الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصورة الثانية
فى هجرة النبى صلى الله عليه وسلم إلى دار الأمن المدينة المنورة
.
بعد أن أدخل-بتوفيق الله وإرادته-مصعب بن عمير كما ذكر فى الصورة السابقة كافة قبائل الأنصار إلى الإسلام ذهب إلى مكة المكرمة فى السنة الثالثة والخمسين من ولادة النبى صلى الله عليه وسلم ومعه خمسة وسبعون نفرا من أهل المدينة والتقى بسلطان الرسل عليه صلوات الله فى اليوم الثانى من أيام التشريق من السنة المذكورة فى شعب عقبة وأسرع بتقديم من فى رفقته إلى النبى صلى الله عليه وسلم بصورة عظيمة. وعقد البيعة
(1)
بناء على طلب رفقائه بشروط خاصة وذلك عند ما يشرف النبى صلى الله عليه وسلم بأنواره البهية المدينة المنورة أن يحموه مما يحمون منه أولادهم وعيالهم من الحادثات الكونية وأنهم سيبذلون له عونهم حتى إذا حاربوا فى سبيل ذلك ملوك العرب والعجم.
وعقب البيعة-التى شرحت-مد النبى صلى الله عليه وسلم يده التى أظهرت المعجزات فبادر بمد يده أولا أبو أمامة أسعد بن زرارة وعلى قول أبو الهيثم بن التيهان وعلى رواية أخرى براء بن معرور وقبل جميع الناس وعقدوا البيعة سبعين شخصا أو ثلاثة وسبعين رجلا شهما وامرأتين طاهرتى الذيل.
وكان أحد عشر منهم من القبائل الأوسية واثنين وستين منهم من خلفاء الخزرج الأربع وكانت إحدى النساء من سلالة بنى مازن وهى أم عمارة بنت كعب والأخرى أسماء بنت عمرو بن عدى التى ينتهى نسبها إلى بنى سلمة.
واختار النبى الأكرم عقب البيعة اثنى عشر رجلا من رؤساء القبائل ثلاثة منهم من الأوس وتسعة منهم من الخزرج وقال لهم: «كما كفل حواريو عيسى الأقوام
(1)
وهى بيعة العقبة الثالثة: انظر سيرة ابن هشام 81/ 2 تاريخ الطبرى 360/ 2 ابن سعد 148/ 1/1،والدّرر لابن عبد البر ص 70 - 71.
الذين ينتسبون إليهم فيجب عليكم أن تكونوا كفلاء لأفراد قبيلتكم، وأخذ من كل واحد منهم إجابة تضمن كفالتهم فى أماكن مختلفة ثم فوق مجلس البيعة»، وبما أن تلك البيعة عقدت فى ظلام الليل حتى تخفى على قريش؛ إلا أن شيطانا اسمه «ابن أزب العقبة» نادى قائلا:«يا معشر قريش! فليكن فى علمكم أن حجاج المدينة أسرعت بعرض البيعة على ابن أخى أبى طالب محمد بن عبد الله بن عبد المطلب وبهذا هيئوا أسباب إشعال كانون الحرب معكم» .وهكذا أعلن الأمر إلى مشركى مكة وأثار فى قلوب صناديد قريش الخوف والقلق وبناء على هذا ذهب بعض القرشيين صباحا إلى خيام قافلة المدينة وقالوا: «يا رؤساء الأوس والخزرج إنه من المحقق عدم حدوث ما يعكر الصفو بيننا من آثار الخصومة والعداوة إلى الآن؛ إلا أنه قد انتشرت شائعة أنكم عرضتم بيعتكم على محمد صلى الله عليه وسلم لتحاربونا؛ وإذا كانت هذه الأحداث صحيحة فإننا مستعدون دائما وفى كل آن لمحاربتكم ومقابلتكم!» وهكذا أسرعوا فى استيضاح الأمر ولم يستطيعوا أن يتخذوا أى خبر عن هذا الموضوع من مشركى المدينة وعادوا وقد أخذوا ردا أن مثل هذا الاتفاق لم يتم.
وكان أحد الذين تصدى للإجابة فى الموضوع الذى يريده المكيون من أهل المدينة عبد الله بن أبىّ إذ قال: «يا معاشر قريش! إن ما تقولونه من القول إذا كان صحيحا يحتاج إلى قوة كبيرة ومن الواضح أننا لا نملك تلك القدرة؛ فلم نقم مثل هذه البيعة وكما أننا لم نعلم شيئا عن هذه البيعة!! إذا كان لنا علم فى هذا الأمر فلنحترق فى نار اللات والعزى!!» .
وقد نال الأنصار الكرام شرف المثول بين يدى سيد الأنام مرة ثانية ورجوا من النبى صلى الله عليه وسلم تشريف المدينة المنورة، ولكن بما أن سيد الأبرار-عليه السلام-لم يرخص له بعد بالهجرة تحدث معهم على هذا المنهج: «إننى لم أتلق بعد الأمر الإلهى بالنسبة للهجرة إلا إننى أستطيع أن آذن بهجرة أصحابى وهكذا أفهمهم أن هجرته متوقعة على الوحى الإلهى ولكنه أذن بهجرة الأصحاب الكرام إلى المدينة المنورة، وبناء على هذا أسرع الأصحاب الكرام الذين يرغبون فى الهجرة إلى أرض يثرب ابتداء من بعد العودة من عرفات فى السنة المذكورة.
وكان أول الأصحاب الكرام الذين هاجروا إلى مكة زوج أم سلمة-رضى الله عنها-أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومى، وكان هذا الشخص قد هاجر إلى الحبشة قبل بيعة العقبة بعام وعرف أن الأنصار السابقين قد أسلموا فعاد إلى مكة إلا أن مشركى قريش أزعجوه ولذا استفاد من الإذن النبوى فهاجر إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وهاجر بعد أبى سلمة: عامر بن ربيعة وزوجته ليلى وعبد الله بن جحش وحمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة وعمر بن الخطاب وأخوه زيد، وعقب ذلك طلحة وصهيب وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وعثمان بن عفان-رضى الله عنهم-وتركوا مكة المكرمة وهاجروا إلى قرى المدينة المنورة ونصب كل واحد منهم خيمة فى موقع حيث أقام واستقر.
واختار الأصحاب الكرام الذين أخذوا الإذن بالهجرة بعد أن أوصوا بكتمان هجرتهم عن مشركى مكة المكرمة وإخفاء السفر والهجرة إلى المدينة المنورة قرب حلول العام الرابع والخمسين للولادة النبوية. قد انهمك الأصحاب الكرام بأمر الهجرة بدرجة عظيمة إذ لم يبق فى مكة المكرمة فى أوائل السنة المذكورة أحد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم غير الصديق الأكبر وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهما.
وقد استولى على مشركى مكة الخوف والقلق نتيجة لترك الأصحاب الكرام مكة المكرمة وأصبحت نفوسهم السوداء المكروهة مضطربة كأنها ديست بسنابك الخيل، وفى النهاية عقدوا مؤتمر الفساد وقالوا:«إذا هاجر محمد-عليه سلام الله الأحد-إلى يثرب واتفق مع أهلها فلا تكون نتيجته خيرا فى حقنا» .وبناء على هذا الرأى أغلقوا باب الندوة على أنفسهم وأخذوا يذاكرون هذا الأمر العسير لعلهم يجدون حلا له.
ولم يقبل التهاميون الذين كانوا فرقة سيد الأبرار المخلصين فى مجلس شياطين الإنس هذا وقد دخل الإبليس اللعين فى شكل أبى مرة الشيخ النجدى الذى كان معروفا لدى المشركين ووجد فى دائرة دار الندوة، وبعد مباحثات طويلة ومذاكرات كثيرة قرروا بناء على رأى أبى جهل وتصديق الشيخ النجدى القضاء