المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌رواية ولما وصلت هذه الشائعة إلى أسماع قيصر ملك بلاد الروم - موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - جـ ٣

[أيوب صبري باشا]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الصورة الأولىفى ذكر الأحوال الجغرافية للمدينة الميمونة

- ‌إخطار

- ‌الصورة الثانيةوجوب مراعاة حق جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر وبيان كيفية دفن من أدركه الأجل فى المدينة الطاهرة

- ‌منظومة

- ‌الصورة الرابعةتوضح وتبين كيف يستقبل شهر رمضان الشريف-مظهر الغفران-من قبلأطفال المدينة وكيف يكون رمضان فى مدينة طيبة

- ‌مطالعة

- ‌صورة أداء صلاة التراويح:

- ‌سبب إقامة موكب الشموع:

- ‌الصورة الخامسةفى بيان ترتيب وتشكيل موكب الشموع الذى اعتيد إجراؤه فى مسجد السعادةبعد صلاة التراويح

- ‌الصورة السادسةفى تعريف طريقة أداء صلاة الفجر وصلاة العيد فى شهر رمضان

- ‌صورة أداء صلاة الفجر:

- ‌صورة أداء صلاة العيد:

- ‌الصورة السابعةفى تعريف الهيئة الكاملة لمسجد السعادة فى الوقت الحالى

- ‌الصورة الثامنةفى بيان وذكر أبواب حجرة السعادة المعطرة أبوابها وقناديلها وشمعداناتها

- ‌سبب وتاريخ استخدام الأغوات فى الحجرة المنيفة

- ‌تعريف مقدار خدمة الفراشة الشريفة الجليلة:

- ‌مقام أبى بكر وعمر رضى الله عنهما:

- ‌صورة غسل حجرة السعادة

- ‌الخدمة الدائمة للخدم:

- ‌تأديب الأغوات المتهمين:

- ‌إخطار

- ‌صورة تسكين الأغوات:

- ‌خدمات خدم مسجد السعادة الدائمة والمؤقتة:

- ‌الخطباء والأئمة فى الحرم النبوى الشريف

- ‌مكبرو الحرم الشريف

- ‌سقاء والحرم الشريف

- ‌استطراد

- ‌الوجهة الثانيةوتعرف حكم شد الرحال إلى المدينة بغرض زيارة مسجد الرسولصلى الله عليه وسلم

- ‌الصورة الأولىذكر الأحاديث الشريفة التى وردت بخصوص شد الرحال لزيارة مسجدالرسول صلى الله عليه وسلم وآراء الفقهاء العظام

- ‌إخطار

- ‌نصيحة

- ‌الصورة الثانيةفى ذكر وبيان فضائل المسجد النبوى الشريف والمنبر اللطيف والروضة النبويةالمنيفة

- ‌رواية

- ‌إخطار مهم

- ‌إخطار

- ‌بيان المصلى النبوى وبيان حدوده

- ‌الوجهة الثالثةتحتوى على ثلاث صور فى تعريف أسماء المدينة الطاهرة وفضائلها

- ‌الصورة الأولىفى بيان أسماء المدينة المنورة الجميلة وألقابها الجليلة

- ‌حرف الهمزة:

- ‌1 - أثرب:

- ‌2 و 3 - أرض الله، أرض الهجرة:

- ‌4 و 5 - أكالة البلدان [ز]،أكالة القرى [ز]:

- ‌6 - الإيمان [ز]

- ‌حرف الباء:

- ‌7 و 8 - البارة [ز]

- ‌9 و 10 و 11 - ومن أسمائها الشريفة بحره، بُحيرة، بَحيرة

- ‌12 - بلاط [ز]:

- ‌13 - بلد [ز]:

- ‌14 - بيت الرسول، صلى الله عليه وسلم [ز]:

- ‌حرف التاء:

- ‌16،15 - تندر [ز] تيدر [ز]:

- ‌حرف الجيم:

- ‌20،19،18،17 - جابرة [ز] جبار، جبابرة [ز] جبّارة:

- ‌21 - جزيرة العرب [ز]:

- ‌حرف الحاء:

- ‌23 - الحبيبة:

- ‌24 - حرم:

- ‌26،25 - حرم رسول الله [ز]،حسنة:

- ‌حرف الخاء:

- ‌28،27 - خيره، خيره:

- ‌حرف الدال:

- ‌37،36،35،34،33،32،31،30،29 - الدار [ز] دار الأبرار، دارالأخيار [ز] دار الإيمان [ز] دار السلام [ز] دار السنة [ز] دار السلامة [ز] دارالفتح [ز] دار الهجرة:

- ‌38 - درع، الحصينة [ز]:

- ‌حرف الذال:

- ‌39 - ذات الحجر [ز]:

- ‌40 - ذات الحرار [ز]:

- ‌41 - ذات النخل [ز]:

- ‌حرف السين:

- ‌42 - سلق:

- ‌43 - و 44 سلق وسلق

- ‌45 - سيدة البلاد [ز]:

- ‌46 - شافية [ز]:

- ‌حرف الطاء:

- ‌50،49،48،47 - طابه، طيبه، طيبة، طائب [ز]:

- ‌كما أن مطيبه (51) وطبابا (52) من أسماء المدينة

- ‌حرف الظاء:

- ‌54،53 - ظيابا [ز] ظبابا:

- ‌حرف العين:

- ‌55 - عاصمة:

- ‌56 - عذراء:

- ‌57 - عراء [ز]:

- ‌حرف الغين:

- ‌60،59 - غراء [ز]:غالبه [ز]:

- ‌حرف الفاء:

- ‌61 - فاضحة [ز]

- ‌حرف القاف:

- ‌62 - قاصمة [ز]:

- ‌67،66،65.64،63 - قرية [ز] قرية الأنصار [ز] قبة الإسلام، قريةالرسول، قلب الإيمان [ز]

- ‌حرف الميم:

- ‌68 - مؤمنة [ز]:

- ‌69 - 103 مباركة [ز]

- ‌حرف النون:

- ‌106،105،104 - ناجية [ز] نبلاء [ز] نجر [ز]

- ‌حرف الهاء:

- ‌108،107 - هرزاء [ز] هز:

- ‌حرف الياء:

- ‌111،110،109 - يثرب، يندد [ز]:

- ‌الصورة الثانيةفى ذكر الروايات التى نقلت من الآثار الموثوقة والأخبار الصحيحة فى فضلورجحان المدينة المنورة على سائر الممالك

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر الأحاديث الشريفة التى وردت فى حق الذين اختاروا الإقامة فىالمدينة الطاهرة والذين أحدثوا البدعة والمبدعين والذين يعاونونهم

- ‌الوجهة الرابعةتشمل خمس صور تفصل أوائل حال المدينة المنورة وسكانها القدماء

- ‌الصورة الأولىفى ذكر أحوال المدينة الأولى وأطوار سكانها القدماء وأحوالهم

- ‌الصورة الثانيةفى ذكر القبائل التى كانت فى أرض يثرب وقت أن هاجر إليها الأوسوالخزرج بن ثعلبة

- ‌سبب ظهور وقعة مالك بن عجلان وصورة ظهورها:

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر بيان القرى والمحال التى أسسها أفراد قبائل بنى الأوس حول المدينة

- ‌الصورة الرابعةفى تعريف ووصف القرى والمنازل التى سكنها بعد تهيئتها أبناء قبائل الخزرجوجماعاتها فى جوار مدينة الرسول

- ‌الصورة الخامسةفى تعريف رؤية الملاحم التى ظهرت قبل الإسلام بين قبائل الأنصار الكريمةوالمعارك المشهورة

- ‌رواية

- ‌الوجهة الخامسةوتشمل ثلاث صور تعين إرسال مصعب ابن عمير إلى يثرب

- ‌الصورة الأولىفى ذكر بيعة السابقين من الأنصار للإسلام وفى دعوة مصعب بن عمير أهلالمدينة إلى الإسلام

- ‌حكمة

- ‌سبب كون النبى صلى الله عليه وسلم أنصاريا من الخزرج:

- ‌الصورة الثانيةفى هجرة النبى صلى الله عليه وسلم إلى دار الأمن المدينة المنورة

- ‌عربى

- ‌رواية

- ‌إخطار

- ‌ المعجزة

- ‌مسألة

- ‌إخطار

- ‌الصورة الثالثةفى بيان وقائع سنين الهجرة وتفصيلاتها الإجمالية

- ‌السنة الأولى للهجرة

- ‌سنة الأذان المحمدى:

- ‌أصول التسبيح فوق المآذن:

- ‌السنة الثانية للهجرة

- ‌السنة الثالثة الهجرية

- ‌ السنة الرابعة الهجرية

- ‌السنة الخامسة الهجرية

- ‌السنة السادسة الهجرية

- ‌السنة السابعة الهجرية

- ‌السنة الثامنة الهجرية

- ‌السنة التاسعة الهجرية

- ‌السنة العاشرة الهجرية

- ‌السنة الحادية عشرة الهجرية

- ‌الوجهة السادسةوتشتمل على إحدى عشرة صورة تعرف بالتفصيل توسيع وتجديد المسجدالشريف ودار فاطمة رضى الله عنها السعيدة

- ‌الصورة الأولىفى ذكر صورة طرح وتأسيس مسجد السعادة على صاحبه أفضل التحية

- ‌استطراد

- ‌ حديقة أولاد صفى

- ‌رأى ومطالعة

- ‌إخطار

- ‌الصورة الثانيةتبين توسيع مسجد السعادة وتحويل المحراب الشريف

- ‌إخطار

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر الأماكن السعيدة التى صلى فيها من المسجد الشريف إمام محرابالملكوت-عليه السلام

- ‌مؤسس محراب مسجد السعادة:

- ‌نظم

- ‌الصورة الرابعةفى تعريف جزعة مسجد السعادة والمحل القديم لمحراب النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌إخطار

- ‌تنبيه

- ‌نعت شريف

- ‌الصورة الخامسةتبين سبب تأسيس منبر مسجد النبى وصورته وجزع ونحيب النخلة

- ‌مثنوى

- ‌استطراد

- ‌مثنوى

- ‌‌‌مثنوى

- ‌مثنوى

- ‌حكاية

- ‌استطراد

- ‌الصورة السادسةفى ذكر عدد المرات التى جدد فيها منبر السعادة وعدد المرات التى عمر

- ‌إخطار

- ‌الصورة السابعةفى بيان الأساطين التى ركزت فى مسجد السعادة فى عصر النبى السامى صلى الله عليه وسلم

- ‌كانت الأساطين الأصلية لمسجد السعادة ثمانية أعمدة موزونة متساوية، وقدزيد مؤخرا عدد أساطين المسجد الشريف المنيفة

- ‌1 - الأسطوانة المخلقة:

- ‌2 - أسطوانة عائشة:

- ‌3 - أسطوانة التوبة:

- ‌4 - أسطوانة السرير:

- ‌5 - أسطوانة المحرس:

- ‌6 - أسطوانة الوفود:

- ‌إخطار

- ‌7 - أسطوانة مربعة القبر:

- ‌8 - أسطوانة التهجد:

- ‌9 - محراب باب الجنائز:

- ‌الأبيات التى سطرت على الأساطين الأربع من الصف الأول:

- ‌الأسطوانة الأولى

- ‌الأسطوانة الثانية

- ‌الأسطوانة الثالثة

- ‌الأسطوانة الرابعة

- ‌الأسطوانة الخامسة

- ‌الأسطوانة السادسة

- ‌الأسطوانة السابعة

- ‌الأسطوانة الثامنة

- ‌الأسطوانة التاسعة

- ‌الأسطوانة العاشرة

- ‌الأسطوانة الحادية عشرة

- ‌الأسطوانة الثانية عشرة

- ‌استطراد

- ‌الصورة الثامنةفى ذكر وبيان المقام واجب الاحترام الذى يطلق عليه «الصفّة»

- ‌استطراد

- ‌أصحاب الصفة الذين أورد أبو نعيم أسماءهم الجميلة ومناقبهم الجليلة منبين هؤلاء:

- ‌كيفية إعاشة أصحاب الصفة:

- ‌الصورة التاسعةفى تعريف الحجرة النبوية المعطرة

- ‌حكاية

- ‌حكاية أخرى

- ‌الصورة العاشرةفى تعريف دار فاطمة-رضى الله عنها-السعيدة

- ‌الصورة الحادية عشرةفى تعريف كيفية إغلاق الأبواب التى تواجه مسجد النبى فى عصر السعادة

- ‌الوجهة السابعةتجمع خمس صور تبين وتظهر عدد المرات التى جددت فيها حدود المسجدالنبوى

- ‌الصورة الأولىفى ذكر توسيع مسجد الرسول لأول مرة

- ‌الصورة الثانيةفى ذكر كيفية تجديد مسجد السعادة وتوسيعه للمرة الثانية

- ‌مقصورة مسجد السعادة

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر كيفية تجديد مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وتوسيعه للمرة الثالثة

- ‌مطالعة

- ‌صورة أداء صلاة الجنازة فى مسجد السعادة وسبب منعه

- ‌استطراد

- ‌موازنة تاريخية

- ‌الصورة الرابعةفى تعريف تجديد مسجد السعادة وكيفية توسيعه للمرة الرابعة

- ‌إخطار

- ‌الصورة الخامسةفى تعريف الحجرة المعطرة والقبور الثلاثة المنورة

- ‌الشكل الأولقبر النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌الشكل الثانىقبر النبى صلى الله عليه وسلم/قبر عمر بن الخطاب رضى الله عنهقبر أبى بكر الصديق رضى الله عنه

- ‌الشكل الثالثقبر النبى صلى الله عليه وسلم/قبر أبى بكر الصديق رضى الله عنهقبر عمر بن الخطاب رضى الله عنه

- ‌الهيئة المرئية للقبور الثلاث المقدسة فوق الأرض:

- ‌شبكة قبر السعادة

- ‌رواية

- ‌الوجهة الثامنةوتحتوى على تسع صور وتشمل تفصيلاتعن علامات رأس النبى الشريف ومقام جبريل الأمين السامى

- ‌الصورة الأولىفى ذكر علامة الجهةالتى يوجد فيها رأس الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌إخطار

- ‌الصورة الثانيةترى وتعرف علامة جهة وجه النبى اللطيف

- ‌الصورة الثالثةفى تعريف مقام جبريل الأمين وتعيينه

- ‌الصورة الرابعةفرش حجرة السعادة وتعميرها وتجديدها

- ‌ذيل

- ‌حكاية

- ‌الصورة الخامسةفى تعريف ستارة الحجرة المعطرة

- ‌أصول تعليق ستارة قبر السعادة وتجديدها

- ‌الصورة السادسةفى تعريف صورة تخليق(1)حجرة السعادة

- ‌الصورة السابعةفى بيان وتعريف قناديل الحجرة الشريفة

- ‌غريبة

- ‌الصورة الثامنةفى تعريف الشبكة الشريفة التى تحيط بالحجرة المعطرة ودار فاطمة-رضى اللهعنها-السعيدة

- ‌ القصيدة

- ‌ القطعة

- ‌الصورة التاسعةفى ذكر قبة حجرة السعادة

- ‌الوجهة التاسعةوتحتوى على ثمانى صور

- ‌الصورة الأولىفى تعريف المصاحف الشريفة والأجزاء القرآنية اللطيفة وكتب الأدعيةالموجودة فى الخزينة النبوية

- ‌أجزاء القرآن الشريفة:

- ‌الدلائل(1)الشريفة

- ‌الصورة الثانيةفى تعريف وذكر وتفصيل جنس الأشياء النفيسة ومقدار الأشياء المحفوظة فىداخل حجرة السعادة المشحونة بالنور

- ‌عدد

- ‌الأشياء المتنوعة

- ‌عدد

- ‌عدد

- ‌عدد

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر وبيان جنس ومقدار الأشياء التى تبرع بها والتى علقت فى داخلالحجرة المعطرة التى تعدل الجنة

- ‌الصورة الرابعةفى ذكر وتعريف أطقم البخور والسكات من الفضة والذهب والمحفوظة فىداخل الحجرة المعطرة والتى تخرج كلما اقتضت الحاجة إليها

- ‌الصورة الخامسةفى ذكر تفصيل الشمعدانات والأشياء الأخرى المحفوظة فى داخل حجرةالسعادة جنسها ومقدارها والتى تستخدم كلما دعت الحاجة إلى استعمالها

- ‌الصورة السادسةفى تعريف الأشياء الفضية النفيسة-جنسها ومقدارها-المحفوظة فى خزينةالحجرة المعطرة الجليلة

- ‌الصورة السابعةفى تعريف وتفصيل الستائر والأغطية التى تغطى أبواب حجرة السعادةوالمقامات المنيفة الأخرى مقدارها وأنواعها

- ‌الصورة الثامنةتبين وتعرض الشمعدانات والتعليقات والثريات

- ‌خلاصة

- ‌مسألة

- ‌إخطار

- ‌قطعة

الفصل: ‌ ‌رواية ولما وصلت هذه الشائعة إلى أسماع قيصر ملك بلاد الروم

‌رواية

ولما وصلت هذه الشائعة إلى أسماع قيصر ملك بلاد الروم أراد أن يدخل إحدى بنتيه المشتهرتين بالجمال المفرط فى العالم كله فى سلك جدات النبى الغاليات وأن يجعل هاشم بن عبد مناف صهرا له فبعث من يوصل هذا الخبر إلى هاشم يقول فيه: إن عندى بنتين يمكن أن يقال إن أما لم تلد فى مثل جمالهما كنت أود أن أزوجهما لشخص ظاهر الحسب وطاهر النسب ولما ثبت فى العالم كله والأقوام أصالة حسبك وطهارة نسبك فبعثت ببنتى لك فإذا عقدت نكاحك لإحداهما فتكون قد سررتنى كما أنك ترتبط بأسرتى السلطانية وتكتسب بهذا إعلاء قدر وميزة!!! وبعث عقب ذلك ببنتيه إلى ذلك المحبوب الذى حيّر الدنيا بحسنه.

وكان قصد ملك الروم من هذا أن يكون حما لهاشم بن عبد مناف وأن يكسب إحدى بنتيه شرف الصعود إلى درجة إحدى جدات النبى والتى تساوى شرفى الدنيا والآخرة.

وحينما وصلت بنتا ملك الروم إلى مكة المعظمة مال هاشم إلى أن يتزوج الاثنتين وبعد أن عرض طاعته وعبوديته لله أولا فوق جبل ثبير وبعده أمام الكعبة المعظمة وفق العادة الجاهلية فدخل بيت الزفاف وفق الأصول، إلا أن حضرة جبريل نزل باسطا أجنحته ورفع من ظهر هاشم نور النبوة وبهذا قد أعلم أنه لا يحتمل أن تكون صدور الروميات درة الوشاح لجوهر خاتم الأنبياء عليه أفضل التحايا الغالى. وكلما كان هاشم يفترش هاتين البنتين كان جبريل الأمين ينزع نور سيد الأنبياء من مشكاته التى وضع فيها.

دامت هذه الحالة التى تشتمل على الحكمة الإلهية فترة طويلة إلى أن رأى هاشم فى ليلة من الليالى فى رؤياه من يقول له: يا هاشم! يجب عليك أن تعقد نكاحك لسلمى بنت عمرو بن شريد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار بن تيم بن ثعلبة بن عمرو الخزرجى من كرائم كبار النجارين.

ص: 137

ولما كان هاشم ذات سمات جميلة متهيأ للتحرك نحو سواد الشام المعظم بنية التجارة فمر مضطرا بمدينة طيبة، وتزوج من سلمى بنت عمرو النجارى كما أمر فى رؤياه وهكذا أنقذ مليحات عرب البادية الجميلات من عبث الطمع بالزواج به. انتهى.

كانت سلمى بوفرة عقلها وحلمها وشدة جمالها وسعة علمها خديجة الكبرى فى زمانها، وكان اسم والدتها عمرة بنت صخر بن الحارث بن ثعلبة بن مازن بن النجار واسم جدتها سلمى بنت عبد الأشهل النجارية.

يوم السرارة-لم يستطع الخزرجيون أن يتحملوا هزيمة يوم الرحابة، وظلوا ينتظرون حدوث واقعة أخرى وفى نهاية الأمر اختلقوا ملحمة «يوم السرارة» حيث انتصروا وأصبحوا يتباهون على أفراد قبائل الأوس ويتفاخرون عليهم بنصرهم.

وقد ظهرت هذه الحرب الشهيرة بين بنى عوف بن أوس وبنى حارثة الخزرجى وقد قاد محاربى بنى عوف «خضير بن سماك» كما قاد بنى حارثة «عبد الله بن أبى بن سلول أبو الحباب» ،وقد تلاقى أفراد القبيلتين فى مكان يسمى «سرارة» وتحاربوا أربعة أيام متتالية وفى نهاية الأمر انتصر الخزرجيون وتفرق الأوسيون منهزمين حتى يعدوا ليوم آخر وهو يوم «حصين» .

يوم حرب حصين-وقعت هذه الملحمة العظيمة بين بنى وائل من قبائل الأوس وبنى مازن بن النجار من قبائل الخزرج ولم يتخل أى واحد من محاربى الطرفين عن الحرب وقد أصر رجال كل طرف على أن يوقعوا خسائر على الطرف الآخر تخرج عن العد والإحصاء.

يوم ربيع الظفرى-وقعت بعد فترة من حرب حصين وقعة «يوم ربيع الظفرى» بين ظفر الأوس وبنى مالك بن النجار الخزرجى، ولما كان رجال بنى النجار فى هذه الحرب متعبين ومرهقين فاتحدوا وتجمعوا فى يوم «فارع» حيث أخذوا

ص: 138

يشتمون بعضهم بعضا وأشعلوا نار الحرب وبذل كل واحد من الطرفين أقصى جهده ليتغلب على الطرف الآخر.

يوم فارع-كان قائد القبائل الأوسية فى يوم فارع معاذ بن نعمان بن امرئ القيس الأشهلى والد سعد من الأنصار الكرام وكان قائد القبائل الخزرجية عمرو بن الإطنابة ولم تترك الحرب والقتال إلا بعد تأدية الدية المقطوعة للغلام القضاعى الذى فى حماية معاذ بن نعمان دية أخيه الذى قتل من طرف ابن النجار، وشغلت هذه القبائل من حين لآخر بالقيام ضد بعضها إلا أن أى طرف من الطرفين لم يستطع أن ينتصر على الطرف الآخر انتصارا قاطعا لذا رفعا المخاصمة من بينهما بعد يوم فارع واتفقا ضد اليهود.

وعقدا روابط الصداقة بينهما وتركا العداوة بينهما وعاشا متآخين مدة طويلة يعرض كل طرف للطرف الآخر مظاهر المودة والمخادنة ولكن العلاقات بينهما قد ساءت وفسدت وذلك بسبب الدسائس التى ألقيت بينهما فتسببا فى ملحمة يوم الجسر

(1)

بعد وقعة حرب سمير بمائة سنة.

يوم الجسر-وسبب وقوع وقعة يوم الجسر قتل حاطب بن قيس يهوديا تحت حماية يزيد بن الحارث الخزرجى.

وكان حاطب بن قيس من رؤساء أعيان قبائل الأوس وكان يكرم الضيوف ويقوم بتسوية حاجات غرباء البلد، وجاءه يوما ضيف من بنى ذبيان وخرج معه إلى السوق ولمس أحد اليهود بظهر الضيف وأخذ يسخر منه وذلك بإيعاز وإلحاح من يزيد بن الحارث، ولم يتحمل ضيف حاطب هذه الإهانة والحقارة وصاح بصوت عال: «يا حاطب!! بينما أنت من أصحاب النفوذ والكلمة المسموعة، فكيف يتجرأ يهود السوق بإهانة الضيف الذى التجأ إليك واحتمى بك وذلك بمس دبره وإظهار علامات الحقارة له والاستهزاء به هل تتحمل أن يهان ضيوفك بهذه

(1)

يقال لهذه الواقعة «حرب حاطب» أيضا.

ص: 139

الدرجة؟!» وبناء على تأسف الضيف لما حدث فما كان من حاطب إلا أن قتل اليهودى متأثرا من قول الضيف.

وقد مات اليهودى الذى قتله حاطب ضحية فى سبيل ابن الحارث وغضب ابن الحارث من ذلك أشد الغضب وتتبع حاطب إلا أنه لم ينجح فى الإمساك به بل قتل بريئا خرج أمامه، وفى ذلك الوقت كان ينتمى إلى بنى معاوية ولم يكن له أى علم أو علاقة بقتل اليهودى وكأنه بهذا قد ثأر وانتقم ومن هنا اشتعلت نار الحرب والقتال بين القبيلتين.

والتقى بعض الفتيان من الخزرج والأوس على جسر ردم بنى الحارث وشرعوا فى قتال دام شديد، وكان قائد الأوس فى هذه الحرب خضير بن سماك الأشهلى، وقائد الخزرج عمرو بن نعمان البياضى، وقد انتصر الخزرج على الأوس.

يوم الربيع-بعد مرور وقت قصير بعد معركة جسر ردم بنى الحارث اجتمع كثير من الرجال من الخزرج والأوس أمام جدار عتيق يعرف ب (ربيع) وفى ناحية «السفح» وقد تقاتلوا مدة طويلة وبشدة فإذا ما كان القتال دام أكثر من ذلك لما بقى فرد يتنفس من الفريقين، وعندما عرف رجال الأوس أن القتلى بجانبهم أكثر من القتلى الذين فى فريق الأعداء تركوا الحرب متفقين وهربوا من ميدان القتال ظانين أن رجال الخزرج لن يتبعوهم.

وكان من الأصول المرعية عند العرب أنه عندما تنهزم فرقة وتتشتت وتفر وتدخل فى مسكنها ألا يتتبعها الفريق الغالب، إلا أن رجال الخزرج لم يتذكروا هذه القاعدة فظلوا يطاردون الأوس ودخلوا فى قريتهم. فعرض الأوس المصالحة ولما رأوا أن عرضهم لم يقبل أدخلوا أطفالهم ونساءهم فى داخل الحصون وتحركوا وفقا للقاعدة «النار ولا العار» وهجموا على أعدائهم مظهرين عليهم سطوة السيف متحدين. وحاربوا حربا شعواء دامية، وقد خاف الخزرجيون وارتعبوا وأرادوا أن يتركوا الحرب وبما أنهم نقضوا الأصول والعادات أولا

ص: 140

فاستمر الأوسيون فى القتال وطاردوا عدوهم إلى بقيع الغرقد وشتتوا عدوهم وكسبوا الحرب كما انتصروا على الخزرجيين فى واقعة «يوم الفرس» التى حدثت بعد ذلك بقليل.

ويذكر المؤرخون العرب الحروب التى وقعت حول المدينة بعد يوم الفرس ب «حرب الفجار» سبب ذلك تحرك أفراد قبيلة الأوس خلاف رأى القائد الذى يسمى الأشهلى وأبا أسيد من الأصحاب الكرام وكان قائد الأوس فى وقعة «يوم الفرس» وقد أرسل عقب الحرب سفيرا إلى الخزرج وأفهمهم أنه مستعد لعقد الصلح بشرط أن يدفع ديات قتلى الذين يزيد عددهم على قتلى الطرف الآخر، وقبل الخزرج اقتراح خضير الكتائب ولما تبين أن قتلى الأوس يزيد ثلاثة أنفار عن الخزرج قد أعطى إلى الأوس ثلاثة أنفار رهائن إلى أن تدفع الدية، وقد نقض الأوس العهد وقتلوا أحد الرهائن ومن هنا سميت الحرب التى حدثت واشتعلت بكل شدة بعد يوم الفرس حرب الفجار-ولكن الحروب التى وقعت فى المدينة لا تعد من حروب الفجار التى وقعت بين بنى كنانة وبنى قيس، لأن حروب الفجار بين بنى كنانة وبنى قيس قامت أربع مرات لأول مرة فى السنة العاشرة من الولادة النبوية والثانية فى السنة الثانية عشرة والثالثة فى السنة الرابعة عشرة والرابعة فى السنة العشرين وزمن وقوعها شهور «رجب، وذى الحجة، ومحرم، وصفر» وصادفت الأشهر الحرم ولما وعى المقاتلون ذلك قالوا متأسفين نادمين «قد فجرنا» وأطلق على هذه الحروب حروب الفجار.

يوم الحدائق-بدء حروب الفجار بالمدينة كان عقب وقعة يوم الفرس مع ملحمة يوم الحدائق وسبب هذه الحرب قتل أحد الرهائن التى أعطيت فى يوم الفرس، إذ قام الخزرجيون عامة للحرب، عقب نقض الأوس عهدهم بقتل أحد الرهائن واستطاعوا أن يضيقوا الخناق على الأوس بين بستانين نخيل المدينة وذلك لما رتّبه ونظمه قائدهم عبد الله بن أبى بن سلول من الدسائس والحيل، وأشعلوا نار الحرب وبذلوا كل جهدهم حتى شتتوا القبائل الأوسية وجرحوا قائدهم أبا قيس من عدة أماكن فى جسمه.

ص: 141

يوم المعبس والمضرس-وقعت معركة المعبس والمضرس بعد وقعة يوم الحدائق، وقد وقع هذا الجدال خلف جدارين، وقد تحشد رجال الأوس الذين نجوا يوم الحدائق خلف جدار يعرف «بمعبس» كما احتشد رجال الخزرج خلف جدار آخر يقال له «مضرس» وتحاربوا وتقاتلوا أسابيع وفى النهاية انهزم الأوسيون وتشتتوا وأغلقوا أبواب الأبراج التى كانت تعد من الحصون فى تلك العصور على أنفسهم وأطلق لهذه الحرب اسم يوم «معبس ومضرس» وبعد فترة رغبت جماعة بنى عوف فى عقد الصلح مع الخزرج ولكن بنى عبد الأشهل وبنى ظفر والرجال الآخرون الذين يوافقون رأيهم امتنعوا عن ذلك قائلين إننا لا نرضى بعقد صلح قبل أن ننتقم من الخزرجيين من هنا أخذ الخزرجيون يزعجون الأوس من حين لآخر ويطردونهم من مساكنهم؛ حتى إن جماعة بنى سلمة باغتت قرية بنى عبد الأشهل ونهبوا أموالهم وأصابوا سعد بن معاذ الأشهلى بالجروح وسببوا له الألم والمحنة.

وذهب رؤساء الأوس بعد نهب قرية بنى عبد الأشهل إلى مكة المعظمة بنية زيارة البيت الأكرم وفى نفس الوقت حرصوا على أن يعقدوا روابط الاتفاق والمعاهدة مع صناديد قريش ضد قبيلة الخزرج وفعلا وجدوا كثيرين ممن يؤيدونهم، إلا أن أبا جهل اللئيم قد وصل لعلمه عقد اتفاق الأوس مع قريش فقابل أعيان قبيلة قريش الذين تعاهدوا مع الأوس فى دائرة دار الندوة وألقى فيهم هذه الكلمة التى تفتت الكبد إذ قال: كأنكم غافلون من مؤدى المثل الذى يقول: «ويل من أهل المنازل» بما أن الأوس من ذوى القدرة والنفوذ وأصحاب الثروة فإنهم سيطردونكم ويبعدونكم من مكة؛ ولا يخفى لكل من يعرف وقائع الأسلاف أن كل قوم باتوا فى بلاد قوم آخرين إلا وطردوهم من منازلهم وأخرجوهم من مأواهم، وأشار بهذه الكلمات إلى وجوب نقض المعاهدة، وقد جعلت كلمات أبى جهل القرشيين يندمون على عقد اتفاق مع الأوس ولكنهم لم تصل بهم الدناءة لارتكاب حقارة نقض المعاهدة وقالوا: «إننا قد عاهدنا الأوس! كيف نجسر على نقض عهدنا؟ هل هناك دناءة أعظم بين العرب من نقض العهد؟! وأرادوا أن

ص: 142

يسكتوا أبا جهل بهذه الكلمات، إلا أن أبا جهل قال اتركوا هذه النقطة من المسألة لى أنا، وخرج من دار الندوة وتلاقى مع الأوس وقال لهم: «يا أعيان قبائل الأوس! قد عقدتم العقد والميثاق مع القرشيين، وإننى لفى شدة الأسف لعدم وجودى فى ذلك المجلس! وإذا كنت وجدت فى هذا المجلس لكنت عاهدتكم أنا أيضا، وكنت آتى لعونكم مع أبطال قريش! إذا قبلتم نعقد مقاولة أخرى لتحديد المعاهدة! أننا لا نخفى نساءنا وبناتنا عن بعض ونسمح لجوارينا بملاطفة الرجال بالسر فى أسواقنا! إذا اتفقتم معنا فى هذه الأفكار وسمحتم لنسائكم وجواريكم بملاطفتنا وملاعبتنا، فإننا نعينكم! وإذا لم توافقونا فى أفكارنا فمن العبث أن تنتظروا العون منا!!!.

وبهذه الكلمات قد كشف مسألة إباحة النساء التى كان يحترز منها أهالى المدينة، لأنه كان يعرف جيدا أن الأوس ينفرون من هذه المسألة غير المشروعة ويتجنبونها.

وصرف الأوسيون النظر عن عون القرشيين إذ فهموا أفكار أبى جهل الضارة وعادوا إلى أرض يثرب وحرصوا على عقد اتفاق مع القبائل اليهودية وأحدثوا «يوم الفجار الثانى» تلك الملحمة الكبرى.

يوم الفجار الثانى-ظهرت واقعة يوم الفجار الثانى عقب عودة الأوس إلى المدينة، وذلك عندما عرف الخزرج أن الأوس قد عقدوا الاتفاق مع «بنى قريظة، وبنى النضير» من القبائل اليهودية فأرسلوا إليهم شخصا يدعوهم إلى القتال معهم، فأجاب اليهود حتى لا تراق الدماء عبثا:«إننا لم نتفق مع الأوس ولم نفكر فى أن نتفق معهم واضعين أيدينا فى أيديهم» ،وأرسلوا أربعين نفرا من اليهود رهائن حتى يطمئنوا الخزرج، ولكن بما أن قرى اليهود كانت منتظمة وفى أماكن حصينة طبيعية فإنهم طمعوا فى الحصول على قرى اليهود وأرسلوا رجلا آخر يقول لهم:«اتركوا مواقعكم ابتداء من هذا اليوم وهاجروا إلى أماكن أخرى!» وإذا رفضتم فإننا سنقتل رهائنكم فأجابهم اليهود قائلين: «إننا لا نرى

ص: 143

سببا يجبرنا للجلاء عن وطننا!!» إذا أجريتم الإهانة فاقتلوا رهائننا وقد غضب الخزرج من هذه الإجابة وتهوروا وقتلوا اليهودى

(1)

الذى كان فى حفظ عمرو ابن النعمان، ولما رأى اليهود هذا من الخزرج اتحدوا مع الأوس.

وهجموا على القبائل الخزرجية وأحدثوا قتالا كبيرا وهذا القتال ملحمة يوم الفجار الثانى.

عندما قتل عمرو بن النعمان الرهينة الذى كان تحت يده وأبرز الإهانة قال عبد الله بن أبى بن سلول لقاتل اليهودى «إنك غدرت» وتخلى عن الاتفاق كما أطلق الأوسيون الذين يتبعون ابن سلول سراح رهائنهم وأرسلوهم إلى قراهم.

يوم بعاث-قد اندلعت ملحمة يوم بعاث بشدة بعد يوم الفجار الثانى وبعد هذه الحرب لم يقع قتال قط بين قبائل الأوس والخزرج.

سبب حدوث وقعة يوم بعاث هو سبب وقوع ملحمة يوم الفجار الثانى؛ لأن قبائل بنى قريظة وبنى النضير اتحدت مع قبائل الأوس واتفقت معها وجلبت رجال قبائل مزينة حليفها وجمعتهم، كما أدخل الخزرجيون فى دائرة اتفاقهم حلفاءهم من بطون بنى أشجع وجهينة، وأخذ أفراد الطرفين يستعدون للقتال ويهيئون أدوات وآلات أربعين يوما بعد حرب يوم الفجار الثانى وجهزوا مالا يحصى من الجيوش وتلاقوا فى النهاية فى مكان يسمى «بعاث» وشرعوا فى قتال شديد، وقد وقعت هذه الحرب فى شكل مفزع وصورة دامية.

وكان خضير الكتائب قائد الأوس وعمرو بن النعمان البياضى قائد القبائل الخزرجية، ولكن عبد الله بن أبى بن سلول ومن يتبعونه ومن كان تحت إدارة بنى حارثة كانوا على الحياد، وبذل أبطال الطرفين أقصى جهدهم وأظهروا غاية شجاعتهم وحرص كل واحد منهم على إهلاك الآخر وإتلافه، وطال القتال مدة وفى النهاية تفرقت فرق الأوسيين وشرعوا فى الهرب.

ولما رأى خضير بن سماك قائد الأوسيين أفراد المقاتلين الذين تحت قيادته أخذوا يفرون وقد تخلوا عن القتال وقد مالت أسباب النصر والظفر إلى طرف

(1)

وقد قتل هذا اليهودى عمرو بن النعمان شخصيا.

ص: 144

الخزرجيين قطعيا، فغرز رمحه فى رحله وبرك على الأرض مثل الجمل بناء على القاعدة العربية القديمة وقال:«إننى لا أرجع من هنا ما لم أقتل فإذا أردتم أن تتركونى فى حالتى هذه للعدو فاتركونى» ،وأنشد بعض الأشعار المناسبة للموقف وهكذا شجع أبناء قبيلته، وقد أشفق رجال الأوس على حال خضير الذى يفكر فى وطنه وهو مجروح ويحرص على الدفاع عنه وحتى لا يتركوه ليد العدو وهو فى حالته هذه فاضطروا للثبات فى ميدان الوغى وأثبتوا شجاعتهم الفطرية بقتلهم قائد الخزرج عمرو بن النعمان

(1)

البياضى وهزموا عدوهم هزيمة شنعاء وأخذوا يتعقبونهم من خلفهم، وفى أثناء ذلك سمعوا صوتا هاتفيا يقول:«يا معشر الأوس لا يليق أن تقتلوا إخوانكم بهذا الشكل، إن مجاورتهم أولى من مجاورة اليهود» حينئذ تركوا الحرب ثم حملوا خضيرا الذى شجعهم بكل تعظيم وأوصلوه إلى منزله.

وقد فرح خضير بن سماك فرحا لا حد له لانتصار الأوس على الخزرج على الصورة المطلوبة، إلا أن الجرح الذى أصيب به لم يكن قابلا للالتئام فمات متأثرا به بعد مرور وقت قليل.

وكان هزيمة الخزرج وتشتتهم شيئا يبحث عنه الأوسيون ولا يجدونه؛ ولذا نهبوا الخزرجى الذى وقع تحت أيديهم وتركوه مجردا من كل شئ وهدموا منازلهم وشتتوا أسرهم وهدموا وأحرقوا بساتين نخيلهم وبهذا أظهروا دناءتهم التى لا توصف وجرحوا ثابت بن قيس بن شماس الذى قبضوا عليه وكان ذلك الجرح شارة حريته وأسرعوا فى قطع نخيل بنى سلمة وإحراقها؛ وأسرع سعد بن معاذ الأشهلى حتى أنقذ نخيل قومه.

وأخذت أضواء شمس النبوة تضئ آفاق المدينة المنورة عقب وقعة يوم بعاث وشرعت الدعوة المحمدية تنير أرض يثرب والبطحاء وبدأ السلطان الذى ظهر جديدا يرفع أستار الظلام والخصومة والعداوة بين قبائل الأوس والخزرج، ولم يبق لها أثرا واتحد أفراد جميع القبائل التى تنتسب وتنتهى إلى ثعلبة بن عمرو مزيقيا واتفقوا جميعا فى نصرة الدين الأحمدى واتحدت كلمتهم.

(1)

إن هذا الرجل هو الذى قتل الرهينة التى أخذت قبل يوم الفجار الثانى غدرا.

ص: 145