الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوق طاقته {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (30) أَلاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} (النمل:30) وقد طرحت مبانيه وأسست من حجر أسود فى غاية الإحكام إلا أن بعض أماكنها أخذت تتشقق والباب المذكور فى الجهة الغربية من السور وفى جهة «مصلى عيد النبى» وما بينه وبين باب السلام «ستمائة خمسة وأربعون» ذراعا.
الدرب الصغير: ويقع بالقرب من حصن الأمير وفى جهة درب المصلى.
الدرب الشامى: ويطلق عليه الدرب الكبير أيضا.
درب البقيع: هو الباب الكبير الذى يقع فى الجهة الشرقية من السور، وهو الباب الذى يعرف بباب الجمعة، وبينه وبين باب جبريل مسافة أربعمائة ثلاثة وثلاثون ذراعا.
إخطار
الذراع الذى أذكره فى تعريف هذا السور هو الذراع المعمارى، ولكن فى قياس الحجرة المعطرة أو ساحة مسجد السعادة، اعتبر الذراع الذى يستخدم فى البلاد المصرية والحجازية، وعلى هذا يلزم أن يكون هذا المقياس مقياسا فى طول شبرين، لأن الذراع الآدمى ومقياس مصر والحجاز ذراع وثلث ذراع.
درب البقيع: ظل هذا الباب مسدودا إلى سنة خمس وسبعين وسبعمائة، وقام الملك الصالح المصرى بفتح هذا الباب فى خلال تلك السنة وأدخل السرور فى قلوب سكان هذه الجهة، ولكنه سده مرة أخرى بعد فترة، واندرس أساسه وانمحى شكله وبهذا أصبح عدد أبواب أسوار المدينة أربعة. ولما وفق والد السلطان كثير المحامد فى تجديد مسجد السعادة أمر بفتح الباب الشامى لتسهيل نقل أنقاض مبانى مسجد السعادة عند تجديده وبهذا أصبحت أبواب المدينة المنورة خمسة أبواب مرة أخرى.
إن الأبواب الخمسة أكثر الأبنية نظاما بالقياس للمبانى الموجودة فى البلاد
الحجازية، وكل واحد منها قد أسس وفتح تحت أبراج منقوشة بألوان متنوعة ومستحكمة بنيت لصد هجمات عربان البوادى، ويبعد كل واحد عن الآخر مسافة منزل رصاص وبنيت مطابقة لفن وقواعد بناء القلاع والحصون على شكل نصف دائرى، وصنع فوق جدران الأسوار بعض الأبراج وزرعت فى داخل المدينة وخارجها أشجار نخيل لا تعد ولا تحصى وذلك بمساعدة وفرة المياه وجودة الهواء.
ولم يكن فى عصر السعادة أسوار ولا مستحكمات، وكانت دور أجداد الأنصار من قبائل «الأوس والخزرج» متصلة بعضها ببعض مثل قرى متسلسلة، لذا كان شكل المدينة الطاهرة بلدة طولية جسيمة وقد وصل أحد أطرافها إلى قرية «قباء» التى تثير الشوق إليها. وقد دام عمارها الذى حدث فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم إلى واقعة الحرّة الشهيرة، وبعد ذلك آلت إلى الخراب تدريجيا، وبما أنها قد صغرت إلى أقصى حد فى عهد طائع الله بن المطيع لله العباسى، فقد أخذ العربان الذين يسكنون الصحراء يثورون من حين لآخر ويطوفون ويمضون ثم يغيرون على المدينة وينهبون أموال الأهالى ويستولون على كل ما يمتلكون، فأراد عضد الدولة
(1)
ابن بويه أن يحمى سكان دار السكينة وأموالهم من نهب أشقياء البدو وأن يخلصهم من تسلطهم، فأحاط تلك المدينة بسور متين فى سنة «360 هـ»
(2)
، ودام السور الذى بناه عضد الدولة وأسسه ما يقرب من مائتى عام، إلا أنه لم يعمر ولم يصلح ولم يرمم لفترة طويلة فآلت أبراجه وجدرانه بالتدريج إلى الخراب واندرس حتى لم يبق أثر لأسسه، وأخذ العربان الذين لا يذعنون فى إزعاج الأهالى، لذا بنى صاحب رباط العجم
(3)
«جمال الدين محمد بن أبى منصور» الأصفهانى سورا جديدا قويا فوق أنقاض السور القديم المندرس، وبهذا
(1)
كان هذا الشخص وزير «طايع الله أبو شجاع ركن الدولة» ومن آثاره الخيرية سوق شيراز الذى يطلق عليه «سوق الأمير» ودار شفاء بغداد، وأضرحة الإمام على والإمام الحسين «رضى الله عنهما» فى النجف بكربلاء
(2)
يروى البعض أن السور المذكور قد طرح فى سنة «363 هـ» .
(3)
قد عرف موقع هذا الرباط فى الصورة الأولى من الوجهة الثانية عشرة.
أنقذ الأهالى الضعاف من شقاوة الأشقياء وذلك فى سنة 450 هـ مع أن هناك روايات مختلفة كثيرة يتناقلها الناس بخصوص القلعة القديمة التى قام بتجديدها المرحوم جمال الدين فمن المحقق أن تلك القلعة هى التى جددها جمال الدين المذكور إذ قال شهاب الدين ابن أبى شامة فى كتابه نقلا عن ابن الأثير:
بينما كان ابن الأثير يؤدى صلاة الجمعة فى مسجد المدينة المنورة، رأى أن أحد الأشخاص يطيل فى الدعاء لجمال الدين الأصفهانى فسأله عن سبب ذلك؟
فكان رد الرجل: إن أهل دار السكينة يدينون فى كل وقت وآن وساعة بالدعاء لجمال الدين؛ وكيف لا يدعون له؟! أليس هو الذى أنقذ سكان مدينة الرسول من إساءة العربان ومضرة أهل العدوان، إذ أحاط المدينة بالسور الذى تراه وكانوا قبل ذلك أسرى فى أيادى العربان وكان أشقياء العرب يهاجمونهم فى كل آن وينهبون أموالهم ويغتصبون حيواناتهم ويغيرون عليهم. ولسنا وحدنا نخصه بالدعاء حتى خطباء منبر السعادة يقولون فى أثناء خطبهم اللهم صن حريم من صان حريم نبيك بالسور، محمد بن على بن أبى منصور، فرحمه الله ورضى الله عنه.
إن رواية ابن أبى شامة هذه تؤيد القول الذى يحكى أن بانى هذا السور ومجدده هو جمال الدين محمد بن أبى منصور.
ويجرح ابن خلكان القول الذى يقول إن هذا السور قد بنى من قبل عضد الدولة قائلا إن «إسحاق بن محمد الجعدى» هو الذى كان قد بنى سور المدينة القديم فى خلال سنة مائتين وثلاث وستين، وكان للسور الذى بناه إسحاق بن محمد أربعة أبواب فى ذلك الوقت يفتح أحدها إلى جهة مقبرة بقيع الغرقد والثانى إلى عضد الدولة وادى العقيق والثالث إلى قبور الشهداء والرابع يفتح إلى جهة الغرب؛ وقد خرب هذا السور الذى بناه إسحاق بن محمد، وهذا هو سبب نسبة السور القديم إلى عضد الدولة ابن بويه وحكم بهذا المقال أن السور القديم من آثار إسحاق بن محمد وبعض المؤرخين يؤيدون هذه الرواية أيضا
قائلين إن الذى بنى السور القديم هو معز الدولة، وجدده فى سنة أربعمائة وخمسين صاحب رباط عجم جمال الدين الأصفهانى، وإن تمسك المؤرخون بادعائهم هذا إلا أن الرواة الذين نقلوا خبر ابن بويه من الأشخاص الذين يوثق فى أقوالهم وهذا يقتضى ترجيح هذه الرواية على الروايات الأخرى.
والمؤرخون الذين رأوا آثار خرائب السور القديم الذى بناه عضد الدولة ذهبوا إلى أن هذا السور يمتد من جبل سلع إلى وادى بطحان يحتوى فى داخله ما نسميه فى زماننا «بمسجد النبى» والذى كان مصلى العيد المصطفوى، ومبانيه وما حوله من جميع البيوت وبهذا ادعوا أن السور القديم كان سورا عظيما.
وبعد أن جدد المرحوم جمال الدين سور المدينة وأنقذ الأهالى من أن يداسوا تحت سنابك خيول العربان وخلصهم من شرورهم، أخذ سكان مدينة الرسول يزيدون يوما بعد يوم وبناء على هذا أصبح لازما بناء البيوت خارج السور وامتلك فقراء الناس قطعان من الأرض فى خارج السور وأخذ كل واحد منهم يبنى بيتا على قدر طاقته، إلا أن أشقياء العربان الخبثاء أخذوا يزعجون فقراء السكان فى خارج السور كلما وجدوا فرصة نتيجة لما جبلوا عليه من الخسة إلى أن ورد إلى المدينة الشهيد «نور الدين» وقد ذهب الشهيد نور الدين بغتة إلى المدينة الزاخرة بالرحمة بناء على رؤيا رآها-كما ذكر فى الوجهة التاسعة والصورة الأولى- وانتهز أصحاب البيوت التى فى خارج السور الفرصة وقدموا طلبا يفيد لجملة ما يأتى: يا أيها الملك! لم تبق لنا طاقة لتحمل غارات أشقياء العربان، إذ يغيرون علينا من حين لآخر ويستولون على حيواناتنا ويأسرون أولادنا وعيالنا، نرجو أن تنقذنا من شرور هؤلاء بأن تصدروا أمركم ببناء سور يحيط بمنازلنا، وما كان من الملك إلا أن أسعف رجاء الأهالى وأمر بهدم السور القديم الذى آل للسقوط والخراب وأسس سورا جديدا يحيط بالمنازل والمحال التى بنيت فيما بعد وما زال هذا السور مشهورا إلى يومنا هذا، وهكذا أنقذ أصحاب المحلات الجديدة والبيوت من تسلط عربان الصحراء وإضرارهم وذلك فى سنة «558» .
وقد رأى فريق من المؤرخين فوق الباب الذى فتح فى جهة بقيع الغرقد من السور عبارة: «هذا ما أمر بعمله العبد الفقير إلى الله تعالى محمود بن زنكى بن أقسنقر غفر الله له، سنة ثمان وخمسين وخمسمائة» وذهبوا إلى أن السور المذكور قد شيد من قبل محمود بن زنكى. ومن هنا لا شبهة فى أن السور المذكور من أثر بناء الشهيد نور الدين.
والشهيد نور الدين هو «محمد القاسم» ابن الملك المنصور عماد الدين بن أبى الجواد، زنكى أقسنقر.
وقد ولد فى سنة إحدى وخمسين وخمسمائة ورحل عن دنيانا سنة تسع وستين وخمسمائة إلى عالم البقاء والخلود وبناء على هذا يكون قد مات وعمره أربع وخمسون سنة رحمه الله.
وقد أمن سور المدينة الطيبة الذى بناه الشهيد نور الدين السكان من تسلط العربان، وحافظ عليهم ما يقرب من مائة وخمسين عاما، إلا أن تقلبات الزمان ومرور الأيام خربت السور الجديد وحفرة الخندق التى حفرت من قبل سعد بن ثابت وأخذت هجمات الأشقياء المتوالية تزعج سكنة دار الهجرة مرة أخرى، وعندئذ جدد الملك الصالح ابن الناصر قلاوون وهو من الملوك الشراكسة المصريين الأماكن الخربة من ذلك السور فى سنة 755،كما شيد وأصلح السلطان قايتباى الأماكن التى خربت وانهدمت من ذلك السور.
شرع فى حفر الخندق سالف الذكر، بتشجيع سعد بن ثابت جماز من ولاة المدينة واتفاق الأهالى واتحاد الأعيان والسادات فى سنة 751 هجرية، إلا إنه تم حفره فى عهد وولاية فضل بن جماز الذى أصبح واليا بعد موت سعد بن ثابت.
وللأسف الشديد قد امتلأ ذلك الخندق بالأحجار الصغيرة نتيجة للإهمال وأصبح أرضا مستوية حيث أنبتت بعض الخضر والفواكه.
وكما لم تجدد أى جهة من جهات السور منذ عصر الملك قايتباى المصرى إلى عصر السلطان سليمان بن السلطان سليم خان عليهما الرحمة والغفران، أخذت
أبراجه وجدرانه تتشقق وتنهار فانفتحت شقوق كبيرة وأخذ البدو يمارسون عاداتهم القديمة المألوفة فيمدون أياديهم إلى أموال الأهالى والمواشى وأخذوا يزعجون سكنة دار السكينة، مما دفع الأهالى إلى عرض أحوالهم على أعتاب السلطان سليمان وإعلامها فى سنة 937 هجرية، فصدر الأمر السلطانى بتعمير سور المدينة القديم بشكل متين قوى وإنقاذ الأهالى الكرام من تسلط اللصوص، وتعيين من يقتضى تعيينهم من أجل هذا العمل على وجه السرعة وإرسالهم إلى دار الهجرة، وإشعار ذلك إلى والى ولاية مصر، وبناء على صدور الصحيفة التى تحوى الأمر السلطانى وإرسالها إلى والى مصر، تم تدبير الشخص الذى أنيطت به مهمة أمانة البناء كما دبرت المبالغ اللازمة، وتوجه مستصحبا معه لوازم البناء إلى المدينة المنورة وتحرك من مصر لينال هذا الشرف وعندما وصل إلى دار الهجرة أخذ يقيس الأماكن التى تحتاج إلى التعمير والبناء من السور فتكشف له أن أربعة آلاف ذراع معمارى من الجدران فى حاجة إلى التأسيس والتشييد من جديد ماعدا الأبراج والدعائم، وكان ارتفاع هذا الجدار سبعة عشر ذراعا وسمكه عشرة أذرع، وقد جلب أمين البناء العمال المطلوبين من المدينة المنورة، وابتدئ فى حفر الأساس فى أواسط سنة 939.وقد بذل أقصى الجهود وأخلص المساعى فى بناء السور وقدمت التسهيلات اللازمة من جميع الجهات ومع ذلك لم يتم بناؤه. إلا فى ظرف سبع سنوات واكتمل فى أواخر سنة 946 وفتحت للسور الخارجى أربعة أبواب وللسور الداخلى الذى يطلق عليه «القلعة الداخلية» بابان.
وكان أحد أبواب «القلعة الداخلية» مفتوحا أو مغلقا على صورة دائمة بينما كان الآخر قد صمم على أن يفتح ويغلق فى وقت الحاجة فقط لذلك أطلق عليه «الباب السرى» .
وقد غطيت مصاريع أبواب القلعة الخارجية والداخلية بألواح حديدية بينما صنع «الباب السرى» من الحديد الخالص وقد رممت بروج القلعة الخارجية أكثر من بروج القلعة الداخلية، وعمقت حفرة الخندق وشيدت جدرانها قوية متينة على قدر الإمكان، وأجرى مقدار كاف من المياه من «عين الزرقاء» حتى لا يحرم
الأهالى فى داخل السور من المياه وفتح منهلان أحدهما خاص بالرجال والآخر بالنساء.
قال صاحب «مفتاح السعادة» أنفق السلطان سليمان لتجديد السور ستين ألف قطعة ذهبية وقال «السيد كبريت المدنى» أنفق مائة ألف قطعة ذهبية. وأرسل أربعة عشر ألف أردب من الحبوب مثل الأرز والحنطة والفول والشعير، وما لا يحصى ويعد من العدد والأدوات وكان ما أرسل من الآلات والحبوب والأدوات خارج الحساب المذكور.
ولم تنفق كل هذه النقود فى تعمير السور فقط بل أنفقت أيضا-كما سبق فى بحث تعمير الحرم النبوى وتفضيله-فى تقويض الجدار الغربى للمسجد النبوى ومئذنة «الشكلية» و «باب الرحمة» كلها من أساسها وتجديدها فيلزم أن تدخل النقود التى ذكرها صاحب كتاب مفتاح السعادة و «السيد كبريت» .والبيت المذكور الذى يقول.
(أنظر إلى السلطان سليمان لقد بنى قلعة كسد الاسكندر فاطلب له الرحمة).
يؤكد أن السلطان سليمان-عليه رحمة الله المنان-هو الذى قام بتجديد سور المدينة المنورة، وصان أهلها من تسلط العربان، وهكذا يئس أشقياء العرب من التسلط على المدينة ونهب أموال الأهالى ومواشيهم-رحمه الله رحمة واسعة.
وبخصوص القلعة فإنه من المعلومات التى ذكرت هاهنا، يفهم أن المدينة المنورة كان لها سوران: الأول غربى والثانى شرقى وكانت حدود المدينة المذكورة محاطة بهذين السورين.
وكل من يسكن بين أحد السورين يطلق عليه مدنيا، وقد جدد السور الغربى بالطوب اللبن فى أوائل الفترة الوهابية من قبل الأهالى على أسس السور القديم.