الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودخل عمرو مزيقيا مستصحبا أفراد قبيلته فى أرض حرم الله عقب انهزام الجراهمة، ونال شرف الإقامة فيها مدة طويلة وأقامت القبائل التى معه فى هذه الأراضى وأمضت فيها فترة ما، وتعرض فيما بعد أفراد القبائل الذين كانوا معه للحمى المحرقة ولم يتحملوا الإقامة فيها، وهاجر كل واحد منهم إلى بلدة ما، واستقر ثعلبة الذى أجرى السفارة لقبائل الجراهمة فى أثناء هذه الاضطرابات فى موقع مشهور ب «ثعلبة» داخل أراضى الحجاز ووسع دائرة نفوذه وقوته.
وانقسم هؤلاء إلى بطون وفيرة وقبائل كثيرة، فذهب أحفاد عامر بن عمرو بن مالك بن الأوس، وأولاد سائب بن قصى حفيد عوف بن الخزرج إلى بلاد عمان، وهاجر بعض من أبناء حارث بن الخزرج إلى بلاد أخرى فلم يكتب لهم أن يلتحقوا بزمرة الأنصار الجليلة، وظل بعض من أولاد جفنة بن عمرو بن مزيقيا فى المدينة فانخرطوا فى سلسلة الأنصار الذهبية.
وتوطن بعض أولاد الأخوين الأوس والخزرج فى قرى بنى إسرائيل كما سبق بعضهم فى أماكن خالية من آثار الحياة والعمران.
سبب ظهور وقعة مالك بن عجلان وصورة ظهورها:
كان فيطون
(1)
الثعلبى حاكم يهود المدينة، وقد اتخذ فى أواخر عهد حكومته عادة فاضحة وهى أن يستفرش العرائس اليهوديات قبل أن يستفرشهن أزواجهن.
وأراد أن يعمم هذه العادة الكريهة الإباحية بين قبيلتى الأوس والخزرج، وأراد مالك بن عجلان السالمى أن يزوج أخته وكان من قبيلة الخزرج إلا أنه لم يطق تكلف ما لا يطاق من الذى أعلنه فيطون الدون والذى لا يخالف الدائرة المشروعة فحسب بل الطبيعة البشرية أيضا وفضل ألا يزوج أخته لفترة ما.
ولكنه لم يستطع أن يتغلب على إلحاح النساء فتزيا بزى النساء وأوصل أخته إلى بيت فيطون واستطاع أن يصل إلى فيطون وقتل عدو العرض والشرف ذلك وبعد ذلك أخذ «رمق بن زيد» الخزرجى من بنى سالم وسافر إلى بلاد الشام
(1)
يروى فى قول آخر أن اسم فيطون قطبون.
حيث لاقى أبا جبيلة، وشكا له مظالم يهود يثرب وبين له كيف قتل فيطون ثم قال له، إننى أخاف بعد الآن من العودة إلى المدينة.
قال بعض المؤرخين: «إن مالك بن عجلان» لم يلتق فى الشام مع أبى جبيلة بل لاقى عبيد بن سالم بن مالك بن سالم من بنى سالم وعرض له فى ضميره، إلا أن هذا القول غير صحيح بالنسبة للقول الأول، لأن أبى جبيلة من أولاد جشم بن الخزرج، وقد هاجر إلى الشام لأسباب ما واكتسب ثقة الهيئة الحكومية وفرض احترامه على الناس وقد بلغ الواقعة كما جرت إلى ملك الشام وبين أنه قد أتى الوقت لتأديب يهود يثرب وتربيتهم الذين أزعجوا سكان بلاد الحجاز بما ارتكبوا من المظالم فيها. ثم أضاف ب:إذا اقتضى سوق الجيوش إلى يثرب فإننى أريد أن أقوم بخدمة صغيرة للحكومة الشامية وذلك بأن أذهب شخصيا إلى هناك، ولما كان أهل الشام أيضا منزعجين من يهود المدينة، ولما وصلت حركات فيطون الباغية المتوحشة إلى درجة الثبوت قد استصوب سوق فرقة من الجنود بناء على قول أبى جبيلة لتأديب اليهود وإسناد قيادة ذلك الجيش إلى أبى جبيلة لما له من دراية بأمور يثرب. وفعلا جهز العدد الكافى من الجنود وفوض أمرهم لأبى جبيلة، وفعلا اصطحب الجنود الذين جهزوا واتجه نحو يثرب بلا توقف، ولما أراد أن يحافظ على جنود الشام وألا يعرضهم للقتل رأى أن يباغت العدو من جهة اليمن.
وكانت هذه الخطة مبنية على إقناع الأهالى بأن جنودا أرسلوا إلى اليمن، وفعلا سار أبو جبيلة عدة أيام متجها إلى اليمن ثم غير طريقه وبعد مدة وصل إلى أرض يثرب ونصب خيامه فى موقع يقال له «ذى حرص» ودعا إليه أعيان اليهود وأعمل سيفه فى رقاب اليهود الذين استجابوا لدعوته. وقطع أنساب الرؤساء الذين سيتولون مناصب الحكومة منهم، وبناء على هذا قد تغلب أفراد قبيلة الخزرج والأوس على طوائف اليهود فى البلاد المقدسة وأصبح كل واحد منهم صاحب أملاك وأصبحت الحكومة فى أيديهم.
وقال بعض المؤرخين: «إن مالك بن عجلان استمد العون من ملك اليمن تبع الأصفر وساق الملك المشار إليه الجيوش إلى أرض يثرب وقتل اليهود وأهلكهم ثم عاد بعد أن كسا البيت الأعظم بالكسوة
(1)
.
إذا ما نظرنا إلى وجود بعض المواقع تنسب إلى تبع الحميرى فى المدينة المنورة وإلى ثبوت كساء البيت المحترم يلزم أن تكون هذه الرواية مقارنة للصحة أو يلزم أن يكون أبو جبيلة وكذلك تبع الأصفر قد أدبا يهود المدينة.
(1)
إن تفصيل هذه الواقعة مسطر فى الصورة الثالثة من الوجهة الرابعة «لمرآة مكة» .