الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصورة الأولى
ذكر الأحاديث الشريفة التى وردت بخصوص شد الرحال لزيارة مسجد
الرسول صلى الله عليه وسلم وآراء الفقهاء العظام
وموقفهم فى هذا الباب.
وعد الرسول صلى الله عليه وسلم بشفاعة أمته المخلصة عندما قال بأمر من الوحى «من زار قبرى وجبت له شفاعتى»
(1)
(حديث شريف) وذلك لكل واحد من الذين يزورون قبره.
بما أن هذا الخبر اللطيف قد روى من قبل أئمة الرواة ابن خزيمة والبزار والدّارقطنى والطبرانى عن عبد الله بن عمر-رضى الله عنهما-فلا شك فى صحته.
ذو الشهامة يزورون المرقد
…
لا يحرمون من ألطاف الله
لقد بشر أحمد بالشفاعة
…
لتكن مجنونا إذا لم تحظ بها
كما أن زوار الرسول صلى الله عليه وسلم مبشرون بالحديث الشريف الذى روى مرفوعا عن طريق عبد الرحمن بن زيد عن الإمام البزار عن ابن عمر رضى الله عنهما. «من زار قبرى حلت له شفاعتى»
(2)
(حديث شريف)، «من جاءنى زائرا لا يعلم له حاجة إلا زيارتى، كان حقا على أن أكون له شفيعا يوم القيامة»
(3)
(حديث شريف).
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد عن ابن عمر، وعزاه للطبرانى فى الكبير والأوسط،وقال: فيه مسلمة بن سالم وهو ضعيف.
وبناء على هذا الحديث الشريف فلا شبهة فى أن النبى صلى الله عليه وسلم سيشفع يوم القيامة المفزع للذين يشدون الرحال إلى المدينة المنورة لزيارته-عليه السلام-وقد نقل وروى أبو بكر بن المقرى فى «معجمه» مرفوعا عن ابن عمر-رضى الله عنهما-عن طريق مسلمة بن سالم الجهنى هذا الحديث.
وكل من يزور الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الحج بناء على الخبر الصحيح «من حج فزار قبرى بعد وفاتى كان كمن زارنى فى حياتى»
(1)
(حديث شريف) يكون كمن شاهد الرسول صلى الله عليه وسلم فى حياته، وبناء على قول ابن الجوزى ينال أجر مصاحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد روى هذا الخبر الإمام الطبرانى فى كتابيه «الكبير» و «الأوسط» عن زوجة الليث عائشة بنت يونس وعائشة عن زوجها الليث كما أنه رواه عن حفص بن أبى دواد القارى، وبما أن ابن الجوزى قد أخبر أن لفظة «صحبنى» من جملة كلمات هذا الحديث الشريف فلا شك فى أن الذين يوفقون فى أداء الحج وزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم يكونون قد زاروا الرسول صلى الله عليه وسلم فى حياته ونالوا شرف مصاحبته.
ومع ذلك فالذين يذهبون لأداء الحج ولا يزورون قبر الرسول بدون عذر شرعى يكونون قد جفوا الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا قد ثبت بالخبر الصحيح الذى رواه الدارقطنى عن طريق نعمان بن شبل وهو «من حج البيت ولم يزرنى فقد جفانى» (حديث شريف) وقد نقل وروى الحديث المذكور نعمان بن شبل عن الإمام مالك والإمام مالك عن نافع عن ابن عمر «رضى الله عنهما» مرفوعا.
(1)
من طريق عائشة بنت يونس رواه الطبرانى فى الصغير والأوسط قال الهيثمى فى المجمع: «عائشة بنت يونس لم أجد من ترجمها» .
مجمع الزوائد 2/ 4 ومن طريق حفص بن أبى داود رواه الطبرانى فى الكبير والأوسط.وحفص بن أبى داود وثقه أحمد وضعفه جماعة من الأئمة.
وقد اعترض بعض الرواة على هذا الحديث قائلين «إن نعمان بن شبل قد انفرد بهذا الحديث
(1)
.
وإذا ما نظرنا إلى ما رواه الدارقطنى عن نافع مرفوعا عن ابن عمر رضى الله عنهما، «من زارنى إلى المدينة كنت له شفيعا أو شهيدا» فالذين لا يزورون النبى صلى الله عليه وسلم فمن البداهة أنهم يجفون الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الحجاج الذين يذهبون إلى البلاد الحجازية ولا يزورون قبر الرسول صلى الله عليه وسلم فكأنهم لم يهتموا بما جاء فى الحديث الشريف من الكرم واللطف والمروءة، لأن رغبة الرسول صلى الله عليه وسلم فى الزيارة مبنية على أن ينال الزوار الأجر والمثوبة، لأن الحديث الشريف «من زار بيتى» وعلى قول «من زارنى كنت له شفيعا أو شهيدا ومن مات فى أحد الحرمين بعثه الله من الآمنين يوم القيامة» الذى رواه أبو داود الطيالسى-رحمه الله-يؤكد الحديث الأول كما يؤكد مجافاة الذى لا يزور قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
روى منهال بن عمرو عن سعيد بن المسيب: قد رأى بلال الحبشى بعد فتح بيت المقدس فى رؤياه النبى صلى الله عليه وسلم وبناء على الأمر النبوى الذى يجب أن يطاع من الكائنات كلها ذهب إلى المدينة وشغل بزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
عمر بن عبد العزيز الذى هو أعدل أهل السلوك وأزهد ملوك بنى أمية بينما كان مستقرا ومقيما فى الشام يأمر بزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم فى المدينة المنورة فيذهب ويزور قبر الرسول ويعرض سلامه وصلاته عليه.
أما الفاروق الأعظم عندما عاد من فتح بيت المقدس ذهب رأسا إلى حجرة السعادة، فزارها وألقى السلام على صاحب الرسالة ثم عاد إلى بيته.
ويقول يزيد بن المهدى، وعندما كنت سأعود من جنة الشام إلى مدينة الإسلام
(1)
قال ابن حبان فى كتابه «المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين» : النعمان بن شبل: من أهل البصرة، يروى عن أبى عوانة ومالك، أخبرنا عنه الحسن بن سفيان، يأتى عن الثقات بالطّامّات، وعن الأثبات بالمقلوبات، وأورد له هذا الحديث المذكور هنا.
أنظر: المجروحين لابن حبان 73/ 3،وميزان الاعتدال 265/ 4.
زرت مجلس عمر بن عبد العزيز الذى كان أمير مصر، فقال لى الأمير عند توديعه:«يا يزيد عندما تصل إلى دار السلام قبة الإسلام وتزور قبر سلطان الرسالة-عليه أجمل التحية-أرجو أن تعرض سلامى وتحياتى لذلك الجوهرة الفريدة للكونين المدفونة تحت ثرى المدينة ذات عطر كالمسك» .
وكان عبد الله بن عمر كلما يعود من سفر من أسفاره، كان يدخل فى الحجرة المعطرة ويزور الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وبعده قبر الصديق وبعده والده ابن الخطاب ويسلم عليهم وهذه الرواية الصحيحة منقولة من الإمام نافع، إذ يخبرنا الإمام أن عبد الله بن عمر-رضى الله عنهما-كان يعرض سلامه وتحاياه على الدرة اليتيمة التى تظهر فى داخل حزمتها المنورة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإننى قد رأيت ذاته السامية أكثر من مائة مرة وهو يقف فى حضور صاحب الرسالة يقول «السلام عليك يا رسول الله» ثم يقول السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبى ويشغل بالزيارة بهذه الطريقة، بيتى يوصل سلامه إلى المعرض المعلى للرسالة مشافهة ثم إلى رفيقى حياته ومشاركى حجرته الصديق الأكبر والفاروق الأعظم رضى الله عنهما، ثم يعود، وقد دخل على بن أبى طالب-رضى الله عنه-يوما ما فى المسجد الشريف فرأى مرقد فاطمة «رضى الله عنها» وبكى كثيرا وفى النهاية دخل فى الحجرة المعطرة وبعد أن بكى طويلا قال «عليكما السلام يا أخوى ورحمة الله» وهكذا سلم على أبى بكر وعمر-رضى الله عنهما-وعاد بعد ذلك؛ لأجل ذلك فالفقهاء العظام الذين يتشرفون بلقب حجج الإسلام يتجهون إلى المدينة المنورة بقصد زيارة قبر السعادة.
وبعد أن يصلوا إلى المسجد الشريف الذى يقابل البيت المعمور وهم محرمون وقد اهتزت جنباتهم من الابتهاج والفرح، يزورون الروضة الشريفة التى حسدها روض الجنان، ثم المنبر المنير، ثم القبر المنيف الذى يحتوى على الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يزورون الأماكن التى سار فيها وتنزه والأماكن التى جلس فيها مستندا على