الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصورة الثانية
فى ذكر كيفية تجديد مسجد السعادة وتوسيعه للمرة الثانية
.
ظل مسجد السعادة ثلاث عشرة سنة وفى قول ثمانى عشرة سنة على الهيئة التى جددها الفاروق الأعظم إلا أن عدد المسلمين زاد رويدا رويدا حتى أصبح الحرم الشريف لا يستوعبهم؛ ولأجل ذلك هدم عثمان بن عفان مبانيه كلية فى السنة التاسعة والعشرين أو السنة الثلاثين وفى رواية فى السنة الحادية والثلاثين أو فى نهاية سنىّ خلافته فى خلال شهر ربيع الأول من السنة الخامسة والثلاثين ووسعه وجدده على أجمل شكل وهيئة منتظمة كما بنى لنفسه مقصورة وأتم عمليات البناء فى ظرف عشرة أشهر وهذا التعمير يعد التوسعة الثانية للمسجد الشريف.
يبين بعض المؤرخين لهدم مسجد السعادة وتجديده أسبابا عدة، أحد هذه الأسباب بل أهمها قول بعض أهالى المدينة من أصحاب العز والمثول إن الجماعات يظلون خارج المسجد يوم الجمعة ولا يستطيعون أداء الصلاة، فإذا ما وسع مسجد السعادة قليلا لا ستوعب كل الجماعات الآتين للصلاة وقد استحسن عثمان بن عفان رأى من يريدون توسيع مسجد السعادة واستشار أصحاب الشورى، ثم قرر أن يهدم المسجد الشريف كله، وتوسيعه، وصعد يوما بعد أداء صلاة الظهر على منبر السعادة وألقى خطبة بليغة تحوى المعانى التالية يا أصحاب رسول الله، إننى سأجدد المسجد الشريف وأوسعه بعد هدمه، وقد تذاكرت مع أصحاب الشورى فى هذا الخصوص، فاستصوب كلهم رأيى وأقروا أن الحرم السعيد فى حاجة إلى التوسيع والتجديد. وقال للذين رفعوا قامتهم معترضين:
(1)
«إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الذين يبنون مسجدا لوجه الله فإن الله-سبحانه وتعالى-سينعم
(1)
وكان غرض المعترضين تجديد المسجد بلا زينة لأن الكل كان يتمنى توسيع المسجد وتجديده.
عليهم فى الجنة مثل المسجد الذى أسسوه فى الدنيا وسيتبعنى سلفى فى هذا الخصوص وإننى سأموت وأقلده فى هذا، وأسكتهم بهذه الإجابة الصائبة. وقد أدت الخطبة التى ألقاها عثمان إلى قيل وقال إلا أن الجميع قد اتفق فى الاجتماع العام على لزوم توسيع المسجد وتوسيعه على صورة مطبوعة جميلة وصدقوه وبناء عليه جلب الخليفة القدر الكافى من العمال وابتدر بهدم المسجد بذاته وهو صائم، وترك الجهة الشرقية من المسجد على حالها، وهدم الجدار القبلى كاملا ووسعت هذه الجهة وجدد جدران جهاتها الأربعة بحجارة منقوشة بعد هدمها ونصب عمودا ذات قاعدة مربعة فى الجهة الغربية يعنى فى جهة «باب السلام» .
إن هذا العمود هو السابع إذا ما عد ابتداء من منبر السعادة ناحية باب السلام، وقد جعلت قاعدته مربعة للدلالة على أن هذا المكان منتهى توسيع حضرة عثمان مبتدأ تجديد الوليد بن عبد الملك، وقد بلغ طول المسجد فى هذا التعمير إلى 160 أو 170 ذراعا وعرضه إلى 150 ذراعا أى أن عثمان بن عفان قد وسع مسجد السعادة ثلاثين ذراعا عرضا وعشرين ذراعا طولا وأبقى على جميع أبوابه القديمة.
وتوجد فى الجهة الشامية من المسجد الشريف منازل أبى سبرة بن أبى رهم وعمار بن ياسر وطلحة بن عبيد الله ومنزل حفصة بنت عمر بن الخطاب من زوجات النبى صلى الله عليه وسلم، وفى الجهة القبلية منزل العباس بن عبد المطلب، واشتهرت تلك المنازل كلها برصانتها فوق العادة ومتانتها، قد اشترى حضرة عثمان جميع هذه المنازل وأرضى أصحابها بطريقة ما وطيب خواطرهم وألحقها بساحة مسجد السعادة المشحون بالفيض.
ولما قالت له زوجة الرسول حفصة بنت عمر-رضى الله عنهما-إذا ضممتم منزلى هذا إلى المسجد الشريف فأين المنزل الذى سأقيم فيه أجابها قائلا سنجد لك منزلا ونفتح له طريقا خاصا يفضى إلى مسجد السعادة وأعطاها دار عبد الله بن عمر وفتح منها طريقا واسعا يفضى إلى المسجد وهكذا أرضى أمنا حفصة رضى الله عنها-وطيب خاطرها.
وكانت عمارة عثمان بن عفان للمسجد أن بدل الأعمدة الخشبية بالأبنية من
اللبن وبدل الأعمدة المبنية باللبن بالحجر وجعل السقف من خشب الساج وجمع الجهة القبلية إلى شبكة الحجرة المعطرة، كما بنى المحراب المقدس الذى يشتهر «بالمحراب العثمانى» وهو من الآثار الجليلة التى زيدت فى المسجد وفى الجهة اليمنى من طاق ذلك المحراب الشريف كتب اسم الجلالة وفى الجهة اليسرى منه اسم النبى الطاهر وفى وسط هاذين الاسمين كتب اسم الجلالة الآخر.
والمحراب العثمانى فى وسط الجدار القبلى للحرم الشريف وفى الجهة اليمنى منه كتبت أربعة أسطر كتابة بخط جلى نفيس وفى السطر الأول من هذه الكتابات الآيات {إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:56) وفى السطر الثانى {قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ} (البقرة:144) وفى السطر الثالث {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} (البقرة:144) وفى السطر الرابع الحديث (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن سركم أن تقبل صلواتكم فليؤمكم علماؤكم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم وفى رواية فليؤمكم خياركم)(حديث شريف) وكل هذه الكتابات قد زخرفت والحديث الذى سطر فى السطر الرابع قد كتب على ثلاثة أسطر ذات أربع زوايا، وفى الجهة اليسارية كما فى الجهة اليمنى أربعة السطر من الكتابة كتب على السطر الأول منها قول الله {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ} إلى قوله {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (التوبة:128) وعلى السطر الثانى {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها} (البقرة:144) وعلى السطر الثالث {وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (البقرة:144) وكتب على السطر الرابع (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أقيموا صفوفكم فإنما تصفّون كما تصفّ الملائكة وحاذوا بين المناكب ولينوا بأيدى إخوانكم وسدوا الخلل ولا تجعلوا فرجة للشيطان فمن وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله عز وجل (حديث شريف) والسطور الأولى من هذه الكتابات كتب بالخط الكوفى وكلها مزخرفة ومطلية بالذهب.
وقد كتبت قصيدة البردة البليغة فى داخل القباب التى فى الصفين الأولين دائرا
ما دار، وتمتد هذه القباب فى داخل حرم السعادة ابتداء من باب السلام إلى الجدار الشرقى الملاصق للمئذنة الرئيسية ذلك الجدار الذى به المحراب الأقدس المذكور، وقد بدأت هذه القصيدة البديعة من جهة باب السلام وتمت فى مواجهة السعادة التى تتصل بالجدار الشرقى ولأجل ذلك كتبت فى داخل بعض القباب المتبقية سورة يس وسورة الملك كما كتب فى بعضها الآيات القرآنية المناسبة ورئى فى سنة 1198 هـ فى جدران محراب عثمان علامات السقوط والأنهيار وأبلغ الأمر سريعا إلى السلطان عبد الحميد خان-طاب ثراه-بن السلطان أحمد خان فأمر بتجديده وتزيينه وأرسل الشخص الذى كلف بالبناء بلا تأخير إلى المدينة المنورة، وكشف هذا الشخص وتفقد المحراب المذكور مع سادات البلد وأشرافه وموظفى الدولة وبناء على القرار المتخذ أنزلت الحجارة الرخامية التى على طرفى المحراب المذكور ودون أن يفسدوا ما عليها من تاريخ قايتباى المصرى، وجددوا ما يلزم تجديده من الجدران القبلية ورتبوا تاريخ الملك قايتباى على شرطين ووضعوه فى مكانه كتبوا ما بين التاريخ المذكور بسم الله سورة الضحى الكريمة وكتبوا فى خاتمتها (صدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ورضى الله عنهم وعن سادات أصحاب رسول الله أجمعين) وكتب فوق هذا التاريخ القصيدة البليغة (بنور الله أشرقت الدنيا، ففى نوره كل يحيى ويذهب وكتب فوق هذه القصيدة بعد بسم الله الآية الكريمة){وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ} إلى قوله {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (البقرة:125) والآية الكريمة {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ} إلى قوله {إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (إبراهيم:37) وفى نهايتها الآيات البينات {سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} (يس:58)، {رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة:128)، {إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ} إلى قوله {وَضَعْتُها أُنْثى} (آل عمران:36) وكتبوا على ذيولها الآية الكريمة {سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ}
{تَعْمَلُونَ} (النحل:32) ولذيلها بدء من الآية {هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا} إلى قوله {عاقِرٌ} (آل عمران:40) وبعدها القول الجليل {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ} إلى قوله تعالى {وَارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ} (البقرة:43) وكتبت الآية الكريمة {قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ} وقد كتبت هذه الآيات الكريمة مرتبة على سطر واحد وانتهى السطر الطويل بخاتمة (صدق الله العظيم) كتبه الفقير نقشى الأسكدارى غفرت ذنوبه سنة 1198 هـ،وكتب فوق طاقة المحراب الشريف المذكور بعد البسملة الآية الكريمة {ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ} إلى قول الله تعالى {وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً} (الأحزاب:40) وقول الله تعالى بعد البسملة {إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ} إلى قول الله تعالى {مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (التوبة:18) وكتب فى ذيلها (اللهم شفع هذا النبى فى مجدده السلطان عبد الحميد خان نصره الله)،هذه الجملة الدعائية وكتب على يمين المحراب الشريف بعد البسملة الآية {قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ} (البقرة:144).
وكتب فى نهايتها على سطرين الحديث الشريف (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن سركم أن تقبل صلواتكم فليؤمكم) إلى آخر الحديث وعلى طرفى هذا الحديث الشريف كتبت أسماء النبى صلى الله عليه وسلم وكتبت على الجهة اليسرى من المحراب الشريف المذكور (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقيموا صفوفكم) إلى آخر الحديث وقد وشحت أطراف هذا الحديث الشريف أيضا بأسماء النبى الشريفة وقد زينت أعلى وأسفل هذه السطور بأحجار منقوشة من الصينى.
وهذا هو تاريخ قايتباى المصرى الذى أنزل دون أن يفسد ويتضرر فى أول التجديد ثم وضع فى مكانه فى ختامه دون إضرار.
بعد البسملة (إنما يعمر مساجد الله) إلى قول الله الجليل (عنده أجر عظيم) صدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم أمر بعمارة الحرم النبوى الشريف بعد