الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصورة الثامنة
فى تعريف الشبكة الشريفة التى تحيط بالحجرة المعطرة ودار فاطمة-رضى الله
عنها-السعيدة
.
تصور السلطان الظاهر ركن الدين بيبرس المصرى الذى أدى فريضة الحج سنة 667 هـ أن يحيط الحجرة الشريفة بسور خشبى بشرط أن تؤدى الصلاة بداخله وعند عودته إلى مصر أمر بصنع ذلك السور الخشبى وفق رأيه وبعثه إلى المدينة المنورة فى سنة 668 هـ فأحاط حجرة السعادة دائرا ما دار بشبكة خشبية فى ارتفاع قامة رجل وأطلقوا لهذه الشبكة المقصورة ولما استحال أداء صلاة حيث تمر الشبكة أراد العلماء أن يصرف النظر عن وضع هذه الشبكة وبلغوا بعد ذلك معرّضين بهذا العمل محاولين أن يثيروا الأهالى إلا أن أحدا لم يعر أذنا صاغية لتلك التبليغات والتعريضات.
وكانت للشبكة التى تطلق عليها المقصورة ثلاثة أبواب يفتح أحدها إلى الجهة الشرقية والآخر إلى الجهة الغربية والثالث إلى الجهة القبلية، وبعد ست وعشرين سنة رفع زين الدين كتبغا العادل الشبكة التى أرسلها الظاهر ركن الدين إلى سقف المسجد وفى سنة (729) هـ فتح باب آخر إلى الجهة الشامية، وفى سنة 853 هـ يعنى فى عهد الظاهر حسن المصرى صنع سقف لطيف أمام الباب الذى فتح مجددا عرضه ستة أذرع وفرش ساحته الأرضية برخام مجلى، واحترقت كل هذه الأشياء فى حريق 886 هـ ومن هنا صنعت شبكة جهتها القبلية مصنوعة من النحاس وجهاتها الأخرى الثلاث من الحديد شبكة ملاصقة لسقف المسجد الشريف وغطى أعلاها بقفص مصنوع من أسلاك نحاسية.
والشبكة التى صنعت وفق التعريف المشروح كان بابها فى الجهة القبلية من خشب الساج وأبوابها الأخرى مصنوعة من ألواح حديدية، وقد بدلت مصاريع
الشبكة الشريفة مؤخرا بأقفاص مصنوعة من النحاس وصنعت شبكة أخرى للجهة الشامية من المقصورة وكان ما بين الشبكة الجديدة وحجرة السعادة منفصلا، وكان لهذه الشبكة بابان أحدهما على يمين مثلث الحجرة الشريفة والآخر على اليسار، ولأن جزءا من حجرة السعادة ظل فى داخل الشبكة التى صنعت مؤخرا كان الدخول إلى شبكة الحجرة الشريفة من شبكة ذلك المثلث وتحفظ دار فاطمة-رضى الله عنها-السعيدة بهذه الصورة.
وقد سرد بعض المؤرخين بعض الأدلة والبراهين حتى لا يحملوا الظاهر ركن الدين جريرة استحالة الصلاة فى بعض أماكن الروضة المطهرة بسبب هذه الشبكة وقالوا إن الظاهر ركن الدين قد أمر بصنع تلك الشبكة تغطيا للحجرة الشريفة ومقتديا فى ذلك بعمر بن عبد العزيز وذكروا أن هذه الأدلة غير قابلة للاعتراض عليها إلا أن خطأ هؤلاء الذين يرون هذا الرأى واضح، لأن عمر بن عبد العزيز أحاط مدفن السعادة بجدار حتى لا يشبه البيت الحرام وترك أبواب هذا الجدار مفتوحة ليكون لأداء الناس الصلاة فى داخله فى غير مواسم الحج وهذا لا ينكره أحد.
وكانت أبواب الشبكة التى أرسلت من قبل الظاهر ركن الدين مغلقة فى عهد برسباى لغير أرباب اليسار والثروة.
وبناء على ذلك فالذين يدخلون فى الحجرة المعطرة معدودون ويزورونها خفية ليلا، وإن أرسل كثير من الطلبات لرفع مثل هذه البدعة إلا أن جميع هذه الطلبات قوبلت بالصمت والسكوت ولم يستجب إلى ما طلبه الراجون وكان الفساد هو السبب فى ظهور هذه البدعة السيئة فى ذلك العصر لأن كل امرأة كانت يرخص لها فى جميع الأوقات بالدخول فى داخل المقصورة وكان ذلك قاعدة ذلك العصر كنّ يصحبن معهن أولادهن وكان الأولاد بحكم طفولتهم يلعبون فى داخل المقصورة ويحطمون ما بأيديهم فيملئون الحجرة المعطرة بالكناسة، وبناء على ذلك اتخذت بدعة عدم إدخال الزوار فى داخل الحجرة المعطرة حتى تحفظ داخل المقصورة الشريفة نظيفة وكم كتبوا من طلبات راجين
رفع السور إلا أنهم فهموا استحالة ذلك وتمنوا على الأقل أن تظل أبواب السور مفتوحة، وفى الواقع أن إنشاء هذه المقصورة منع كثيرا من الشرور.
وقال المؤرخ ابن فرحون وهو يعرف الشرور التى حدثت بعد صنع شبكة المقصورة «ووقت فتح الأبواب كان شر المقصورة التى أحدثت فى الطرف الغربى من حجرة السعادة شرا عامّا، ولما كانت طائفة الإمامية قد اعتادت أن تجتمع داخل هذه المقصورة لأداء الصلاة وكانوا يظنون أن المقصورة مكان صنع من أجلهم وخاص بهم، من هنا كانوا يشقون صفوف المصلين ويمرون من أمامهم ولا يراعون الأصول.
وفى الواقع قد ندم صانع المقصورة وقد رأى هذه الحالات إلا أن الأمر كان قد حدث ومن هنا لم يملك غير السكوت».
والطائفة الرذيلة التى حصرت داخل المقصورة لجماعتها كان أفرادها يؤذنون بصوت عال ويقولون بدلا من «حى على الصلاة» ، «حى على خير العمل» وكان مدرسوهم يعقدون الحلقات ويعظون ويبذلون جهدهم لنشر مذهب الرفض والإباحة وتعميمه، وفى الحقيقة قد انكسر نفوذ الطائفة المذكورة ولم تبق لهم أى قيمة، إذ فتحت أبواب المقصورة وضم بعض أماكنها إلى حجرة السعادة.
وكان ركن الدين بيبرس قد بنى هذه المقصورة بنية عرض تعظيمه وتوقيره لحجرة السعادة، ولكن القضية قد انعكست لأن طائفة الإمامية اتخذت شبكة المقصورة نقطة اجتماع لها.
وبعد أحداث شبكة المقصورة بأربعة وستين سنة يعنى فى سنة 732 هـ الهجرية ذهب الملك الناصر إلى الحج أيضا ومر بالمدينة المنورة حين العودة وأمر بغلق أبواب الحجرة المعطرة متبعا آثار أسلافه فظهرت فى عهده بدعة منع الدخول فى حجرة السعادة فى غير أوقات تعمير القناديل.
ولما ظلت دار فاطمة-رضى الله عنها-ومقام جبريل داخل شبكة حجرة السعادة حرم الناس من زيارتها، وكان سبب حرمان الناس من زيارة دار فاطمة
-رضى الله عنها-ومقام جبريل قاضى الشام نجم الدين أفندى، إذ جاء نجم الدين أفندى لأداء الحج مع قافلة الشام ورأى اقتحام الناس حجرة السعادة مزدحمين فأفتى بغلق الأبواب، وإن كان ولى الدين العراقى أفتى بعد فترة بفتح الأبواب ففتحت أبواب الحجرة الشريفة إلا أن نجم الدين أفندى أفتى فتوى جديدة فى سنة 828 هـ وأغلق أبواب حجرة السعادة.
واستصوب فى تلك الفترة الإمام السمهودى أن تظل أبواب الحجرة الشريفة مفتوحة لزيارة الناس، ووقف كثير من علماء المدينة الميمونة ضد الفتوى الصادرة من قاضى الشام نجم الدين أفندى وأيدوا الفتوى التى أصدرها ولى الدين أفندى العراقى وصدقوا الإمام السمهودى إلا أنهم لم يستطيعوا أن يقنعوا موظفى الحكومة فظلت أبواب الحجرة المعطرة مغلقة.
قال الإمام السمهودى لأحد أحبابه وهو يبين وجهة نظره فى فتح أبواب الحجرة المعطرة «يا أخى، إن إغلاق أبواب حجرة السعادة يؤدى إلى تعطيل ذلك المكان والناس يمسون هذا المكان أو ذاك بنية الاستعارة ويعطون ظهورهم لشبكة السعادة وهذا غير لائق، ورأيى أن تفتح أبواب حجرة السعادة حتى يحال بين الناس وبين ارتكاب الحرام، وهذا موافق لحكم الشرع وبهذا ندفع المكروه، وكنت أبحث عن طريقة للحصول على إرادة سنية من الملك الأشرف قايتباى الذى أتى إلى المدينة سنة 880 هـ للزيارة لفتح أبواب حجرة السعادة وقد قام بأداء مراسم الزيارة من مكان قريب من باب السلام ناهيك عن دخول الحجرة المعطرة، وفى النهاية تقربت منه وقلت له بعد أن مهدت بمقدمة مناسبة لو كنت دخلت فى الحجرة المعطرة لنلت من الفوائد الدينية والدنيوية وأردت بهذا النهج الإشارة إلى لزوم دخوله إلى الحجرة المعطرة.
فقال لى «إذا أمكن زيارة صاحب الرسالة-عليه السلام-من مكان أبعد لما تجرأت أن أقترب منه بهذا القرار» ولما سمعت رد قايتباى المصرى هذا اضطررت للسكوت وإذا كنت قلت له لو أمرت برفع بدعة إغلاق الأبواب كان من البديهى أن إجابته بجواب الرفض وهذا لا يحتاج إلى تفكير عميق. انتهى.
إن فكرة الإمام السمهودى هذه صحيحة جدا ومخلصة، إلا أن ذاته الفاضلة لو أدرك العصور التى ظلت أبواب حجرة السعادة مغلقة ولم يعن فيها تطهير حرم السعادة وتنظيفه مع وجود كثيرين من الخدم لمسجد السعادة والأوقات التى تعقد فيها حلقات الاجتماعات حيث يجلس فيها كما يجلس فى الأسواق وحيث ينم فيها هذا أو ذاك العصر الذى يسكت فيه عن هذه البدعة الموظفون الشرعيون والسياسيون لو أدرك تلك العصور لا شك فى أنه كان سيحكم بإصابة القاضى نجم الدين فى فتواه.
وقد أطلق على الشبكة التى أمر بصنعها الظاهر ركن الدين المقصورة فى ذلك الوقت ولكن فيما بعد ترك اسم المقصورة وأطلق عليها الشبكة ولداخلها الحجرة المعطرة ولأبواب المقصورة أبواب الحجرة وللقناديل المعلقة داخل هذه الشبكة قناديل الحجرة المعطرة
(1)
.
تعريف شكل شبكة السعادة وما عليها من خطوط:إن الشبكة التى تحيط بالحجرة المعطرة دائرا ما دار ذات أربعة زوايا وقد صنعت فى غاية الإتقان فى الصنع وفى هيئة مكلفة ودقيقة.
وتتكون جهاتها الشرقية والغربية كل واحدة منها من ست قطع وجهاتها الجنوبية والشمالية كل واحدة منها من ثلاث قطع أى أنها كلها تتكون من ثمانى عشرة قطعة شبكة وفى كل زاوية من زواياها باب ذو فيوضات وكان يطلق على الباب الذى ينظر جهة الشرق أى الباب الذى يوجد فى الجهة الشرقية من الشبكة باب فاطمة من الأبواب الثلاثة التى فتحت للمقصورة فى عهد الظاهر ركن الدين وباب المعلا هذا يفتح ناحية البقيع ويروى أنه قبر السيدة فاطمة-رضى الله عنها يوجد فى داخل هذا الباب ويطلق على الباب الذى فى الجهة الغربية من الحجرة المعطرة باب الوفود وباب التوبة، والباب الذى بباب الوفود ينظر داخل الروضة المطهرة ووجه تسميته بهذا الاسم استقبال وفود العرب ومساكن القبائل فى هذا المكان فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم وإكرامهم وإطعامهم فيه، والباب اللطيف
(1)
ما زالت إلى الآن معروفة بهذا الاسم.