فأجاب أخاف ألا يتحمل الجسر الذى سأعبر عليه أو الجمل الذى سأركبه ثقل شرفى ومزيتى وكأنه أراد أن يرمى إلى أن الخليفة إذا ما قصر فى حسن قبولى ورعايتى سيؤذى كبرى.
وكان الحجاج بن أرطأة من متكبرى العرب القدماء يتجنب الصلاة مع الجماعة، ويقول للذين يسألونه عن عدم إتيانه إلى المسجد لأداء الصلاة مع الجماعة إننى أخجل أن يقف على جانبى رجال بسطاء لأداء الصلاة.
وكان كبر ابن ثوابه يفوق جميع تكبر جميع متكبرى العرب وكان تعاظمه ونخوته أشنع وأقبح بدرجات عن غرور الحجاج بن أرطأة وهذا الأحمق الذى كان من عظماء العرب إذا ما أضطر لمكالمة أحد الزراع كان يغسل فاه بعد المكالمة.
لمؤلفه الفقير:
إذا ما عرف المتكبر مضرة كبره
…
بقبضة الندامة يضرب صدره
«انتهى»
فهؤلاء وأمثالهم من المتكبرين من رجال قبائل العرب والمتعاظمين كانوا يعدون وجود جماعات أصحاب الصفة فى مجلس السعادة حقارة لهم وإقلالا من شأنهم؛ لذا سعوا معهم بطردهم منه؛ وكانت لهم وسائلهم وحيلهم الشيطانية وفى النهاية أطلعوا النبى صلى الله عليه وسلم على ما فى ضمائرهم وطلبوا كتابة عهد بذلك؛ ولكن هذه الجماعة العظيمة كانت قد انصرفت سواء أكانت عن الدنيا أو عن مكاسبها كلية ولازموا مسجد السعادة وادموا فى عبادة رب العزة ومن هنا لم يستطع هؤلاء المتكبرون ترويج أفكارهم المسمومة، وقد صدقت الآية الجليلة (ولا تطرد الذين
…
) (الأنعام:52) صدقهم وصفاء قلوبهم، ويعد بعض الناس عدد أهل الصفة أربعمائة نفر ويوصلهم البعض إلى ستمائة نفر، وبناء على تدقيق أبى نعيم الأصفهانى فى مؤلفه «حلية الأولياء» بغض النظر عما ورد فى أسماء