المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ولا يقل العباسيون فى تحقير العلويين عن الأمويين، ومن الأعمال - موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - جـ ٣

[أيوب صبري باشا]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الصورة الأولىفى ذكر الأحوال الجغرافية للمدينة الميمونة

- ‌إخطار

- ‌الصورة الثانيةوجوب مراعاة حق جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر وبيان كيفية دفن من أدركه الأجل فى المدينة الطاهرة

- ‌منظومة

- ‌الصورة الرابعةتوضح وتبين كيف يستقبل شهر رمضان الشريف-مظهر الغفران-من قبلأطفال المدينة وكيف يكون رمضان فى مدينة طيبة

- ‌مطالعة

- ‌صورة أداء صلاة التراويح:

- ‌سبب إقامة موكب الشموع:

- ‌الصورة الخامسةفى بيان ترتيب وتشكيل موكب الشموع الذى اعتيد إجراؤه فى مسجد السعادةبعد صلاة التراويح

- ‌الصورة السادسةفى تعريف طريقة أداء صلاة الفجر وصلاة العيد فى شهر رمضان

- ‌صورة أداء صلاة الفجر:

- ‌صورة أداء صلاة العيد:

- ‌الصورة السابعةفى تعريف الهيئة الكاملة لمسجد السعادة فى الوقت الحالى

- ‌الصورة الثامنةفى بيان وذكر أبواب حجرة السعادة المعطرة أبوابها وقناديلها وشمعداناتها

- ‌سبب وتاريخ استخدام الأغوات فى الحجرة المنيفة

- ‌تعريف مقدار خدمة الفراشة الشريفة الجليلة:

- ‌مقام أبى بكر وعمر رضى الله عنهما:

- ‌صورة غسل حجرة السعادة

- ‌الخدمة الدائمة للخدم:

- ‌تأديب الأغوات المتهمين:

- ‌إخطار

- ‌صورة تسكين الأغوات:

- ‌خدمات خدم مسجد السعادة الدائمة والمؤقتة:

- ‌الخطباء والأئمة فى الحرم النبوى الشريف

- ‌مكبرو الحرم الشريف

- ‌سقاء والحرم الشريف

- ‌استطراد

- ‌الوجهة الثانيةوتعرف حكم شد الرحال إلى المدينة بغرض زيارة مسجد الرسولصلى الله عليه وسلم

- ‌الصورة الأولىذكر الأحاديث الشريفة التى وردت بخصوص شد الرحال لزيارة مسجدالرسول صلى الله عليه وسلم وآراء الفقهاء العظام

- ‌إخطار

- ‌نصيحة

- ‌الصورة الثانيةفى ذكر وبيان فضائل المسجد النبوى الشريف والمنبر اللطيف والروضة النبويةالمنيفة

- ‌رواية

- ‌إخطار مهم

- ‌إخطار

- ‌بيان المصلى النبوى وبيان حدوده

- ‌الوجهة الثالثةتحتوى على ثلاث صور فى تعريف أسماء المدينة الطاهرة وفضائلها

- ‌الصورة الأولىفى بيان أسماء المدينة المنورة الجميلة وألقابها الجليلة

- ‌حرف الهمزة:

- ‌1 - أثرب:

- ‌2 و 3 - أرض الله، أرض الهجرة:

- ‌4 و 5 - أكالة البلدان [ز]،أكالة القرى [ز]:

- ‌6 - الإيمان [ز]

- ‌حرف الباء:

- ‌7 و 8 - البارة [ز]

- ‌9 و 10 و 11 - ومن أسمائها الشريفة بحره، بُحيرة، بَحيرة

- ‌12 - بلاط [ز]:

- ‌13 - بلد [ز]:

- ‌14 - بيت الرسول، صلى الله عليه وسلم [ز]:

- ‌حرف التاء:

- ‌16،15 - تندر [ز] تيدر [ز]:

- ‌حرف الجيم:

- ‌20،19،18،17 - جابرة [ز] جبار، جبابرة [ز] جبّارة:

- ‌21 - جزيرة العرب [ز]:

- ‌حرف الحاء:

- ‌23 - الحبيبة:

- ‌24 - حرم:

- ‌26،25 - حرم رسول الله [ز]،حسنة:

- ‌حرف الخاء:

- ‌28،27 - خيره، خيره:

- ‌حرف الدال:

- ‌37،36،35،34،33،32،31،30،29 - الدار [ز] دار الأبرار، دارالأخيار [ز] دار الإيمان [ز] دار السلام [ز] دار السنة [ز] دار السلامة [ز] دارالفتح [ز] دار الهجرة:

- ‌38 - درع، الحصينة [ز]:

- ‌حرف الذال:

- ‌39 - ذات الحجر [ز]:

- ‌40 - ذات الحرار [ز]:

- ‌41 - ذات النخل [ز]:

- ‌حرف السين:

- ‌42 - سلق:

- ‌43 - و 44 سلق وسلق

- ‌45 - سيدة البلاد [ز]:

- ‌46 - شافية [ز]:

- ‌حرف الطاء:

- ‌50،49،48،47 - طابه، طيبه، طيبة، طائب [ز]:

- ‌كما أن مطيبه (51) وطبابا (52) من أسماء المدينة

- ‌حرف الظاء:

- ‌54،53 - ظيابا [ز] ظبابا:

- ‌حرف العين:

- ‌55 - عاصمة:

- ‌56 - عذراء:

- ‌57 - عراء [ز]:

- ‌حرف الغين:

- ‌60،59 - غراء [ز]:غالبه [ز]:

- ‌حرف الفاء:

- ‌61 - فاضحة [ز]

- ‌حرف القاف:

- ‌62 - قاصمة [ز]:

- ‌67،66،65.64،63 - قرية [ز] قرية الأنصار [ز] قبة الإسلام، قريةالرسول، قلب الإيمان [ز]

- ‌حرف الميم:

- ‌68 - مؤمنة [ز]:

- ‌69 - 103 مباركة [ز]

- ‌حرف النون:

- ‌106،105،104 - ناجية [ز] نبلاء [ز] نجر [ز]

- ‌حرف الهاء:

- ‌108،107 - هرزاء [ز] هز:

- ‌حرف الياء:

- ‌111،110،109 - يثرب، يندد [ز]:

- ‌الصورة الثانيةفى ذكر الروايات التى نقلت من الآثار الموثوقة والأخبار الصحيحة فى فضلورجحان المدينة المنورة على سائر الممالك

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر الأحاديث الشريفة التى وردت فى حق الذين اختاروا الإقامة فىالمدينة الطاهرة والذين أحدثوا البدعة والمبدعين والذين يعاونونهم

- ‌الوجهة الرابعةتشمل خمس صور تفصل أوائل حال المدينة المنورة وسكانها القدماء

- ‌الصورة الأولىفى ذكر أحوال المدينة الأولى وأطوار سكانها القدماء وأحوالهم

- ‌الصورة الثانيةفى ذكر القبائل التى كانت فى أرض يثرب وقت أن هاجر إليها الأوسوالخزرج بن ثعلبة

- ‌سبب ظهور وقعة مالك بن عجلان وصورة ظهورها:

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر بيان القرى والمحال التى أسسها أفراد قبائل بنى الأوس حول المدينة

- ‌الصورة الرابعةفى تعريف ووصف القرى والمنازل التى سكنها بعد تهيئتها أبناء قبائل الخزرجوجماعاتها فى جوار مدينة الرسول

- ‌الصورة الخامسةفى تعريف رؤية الملاحم التى ظهرت قبل الإسلام بين قبائل الأنصار الكريمةوالمعارك المشهورة

- ‌رواية

- ‌الوجهة الخامسةوتشمل ثلاث صور تعين إرسال مصعب ابن عمير إلى يثرب

- ‌الصورة الأولىفى ذكر بيعة السابقين من الأنصار للإسلام وفى دعوة مصعب بن عمير أهلالمدينة إلى الإسلام

- ‌حكمة

- ‌سبب كون النبى صلى الله عليه وسلم أنصاريا من الخزرج:

- ‌الصورة الثانيةفى هجرة النبى صلى الله عليه وسلم إلى دار الأمن المدينة المنورة

- ‌عربى

- ‌رواية

- ‌إخطار

- ‌ المعجزة

- ‌مسألة

- ‌إخطار

- ‌الصورة الثالثةفى بيان وقائع سنين الهجرة وتفصيلاتها الإجمالية

- ‌السنة الأولى للهجرة

- ‌سنة الأذان المحمدى:

- ‌أصول التسبيح فوق المآذن:

- ‌السنة الثانية للهجرة

- ‌السنة الثالثة الهجرية

- ‌ السنة الرابعة الهجرية

- ‌السنة الخامسة الهجرية

- ‌السنة السادسة الهجرية

- ‌السنة السابعة الهجرية

- ‌السنة الثامنة الهجرية

- ‌السنة التاسعة الهجرية

- ‌السنة العاشرة الهجرية

- ‌السنة الحادية عشرة الهجرية

- ‌الوجهة السادسةوتشتمل على إحدى عشرة صورة تعرف بالتفصيل توسيع وتجديد المسجدالشريف ودار فاطمة رضى الله عنها السعيدة

- ‌الصورة الأولىفى ذكر صورة طرح وتأسيس مسجد السعادة على صاحبه أفضل التحية

- ‌استطراد

- ‌ حديقة أولاد صفى

- ‌رأى ومطالعة

- ‌إخطار

- ‌الصورة الثانيةتبين توسيع مسجد السعادة وتحويل المحراب الشريف

- ‌إخطار

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر الأماكن السعيدة التى صلى فيها من المسجد الشريف إمام محرابالملكوت-عليه السلام

- ‌مؤسس محراب مسجد السعادة:

- ‌نظم

- ‌الصورة الرابعةفى تعريف جزعة مسجد السعادة والمحل القديم لمحراب النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌إخطار

- ‌تنبيه

- ‌نعت شريف

- ‌الصورة الخامسةتبين سبب تأسيس منبر مسجد النبى وصورته وجزع ونحيب النخلة

- ‌مثنوى

- ‌استطراد

- ‌مثنوى

- ‌‌‌مثنوى

- ‌مثنوى

- ‌حكاية

- ‌استطراد

- ‌الصورة السادسةفى ذكر عدد المرات التى جدد فيها منبر السعادة وعدد المرات التى عمر

- ‌إخطار

- ‌الصورة السابعةفى بيان الأساطين التى ركزت فى مسجد السعادة فى عصر النبى السامى صلى الله عليه وسلم

- ‌كانت الأساطين الأصلية لمسجد السعادة ثمانية أعمدة موزونة متساوية، وقدزيد مؤخرا عدد أساطين المسجد الشريف المنيفة

- ‌1 - الأسطوانة المخلقة:

- ‌2 - أسطوانة عائشة:

- ‌3 - أسطوانة التوبة:

- ‌4 - أسطوانة السرير:

- ‌5 - أسطوانة المحرس:

- ‌6 - أسطوانة الوفود:

- ‌إخطار

- ‌7 - أسطوانة مربعة القبر:

- ‌8 - أسطوانة التهجد:

- ‌9 - محراب باب الجنائز:

- ‌الأبيات التى سطرت على الأساطين الأربع من الصف الأول:

- ‌الأسطوانة الأولى

- ‌الأسطوانة الثانية

- ‌الأسطوانة الثالثة

- ‌الأسطوانة الرابعة

- ‌الأسطوانة الخامسة

- ‌الأسطوانة السادسة

- ‌الأسطوانة السابعة

- ‌الأسطوانة الثامنة

- ‌الأسطوانة التاسعة

- ‌الأسطوانة العاشرة

- ‌الأسطوانة الحادية عشرة

- ‌الأسطوانة الثانية عشرة

- ‌استطراد

- ‌الصورة الثامنةفى ذكر وبيان المقام واجب الاحترام الذى يطلق عليه «الصفّة»

- ‌استطراد

- ‌أصحاب الصفة الذين أورد أبو نعيم أسماءهم الجميلة ومناقبهم الجليلة منبين هؤلاء:

- ‌كيفية إعاشة أصحاب الصفة:

- ‌الصورة التاسعةفى تعريف الحجرة النبوية المعطرة

- ‌حكاية

- ‌حكاية أخرى

- ‌الصورة العاشرةفى تعريف دار فاطمة-رضى الله عنها-السعيدة

- ‌الصورة الحادية عشرةفى تعريف كيفية إغلاق الأبواب التى تواجه مسجد النبى فى عصر السعادة

- ‌الوجهة السابعةتجمع خمس صور تبين وتظهر عدد المرات التى جددت فيها حدود المسجدالنبوى

- ‌الصورة الأولىفى ذكر توسيع مسجد الرسول لأول مرة

- ‌الصورة الثانيةفى ذكر كيفية تجديد مسجد السعادة وتوسيعه للمرة الثانية

- ‌مقصورة مسجد السعادة

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر كيفية تجديد مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وتوسيعه للمرة الثالثة

- ‌مطالعة

- ‌صورة أداء صلاة الجنازة فى مسجد السعادة وسبب منعه

- ‌استطراد

- ‌موازنة تاريخية

- ‌الصورة الرابعةفى تعريف تجديد مسجد السعادة وكيفية توسيعه للمرة الرابعة

- ‌إخطار

- ‌الصورة الخامسةفى تعريف الحجرة المعطرة والقبور الثلاثة المنورة

- ‌الشكل الأولقبر النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌الشكل الثانىقبر النبى صلى الله عليه وسلم/قبر عمر بن الخطاب رضى الله عنهقبر أبى بكر الصديق رضى الله عنه

- ‌الشكل الثالثقبر النبى صلى الله عليه وسلم/قبر أبى بكر الصديق رضى الله عنهقبر عمر بن الخطاب رضى الله عنه

- ‌الهيئة المرئية للقبور الثلاث المقدسة فوق الأرض:

- ‌شبكة قبر السعادة

- ‌رواية

- ‌الوجهة الثامنةوتحتوى على تسع صور وتشمل تفصيلاتعن علامات رأس النبى الشريف ومقام جبريل الأمين السامى

- ‌الصورة الأولىفى ذكر علامة الجهةالتى يوجد فيها رأس الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌إخطار

- ‌الصورة الثانيةترى وتعرف علامة جهة وجه النبى اللطيف

- ‌الصورة الثالثةفى تعريف مقام جبريل الأمين وتعيينه

- ‌الصورة الرابعةفرش حجرة السعادة وتعميرها وتجديدها

- ‌ذيل

- ‌حكاية

- ‌الصورة الخامسةفى تعريف ستارة الحجرة المعطرة

- ‌أصول تعليق ستارة قبر السعادة وتجديدها

- ‌الصورة السادسةفى تعريف صورة تخليق(1)حجرة السعادة

- ‌الصورة السابعةفى بيان وتعريف قناديل الحجرة الشريفة

- ‌غريبة

- ‌الصورة الثامنةفى تعريف الشبكة الشريفة التى تحيط بالحجرة المعطرة ودار فاطمة-رضى اللهعنها-السعيدة

- ‌ القصيدة

- ‌ القطعة

- ‌الصورة التاسعةفى ذكر قبة حجرة السعادة

- ‌الوجهة التاسعةوتحتوى على ثمانى صور

- ‌الصورة الأولىفى تعريف المصاحف الشريفة والأجزاء القرآنية اللطيفة وكتب الأدعيةالموجودة فى الخزينة النبوية

- ‌أجزاء القرآن الشريفة:

- ‌الدلائل(1)الشريفة

- ‌الصورة الثانيةفى تعريف وذكر وتفصيل جنس الأشياء النفيسة ومقدار الأشياء المحفوظة فىداخل حجرة السعادة المشحونة بالنور

- ‌عدد

- ‌الأشياء المتنوعة

- ‌عدد

- ‌عدد

- ‌عدد

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر وبيان جنس ومقدار الأشياء التى تبرع بها والتى علقت فى داخلالحجرة المعطرة التى تعدل الجنة

- ‌الصورة الرابعةفى ذكر وتعريف أطقم البخور والسكات من الفضة والذهب والمحفوظة فىداخل الحجرة المعطرة والتى تخرج كلما اقتضت الحاجة إليها

- ‌الصورة الخامسةفى ذكر تفصيل الشمعدانات والأشياء الأخرى المحفوظة فى داخل حجرةالسعادة جنسها ومقدارها والتى تستخدم كلما دعت الحاجة إلى استعمالها

- ‌الصورة السادسةفى تعريف الأشياء الفضية النفيسة-جنسها ومقدارها-المحفوظة فى خزينةالحجرة المعطرة الجليلة

- ‌الصورة السابعةفى تعريف وتفصيل الستائر والأغطية التى تغطى أبواب حجرة السعادةوالمقامات المنيفة الأخرى مقدارها وأنواعها

- ‌الصورة الثامنةتبين وتعرض الشمعدانات والتعليقات والثريات

- ‌خلاصة

- ‌مسألة

- ‌إخطار

- ‌قطعة

الفصل: ولا يقل العباسيون فى تحقير العلويين عن الأمويين، ومن الأعمال

ولا يقل العباسيون فى تحقير العلويين عن الأمويين، ومن الأعمال غير اللائقة والحركات الوحشية فى عهد بنى العباس؛ حتى لا يخرجوا زمام الخلافة من أيديهم وهو خيال محال، سقوا بقايا الأئمة الكرام من آل البيت سم الهلاك قتلوا أولادهم وأحفادهم وساموهم أنواع التعذيب الذى لا يخطر على البال.

وإن كانت الآثار النبوية الصريحة والأخبار المصطفوية الصحيحة التى تزين الصدور والسطور زائدة عن العدّ والإحصاء فى المناقب الجليلة التى تفوق إدراك عقول البشر لوارث العلوم النبوية حضرة الإمام على-كرم الله وجهه ورضى الله عنه-إلا أننا لو نظرنا إلى صفحة من صفحات التاريخ نظرة إمعان وجدنا أن عهد السلاطين العثمانيين مصون عن الجور ورأينا أن أكثر السادات العظام كانوا قبل سلاطين آل عثمان نافرين من الملوك ومغضوب عليهم من السلاطين الذين يفتقرون إلى السلوك الإسلامى، والمقالة الآتية موازنة واضحة فى هذه المسألة.

‌موازنة تاريخية

إن الموازنة بين طرق المعاملة لآل بيت النبوة الذين اكتسبت بهم مكة المكرمة والمدينة المنورة القدسية من قبل الخلافات المتقدمة مثل الخلافة الأموية والعباسية والفاطمية والخلافة العثمانية تكون مدارا عظيما على إثبات قياسها بالرعاية التامة لمنصب الخلافة الجليلة حاملة لقب خادم الحرمين الشريفين.

كما أن هذه الموازنة تظهر مامدى صدق روايات بعض المؤرخين القدماء؛ لأن حكم الشئ الذى يقال له التاريخ لا يثبت عن طريق الرواية فقط بل يجب أن تؤيد الأقوال التى قيلت فى التاريخ والمدائح والثناءات لابد وأن تتحول إلى الأفعال، لأن الأقوال التى لا تؤيد بالأفعال تظل ألفاظا لا معنى لها.

إن الأعمال التخريبية التى قام بها القادة مثل ابن ارطأة والحجاج الظالم ومسلم بن عقبة على مكة المكرمة والمدينة المنورة فى عهد الأمويين قد وصل إلى درجة التواتر، حتى إننا نرى تفصيلها من قبيل إعلام المعلوم، وإن معاملة القادة

ص: 297

مثل الحجاج الظالم وابن أرطأة ومسلم-يفتضح اسمه-معاملة حسنة لسادات الحرمين الشريفين وأشرافها يقتضى عدها من الأمور المستغربة.

وإلا فمن المحال أن ينتظر خير عندما يذكر أسماء الحجاج الظالم وابن أرطأة ومسلم لأجل الآل والمحال المباركة وهذا ما يميزه حتى أصحاب العقول القاصرة ويفرقونه إن الجرم الذى ارتكبه عبد الملك بن مروان الأموى ضد الكعبة المكرمة عندما أراد قتل ابن الزبير قد وصل إلى درجة الإخلال بسلامة البيت المعظم الذى روعى جانبه حتى فى عهد الجاهلية، إن سيف الجور والتعدى الذى سحبه من غمده دون مراعاة امتياز المكان وقدسيته لم يقتل فقط جناب ابن الزبير بل قتل آلافا من الذوات الكرام وسفح دماءهم وأجرى هذه الشدة ضد المبانى المقدسة عمّتها حتى لم تترك مساجد جليلة ولا آثار شريفة دون التخريب والتدمير.

وأظهر سليمان بن عبد الملك، وهو أقل خلفاء الأمويين إساءة عداوته بهدم مئذنة باب السلام لمجرد حجة قربها من بيته الفاخر وأنها تكشفه.

واشتهر من الأمويين وخاصة الوليد بن عبد الملك بظلمه لآل البيت إذ حول إلى الحجاز قوة تخريبية إحدى المرات وأمر أن تهدم منازل زوجات النبى صلى الله عليه وسلم على رءوس أصحابها وهم بداخل المنازل وكيف يتفق تخريب هذه المنازل ومبادئ الإسلام وكيف يتقبل محبو آل البيت مثل هذه الأعمال؟ ولا يعد ما قام به الوليد الظلم الوحيد الذى ارتكبه الأمويون إذ يجب أن يتذكر ما ساقه يزيد بن معاوية على دار الهجرة من الجنود الفاجرين الذين اعملوا سيوفهم فى رقاب أحد عشر ألفا وسبعمائة من المدنيين والذى ثبت بروايات متواترة.

وكان ضمن هؤلاء كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثير من التابعين والبقية الباقية من أولاد وأحفاد صحابة النبى صلى الله عليه وسلم وكان سبعمائة منهم يحفظون القرآن الكريم.

وسيق بقية آل المدينة إلى خارج المدينة وقد قيدت أياديهم وأرجلهم بسلاسل الجور ولم تحل أكبالهم من رقابهم وأيديهم إلا بعدما أقسموا أنهم سيسيرون وفق

ص: 298

إرادة الملك الأموى وقد استحى المحررون الخوض فى تفصيل ما ارتكب فى أثناء تلك المظالم من انتزاع الأصحاب الكرام وإباحة أعراض النساء للجنود.

وبما أن الملل الإسلامية لم ترض فى صورة عامة عن الأمويين يلزم ألا يستغرب من مثل هذه الأعمال التى صدرت منهم ولكنه من الضرورة بمكان الاستغراب مما صدر من الخلفاء العباسيين من المساوئ فى هذا السبيل، هذا هو السفاح الذى أراد أن يعلن عن سطوته الملوكية على الجميع، بعد ضعفه وعجزه اللذين قد يجران استخفاف الناس له يعذب الآلاف ويؤذى لدرجة القتل ولم ينج أهل الحجاز المباركة من هذا الظلم الذى يعد أوائل مظالم العهد العباسى، وحينما سبقت الجنود فى زمن المنصور إلى المدينة للقبض على أحد المخالفين وهو على الرضا من السادة الكرام وقد قبض عليه مع أولاده وعياله وأصحابه ومحبيه وقتلهم جميعا واحدا تلو آخر ولم يكتف بذلك بل أراق دماء كثير من آل المدينة الآمنة ودخلت هذه الحادثة ضمن الأحداث التى أبكت آل الحرمين دما بدل الدموع.

ولم يتأخر آل عباس بعد المنصور عن منافسة السادة الكرام من آل النبى صلى الله عليه وسلم والسبب الأصلى للمنافسة بينهما ما أشير إليه فى الاستطراد السابق، شرف النسب إذ حسدوا السادات الكرام الذين يعدون من آل النبى وأولاده بدون واسطة رأسا، وادعوا أنهم يتفوقون عليهم نسبا وأقبلوا كلما وجدوا فرصة على أن يعدموا السادة الكرام إما بالسم وإما بالخنق وجعلوا هذا دينهم.

ولم يكن السادات الذين اكتسبوا شهرة طيبة فى سبيل الاستشهاد من النوادر، كما أن العباسيين الذين لوثوا سمعتهم بإيقاع المظالم عليهم لم تبق أعمالهم فى حكم النوادر. وكان أحد أسباب إهانة العباسيين لآل بيت النبى قضية الاستيلاء على ما يمتلكه هؤلاء من الأملاك والأراضى حول مكة المكرمة والمدينة المنورة بمد يد الاغتصاب إليها، وبناء عليه فإن أى واحد من آل البيت يقع فى يد العباسيين الغادرة تقع أملاكه تحت يد اغتصاب غادرة، ومن هنا ساءت أحوال السادات

ص: 299

الكرام يوما بعد يوم. حتى هارون الرشيد الذى اشتهر بين الخلفاء العباسيين بالقوة والعظمة والشوكة لم يخل عهده من الظلم واللوث والتحقير لمشكلة نور الإسلام، إذ قبض على الإمام موسى الكاظم فى مسجد السعادة بملابسه الليلية بكل عنف وشدة وقيد رجليه وكبل من رقبته بالسلاسل وأرسل إلى البصرة فعاقبه عيسى بن جعفر بن المنصور بإلقائه فى السجن.

وقد بعث أبو جعفر المنصور العباسى إلى المدينة فرقة عسكرية قوامها أربعة آلاف جندى تحت قيادة عمه عيسى بن موسى، وأمره بأن يقبض على النفس الزكية من أبناء على بن أبى طالب وهو محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين وجعله شهيدا مع ثلاثمائة من أشراف الحرمين وسادتهم بأن قتلهم بسيف الغدر، وضم فوق هذا الظلم تحقير الموتى بأن منع دفن هؤلاء الشهداء فى مقابر المسلمين وأمر بدفنهم فى مقابر اليهود. وكأن هذا التصرف مدادا للافتخار إذ جاء برءوس الشهداء إلى بغداد وشهر بهم بأن غرس الرءوس على رءوس الأوتاد وهذا العمل من المظالم الملعونة التى تجعل أصحاب الحمية الإسلامية يتقيئون دما، ونضيف لهذه الفاجعة أنه فى أثناء تلك الأحداث رجح بأن يقتل بعض السادة والأشراف فى بغداد بدلا من المدينة وذلك تهديدا لأهل بغداد وكان من ضمن هؤلاء والد النفس الزكية عبد الله وقد استشهد هؤلاء فى بغداد بطريقة لا تليق حتى بالمجرمين وسط أذى عظيم وتعذيب شديد.

وإننا نكتفى بذكر هذه الأمثلة فيما تعرض له الحرمان الشريفان وأهاليهما وأشرافهما تحت حكم خلفاء الدولة الأموية والعباسية من الجور والظلم والتحقير، ولما كانت غايتنا الأصلية هى بيان ما قام به سلاطين آل عثمان نحو الأماكن المباركة قبلة المسلمين ونحو السادة الكرام والأشراف ذوى المقام العالى من معاملات طيبة جميلة وجليلة سنسرع فى تحويل القول إلى ذلك الوادى، ولا يظن أن الحقارة اقتصرت على ما ذكرناه، فقد اغتر بعض منهم بتمزيق القرآن وافتخر قسم منهم بمسألة خلق القرآن وهكذا كان الأمويون والعباسيون دائما فى منافسة شديدة مع آل النبى صلى الله عليه وسلم وكانوا يستفيدون من أقل شئ للإخلال-حاشا

ص: 300

-بشأنهم، وإذا ما نظرنا إلى طورهم الدائم كانت الإساءة إليهم، وإن وجد من بينهم من لم يسئ إلى أحد، إلا أنهم كذلك لم يحسنوا لأحد وهذا ما يجب أن نعتبر به.

والحقيقة أن العباسيين، ما عدا بضعة منهم لم يقوموا بخدمة عظيمة للحرمين الشريفين، وأهم هذه الأعمال تعمير السيدة زبيدة للعين المنسوبة إليها وتعبيد الطريق من بغداد إلى مكة فوق الصحراء يستطيع أن يسير عليها حتى الأعمى ويعد من الأعمال السهلة التى لا تقاس بالطرق المعبدة فى الأماكن الجبلية من بلادنا.

وقد حكم الفاطميون، مكة والمدينة باغتصاب عنوان الخلافة قبل أن تنتقل الخلافة من العباسيين إلى العثمانيين إلا أنهم عدوا أنفسهم من أولاد النبى بشرط عدم علم مدى أحقيتهم فى ذلك ومع ذلك لم يتركوا فسادا لم يرتكبوه، مثل ارتكاب الأشراف الذين فى منصب الإمارة جميع أنواع الجور لإبعاد الشريف الآخر من منصبه إذ كانوا ضحايا لمؤامرة الفاطميين، أو وجود شريفين فى منصب الإمارة فى نفس الوقت من الأحوال التى حدثت بسبب الفاطميين.

وعندما نصل إلى العائلة العثمانية عالية العنوان، نجد أن أولاد أرطغرل اعتادوا حتى قبل تسلم السلطان سليم خان عصا الخلافة وصولجان السلطة على أن يرسلوا مستلزمات المحبة والإسلام وذلك بإرسال الصرة إلى الحرمين الشريفين، وقد ثبت بما قيد فى صفحات التاريخ أنهم بعد أن نالوا لقب الخلافة بعد فتحهم مصر، لم يسيئوا فى استخدام سلطتهم واستقلال حكومتهم الذى نالوه فى ظل الدولة المحمدية وذلك بإظهار قوتهم وعرضها على أهالى الأماكن المقدسة كما فعل الملوك السابقون كما أنهم لم يخدموا الحرمين الشريفين من أجل الأغراض الدنيوية مخالفين بذلك الشريعة الغراء الأحمدية جاحدين لمآثرها، بل ليخدموا الحرمين الشريفين حق الخدمة بدون أى غرض دنيوى.

حتى يروى أن السلطان سليم خان حينما أحضر أمامه مكنسة من المكانس

ص: 301

الخاصة داخل البيت المعظم رفع تلك المكنسة عاليا كأنه يريد أن يعلقها على تاجه وبهذا أظهر أن هذا هو شأن من يلقب بخادم الحرمين المحترمين، وأن هذا الاحترام حركة مناسبة لما أظهره أجداده الأماجد من غيرة نحو الحرمين الشريفين كما أن أولاده وأحفاده ذوى الأصول العريقة اتخذوه قدوة لهم.

ولم يسمع من أحد عن وقوع أى قدر من الجفاء والجور ولو بمقدار ذرة صغيرة سواء أكان على الحرمين المحترمين أو الأرض الحرام من قبل الأسرة العالية بعنوان السلطنة السنية بل على العكس فإن كافة آل عثمان قد بذلوا خدمات حسنة قليلة كانت أو كثيرة وهذه الأعمال تزين صفحات شكر لتاريخ المحال المقدسة، ونحن نقول إذ نذكر ببعض هذه الأعمال:

كانت عين عرفات قد سدت تقريبا سدا كليا فى عهد السلطان سليمان خان، وأوشك أهل مكة الذين تعودوا على أن يرووا ظمأهم من مائها اللذيذ على الهلاك مثل شهداء كربلاء من العطش، فتحمل ذلك السلطان الخير نفقات باهظة فطهر عين عرفات وأجراها إلى مكة المكرمة بعد تطهيرها وتوسيعها، ومن ذلك الوقت إلى زماننا هذا فالعين المذكورة هى التى تروى وتسقى مكة المكرمة ولما خربت فى الأيام الأخيرة كان تجديدها وتعميرها بصورة أفضل وتوسيعها من نصيب ملكنا السلطان عبد الحميد خان الذى مازال جالسا على الأريكة السلطانية القوية، إن هذا الماء الزلال الذى به الحياة لم يسق مكة المكرمة فقط ويرويها بل كاد أن يغرقها بفضله وهذا ما سيشهد به من رأوا العين المذكورة رؤية العين.

والحكم الذى ينطبق على عين عرفات فى مكة المكرمة هو نفس الحكم الذى ينطبق على عين الزرقاء فى المدينة المنورة، ولما كانت هذه العين أيضا على وشك الانسداد فقد طهر مجراها ووسع قدر ضعفه فى عهد السلطان عبد المجيد خان الغازى والد سلطاننا كثير المحامد.

ولم يكتب لأية دولة إسلامية القيام بمثل هذين العملين الذين قامت بهما الدولة العثمانية التى لا تنكر خدماتها فى أحباء الحرمين الشريفين ومع هذا فلما

ص: 302

أشرفت مبانى البيت الأعظم على الانهيار والخراب فى سنة 1042 الهجرية فتجديده من أساس مبانيه قد انتظم ضمن جملة الأعمال التى قام بها السلاطين العثمانيين وهذه الخدمة لم تتيسر لأية واحدة من الدول الإسلامية وكانت من نصيب دولتنا وولى نعمتنا والتى ترفع شأن آل عثمان إلى أعلى عليين.

ولما كان غرضنا هنا عقد مقارنة بين الخلافات المتقدمة والخلافة الجليلة والإسلامية العثمانية فيما قدمت من الخدمات الجليلة للحرمين الشريفين وإلا فالتفصيل ذكر ودرج فى الصورة الثالثة من الوجهة التاسعة فى قسم مرآة المدينة من مرآة الحرمين، فالذين يريدون أن يعرفوا مدى ما وصلت إليه محبة السلاطين العثمانيين للنبى صلى الله عليه وسلم صاحب الرسالة ووفرة عبوديتهم عليهم أن يراجعوا الوجهة المذكورة.

ولما كان عرض الحال الذى قدمه السلطان محمود خان إلى عتبة صاحب الرسالة العالية بمناسبة إهدائه شمعدان إلى الحجرة المعطرة سنة 1235 هـ يدل على محبة ذلك السلطان وإخلاصه فرأينا إدراجه فى هذا المكان.

لقد تجرأت بإهداء هذا الشمعدان يا رسول الله

وغرضى هو خدمة الدرجة العليا يا رسول الله

ولا تليق بروضتك هديتى المتواضعة أنا العاجز

لتشملنى بإحسانك وعنايتك بقبولها يا رسول الله

فمن غيرك أكشف به يا رسول الله

فالإحسان والمروءة من ديدنك يا رسول الله

دخيلك الأمان ثم الأمان قد وقفت على عتبتك

فلترحمنى وتشفع لى يا رسول الله

فاستصحب محمود عدلى فى الدارين

فالدولة لك فى الأولى والآخرة يا رسول الله

ص: 303

إن التضرع الذى صدر من السلطان محمود خان فى عرض الحال هذا على شكل منظوم من مقتضيات التضرع الذى يليق بالمسلمين وتذلل المحبين من شأن الأسرة العثمانية ولا مجال لقياسها بسلوك الملوك الآخرين الذى اتسم دائما بالتكبر والتفاخر، وخارج عن حد إمكانية مقارنتهما بسلوك الملوك الآخرين.

ولما كان ما قام به السلطان محمود من تعمير مجرد تعمير لم يصل إلى درجة التزيين يليق بشأن الحرمين الشريفين إذ لم تسمح مشاغله الكثيرة بهذا العمل، ويلزمنا أن ندقق النظر فيما نقوله من كلمة «مشاغل» ولم تكن هذه المشاغل عبارة عن الألفاظ المجردة، بل كان العصيان الذى عم فى مصر، وألبانية، وإلغاء الانكشارية، وهجمات روسيا، وكانت مشكلة واحدة منها كافية لأن تترك عدة السلاطين العظام عاجزين عن العمل، وهذه المشاغل التى فى خلالها قام السلطان محمود بإجراء تعميرات كانت كافية لجعل مكة والمدينة أجمل من ذى قبل، إلا أن عبد المجيد خان لم يكتف بذلك، فتح جيب حميته وسماحته ليعمر من جديد مكة والمدينة ويزينهما ويكمل تجديدهما على أكمل وجه.

ولا تكفى هذه المقالة المختصرة لتعداد المساجد المباركة التى قام بتزيينها فى أثناء هذا العمل، وحتى نكون قد قلنا كلاما للعموم نقول:«إن جميع المساجد التى توجد فى تلك الجهات من المسجد النبوى قد أخذت حصتها من التزيين الذى وفق إلى إجرائه السلطان عبد المجيد خان» .

والمسكنة التى أظهرها السلطان عبد المجيد فى أثناء الترتيبات الجليلة الجميلة فاقت المسكنة التى أظهرها والده وبهذا أثبت أنه خير خلف للسلطان محمود العدلى.

وقد كتب بخط يده تحت الذى سيفرش فى الحجرة المنيفة اسمه وشهرته بعبارات تدل على الذلة وصفحات متواضعة وبهذه الصورة يكون قد مسح وجهه على ذلك التراب بالواسطة.

ولا سيما أنه لم يقبل الأوصاف السلطانية والتعبيرات الملوكية التى كتبت على

ص: 304

قطعة تاريخية ونظمت، على أن يعلق فوق طاق باب السلام بما أن السلطنة خاصة بصاحب الرسالة حضرة محمد فى الدارين فاستحى من عرض خدمته أمام النبى صلى الله عليه وسلم بصفته السلطانية، وإن مبلغ هذا التعظيم للنبى صلى الله عليه وسلم لم ير فى أحد من الملوك ما عدا السلاطين العثمانية.

وبما أن الخلافة تستلزم الخدمة والحماية، فالموازنة التى عقدناها بين الخلافات المتقدمة والخلافة العثمانية تبين لنا بالبداهة أى الخلافتين كان أكثر رعاية لهذا الشأن.

ولكن سلطاننا الكريم سلطان المسلمين وقرة عين آل عثمان ملك ملوكنا الغازى الذى لا يدانى، السلطان عبد الحميد خان الثانى قد فاق والده فى تعظيمه للحرمين الشريفين والذى جلب لهما الشفاعة صلى الله عليه وسلم، على أسلافه من الملوك حقا.

وقبل أن نعرض الخدمات التى قام بها ولى نعمتنا فى حق الحرمين المعظمين المحترمين نذكرهم بمراعاة جانب آل الأماكن المباركة، وقد بلغت مروءته السلطانية ولطفه الملوكى إلى الدرجة القصوى ليس فقط فى حق آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسا بل لكافة أصحاب اللياقة من آل الحرمين المباركين، إذ دعا بعض هؤلاء إلى باب السعادة فى صورة خاصة وأقامهم بجانب سلطنته وأنعم عليهم بمرتبات مستوفاة وأحسن إليهم فجعلهم كلهم ممتنين بكرمه ولطفه وهذه المزية لم تر إلا فى آثار هذا السلطان العادل كالفاروق، وعندما نعرج على بحث التعميرات والتزيينات فتعمير المسجد الحرام وتزيينه اللذان يصلان إلى درجة إبهار العيون من الآثار الحميدة لذلك السلطان، كما أن تزيينه لضريح خديجة الكبرى ومولد النبى ومولد فاطمة-رضى الله عنها-ترك الذين قارنوا حالتها الأولى بحالتها الحالية فى حالة الذهول، وقد ذكر إجراؤه لعين عرفات إلى مكة المكرمة من قبل، وأما الصهريج وعين الماء ذات الستة عشر صنبورا اللذان بناهما فى منى فقد أحيت آلافا من الحجاج كل عام خلا الأرض.

ص: 305

وكان ما أحصيناه من الأشياء التى يفتخر بتعميرها وتزيينها أحد الملوك ليس كل ما قام به إذ كان سلطاننا القوى حريصا على حب التعمير مثل والده فشملت حميته الدينية المبسوطة كافة الآثار الجليلة للحرمين، فقد عمّر مقام يحيى-عليه السلام-واجب الاحترام وضريح السيد بلال وأضرحة الأنبياء الآخرين، ومقامات الأولياء ورتبها وزينها لا يشك فى خدمة من تلك الخدمات، وإحياؤه وإنشاؤه زاوية لا مثيل لها بدلا من التكية الخربة بعد 500 عام.

وبناء على المعلومات التى أمدنا بها الإمام تقى الدين عبد الرحمن أبو الفرح الحواسبى فى حق هذا المقام فى كتابه النفيس: «ترياق المحبين فى ذكر طبقات المشايخ العارفين» ،أن التكية الرفاعية أربعة مبان متداخلة بعضها فى بعض وكانت قد بنيت على أربعة آلاف عقدة، وكان مائة ألف زائر يجتمع فيها وكانت التكية تستوعبهم كلهم، وكانت سماحة القطب الجليل وكرمه يكفيان لإطعام الضيوف كلهم وكان يطعم فى التكية الشريفة ما عدا هؤلاء المجتمعين عشرون ألفا من المريدين، وإن كانت قضية الإطعام هذه تعلن عن وجود ثروة عظيمة فى الميدان إلا أن انتفاع الشيخ وأولاده وأخلافه الكرام ندعه جانبا إذ كانوا بسطاء بدرجة لا تفرقهم عن مريديه، وفى هذه الحالة لا يشك أن تلك الثروة مجرد رزق للفقراء وأنهم مفتقرون لذلك الرزق. والغرض من هذا الإيضاح هو لفت الأنظار إلى الزاوية الرفاعية وعرض أهميتها وأهمية أحبائها من قبل السلطان وبناء على ذلك نستمر فى الإيضاح ونقيد الآتى: «قد تولى المعين مهمة الإرشاد فى سنة 540 الهجرية وقد بلغ عدد الرسائل التى تلقاها من مريديه الذين وصلوا إلى أربعين فردا بعد سبع سنوات، سبعمائة ألف رسالة، وكثرة إرشاداته لهذه الدرجة هى محل موازنة للفيوضات الإلهية التى وهبها الله لذلك الشخص عالى المقام، وقد بنى التكية بناء على توسع جمعية وكثرة مريديه وقد قيد فى التواريخ أنه لم يبق فرد فريد فى قرى ومدن، واسط وبطايح من لم يمد يد العون لهذه التكية.

وكان سبب انقراض تلك التكية الوباء الذى ظهر فى سنة ثمانمائة الهجرية؛ وبما أن الوباء المذكور لم يترك قرية أو مدينة فى نواحى واسط وبطايح دون أن

ص: 306

يهلك أهاليها، وكان سببا فى هلاك عمومى ومن هنا قد خربت التكية الرفاعية أيضا ومن ذلك الوقت إلى زماننا هذا لم يوفق أحد فى تعميرها وها هو ذا سلطاننا الغازى عبد الحميد خان الثانى ييسر له تعميرها.

إن لذلك المقام الجليل أهمية سياسية غير أهميتها الروحانية ومن هنا احتاج بيان ذلك للتفصيلات الآتية:

وكانت بلدة واسط تشمل على بطايح، فم الصلح، نهر دقلى، حدادية، عثمانية، ملحا، رقة، داور دان، برقة الجوز، هرث، شحينة، حارزة، همامية، أونية، بدورة، جعرا، فاروث من المدن الشهيرة والنواحى المعمورة وحينما ساق المستنصر بالله معدن الحاكم بأمر الله المنصور جيشا إلى نواحى بغداد للاستيلاء عليهم ظل سكان واسط من فرط جهلهم فى الضلالة، وحينما كان المصريون يهزون هزا تحت قيادة بساسيرى الذى تجرأ على أن يخترع بدعة حى على خير العمل بدلا من حى على الفلاح فى الأذان المحمدى يهزون نواحى واسط والبصرة دخل معظم سكانها فى دائرة الإلحاد والرفض وكادت تلك المنطقة الواسعة أن تخرج من تحت إدارة دار الخلافة فى بغداد.

واستطاع القائم بأمر الله عبد الله السابع والعشرون من الخلفاء العباسيين أن يقبض على بساسيرى ويقتله ووفق فى كسر شوكة المستنصر بالله العلوى وقوته ونصب السيد يحيى المكى المغربى الحسينى نقيبا للأشراف فى البصرة-وهذا الشخص عالى القدر أول من شرف البصرة من السادات الحسينية والجد الأمجد للسيد أحمد الرفاعى الكبير، ولما كان هذا الشخص عالى القدر يشتهر بالصلاح والزهد واتباع الأثر المميز للنبى صلى الله عليه وسلم ومقتديا بأبيه عينه نقيبا للأشراف حتى يطفئ بالشريعة الغراء وما بها من ماء الحياة نار الرفض والإلحاد التى انتشرت فى أطراف واسط وبغداد وعين خط حركة بإعطائه أمرا بذلك.

إن التوفيق الذى حدث بجهود السيد يحيى المكى ليس فقط طرد ودفع الرفض والإلحاد كليا من تلك النواحى، بل إعداد مئات من الذوات الكرام الذين كانوا

ص: 307

ثمرة إرشاد التكية الرفاعية والتى أصبحت فيما بعد منبع العلماء ومنشأ الأولياء وضمن هؤلاء الذوات الكرام شيخ الكل الحافظ الإمام تقى الدين الواسطى، وشيخ الطوائف وإمام الطرائق تاج العارفين أبى محمد طلحة الشنبكى الأنصارى الحدادى الحسينى، والأستاذ الكبير شيخ القوم الإمام الأجل أبى بكر بن هواز البطايحى، والفقيه الصوفى أبو محمد الداور دانى والشاعر الشهيد أبو الغنايم نجم الدين الهرثى الواسطى وشيخ البقرى الصوفى. الجاروزى، والشيخ حسين بن الحليم المحدث الجليل والحافظ قاسم بن محمد الشافعى الواسطى، والحافظ قاسم بن الحجاج الواسطى والشيخ الكبير أبو بكر الهمدانى والحافظ شيخ الإسلام جمال الدين أبى محمد الخطيب الأونيوى الفقيه والشيخ الكبير ثابت بن الصالح الحدادى الصوفى، والإمام الحافظ المفسر وحجة المحدثين عز الدين أحمد بن محيى الدين إبراهيم ابن الشيخ عمر أبى الفرج الفاروثى الواسطى والعلامة ابن سعدويه الواسطى وأبو الفتح محمد بن أحمد بن بختيار الواسطى، وتقى الدين إبراهيم بن على الواسطى، والحافظ الإمام الكبير تقى الدين عبد الرحمن الأنصارى الواسطى، وشيخ القراء الإمام المحدث أبو القراء محمد بن الحسين الواسطى، والعلامة مجد الدين يحيى بن الربيع الواسطى والحافظ ابن محمد الواسطى، والإمام مهذب الدولة سيد على بن عثمان الرفاعى الواسطى، وأخوه، والسيد عبد الرحيم، قدس الله أسرارهم.

والمؤرخون مثل: الذهبى والبرازانى، وابن كثير، وابن خلكان والعينى، وابن حوزى، وابن شحنة والصفدى، وابن حماد، وابن المهذب والآخرون قد زينوا الصحائف بترجمة أحوالهم.

وهكذا كانت التكية الرفاعية موقعا مهما عاليا وظلت متساوية مع الأرض مئات السنين وهذا ما أثار نخوة السلطان الدينية وحميته الإسلامية وقد عنى بإحيائها على أحسن صورة وأجملها فى هذه المرة ويرجى أن يعيد هذا التعمير والتجديد أهمية التكية الأولى.

ص: 308

وقد أراد السلطان صاحب الحكمة أن يوضح مدى رعايته للقطب الجليل واحترامه له فأمر بألا يجند أولاد السادة الذين من سلالة أحمد الرفاعى، كما أمر بإعمار حول مرقده المبارك بإسكانه بالناس، وهذا التوفيق العظيم أثار رضا وسرور جميع سكان البلاد العراقية من القبائل والعشائر واستفادوا من هذا التعمير؛ لذا بعث إلى مقام الخلافة الجليلة نقيب الأشراف فى ولاية البصرة السلطانية والسكان فى التكية الرفاعية السيد سعيد أفندى وعشرون شخصا من أكابر السادات الرفاعية ببرقية عارضين عليه شكرهم وثناءهم، إن هذا الكرم السلطانى الذى لا مثيل له لدليل واضح على عودة العمار والانتعاش اللذين كانت تتمتع بهما واسط وبطائح وما حولها، كما يذكر لنا التاريخ.

وفى ضمن إنشاءات سلطاننا العظيم التى وفق فيها ثكنتان للمشاة وثكنة للمدفعية فى مكة المكرمة المسميتان بغيرتية والحميدية نسبة لاسمه ودائرة حكومية ومركز كبير للشرطة، ولما كانت مكة المكرمة قد تعرضت لهجمات الأشقياء والظالمين فى عهد الدول الإسلامية الأخرى فإن هذه الإنشاءات السياسية والعسكرية ستؤمن هذه البلاد وبهذا نستطيع أن نقول إن هذه المدينة المباركة ستظل مصونة من هجمات الأشرار إلى الأبد.

والآن إن حمل لقب خادم الحرمين الشريفين يقتضى القيام بمثل هذه الحماية الجليلة والخدمات المهمة ومن هنا يتضح أن أية دولة إسلامية أخرى لم تقم بإحياء منبع زلال الإسلام مثل السلاطين العثمانيين ولما كان سلطاننا قد تفوق على أسلافه الكرام فى هذا الخصوص فمن واجبنا نحن العثمانيين بل من واجب جميع المسلمين الذين يسكنون على وجه البسيطة أن يرفعوا أياديهم بدعاء الخير المترتب على ما قدمته الذات السلطانية من خدمات شاكرين له.

ص: 309