المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الصورة الأولىفى ذكر بيعة السابقين من الأنصار للإسلام وفى دعوة مصعب بن عمير أهلالمدينة إلى الإسلام - موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - جـ ٣

[أيوب صبري باشا]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الصورة الأولىفى ذكر الأحوال الجغرافية للمدينة الميمونة

- ‌إخطار

- ‌الصورة الثانيةوجوب مراعاة حق جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر وبيان كيفية دفن من أدركه الأجل فى المدينة الطاهرة

- ‌منظومة

- ‌الصورة الرابعةتوضح وتبين كيف يستقبل شهر رمضان الشريف-مظهر الغفران-من قبلأطفال المدينة وكيف يكون رمضان فى مدينة طيبة

- ‌مطالعة

- ‌صورة أداء صلاة التراويح:

- ‌سبب إقامة موكب الشموع:

- ‌الصورة الخامسةفى بيان ترتيب وتشكيل موكب الشموع الذى اعتيد إجراؤه فى مسجد السعادةبعد صلاة التراويح

- ‌الصورة السادسةفى تعريف طريقة أداء صلاة الفجر وصلاة العيد فى شهر رمضان

- ‌صورة أداء صلاة الفجر:

- ‌صورة أداء صلاة العيد:

- ‌الصورة السابعةفى تعريف الهيئة الكاملة لمسجد السعادة فى الوقت الحالى

- ‌الصورة الثامنةفى بيان وذكر أبواب حجرة السعادة المعطرة أبوابها وقناديلها وشمعداناتها

- ‌سبب وتاريخ استخدام الأغوات فى الحجرة المنيفة

- ‌تعريف مقدار خدمة الفراشة الشريفة الجليلة:

- ‌مقام أبى بكر وعمر رضى الله عنهما:

- ‌صورة غسل حجرة السعادة

- ‌الخدمة الدائمة للخدم:

- ‌تأديب الأغوات المتهمين:

- ‌إخطار

- ‌صورة تسكين الأغوات:

- ‌خدمات خدم مسجد السعادة الدائمة والمؤقتة:

- ‌الخطباء والأئمة فى الحرم النبوى الشريف

- ‌مكبرو الحرم الشريف

- ‌سقاء والحرم الشريف

- ‌استطراد

- ‌الوجهة الثانيةوتعرف حكم شد الرحال إلى المدينة بغرض زيارة مسجد الرسولصلى الله عليه وسلم

- ‌الصورة الأولىذكر الأحاديث الشريفة التى وردت بخصوص شد الرحال لزيارة مسجدالرسول صلى الله عليه وسلم وآراء الفقهاء العظام

- ‌إخطار

- ‌نصيحة

- ‌الصورة الثانيةفى ذكر وبيان فضائل المسجد النبوى الشريف والمنبر اللطيف والروضة النبويةالمنيفة

- ‌رواية

- ‌إخطار مهم

- ‌إخطار

- ‌بيان المصلى النبوى وبيان حدوده

- ‌الوجهة الثالثةتحتوى على ثلاث صور فى تعريف أسماء المدينة الطاهرة وفضائلها

- ‌الصورة الأولىفى بيان أسماء المدينة المنورة الجميلة وألقابها الجليلة

- ‌حرف الهمزة:

- ‌1 - أثرب:

- ‌2 و 3 - أرض الله، أرض الهجرة:

- ‌4 و 5 - أكالة البلدان [ز]،أكالة القرى [ز]:

- ‌6 - الإيمان [ز]

- ‌حرف الباء:

- ‌7 و 8 - البارة [ز]

- ‌9 و 10 و 11 - ومن أسمائها الشريفة بحره، بُحيرة، بَحيرة

- ‌12 - بلاط [ز]:

- ‌13 - بلد [ز]:

- ‌14 - بيت الرسول، صلى الله عليه وسلم [ز]:

- ‌حرف التاء:

- ‌16،15 - تندر [ز] تيدر [ز]:

- ‌حرف الجيم:

- ‌20،19،18،17 - جابرة [ز] جبار، جبابرة [ز] جبّارة:

- ‌21 - جزيرة العرب [ز]:

- ‌حرف الحاء:

- ‌23 - الحبيبة:

- ‌24 - حرم:

- ‌26،25 - حرم رسول الله [ز]،حسنة:

- ‌حرف الخاء:

- ‌28،27 - خيره، خيره:

- ‌حرف الدال:

- ‌37،36،35،34،33،32،31،30،29 - الدار [ز] دار الأبرار، دارالأخيار [ز] دار الإيمان [ز] دار السلام [ز] دار السنة [ز] دار السلامة [ز] دارالفتح [ز] دار الهجرة:

- ‌38 - درع، الحصينة [ز]:

- ‌حرف الذال:

- ‌39 - ذات الحجر [ز]:

- ‌40 - ذات الحرار [ز]:

- ‌41 - ذات النخل [ز]:

- ‌حرف السين:

- ‌42 - سلق:

- ‌43 - و 44 سلق وسلق

- ‌45 - سيدة البلاد [ز]:

- ‌46 - شافية [ز]:

- ‌حرف الطاء:

- ‌50،49،48،47 - طابه، طيبه، طيبة، طائب [ز]:

- ‌كما أن مطيبه (51) وطبابا (52) من أسماء المدينة

- ‌حرف الظاء:

- ‌54،53 - ظيابا [ز] ظبابا:

- ‌حرف العين:

- ‌55 - عاصمة:

- ‌56 - عذراء:

- ‌57 - عراء [ز]:

- ‌حرف الغين:

- ‌60،59 - غراء [ز]:غالبه [ز]:

- ‌حرف الفاء:

- ‌61 - فاضحة [ز]

- ‌حرف القاف:

- ‌62 - قاصمة [ز]:

- ‌67،66،65.64،63 - قرية [ز] قرية الأنصار [ز] قبة الإسلام، قريةالرسول، قلب الإيمان [ز]

- ‌حرف الميم:

- ‌68 - مؤمنة [ز]:

- ‌69 - 103 مباركة [ز]

- ‌حرف النون:

- ‌106،105،104 - ناجية [ز] نبلاء [ز] نجر [ز]

- ‌حرف الهاء:

- ‌108،107 - هرزاء [ز] هز:

- ‌حرف الياء:

- ‌111،110،109 - يثرب، يندد [ز]:

- ‌الصورة الثانيةفى ذكر الروايات التى نقلت من الآثار الموثوقة والأخبار الصحيحة فى فضلورجحان المدينة المنورة على سائر الممالك

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر الأحاديث الشريفة التى وردت فى حق الذين اختاروا الإقامة فىالمدينة الطاهرة والذين أحدثوا البدعة والمبدعين والذين يعاونونهم

- ‌الوجهة الرابعةتشمل خمس صور تفصل أوائل حال المدينة المنورة وسكانها القدماء

- ‌الصورة الأولىفى ذكر أحوال المدينة الأولى وأطوار سكانها القدماء وأحوالهم

- ‌الصورة الثانيةفى ذكر القبائل التى كانت فى أرض يثرب وقت أن هاجر إليها الأوسوالخزرج بن ثعلبة

- ‌سبب ظهور وقعة مالك بن عجلان وصورة ظهورها:

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر بيان القرى والمحال التى أسسها أفراد قبائل بنى الأوس حول المدينة

- ‌الصورة الرابعةفى تعريف ووصف القرى والمنازل التى سكنها بعد تهيئتها أبناء قبائل الخزرجوجماعاتها فى جوار مدينة الرسول

- ‌الصورة الخامسةفى تعريف رؤية الملاحم التى ظهرت قبل الإسلام بين قبائل الأنصار الكريمةوالمعارك المشهورة

- ‌رواية

- ‌الوجهة الخامسةوتشمل ثلاث صور تعين إرسال مصعب ابن عمير إلى يثرب

- ‌الصورة الأولىفى ذكر بيعة السابقين من الأنصار للإسلام وفى دعوة مصعب بن عمير أهلالمدينة إلى الإسلام

- ‌حكمة

- ‌سبب كون النبى صلى الله عليه وسلم أنصاريا من الخزرج:

- ‌الصورة الثانيةفى هجرة النبى صلى الله عليه وسلم إلى دار الأمن المدينة المنورة

- ‌عربى

- ‌رواية

- ‌إخطار

- ‌ المعجزة

- ‌مسألة

- ‌إخطار

- ‌الصورة الثالثةفى بيان وقائع سنين الهجرة وتفصيلاتها الإجمالية

- ‌السنة الأولى للهجرة

- ‌سنة الأذان المحمدى:

- ‌أصول التسبيح فوق المآذن:

- ‌السنة الثانية للهجرة

- ‌السنة الثالثة الهجرية

- ‌ السنة الرابعة الهجرية

- ‌السنة الخامسة الهجرية

- ‌السنة السادسة الهجرية

- ‌السنة السابعة الهجرية

- ‌السنة الثامنة الهجرية

- ‌السنة التاسعة الهجرية

- ‌السنة العاشرة الهجرية

- ‌السنة الحادية عشرة الهجرية

- ‌الوجهة السادسةوتشتمل على إحدى عشرة صورة تعرف بالتفصيل توسيع وتجديد المسجدالشريف ودار فاطمة رضى الله عنها السعيدة

- ‌الصورة الأولىفى ذكر صورة طرح وتأسيس مسجد السعادة على صاحبه أفضل التحية

- ‌استطراد

- ‌ حديقة أولاد صفى

- ‌رأى ومطالعة

- ‌إخطار

- ‌الصورة الثانيةتبين توسيع مسجد السعادة وتحويل المحراب الشريف

- ‌إخطار

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر الأماكن السعيدة التى صلى فيها من المسجد الشريف إمام محرابالملكوت-عليه السلام

- ‌مؤسس محراب مسجد السعادة:

- ‌نظم

- ‌الصورة الرابعةفى تعريف جزعة مسجد السعادة والمحل القديم لمحراب النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌إخطار

- ‌تنبيه

- ‌نعت شريف

- ‌الصورة الخامسةتبين سبب تأسيس منبر مسجد النبى وصورته وجزع ونحيب النخلة

- ‌مثنوى

- ‌استطراد

- ‌مثنوى

- ‌‌‌مثنوى

- ‌مثنوى

- ‌حكاية

- ‌استطراد

- ‌الصورة السادسةفى ذكر عدد المرات التى جدد فيها منبر السعادة وعدد المرات التى عمر

- ‌إخطار

- ‌الصورة السابعةفى بيان الأساطين التى ركزت فى مسجد السعادة فى عصر النبى السامى صلى الله عليه وسلم

- ‌كانت الأساطين الأصلية لمسجد السعادة ثمانية أعمدة موزونة متساوية، وقدزيد مؤخرا عدد أساطين المسجد الشريف المنيفة

- ‌1 - الأسطوانة المخلقة:

- ‌2 - أسطوانة عائشة:

- ‌3 - أسطوانة التوبة:

- ‌4 - أسطوانة السرير:

- ‌5 - أسطوانة المحرس:

- ‌6 - أسطوانة الوفود:

- ‌إخطار

- ‌7 - أسطوانة مربعة القبر:

- ‌8 - أسطوانة التهجد:

- ‌9 - محراب باب الجنائز:

- ‌الأبيات التى سطرت على الأساطين الأربع من الصف الأول:

- ‌الأسطوانة الأولى

- ‌الأسطوانة الثانية

- ‌الأسطوانة الثالثة

- ‌الأسطوانة الرابعة

- ‌الأسطوانة الخامسة

- ‌الأسطوانة السادسة

- ‌الأسطوانة السابعة

- ‌الأسطوانة الثامنة

- ‌الأسطوانة التاسعة

- ‌الأسطوانة العاشرة

- ‌الأسطوانة الحادية عشرة

- ‌الأسطوانة الثانية عشرة

- ‌استطراد

- ‌الصورة الثامنةفى ذكر وبيان المقام واجب الاحترام الذى يطلق عليه «الصفّة»

- ‌استطراد

- ‌أصحاب الصفة الذين أورد أبو نعيم أسماءهم الجميلة ومناقبهم الجليلة منبين هؤلاء:

- ‌كيفية إعاشة أصحاب الصفة:

- ‌الصورة التاسعةفى تعريف الحجرة النبوية المعطرة

- ‌حكاية

- ‌حكاية أخرى

- ‌الصورة العاشرةفى تعريف دار فاطمة-رضى الله عنها-السعيدة

- ‌الصورة الحادية عشرةفى تعريف كيفية إغلاق الأبواب التى تواجه مسجد النبى فى عصر السعادة

- ‌الوجهة السابعةتجمع خمس صور تبين وتظهر عدد المرات التى جددت فيها حدود المسجدالنبوى

- ‌الصورة الأولىفى ذكر توسيع مسجد الرسول لأول مرة

- ‌الصورة الثانيةفى ذكر كيفية تجديد مسجد السعادة وتوسيعه للمرة الثانية

- ‌مقصورة مسجد السعادة

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر كيفية تجديد مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وتوسيعه للمرة الثالثة

- ‌مطالعة

- ‌صورة أداء صلاة الجنازة فى مسجد السعادة وسبب منعه

- ‌استطراد

- ‌موازنة تاريخية

- ‌الصورة الرابعةفى تعريف تجديد مسجد السعادة وكيفية توسيعه للمرة الرابعة

- ‌إخطار

- ‌الصورة الخامسةفى تعريف الحجرة المعطرة والقبور الثلاثة المنورة

- ‌الشكل الأولقبر النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌الشكل الثانىقبر النبى صلى الله عليه وسلم/قبر عمر بن الخطاب رضى الله عنهقبر أبى بكر الصديق رضى الله عنه

- ‌الشكل الثالثقبر النبى صلى الله عليه وسلم/قبر أبى بكر الصديق رضى الله عنهقبر عمر بن الخطاب رضى الله عنه

- ‌الهيئة المرئية للقبور الثلاث المقدسة فوق الأرض:

- ‌شبكة قبر السعادة

- ‌رواية

- ‌الوجهة الثامنةوتحتوى على تسع صور وتشمل تفصيلاتعن علامات رأس النبى الشريف ومقام جبريل الأمين السامى

- ‌الصورة الأولىفى ذكر علامة الجهةالتى يوجد فيها رأس الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌إخطار

- ‌الصورة الثانيةترى وتعرف علامة جهة وجه النبى اللطيف

- ‌الصورة الثالثةفى تعريف مقام جبريل الأمين وتعيينه

- ‌الصورة الرابعةفرش حجرة السعادة وتعميرها وتجديدها

- ‌ذيل

- ‌حكاية

- ‌الصورة الخامسةفى تعريف ستارة الحجرة المعطرة

- ‌أصول تعليق ستارة قبر السعادة وتجديدها

- ‌الصورة السادسةفى تعريف صورة تخليق(1)حجرة السعادة

- ‌الصورة السابعةفى بيان وتعريف قناديل الحجرة الشريفة

- ‌غريبة

- ‌الصورة الثامنةفى تعريف الشبكة الشريفة التى تحيط بالحجرة المعطرة ودار فاطمة-رضى اللهعنها-السعيدة

- ‌ القصيدة

- ‌ القطعة

- ‌الصورة التاسعةفى ذكر قبة حجرة السعادة

- ‌الوجهة التاسعةوتحتوى على ثمانى صور

- ‌الصورة الأولىفى تعريف المصاحف الشريفة والأجزاء القرآنية اللطيفة وكتب الأدعيةالموجودة فى الخزينة النبوية

- ‌أجزاء القرآن الشريفة:

- ‌الدلائل(1)الشريفة

- ‌الصورة الثانيةفى تعريف وذكر وتفصيل جنس الأشياء النفيسة ومقدار الأشياء المحفوظة فىداخل حجرة السعادة المشحونة بالنور

- ‌عدد

- ‌الأشياء المتنوعة

- ‌عدد

- ‌عدد

- ‌عدد

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر وبيان جنس ومقدار الأشياء التى تبرع بها والتى علقت فى داخلالحجرة المعطرة التى تعدل الجنة

- ‌الصورة الرابعةفى ذكر وتعريف أطقم البخور والسكات من الفضة والذهب والمحفوظة فىداخل الحجرة المعطرة والتى تخرج كلما اقتضت الحاجة إليها

- ‌الصورة الخامسةفى ذكر تفصيل الشمعدانات والأشياء الأخرى المحفوظة فى داخل حجرةالسعادة جنسها ومقدارها والتى تستخدم كلما دعت الحاجة إلى استعمالها

- ‌الصورة السادسةفى تعريف الأشياء الفضية النفيسة-جنسها ومقدارها-المحفوظة فى خزينةالحجرة المعطرة الجليلة

- ‌الصورة السابعةفى تعريف وتفصيل الستائر والأغطية التى تغطى أبواب حجرة السعادةوالمقامات المنيفة الأخرى مقدارها وأنواعها

- ‌الصورة الثامنةتبين وتعرض الشمعدانات والتعليقات والثريات

- ‌خلاصة

- ‌مسألة

- ‌إخطار

- ‌قطعة

الفصل: ‌الصورة الأولىفى ذكر بيعة السابقين من الأنصار للإسلام وفى دعوة مصعب بن عمير أهلالمدينة إلى الإسلام

‌الصورة الأولى

فى ذكر بيعة السابقين من الأنصار للإسلام وفى دعوة مصعب بن عمير أهل

المدينة إلى الإسلام

.

بينما كان الأوس والخزرج يحاربون بعضهما كان النبى صلى الله عليه وسلم رئيس الذاكرين لنعم الله يتلاقى مع الحجاج الواردين من أقطار العالم إلى مكة المعظمة ويدعوهم إلى الإسلام الذى فيه خيرهم فى حياتهم ومعادهم ويبلغهم أحكام الشريعة، وفى السنة الحادية والخمسين من ولادته السعيدة ذهب إلى صحراء منى حتى يلتقى مع الحجاج الواردين وفق عادته وتقابل مع بعض الأشخاص من قبيلة الخزرج الذين يطلبون الهداية فى سفح جبل «ثبير» .ولما عرف أنهم من قبيلة الخزرج أخذهم إلى ركن ليحدثهم قليلا ثم أخذ يبين الدين الحنيف ويعرفهم به وفق رجائهم وتلى لهم بعض الآيات الكريمة أيضا، وكان الخزرجيون يرغبون فى الدخول من قديم فى حصن الإسلام المتين، وقالوا لابد أن يكون نبى آخر الزمان الذى ينتظر اليهود ظهور نوره وأرادوا أن يسبقوا اليهود فى يثرب فى التصديق وأسلموا بلا تردد وعادوا إلى المدينة وأخذوا يذكرون اسم النبى صلى الله عليه وسلم وأوصافه فأسعدوا كل بيت وقصر.

إن الذين يقال عنهم الأنصار السابقون يعنى أول من أسلم من أهل المدينة هم هؤلاء الأشخاص الذين ذكرناهم؛ ولكن اختلف فى عددهم، بناء على أشهر الروايات تقدم فى الإسلام أسعد بن زرارة وستة أشخاص معه، ولكن عند البعض سبعة أشخاص

(1)

خمسة منهم من الخزرج واثنان من الأوس، رغّبهم فى سبق اليهود فى الإسلام ما سمعوه من اليهود:«إننا نبايع نبى آخر الزمان قبلكم» ،لأن يهود يثرب كلما كانوا ينهزمون فى المناقشة والجدال مع قبائل

(1)

انظر: تاريخ الطبرى 353/ 2،ابن هشام 69/ 2،ابن سعد 145/ 1/1،ابن عبد البر (الدرر) ص 67. وهى بيعة العقبة الأولى.

ص: 149

الأوس والخزرج يقولون: «قد اقترب زمن ظهور سيد البشر صلى الله عليه وسلم وإننا سنجعلكم علفا للسيف بمعيته» ويعلقون انتقامهم إلى ظهور نور نبوة محمد-عليه وعلى آله صلوات الله الستار.

وفى العام المقبل أى فى السنة الثانية والخمسين من ولادة السلطان الجديد الذى سخرت له الرسالة صلى الله عليه وسلم شرف أيضا صحراء «منى» حتى يدعو الحجاج الواردين إلى الإسلام وليهديهم إلى طريق النور المستقيم ويرحب بحجاج القبائل، وتلا الآيات البينات للذين رأى فيهم استعدادا لقبول الإسلام وتلاقى فى هذه المرة مع عشرة أنفار من قافلة المدينة عند العقبة عرضوا بيعتهم عليه بالشروط الآتية:«ألا يشركوا بالله، ألا يسرقوا وألا يقتلوا وألا يزنوا، وألا يفتروا على أحد وألا يرموه بالبهتان فى الحال والمستقبل، وألا يعصوا أوامر الشارع وأن يمتثلوا لأوامر النبى المطاعة فى العسر واليسر فى المنشط والمكره، وإن يحبوا النبى صلى الله عليه وسلم بأن يقدموه على أنفسهم وألا ينازعوه فى أى شئ وأنه يقول الحق فى جميع الأحوال وألا يخافوا لومة لائم فى إظهار الأمر الحق» .

وعقب هذه البيعة

(1)

فتح النبى صلى الله عليه وسلم فمه الشريف ناصحا وقال: «إذا ثبتم فى أقوالكم موفين بعهدكم لكم الجنة، أما إذا تركتم أحد هذه الأمور فالله-سبحانه وتعالى-إما يعفو أو يعذب ويعاقب» .

عاد الذوات الكرام الذين قبلوا الإسلام وفق الشروط المحررة وبعد أن ودعوا الرسول صلى الله عليه وسلم وعندما وصلوا إلى المدينة المنورة أخذوا يظهرون شعار الإسلام وبادروا فى أداء الصلاة هنا وهناك.

وبعث معهم بناء على رجاء الأنصار السابقين مصعب بن عمير

(2)

حتى يصلى مع المسلمين وليعلمهم أحكام الشريعة الغراء وتلاوة القرآن الكريم على طريقة صحيحة، وأمروا بأن يختاروا أسعد بن زرارة من بينهم لإمامة صلاة الجمعة.

ونزل مصعب بن عمير فى الدار التى يسكن فيها أسعد بن زرارة ونال شرف الإمامة الغالية للأنصار الذين قبلوا الإسلام بجهود مصعب بن عمير وترغيبه.

(1)

إن مصعب بن عمير أول من أطلق عليه لقب المقرى من الأصحاب الكرام.

(2)

وهى بيعة العقبة الثانية: انظر سيرة ابن هشام 73/ 2،ابن سعد 147/ 1/1،وتاريخ الطبرى 355/ 2، وغيرها.

ص: 150

وقد أخذ أسعد بن زرارة مصعب بن عمير عقب أداء صلاة الجمعة الأولى

(1)

إلى بيوت الأنصار فى قرية بنى عبد الأشهل ومن هناك أخذه إلى قرية بنى ظفر القريبة من القرية السابقة وطلب من حضرة مصعب أن يدعو أهالى القريتين المذكورتين إلى مائدة الإسلام ذات الفوائد العميمة بينما هو جلس فى ركن من الأركان، وأخذ الناس يقبلون على قبول الإسلام بجهود أسعد بن زرارة وغيرته، واجتمعوا حول مصعب وأقبلوا على استماع القرآن الكريم منه؛ إلا أن سعد بن معاذ وأسيد بن حضير من أشراف بنى عبد الأشهل غارا من استجابة أهالى القرتين إلى دعوة مصعب ودخولهم إلى الإسلام فرادى وولوجهم فى دائرة الإيمان الباهرة ذات الفيوضات وأخذا بفكران فى أسباب إخراج أسعد بن زرارة ومصعب بن عمير (رضى الله عنهما) من القريتين سالفتى الذكر.

وكان سعد بن معاذ ابن أخت أسعد بن زرارة، وأحنى سعد رأسه مدة مفكرا قال رافعا رأسه: «يا أسيد! إنك شريف بين القبائل ورجل مع علية القوم! فإنك ترى أن مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة (رضى الله عنهما) يحسبان نفسيهما من يمثلان الحق وبهذا يغفلان سادة رجال القرية! عليك أن تزجرهما وتزعجهما وتخرجهما من حدود قريتنا وتطردهما! إن أسعد بن زرارة ليس منا بعد الآن وهكذا شجع رفيقه أسيد بن حضير.

وأخذ أسيد بن حضير حربته وتوجه بكل شدة وحدة إلى المنزل الذى شرفه مصعب بالإقامة فيه، وكان أسعد بن زرارة قد ركز أنظاره إلى الأطراف والأكناف حتى يعرف كيف سيتحرك سعد بن معاذ، ولم يعجبه وجهة توجه أسيد، ولما أطلع أسعد بن زرارة مصعبا على شأن أسيد قال مصعب بن عمير: إذا ما ألقى الله سبحانه وتعالى حب الإسلام فى قلبه تتيسر مهمتنا!! وبعد فترة وصل أسيد وقال وهو فى أشد غضبه ما غرضك من جلب مصعب بن عمير إلى قريتنا يا أسعد بن زرارة؟ وما هو قصدك من إضلال وخداع ضعفاء قومنا؟ إذا كانت لكم

(1)

أول صلاة الجمعة التى صليت فى المدينة هى التى كانت الإمامة فيها لمصعب وكانت فى هزم حرّة بنى بياضة فى بقيع يقال له بقيع الخضمات-ويقال نقيع بالنون-وكانوا أربعين رجلا.

انظر: الدر فى اختصار المغازى والسير لابن عبد البر، ص 69.

ص: 151

حاجة خاصة بكم بينها، وإلا فقوما وانصرفا من هنا وأراد أن يكدر أسعد بن زرارة بهذه الطريقة، إلا أن مصعب بن عمير قال له:«يا أسيد!! اجلس قليلا واستمع إلى الأقوال التى سأقولها فإذا ما رأيتها معقولة تقبلها وإذا رأيتها كريهة ترفضها!!» فأجابه قائلا: «فى الواقع إن قولك هذا حق» وجلس فى ركن من الأركان وآثار البشاشة التى شوهدت على بشرته كانت تدل قطعيا على أنه سيقبل الإسلام ويرضى به دينا.

وحينما رأى ابن عمير جلوس أسيد بن حضير تلا عدة آيات كريمة ودعاه إلى مائدة الإسلام عميم النوال، وظهرت فى قلب أسيد بن حضير آثار المحبة والقبول، وقال:«ما أحسنها من أقوال! وما أوضحه من طريق هذا الطريق الحق! يا ترى ما التكاليف الشرعية التى يكلف بها الذين يريدون أن يدخلوا فى هذا الدين المختار؟» فأجابه مصعب قائلا: «يجب على الذين يريدون الإسلام أن يغتسلوا أولا ثم يطهروا ملابسهم، ثم يعترفوا بوحدانية الله تعالى المطلقة ثم يصلوا» .

وقد تأثر أسيد بن حضير من الإجابة الصحيحة وابتدر بتجديد ثيابه وفق تعليمات حضرة مصعب بن عمير وأقر بقلب نقى طاهر بتوحيد الله وتعلم أركان الصلاة ثم قال: «هناك بين قبائل الخزرج رجل شريف! إذا ما استطعتم أن تدخلوه فى دائرة الإسلام المنجية فثقوا تماما أن قبائل الخزرج كلها ستسلم. ها أنا ذاهب لأرسله إليكم، إن هذا الشخص ذات صفات مشحونة بالهداية هو سعد بن معاذ» قال هذا وقام وذهب.

ولما رأى سعد بن معاذ عودة أسيد بشوش الوجه ونور الإيمان يلمع فى وجهه أحس أنه صدق بالنبوة المحمدية وأدرك ذلك وقال لمن بجانبه من الأشراف: «إن الشخص القادم يشبه أسيد بن حضير، وإن مجيئه بهذا الشكل لا يسرنى، لا أظن إلا أنه قد عرض البيعة لمصعب بن عمير!! فليجعل الله-سبحانه وتعالى ألا يخفى أمره هذا منا عندما يأتى، لننتظر حتى يصل إلينا» وقد وصل أسيد بمجرد ما انتهى من أقواله فاستجوبه قائلا: «يا أسيد! ماذا فعلت؟ وكيف تعاملت

ص: 152

مع هذين الشخصين؟ فمنذ أن فارقتنا فأنا قلق» وتلقى من جانب أسيد الإجابة الآتية: «إننى لم أتنسم من أقوالهم رائحة الفساد والغاية السيئة، وأقسم بالله إن قوليهما لا يتعدى التعريف بالإله الواحد واجب الوجود ووصف صدق النبوة المحمدية وبيانها!!» وحينما أخذ سعد بن معاذ هذه الإجابة فتحول إلى قطعة من نار تحرق العالم من شدة حدته ووثب من مكانه وخطف حربته وتوجه إلى مكان المشار إليهما.

وقد ارتعد أسعد بن زرارة واضطرب حينما رأى سعد بن معاذ مقبلا وهو ينشر إلى أطرافه شرارة الدهشة فأراه لمصعب قائلا: «إن هذا الشخص المقبل هو من يسمى بسعد بن معاذ الأشهلى وإنه آت بغضب شديد! إذا كان هذا أيضا يقبل الدين الحق ويصدق بنبوة النبى صلى الله عليه وسلم لا شك فى أن القبائل الخزرجية كلها ستسلم كما قال أسيد بن حضير» ،وعقب ذلك وصل سعد بن معاذ رافعا قامته وقال:

«يا أسعد! قد غضبت من جنبك شيئا ننفر منه وهو منكر عندنا بدرجة لو لم تكن بيننا نسبة القرابة لكنت أهلكتك ورميتك فى حفرة الدمار بهذه الحربة السامة» ، ثم كدر مصعب بن عمير بذكر ألفاظ غير لائقة، فرد عليه مصعب بن عمير دون أن يضطرب قائلا: يا سعد! كان يجب عليك أن تجلس قليلا حتى تسمع ما سأتلوه من الآيات الكريمة ثم ترد على وتجرحنى وتقبح كلامى، إلا أنك عاتبتنى وكدرتنى بأقوالك دون أن تعرف ما سوف أقوله لك وجرحت الأقوال الشرعية على العمى وقبحتها وعاتبتنى وقلت عن النبوة أنها ليست حقا وقلت أننا نكره الأوامر، وهذا التصرف مناف لأحكام قانون المناظرة» وخجل سعد بن معاذ واستحيى مما قاله وقال:«فعلا هذا ما كان يجب أن يكون! إننى لم أفكر فى هذه الأشياء وتجاوزت دائرة الأدب فأرجو أن تعفو عنى وأن تغفر لى سلوكى ثم جلس فى جهة ما» وقد ظهرت عليه دلائل قبول الإسلام إذ أخذ نور الإيمان يتلألأ فوق بشرته ويلمع. واطمأن مصعب بن عمير من حركات سعد بن معاذ الملائمة ثم تلا آية أو آيتين مناسبتين للموقف.

ثم دعاه إلى دار ضيافة الإسلام وكلفه أن يطهر جسمه وثيابه حتى يدخل فى الطريق المستقيم، فما كان من سعد بن معاذ إلا أن غير ملابسه واغتسل وفق

ص: 153

الصورة المسنونة ودخل فى حصن الإسلام المتين، ثم جمع أبناء قبيلته وقال لهم:

«يا بنى عبد الأشهل إننى اقتنعت بصحة الإسلام وقبلته! بعد هذا يقتضى أن تسلموا كلكم!!!» وبهذه الطريقة رغب جميع بنى عبد الأشهل فى قبول الإسلام، وبناء على إلحاح سعد بن معاذ المتكرر وتشويقه دخل بنو عبد الأشهل جميعا رجالا ونساء فى دائرة الإسلام المنجية وبناء على هذا ترك مصعب بن عمير القرى المذكورة وانتقل إلى دار أسعد بن زرارة رضى الله عنهما منزل الهداية وظل هناك حتى أسلم جميع قبائل الأنصار.

وفى الوقت الذى دخل فيه بنو عبد الأشهل إلى دائرة الإسلام المنجية باغت أفراد بنى النجار دار أسعد بن زرارة (رضى الله عنه) وأخرجوا منها مصعب بن عمير، وهكذا أرادوا أن يزعجوا ويقلقوا مصعب بارتكاب هذه الشرور، إلا أن سعد بن معاذ أخذه تحت حمايته حيث ظل إلى أن أسلم صناديد القبائل مثل عمرو بن الجموح وإلى أن كسروا أوثانهم وأهانوها وأصبح مصعب وهو فى حماية سعد بن معاذ مشعلا منيرا يهدى إلى طريق النجاة والسلامة وفى هذه الفترة دخل الأنصار الكرام كلهم فى حصن الإيمان المتين وظلوا ينتظرون الهجرة النبوية.

وقبل الهجرة النبوية المشحونة بالبركة أسلم قبائل الأنصار كلهم وكسروا أصنامهم وزاد عددهم بالنسبة لليهود، كما أنهم اكتسبوا شرفا من الناحية الأخلاقية والتقاليد والمدنية وانتظموا وأصبحوا يعدون من أعيان أهالى أرض يثرب عامة وأشرافها إلا أن القبائل التى كانت تحت إدارة الشاعر «أبو قيس بن صيفىّ ابن الأصلت» ترددت فى قبول الدين المبين دين الإسلام وتلك القبائل هى: «بنو أمية بن زيد، وبنو خطمة، وبنو وائل، وبنو واقد

(1)

«وظل أفرادها على دينهم القديم قرب وقائع بدر، أحد، والخندق» وذلك لعدم تخلى الشاعر المذكور عن ذم الدين الحنيف الأحمدى وتقبيحه، ولوم الذين أرادوا أن يسلموا وتوبيخهم.

(1)

وفى ابن هشام «واقف» ،وهنا «وافق» ،وفى الدرر لابن عبد البر «واقد» .

ص: 154