المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الصورة الثالثةفى ذكر كيفية تجديد مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وتوسيعه للمرة الثالثة - موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - جـ ٣

[أيوب صبري باشا]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الصورة الأولىفى ذكر الأحوال الجغرافية للمدينة الميمونة

- ‌إخطار

- ‌الصورة الثانيةوجوب مراعاة حق جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر وبيان كيفية دفن من أدركه الأجل فى المدينة الطاهرة

- ‌منظومة

- ‌الصورة الرابعةتوضح وتبين كيف يستقبل شهر رمضان الشريف-مظهر الغفران-من قبلأطفال المدينة وكيف يكون رمضان فى مدينة طيبة

- ‌مطالعة

- ‌صورة أداء صلاة التراويح:

- ‌سبب إقامة موكب الشموع:

- ‌الصورة الخامسةفى بيان ترتيب وتشكيل موكب الشموع الذى اعتيد إجراؤه فى مسجد السعادةبعد صلاة التراويح

- ‌الصورة السادسةفى تعريف طريقة أداء صلاة الفجر وصلاة العيد فى شهر رمضان

- ‌صورة أداء صلاة الفجر:

- ‌صورة أداء صلاة العيد:

- ‌الصورة السابعةفى تعريف الهيئة الكاملة لمسجد السعادة فى الوقت الحالى

- ‌الصورة الثامنةفى بيان وذكر أبواب حجرة السعادة المعطرة أبوابها وقناديلها وشمعداناتها

- ‌سبب وتاريخ استخدام الأغوات فى الحجرة المنيفة

- ‌تعريف مقدار خدمة الفراشة الشريفة الجليلة:

- ‌مقام أبى بكر وعمر رضى الله عنهما:

- ‌صورة غسل حجرة السعادة

- ‌الخدمة الدائمة للخدم:

- ‌تأديب الأغوات المتهمين:

- ‌إخطار

- ‌صورة تسكين الأغوات:

- ‌خدمات خدم مسجد السعادة الدائمة والمؤقتة:

- ‌الخطباء والأئمة فى الحرم النبوى الشريف

- ‌مكبرو الحرم الشريف

- ‌سقاء والحرم الشريف

- ‌استطراد

- ‌الوجهة الثانيةوتعرف حكم شد الرحال إلى المدينة بغرض زيارة مسجد الرسولصلى الله عليه وسلم

- ‌الصورة الأولىذكر الأحاديث الشريفة التى وردت بخصوص شد الرحال لزيارة مسجدالرسول صلى الله عليه وسلم وآراء الفقهاء العظام

- ‌إخطار

- ‌نصيحة

- ‌الصورة الثانيةفى ذكر وبيان فضائل المسجد النبوى الشريف والمنبر اللطيف والروضة النبويةالمنيفة

- ‌رواية

- ‌إخطار مهم

- ‌إخطار

- ‌بيان المصلى النبوى وبيان حدوده

- ‌الوجهة الثالثةتحتوى على ثلاث صور فى تعريف أسماء المدينة الطاهرة وفضائلها

- ‌الصورة الأولىفى بيان أسماء المدينة المنورة الجميلة وألقابها الجليلة

- ‌حرف الهمزة:

- ‌1 - أثرب:

- ‌2 و 3 - أرض الله، أرض الهجرة:

- ‌4 و 5 - أكالة البلدان [ز]،أكالة القرى [ز]:

- ‌6 - الإيمان [ز]

- ‌حرف الباء:

- ‌7 و 8 - البارة [ز]

- ‌9 و 10 و 11 - ومن أسمائها الشريفة بحره، بُحيرة، بَحيرة

- ‌12 - بلاط [ز]:

- ‌13 - بلد [ز]:

- ‌14 - بيت الرسول، صلى الله عليه وسلم [ز]:

- ‌حرف التاء:

- ‌16،15 - تندر [ز] تيدر [ز]:

- ‌حرف الجيم:

- ‌20،19،18،17 - جابرة [ز] جبار، جبابرة [ز] جبّارة:

- ‌21 - جزيرة العرب [ز]:

- ‌حرف الحاء:

- ‌23 - الحبيبة:

- ‌24 - حرم:

- ‌26،25 - حرم رسول الله [ز]،حسنة:

- ‌حرف الخاء:

- ‌28،27 - خيره، خيره:

- ‌حرف الدال:

- ‌37،36،35،34،33،32،31،30،29 - الدار [ز] دار الأبرار، دارالأخيار [ز] دار الإيمان [ز] دار السلام [ز] دار السنة [ز] دار السلامة [ز] دارالفتح [ز] دار الهجرة:

- ‌38 - درع، الحصينة [ز]:

- ‌حرف الذال:

- ‌39 - ذات الحجر [ز]:

- ‌40 - ذات الحرار [ز]:

- ‌41 - ذات النخل [ز]:

- ‌حرف السين:

- ‌42 - سلق:

- ‌43 - و 44 سلق وسلق

- ‌45 - سيدة البلاد [ز]:

- ‌46 - شافية [ز]:

- ‌حرف الطاء:

- ‌50،49،48،47 - طابه، طيبه، طيبة، طائب [ز]:

- ‌كما أن مطيبه (51) وطبابا (52) من أسماء المدينة

- ‌حرف الظاء:

- ‌54،53 - ظيابا [ز] ظبابا:

- ‌حرف العين:

- ‌55 - عاصمة:

- ‌56 - عذراء:

- ‌57 - عراء [ز]:

- ‌حرف الغين:

- ‌60،59 - غراء [ز]:غالبه [ز]:

- ‌حرف الفاء:

- ‌61 - فاضحة [ز]

- ‌حرف القاف:

- ‌62 - قاصمة [ز]:

- ‌67،66،65.64،63 - قرية [ز] قرية الأنصار [ز] قبة الإسلام، قريةالرسول، قلب الإيمان [ز]

- ‌حرف الميم:

- ‌68 - مؤمنة [ز]:

- ‌69 - 103 مباركة [ز]

- ‌حرف النون:

- ‌106،105،104 - ناجية [ز] نبلاء [ز] نجر [ز]

- ‌حرف الهاء:

- ‌108،107 - هرزاء [ز] هز:

- ‌حرف الياء:

- ‌111،110،109 - يثرب، يندد [ز]:

- ‌الصورة الثانيةفى ذكر الروايات التى نقلت من الآثار الموثوقة والأخبار الصحيحة فى فضلورجحان المدينة المنورة على سائر الممالك

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر الأحاديث الشريفة التى وردت فى حق الذين اختاروا الإقامة فىالمدينة الطاهرة والذين أحدثوا البدعة والمبدعين والذين يعاونونهم

- ‌الوجهة الرابعةتشمل خمس صور تفصل أوائل حال المدينة المنورة وسكانها القدماء

- ‌الصورة الأولىفى ذكر أحوال المدينة الأولى وأطوار سكانها القدماء وأحوالهم

- ‌الصورة الثانيةفى ذكر القبائل التى كانت فى أرض يثرب وقت أن هاجر إليها الأوسوالخزرج بن ثعلبة

- ‌سبب ظهور وقعة مالك بن عجلان وصورة ظهورها:

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر بيان القرى والمحال التى أسسها أفراد قبائل بنى الأوس حول المدينة

- ‌الصورة الرابعةفى تعريف ووصف القرى والمنازل التى سكنها بعد تهيئتها أبناء قبائل الخزرجوجماعاتها فى جوار مدينة الرسول

- ‌الصورة الخامسةفى تعريف رؤية الملاحم التى ظهرت قبل الإسلام بين قبائل الأنصار الكريمةوالمعارك المشهورة

- ‌رواية

- ‌الوجهة الخامسةوتشمل ثلاث صور تعين إرسال مصعب ابن عمير إلى يثرب

- ‌الصورة الأولىفى ذكر بيعة السابقين من الأنصار للإسلام وفى دعوة مصعب بن عمير أهلالمدينة إلى الإسلام

- ‌حكمة

- ‌سبب كون النبى صلى الله عليه وسلم أنصاريا من الخزرج:

- ‌الصورة الثانيةفى هجرة النبى صلى الله عليه وسلم إلى دار الأمن المدينة المنورة

- ‌عربى

- ‌رواية

- ‌إخطار

- ‌ المعجزة

- ‌مسألة

- ‌إخطار

- ‌الصورة الثالثةفى بيان وقائع سنين الهجرة وتفصيلاتها الإجمالية

- ‌السنة الأولى للهجرة

- ‌سنة الأذان المحمدى:

- ‌أصول التسبيح فوق المآذن:

- ‌السنة الثانية للهجرة

- ‌السنة الثالثة الهجرية

- ‌ السنة الرابعة الهجرية

- ‌السنة الخامسة الهجرية

- ‌السنة السادسة الهجرية

- ‌السنة السابعة الهجرية

- ‌السنة الثامنة الهجرية

- ‌السنة التاسعة الهجرية

- ‌السنة العاشرة الهجرية

- ‌السنة الحادية عشرة الهجرية

- ‌الوجهة السادسةوتشتمل على إحدى عشرة صورة تعرف بالتفصيل توسيع وتجديد المسجدالشريف ودار فاطمة رضى الله عنها السعيدة

- ‌الصورة الأولىفى ذكر صورة طرح وتأسيس مسجد السعادة على صاحبه أفضل التحية

- ‌استطراد

- ‌ حديقة أولاد صفى

- ‌رأى ومطالعة

- ‌إخطار

- ‌الصورة الثانيةتبين توسيع مسجد السعادة وتحويل المحراب الشريف

- ‌إخطار

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر الأماكن السعيدة التى صلى فيها من المسجد الشريف إمام محرابالملكوت-عليه السلام

- ‌مؤسس محراب مسجد السعادة:

- ‌نظم

- ‌الصورة الرابعةفى تعريف جزعة مسجد السعادة والمحل القديم لمحراب النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌إخطار

- ‌تنبيه

- ‌نعت شريف

- ‌الصورة الخامسةتبين سبب تأسيس منبر مسجد النبى وصورته وجزع ونحيب النخلة

- ‌مثنوى

- ‌استطراد

- ‌مثنوى

- ‌‌‌مثنوى

- ‌مثنوى

- ‌حكاية

- ‌استطراد

- ‌الصورة السادسةفى ذكر عدد المرات التى جدد فيها منبر السعادة وعدد المرات التى عمر

- ‌إخطار

- ‌الصورة السابعةفى بيان الأساطين التى ركزت فى مسجد السعادة فى عصر النبى السامى صلى الله عليه وسلم

- ‌كانت الأساطين الأصلية لمسجد السعادة ثمانية أعمدة موزونة متساوية، وقدزيد مؤخرا عدد أساطين المسجد الشريف المنيفة

- ‌1 - الأسطوانة المخلقة:

- ‌2 - أسطوانة عائشة:

- ‌3 - أسطوانة التوبة:

- ‌4 - أسطوانة السرير:

- ‌5 - أسطوانة المحرس:

- ‌6 - أسطوانة الوفود:

- ‌إخطار

- ‌7 - أسطوانة مربعة القبر:

- ‌8 - أسطوانة التهجد:

- ‌9 - محراب باب الجنائز:

- ‌الأبيات التى سطرت على الأساطين الأربع من الصف الأول:

- ‌الأسطوانة الأولى

- ‌الأسطوانة الثانية

- ‌الأسطوانة الثالثة

- ‌الأسطوانة الرابعة

- ‌الأسطوانة الخامسة

- ‌الأسطوانة السادسة

- ‌الأسطوانة السابعة

- ‌الأسطوانة الثامنة

- ‌الأسطوانة التاسعة

- ‌الأسطوانة العاشرة

- ‌الأسطوانة الحادية عشرة

- ‌الأسطوانة الثانية عشرة

- ‌استطراد

- ‌الصورة الثامنةفى ذكر وبيان المقام واجب الاحترام الذى يطلق عليه «الصفّة»

- ‌استطراد

- ‌أصحاب الصفة الذين أورد أبو نعيم أسماءهم الجميلة ومناقبهم الجليلة منبين هؤلاء:

- ‌كيفية إعاشة أصحاب الصفة:

- ‌الصورة التاسعةفى تعريف الحجرة النبوية المعطرة

- ‌حكاية

- ‌حكاية أخرى

- ‌الصورة العاشرةفى تعريف دار فاطمة-رضى الله عنها-السعيدة

- ‌الصورة الحادية عشرةفى تعريف كيفية إغلاق الأبواب التى تواجه مسجد النبى فى عصر السعادة

- ‌الوجهة السابعةتجمع خمس صور تبين وتظهر عدد المرات التى جددت فيها حدود المسجدالنبوى

- ‌الصورة الأولىفى ذكر توسيع مسجد الرسول لأول مرة

- ‌الصورة الثانيةفى ذكر كيفية تجديد مسجد السعادة وتوسيعه للمرة الثانية

- ‌مقصورة مسجد السعادة

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر كيفية تجديد مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وتوسيعه للمرة الثالثة

- ‌مطالعة

- ‌صورة أداء صلاة الجنازة فى مسجد السعادة وسبب منعه

- ‌استطراد

- ‌موازنة تاريخية

- ‌الصورة الرابعةفى تعريف تجديد مسجد السعادة وكيفية توسيعه للمرة الرابعة

- ‌إخطار

- ‌الصورة الخامسةفى تعريف الحجرة المعطرة والقبور الثلاثة المنورة

- ‌الشكل الأولقبر النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌الشكل الثانىقبر النبى صلى الله عليه وسلم/قبر عمر بن الخطاب رضى الله عنهقبر أبى بكر الصديق رضى الله عنه

- ‌الشكل الثالثقبر النبى صلى الله عليه وسلم/قبر أبى بكر الصديق رضى الله عنهقبر عمر بن الخطاب رضى الله عنه

- ‌الهيئة المرئية للقبور الثلاث المقدسة فوق الأرض:

- ‌شبكة قبر السعادة

- ‌رواية

- ‌الوجهة الثامنةوتحتوى على تسع صور وتشمل تفصيلاتعن علامات رأس النبى الشريف ومقام جبريل الأمين السامى

- ‌الصورة الأولىفى ذكر علامة الجهةالتى يوجد فيها رأس الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌إخطار

- ‌الصورة الثانيةترى وتعرف علامة جهة وجه النبى اللطيف

- ‌الصورة الثالثةفى تعريف مقام جبريل الأمين وتعيينه

- ‌الصورة الرابعةفرش حجرة السعادة وتعميرها وتجديدها

- ‌ذيل

- ‌حكاية

- ‌الصورة الخامسةفى تعريف ستارة الحجرة المعطرة

- ‌أصول تعليق ستارة قبر السعادة وتجديدها

- ‌الصورة السادسةفى تعريف صورة تخليق(1)حجرة السعادة

- ‌الصورة السابعةفى بيان وتعريف قناديل الحجرة الشريفة

- ‌غريبة

- ‌الصورة الثامنةفى تعريف الشبكة الشريفة التى تحيط بالحجرة المعطرة ودار فاطمة-رضى اللهعنها-السعيدة

- ‌ القصيدة

- ‌ القطعة

- ‌الصورة التاسعةفى ذكر قبة حجرة السعادة

- ‌الوجهة التاسعةوتحتوى على ثمانى صور

- ‌الصورة الأولىفى تعريف المصاحف الشريفة والأجزاء القرآنية اللطيفة وكتب الأدعيةالموجودة فى الخزينة النبوية

- ‌أجزاء القرآن الشريفة:

- ‌الدلائل(1)الشريفة

- ‌الصورة الثانيةفى تعريف وذكر وتفصيل جنس الأشياء النفيسة ومقدار الأشياء المحفوظة فىداخل حجرة السعادة المشحونة بالنور

- ‌عدد

- ‌الأشياء المتنوعة

- ‌عدد

- ‌عدد

- ‌عدد

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر وبيان جنس ومقدار الأشياء التى تبرع بها والتى علقت فى داخلالحجرة المعطرة التى تعدل الجنة

- ‌الصورة الرابعةفى ذكر وتعريف أطقم البخور والسكات من الفضة والذهب والمحفوظة فىداخل الحجرة المعطرة والتى تخرج كلما اقتضت الحاجة إليها

- ‌الصورة الخامسةفى ذكر تفصيل الشمعدانات والأشياء الأخرى المحفوظة فى داخل حجرةالسعادة جنسها ومقدارها والتى تستخدم كلما دعت الحاجة إلى استعمالها

- ‌الصورة السادسةفى تعريف الأشياء الفضية النفيسة-جنسها ومقدارها-المحفوظة فى خزينةالحجرة المعطرة الجليلة

- ‌الصورة السابعةفى تعريف وتفصيل الستائر والأغطية التى تغطى أبواب حجرة السعادةوالمقامات المنيفة الأخرى مقدارها وأنواعها

- ‌الصورة الثامنةتبين وتعرض الشمعدانات والتعليقات والثريات

- ‌خلاصة

- ‌مسألة

- ‌إخطار

- ‌قطعة

الفصل: ‌الصورة الثالثةفى ذكر كيفية تجديد مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وتوسيعه للمرة الثالثة

‌الصورة الثالثة

فى ذكر كيفية تجديد مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وتوسيعه للمرة الثالثة

.

وسع المسجد النبوى فى المرة الثالثة الوليد بن عبد الملك وجدده، وظل المسجد الشريف إلى قرب عهد عبد الملك الشامى على الحالة والهيئة التى صنعها عثمان بن عفان وظل فى حالته تلك واسعا متين البناء لا يحتاج للتعمير، إلا أن الوليد ابن عبد الملك رغب فى توسيع مسجد السعادة وتجديده على شكل أكثر نظاما وزينه فى طرز جديد، فكتب إلى حاكم القسطنطينية فيلبوس طالبا منه أن يرسل مقدارا كافيا من العمال المتفننين المهرة وقدرا كافيا من الفسيفساء الجميلة، فأرسل فيلبوس ثمانين نفرا من مهرة العمال المشهورين نصفهم من القبط والنصف الآخر من الروم كما أرسل ثريّا نادرة تساوى أربعين ألف دينار.

وسر الوليد بن عبد الملك من ورود الثريا والعمال المرسلين من القسطنطينية وأرسل هؤلاء العمال والنقود والمواد اللازمة لتجديد مسجد الرسول إلى ابن أخيه عمر ابن عبد العزيز

(1)

وأعطى رسالة مستفزة للشخص الذى كلفه بإيصال الأشياء المذكورة يقول فيها أرسلت إليكم النقود واللوازم الكافية لتجديد مسجد الرسول وتوسيعه وبعض العمال، وعند وصول هذه الأشياء اشتر منازل الزوجات المطهرات للنبى صلى الله عليه وسلم ثم منازل المحترمين من الناس واشرع فى تجديد المسجد وتوسيعه على هذا الأساس وأعط بدلات قيمة المنازل التى اشتريتها، وإذا وجد من يخالف بيع منازلهم وإعطائه فأظهر لهم القوة الجبرية واهدم منازل هؤلاء الأشخاص وخربها، وإذا رفضوا أخذ المبالغ المقدرة فوزع النقود على فقراء

(1)

وكان عمر بن عبد العزيز فى ذلك الوقت والى الحجاز ويقيم فى المدينة المنورة. وكان جده مروان بن الحكم وكان اسم والدته ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو الإمام الجليل وخامس الخلفاء الراشدين العادل، وحكم ما يقرب من سنتين وخمسة أشهر ولما كان عمره أربعين عاما ارتحل عن دنيانا فى مكان يسمى دير سمعان من أرض حمص ليسكن فى عرش الآخرة.

ص: 279

الأرض وتصدق بها سريعا، ولما وصل الشخص المكلف بهذه المهمة من الخليفة إلى عمر بن عبد العزيز فى المدينة المنورة أعطاه رسالة الوليد فتسلم اللوازم والأشياء المرسلة بموجب سجل وأخذها وجمع سادات المدينة وعظماءها والأشراف.

وأحضرهم وأظهر لهم الرسالة الى أرسلها الوليد بن عبد الملك وأوصاهم بأن يوافقوا على إجراء ما جاء فى مضمون هذه الرسالة وقال لهم: «إن كان مندرجات هذه الرسالة تحتوى على وجوب إجراء بعض الأمور الصعبة وغير اللائقة فيجب السكوت عليها، لأن واقعة الحرة لم تزل قريبة منا ولم يمر وقت طويل حتى تنسى» .

وبما أن رسالة الوليد قد أقلقت سادات المدينة الكرام ولا سيما جملة هدم حجرات نساء النبى العليا، فإن المضرة أصابت أذهانهم بالسوء فأسرعوا بتشكيل مجلس عام أداروا كئوس المذاكرة وأقداح المحاورة، وأبدى كل فرد رأيه فى حرية تامة فالتزموا فكر عدم السماح بهدم الحجرات وأصروا عليه، ولكن بعض القلقين من بينهم أرادوا أن يقنعوا هيئة الشورى قائلين:«إن الطريق الذى أراه لنا عمر بن عبد العزيز موافق للعقل والحكمة، إذا ما خالفنا رأيه السديد نكون لم نستفد بعد من واقعة الحرّة الأليمة ولم ننتبه بعد، وبدلا من أن نعرض الروضة المطهرة للتلويث تحت أقدام الشاميين النجسة فمن الخير أن نوافق على أمر الوليد» .

وبذلوا جهودا لذلك وساد المجلس هدوء طويل وبعده وافقوا على توسيع مسجد السعادة كما أراد الوليد قائلين: «إذا رفضنا نكون قد عرضنا الروضة المطهرة للتلويث وسلمنا أولادنا وعيالنا بأيدينا إلى أيادى الأعداء» وذلك حتى لا يتسببوا فى واقعة حرة أخرى، وعرضوا رسالة ابن عبد الملك للناس جميعا سائرين من الحى إلى الحى وأعلنوا القرار الواقع وأشاعوه.

وكان أهل المدينة يريدون أن يتركوا للأخلاق أثرا عظيما يبين طرفا من حياة سلطان عرش الإسلام-عليه السلام-يبين طريقة معيشة النبى-عليه السلام ومن هنا كان رفضهم الهدم لحجرات نساء النبى صلى الله عليه وسلم.

ص: 280

ولم يفكر الوليد فى مثل هذه الأمور الدقيقة بل طلب من عمر بن عبد العزيز هدم حجرات زوجات النبى صلى الله عليه وسلم وإدخالها فى ساحة المسجد وهذا الطلب قد ملأ القلوب باليأس وجلب الحزن والهم والغم للجميع ومن هنا رجوا من عمر بن عبد العزيز أن يطلب من الوليد بن عبد الملك أن يترك حجرات نساء النبى صلى الله عليه وسلم على حالها حتى يراها الزوار والحجاج ويعرضون عن زخارف الدنيا، وعرض عمر بن عبد العزيز ما اتفق عليه فقهاء المدينة وأجمعوا عليه، ولكن الوليد لم يرجع عن رأيه وأمر بأن تهدم مطلقا، فاضطر هنا عمر بن عبد العزيز إلى تنفيذ أمر وليد ولكنه أبقى حجرة السيدة فاطمة-رضى الله عنها-ولم يهدمها.

وحينما عرضت رسالة الوليد الغير مهذبة الأسلوب على سكان دار السكينة فلا يمكن وصف ما أحدثته الرسالة من هياج بين أهل المدينة فى ذلك اليوم، وأخذ الذين سمعوا بهدم حجرات الآيات النبوية أخذوا يبكون وينتحبون ويصيحون بحالة قد ترق لها حتى الجمادات، وقد انسحب كل واحد منهم فى ناحية وأخذ يبكى مهموما حتى أقلقوا من بالملأ الأعلى وغشيتهم بحار الهموم، وقد بلغ مقدار ما أظهره الوليد من الوقاحة فى هذا الشأن درجة أنه أراد أن يشرف بنفسه على هذا العمل دون أن يهدم الحجرات ويثير القيل والقال، فذهب محرما إلى مكة المكرمة بنية الحج ومر بالمدينة عند العودة، ولما رأى أن الحجرات المطهرة قد هدمت كلها بالقوة وأبقى حجرة فاطمة دون هدم فغضب غضبا شديدا واعتلى المنبر السعيد وألقى خطبة شنيعة.

وكان القائم على دار سعادة السيدة فاطمة فى ذلك الوقت هو «محسن بن الحسن بن على بن أبى طالب» -رضى الله عنهم-وكان محسنا يجلس فى منزله ويستمع إلى خطبة الوليد من نافذته.

وبما أن موقف محسن بن الحسن هذا أثار خصومة الوليد وغضبه نزل من على منبر الرسول وقال لابن أخيه عمر بن عبد العزيز، بما أنك هدمت جميع حجرات نساء النبى فمن غير المناسب أن تبقى على منزل فاطمة-رضى الله عنها-قائما، ولهذا آمرك أن تهدمه أيضا وعلى قول، نزل من على المنبر النبوى وأمر بهدم

ص: 281

ذلك البيت السعيد وأجاب على محسن بن الحسن الذى قال كيف تهدم البيت وأنا لن أخرج منه؟ أجاب إذن أهدمه على رأسك ثم أحضر مقدارا كافيا من العمال وأخذ فى هدم المنزل، فرأى الناس أن الوليد مصر على عناده ومحسن صابر وثابت فى عدم الخروج من ذلك المنزل، فأخذوا ينصحون محسنا بالخروج حتى لا تحدث نكبة أخرى للموحدين تظل ذكراها إلى يوم القيامة وأرضوه وأخرجوه مع جميع أفراد أسرته ونقلوا إلى دار لا عيب فيها يقال لها دار على فى ذلك الوقت.

وينقل بعض المؤرخين هذه الواقعة بشكل آخر؛ إذ يقولون: «كان الوليد بن عبد الملك وصلته الأخبار وهو فى الشام بعدم هدم منزل فاطمة السعيد، فأرسل تعليماته إلى والى الحجاز عمر بن عبد العزيز بالإسراع فى هدمه لإدخاله فى حرم المسجد الشريف» .فأعطى عمر بن عبد العزيز محسن بن الحسن بن على وفاطمة بنت الحسين بن على بن أبى طالب مبلغ ثمانية آلاف دينار، وبما أنهما لم يرضيا فآثر السكوت متأدبا، وكتب ردا على رسالة الوليد يقول فيه:«قد أعطيت لأصحاب بيت السيدة فاطمة-رضى الله عنها-محسن بن الحسن وبنت عمه فاطمة بنت الحسين-رضى الله عنهم-ثماينة آلاف دينار فلم يقبلاه وبما أنك، صاحب الإمارة، تعرف أنهما من أعاظم سادات البتول، فلا يجوز أن نتجاوز حدودنا معهما وتعاملهما معاملة الناس العاديين وألمح له أن ترك ذلك البيت القيم على حاله أنسب، وكان عمر بن عبد العزيز يأمل أن يسكت الوليد بناء على هذه الرسالة، إلا أن الوليد قد غضب غضبا شديدا من محسن ابن الحسن بعد استلامه رسالة عمر بن عبد العزيز وكتب رسالة مسهبة أخرى قال فيها «يجب أن يرضى هذان أيضا ولا محالة وإذا لم يرضيا يجب أن تستعمل القوة الجبرية لأخذ منزلهما وهدمه» فأحضر عمر بن عبد العزيز المشار إليهما وأرضاهما ونقلهما إلى دار على المستقرة فى القرب من الحرة الشرقية وآواهما.

وجمع عمر بن عبد العزيز لبنات هذه الدار السعيدة ولبنات حجرات زوجات النبى رضى الله عنهن-السليمة عند هدمها مع لبنات جدران مسجد الرسول، أى

ص: 282

جمع لبنات مسجد الرسول مع أنقاض حجرات نساء النبى فى مكان واحد ثم نقلهن إلى مكان يطلق عليه حرة حيث بنى لنفسه من هذه اللبنات دارا متبركا بها.

يقول الإمام السمهودى بناء على المعلومات الموثوقة التى حصل عليها، إن الجرأة

(1)

التى اتصف بها الوليد فى تجديد مسجد الرسول وأظهرها وكذلك فى هدم منزل فاطمة السعيد-رضى الله عنها-آتية من أن جاسوسا قال له: «إن فى المدينة شخص مليح المنظر ملائكى الوجه ومادام هذا الشخص ساكنا فى المكان الذي فيه فلا يمكن أن تسيطر على أهل المدينة» لأن الوليد كان يرسل كل سنة جاسوسا إلى المدينة ليطلع على أطوار أهل المدينة وأعمالهم، فقال له أحد جواسيسه الذين يأتون إلى المدينة ويذهبون «يا وليد! قد اطلعت فى المدينة على شئ، ومادام هذا الشئ باقيا هناك فلن ينفذ حكمك على المدينة والأرض» وعندما استوضح الوليد الأمر أجابه قائلا: «وجدت يوما فى مسجد الرسول، هناك فى الجهة الغربية من المسجد مكانا وكان متصلا به ومستورا، وفى أوقات الصلاة ترفع ستارة ذلك المكان ويصلى من بداخله مؤتمين بالإمام، وبعد أداء الصلاة يرخون الستارة، فأثار هذا العمل فضولى فألقيت نظرة لذلك المكان الذى يشبه الفردوس فرأيت فى داخله رجلا ذا وجه ملائكى محبوبا ممدوح الأخلاق، وكان فى يده مكحلة، والأخرى مرآة، فسألت عن كنهه، فقيل لى إنه محسن بن الحسن بن على بن أبى طالب، والمكان الأنور الذى فيه داره التى انتقلت إليه من والدته وأظهروا له احترامهم، ومادام هذا الرجل فى داخل المسجد وظل منزله السعيد فى داخل المسجد كما هو الآن لا أظن أن حكمك سيسرى فى المدينة دار الميمنة» .

ولما سأله الوليد قائلا «وما هو الحل والتدبير؟» أجابه «إلحاق منزل فاطمة بالمسجد بوسيلة تجديد مسجد السعادة» فأمر الوليد عمر بن عبد العزيز توا بإجراء ما يقتضى بخصوص هذا الموضوع، ولم يكن منزل حفصة بنت عمر بن الخطاب رضى الله عنهما-إلى تلك الواقعة قد أخذ منها وبعد أخذ عمر بن عبد العزيز دار فاطمة-رضى الله عنها-وضمها إلى ساحة مساحة المسجد النبوى استدعى

(1)

قد ذكرت الأسباب التى جرأت الوليد بهذا القدر فى آخر هذه الصورة بالاستطراد.

ص: 283

أسرة عمر بن الخطاب وخاطبهم قائلا: «قد أمر الوليد بن عبد الملك بإدخال منزل حفصة-رضى الله عنها-الجميل فى ساحة مسجد السعادة والذى يوجد على يمين الباب الصغير الخاص بآل عمر إذ تعرفون أن أبناء السبيل لا يراعون حرمة المكان وهم يمرون من بين المرقد النبوى الجميل والذى يقع بين منزل المشار إليها وحجرة عائشة-رضى الله عنها-وهذا غير لائق ويخالف قواعد الأدب والتعظيم وكان دهليز القبر الجليل ممرا لأبناء السبيل، ومن هنا أخذت المكان الذى كان ممرا وألحقته بالمسجد الشريف حتى أمنع تلك التصرفات التى لا تتسم بالرعاية لحرمة المقدسات، وعلى هذا يقتضى إلحاق دار حفصة-رضى الله عنها-بالمسجد الشريف أيضا» ،وبهذه المقدمة طلب حجرة حفصة، ولما قال آل عمر إننا نتحاشى ونحترز من بيع بيت حفصة بالنقود أجابهم قائلا إننى أريد أن أضم ساحته إلى مسجد السعادة فقالوا له ذلك أمر يخصك ولكننا نريد طريقا خاصا بنا عندئذ أمر بهدم ذلك المنزل وإلحاقه بمسجد السعادة وفتح طريقا من أجل آل عمر وبهذا جعلهم رهن الفرح والسرور.

وكان طريق آل عمر القديم شديد الضيق يكاد لا يسمح بمرور شخص واحد، ولكن المشار إليه فتح طريقا واسعا فقدره الأهل وأثنوا عليه.

ويرى البعض أن الحجاج بن يوسف الثقفى أراد أن يأخذ ذلك المنزل الذى يشبه الثريا من عبد الله بن عبد الله ولما قال له عبد الله إننى لا أستطيع أن أبيع بيت رسول الله طمعا فى ثمن قليل، أجاب الحجاج لابد أن أهدم ذلك المنزل وأخرجه فقال له إنك لا تستطيع أن تهدمه إلا إذا هدمته فوق رأسى، إننى لن أخرج من دارى حتى تستطيع أن تهدمه وعندما أخذ الحجاج هذا الرد منه أحضر عمالا وأخذ يهدم فى المنزل وعبد الله بن عبد الله فى داخله، وإن كان عبد الله بن عبد الله أصر على عدم الخروج إلا أن أفراد بنى عدى توسطوا فى الموضوع وقالوا يا عبد الله مازلنا إلى الآن فى أشد الألم من نار فراق المرحوم والدك، فكيف لنا الصبر على النار التى ستفجعنا بها ذاتك السامية وأخرجوا المشار إليه.

ظن الحجاج الصفيق أن عمله هذا أى إخراج عبد الله من بيته نجاحا كبيرا

ص: 284

فأخبر الوليد بن عبد الملك بما فعله، وأجابه الوليد بأن يعطى النقود التى قدرت ثمنا لبيت حفصة إلى عبد الله وفى حالة رفضها أن تصرف تلك النقود فى أمور مسجد السعادة، إلا أن عمر بن عبد العزيز أعطى الجزء الذى لم يدخل فى ساحة مسجد السعادة لعبد الله بن عبد الله وفتح طريقا منتهيا إلى مسجد السعادة كما فتح بوابة من بيت المشار إليها إلى الطريق المذكورة وهكذا طيب خاطر عبد الله.

ويفهم من كل هذه الروايات أن الوليد بن عبد الملك هو الذى اشترى الحجرات؛ إلا أن زين المراغى نقل رواية عن الإمام السهيلى تبين أن تلك المنازل قد اشتريت فى زمن عبد الملك بن مروان وأدخلت فى مسجد السعادة إلا أنها لم تهدم تبركا بها، ويتحقق من كل هذه الروايات أن عبد الملك ابن مروان سمح للمسلمين أن يدخلوا فى الحجرات ليؤدوا الصلاة فيها، كما أن ابنه الوليد هدمها كلها وضم ساحتها إلى مسجد السعادة وقد ثبت عن المؤرخين أن الناس كانوا يدخلون أيام الجمع فى حجرات زوجات النبى ويصلون فيها.

وبعدما انتهت منازعات إعطاء البيوت كما سبق شرحه، هدم عمر بن عبد العزيز المنازل المشتراة وسطح ساحتها وضمها إلى مسجد السعادة، وابتدر فى وضع أساس البناء المقدس وبنى جدار القبلة فى مكانه الأول وجدار جهة باب السلام أوصل إلى الأسطوانة المربعة كما سحب جدار جهة الشام إلى العمود العاشر من الأساطين المربعة للقبر الجليل، وإذا عد هذا العمود من أعمدة الجدار الشامى فهو الرابع، وأضاف إلى الجهة الغربية أسطوانتين

(1)

،وبهذا أوصل طول مسجد السعادة إلى 167 ذراعا وعرضه إلى 135 ذراعا.

وعند البعض أوصل طول مسجد السعادة إلى 200 ذراع وعرض الطرف الشامى إلى 180 ذراعا وعرض الطرف القبلى إلى 200 ذراع وأدخل قبر النبى الجليل ومقبرتى الشيخين الجليلين فى داخل المسجد وإدخال القبرين الشريفين فى المسجد الشريف يومئ إلى اتخاذ المقابر مسجدا وهو أمر غير مسموح شرعا من

(1)

كان مكان أحد هاتين الأسطوانتين ساحات حجرات نساء النبى وثلاثة منازل لعبد الرحمن بن عوف يقال لها قرائين.

ص: 285

هنا اعترض على ذلك من قبل سعيد بن المسيب بعض الاعتراض إلا أن أحدا لم يعر له أذنا.

وقد استخدمت الأحجار المنحوتة فى بناء الجدران كما أن الأعمدة قد دعمت بالحديد والنحاس وعلقت الثريا التى أرسلها الحاكم فيلبوس من القسطنطينية فى جهة مناسبة وزينت الجدران من الداخل والخارج برخام مجلى والذهب والفسيفساء، كما أن أسفل الأعمدة وأعلاها ذهبت بأنواع مختلفة من الذهب كما زينت عتبات الأبواب.

معجزة جليلة: قال أحد عمال الروم الذين أرسلهم فيلبوس لزملائه إننى سأتبول فوق قبر محمد صلى الله عليه وسلم الذى يحترمه المسلمون أعظم احترام ويعزونه كثيرا وأخذ يحل حزامه ولكن زملاءه منعوه عن ذلك فلم يستطع أن ينفذ ما فى ضميره، وبعد دقيقتين من هذا الحوار غير اللائق وقع هذا الشخص سخيف الأفكار على أم رأسه وذهب إلى دار البوار وبناء على ذلك أسلم جميع زملائه.

وقطع عمر بن عبد العزيز واقتلع أشجار النخيل التى فى نهاية الجدار الشرقى للمسجد الشريف وأبطل نظام إقامة صلاة الجنازات فى داخل المسجد وألغاه

(1)

، وأتم بناء مسجد السعادة فى خلال سنة إحدى وتسعين

(2)

وعرض الأمر على الوليد بن عبد الملك، وسافر وليد بن عبد الملك محرما بنية الحج إلى مكة المعظمة، ومر بعد الحج بالمدينة المنورة وأجال نظره فى حرم السعادة وأمر بأن تهدم جميع سقوف مسجد السعادة وأن يصنع سقف جديد مثل سقف المقصورة، فأجابه عمر بن عبد العزيز قائلا:«إن هذا المكان الذى لم يعجبك قد صنع بإنفاق خمسة وأربعين ألف دينار، واستنفذت كل المبالغ التى فى بيت مال المسلمين ولن تستطيع خزانة المسلمين أن تدفع مبلغا مثل هذا من أجل إرشائك» وقد انزعج وليد من هذه الإجابة وقال له «ما هذه الخسة؟ كأنك أنفقت هذا المال من جيبك» وأظهر غضبه بهذا العتاب وخاطب أبان بن عثمان الذى كان بجانبه «كيف ترى

(1)

كان فى ذلك الوقت فى نهاية الجدار الشرقى للمسجد نخلتان وكانت صلاة الجنازة تؤدى بالقرب منهما.

(2)

شرع فى تجديد المسجد الشريف سنة 88 وتم بناؤه فى سنة 91.

ص: 286

هذا المسجد فى حالته هذه وحالته القديمة» فأجابه قائلا: «كان يشبه فى حالته الأولى المسجد والآن تحول إلى كنيسة» ،وعلى هذا عزل ابن أخيه من ولاية الحجاز وشفى صدره بهذه الطريقة.

فائدة التوكل: عند عودة الوليد بن عبد الملك من الحج استقبله عمر بن عبد العزيز من وجهاء البلد وأعيانه وأدخله إلى المسجد الشريف رأسا وزار الوليد جهات المسجد الأربعة وأدى صلاة التحية فى بعض أماكنه، وكانوا قد أخلوا المسجد من الناس حتى يزور الوليد المسجد بمفرده إلا أن سعيد بن المسيب ظل فى ركن من أركان المسجد وقد لبس أسمى الألبسة.

وكان عمر بن عبد العزيز يغير طريقه وسيره فى داخل المسجد حتى يخفى سعيد بن المسيب عن أنظار الوليد إلا أنه لمح سعيد بن المسيب وقال من هذا الشخص؟ ألا يكون سعيد بن المسيب؟ وقال عمر بن عبد العزيز لو كان قد عرفك لكان يقوم ويحييك، بما أن بصره ضعيف لم يستطع أن يعرف سيادتك!!! قال الوليد إننى أعرف أنه لا يعادينا، وإنه رجل عالم تقى، لنذهب ونزوره وذهب إلى المكان الذى يجلس فيه سعيد بن المسيب وسلم عليه وسأله عن أحواله وصحته ثم ودعه، ومدحه بعده قائلا إن هذا الرجل أفقه الناس. وأمر بتغطية قبر السعادة بقطعة قماش لطيفة.

كان عمر بن عبد العزيز عين واليا للمدينة مكان الأول المعزول هشام بن إسماعيل سنة 86 الهجرية، وعزل فى أواسط سنة 93 الهجرية على الصورة التى ستذكر فيما بعد وعلى هذا الحساب قد دامت ولايته بين ما يقرب من سبع سنين، وقد عاش آل دار الهجرة فى تلك الفترة تحت حمايته فى أمن وراحة وطمأنينة وناموا مستقرين، وحينما جاء عمر بن عبد العزيز إلى المدينة نزل فى دار مروان واستقبل الذين أتوا لتحيته بسلامة الوصول فى هذه الدار، ولما حل وقت الظهر أدى فريضة الظهر ثم استدعى عروة بن الزبير، أبا بكر بن أبى خيثمة، عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، سليمان بن يسار، قاسم بن محمد، سالم بن عبد الله ابن عمر، عبد الله بن عبيد الله بن

ص: 287

عمر، عبد الله بن عامر ابن ربيعة، خارجة بن زيد من فقهاء المدينة وقال لهم إننى دعوتكم لأرجو عونكم فى تدبير أمور الحكومة وإدارتها.

وإذا لم ينضم إلى رأيى رأيكم جميعا أو بعضكم فلن أتخذ أى قرار قط، وبناء عليه فإذا استمعتم إلى أى شئ يخرج عن الحدود الشرعية فعليكم فى المسارعة بإخطارى وشارك الفقهاء المشار إليهم بالمشاورة والمذاكرة.

وحتى ذلك التاريخ لم يكن لمسجد السعادة لا محراب ولا شرفات، فأحاط عمر بن عبد العزيز حوائط مبانى المسجد دائرا ما يدور بالشرفات، وقوى ميزابه ودعمه وما برز من السقف بأن صب عليها الرصاص وبعد ذلك نصب محرابا فى غاية الجمال.

وإن كان جمهور المؤرخين يصدقون أن عمر بن عبد العزيز هو أول من أمر بصنع محراب لمسجد السعادة، إلا أنهم اختلفوا فيمن صنع الشرفات، إذ قال بعض المؤرخين، إن الذى أمر بصنع شرفات مسجد السعادة هو عبد الواحد بن عبد الله النصرى والي المدينة فى سنة أربعمائة هجرية، وبما أنها احترقت فى الحريق الأول جددها فى سنة 767 هـ الأشرف شعبان بن حسين بن محمد من ولاة المدينة إلا أن أكثر مؤرخى المدينة ولا سيما المشهورين منهم الذين يؤيدون أقوالهم بالأدلة الموثوقة ترددوا فى تصديق هذه الرواية وقروا أن الشرفات أيضا من آثار عمر بن عبد العزيز.

المآذن: حتى عصر عمر بن عبد العزيز لم تكن للمسجد النبوى الشريف مئذنة وقد أمر المشار إليه بصنع أربع مآذن على زوايا المسجد الأربع على أن تكون مئذنتى زاويتى جدران القبلة أعلى قليلا من مئذنتى زاويتى جدران الجهة الشامية، وبهذا كان هو مؤسس مآذن مسجد الرسول إلا أن بعد ذلك غيرت أى فى خلال السنة الهجرية (91) أمر سليمان بن عبد الملك بهدم مئذنة باب السلام، لسفسطة تزعم أن المؤذنين يرون أهل دائرتى وعلى هذا ظل مسجد السعادة قائما بثلاث مآذن لمدة ستمائة وخمسة عشر عاما.

ص: 288