الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخوال جدى عبد المطلب حتى أجاملهم» وكان ذلك اليوم السعيد يوم الاثنين من شهر ربيع الأول والثانى عشر من شهر أيلول من يوم انتصار الإسكندر فى سنة 933 وكان فى وقت الظهر عند اشتداد الحرارة وكان قد مر منذ أن خرج من غار ثور إلى وصوله إلى قرية «قباء» ودخوله فيها اثنا عشر يوما.
بناء على هذا التقدير أنهم وصلوا إلى المدينة المنورة فى اليوم الخامس عشر منذ خروجهم من مكة المكرمة. لأنهم دخلوا فى غار ثور يوم الاثنين وخرجوا منه بعد ثلاثة أيام وظلوا فى الطريق اثنى عشر يوما، إن هذه الرواية باعتبار دخول سرور الموجودات (عليه أفضل التحيات) فى داخل المدينة! إذ قطعوا المسافة التى بين غار ثور والمدينة المنورة فى تسعة أيام، لأنهم كانوا قد وصلوا إلى قرية «قباء» قبل انتقالهم إلى المدينة المنورة بثلاثة أيام، بناء على هذا الحساب قد تفضلوا بالإقامة فى قرية «قباء» ثلاثة أيام. ومع هذا قال بعض المؤرخين أنه ظل فى قرية قباء أحد عشر يوما أو واحدا وعشرين يوما وقال ابن مالك ظل فى قباء أربعة عشر يوما وقول حضرة أنس يرجح على الأقوال الأخرى.
تصادف غريب-سئل أعلم الأنبياء-عليه أجمل التحايا-ما الحكمة من استمراركم فى صوم يوم الاثنين؟.فقال صاحب الرسالة: «إننى ولدت يوم الاثنين وأصبحت نبيا يوم الاثنين» وهكذا بين أن يوم الاثنين من الأيام المباركة، وفى الواقع ذلك اليوم يوم منير مشحون بالسعادة، لأن باعث إيجاد العالم صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين، ولبس عباءة الرسالة المزينة يوم الاثنين، كما أنه وضع الحجر الأسود فى مكانه يوم الاثنين عندما حرر القرشيون الكعبة المشرفة وأبعد النزاع بين القبائل. ووفق فى فتح مكة يوم الاثنين وشرف عالم العقبى يوم الاثنين، ونزلت سورة المائدة فى يوم الاثنين.
مسألة
وليست هناك شبهة أن يوم الاثنين من الأيام المباركة الشريفة، إلا أن أفضل الأيام وأكثرها بركة لدى العلماء أيام العشرة المباركة لذى الحجة، وقد اجتمعت
فى الأيام التى تكون فيها أمهات الطاعات والعبادات حتى إن الله-سبحانه وتعالى-قد أقسم بتلك الليالى إذ قال {وَلَيالٍ عَشْرٍ} (سورة الفجر أية 2)،إن الإمام القسطلانى قد قدم أيام ذى الحجة العشرة على أيام رمضان العشرة الأخيرة.
ويروى العلماء: كما أن هناك أيام فضلى لأيام الدنيا هناك أيام مباركة وفضلى لأيام الآخرة، وقالوا عن أفضل أيام الآخرة: هو اليوم الذى سيتجلى فيه خالق الكائنات-تعالى شأنه عن الرواية والإدراك-لأهل الجنة دون حجاب، رزقنا بلطفه وفضله.
قال أئمة الدين هناك ليالى فضلى مقابل الأيام الفضلى، قال بعض أئمة الشافعية إن أفضل الليالى هى ليلة اليوم الذى شرف فيه الرسول الأكرم الدنيا، وبعدها ليلة القدر، وبعدها ليلة الإسراء والمعراج، وبعدها ليلة عرفات وبعدها ليلة الجمعة، وبعدها ليلة نصف شعبان، وبعدها ليلة العيد، هذا ما أحصوه، كما فضل مؤلف «كتاب النهر» وأئمة أخرى ليلة «المزدلفة» على ليلة القدر ورجحوها. والله أعلم بالصواب. انتهى.
حينما جلس سلطان الدين-عليه سلام الله المعين-فى ظل النخلة قد اختار السكوت، ومن هنا ذهب الذين لم يروا النبى صلى الله عليه وسلم من الأنصار من قبل، إلى أن أبا بكر هو نبىّ آخر الزمان؛ لأن الصديق الأكبر كان فى سن واحدة مع سيد البشر وغير هذا فهو كان يتحدث مع الأنصار الذين يأتون ويذهبون، إلى أن زال ظل النخلة واشتدت الحرارة تحت الشمس، فخلع الصديق الأعظم (رضى الله عنه الأكرم) خرقته التى أهداها له الزبير بن العوام فى أثناء الطريق وظلل بها على النبى صلى الله عليه وسلم، فعرف أهل المدينة سيد الأنام من هذه الحركة وأخذوا يعظمونه ويحترمونه، وكان الخزرجيون يرغبون فى نزول النبى فى منازل الأوس، كما أن الأوسيين كانوا يودون نزول-النبى عليه السلام-فى دور الخزرج، وكان سبب ذلك وجود العداوة بين أبناء الأوس والخزرج.
وقتل أسعد بن زرارة فى واقعة «يوم بعاث» نبيل بن الحارث ومع ذلك بقدوم النبى الميمون تبدلت تلك العداوة فى تلك الساعة والحين إلى المودة والمحبة.
ظل الرسول الأكرم-عليه سلام الله الأعظم-فى منازل بنى عوف ما يقرب من أربع عشرة ليلة
(1)
وفى هذه الفترة أسس مسجد قباء وأخذ يصلى فى داخله مع أصحابه الكرام علنا.
إن أول مسجد أسس فى الدولة الإسلامية الأبدية المعبد الذى طرح وبنى فى قرية قباء كما أن أول معبد شريف أقيمت فيه الصلاة علنا هو ذلك المسجد الأقدس.
وبعد أن أتم سلطان الأنبياء بناء مسجد قباء ركب ناقته الخاصة وخرج إلى الطريق مستصحبا بنى النجار وذلك ليشرف المدينة المنورة، وكان ذلك اليوم يوم الجمعة ولما وصل إلى قرية بنى سالم بن عوف حل وقت صلاة الجمعة فنزل مع مائة نفر الذين كانوا فى ركابه المستطاب فى وادى «ذى صلب» الكائن داخل وادى «رانونا» وأدوا الصلاة فى هذا الوادى بادى السعادة.
بما أن صلاة الجمعة قد أديت فى هذا الموقع من المدينة المنورة فقد أحيط ذلك الموقع بجدار منخفض وأطلق عليه مسجد الجمعة فيما بعد.
ولهذا المسجد اسم آخر هو «عبيب» ويقع فى الجهة اليمنى من الذين يذهبون إلى قباء.
وبعد أن أدى سيد الزاهدين-عليه سلام الله المعين-صلاة الجمعة امتطى ناقته واستمر فى طريقه. وبعد مرور وقت قصير وصل إلى المدينة المنورة ومر من أمام منازل أشراف المدينة المنورة الذين رجوه أن ينزل عندهم ولكنه استمر فى طريقه وفى أثناء ذلك كان يصيب باليأس الذين يمدون أيديهم إلى زمام ناقته القصواء حبا فى نيل ضيافة النبى صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «إن زمام ناقتى مسلم ليد القدر
(1)
هذه الرواية منقولة عن أنس بن مالك، وقال ابن زبالة أن صاحب الرسالة ظل فى منازل بنى عوف واحدا وعشرين يوما وفى بنى عروه أحد عشر يوما.
لا تستطيع أن تتقدم خطوة من المكان الذى أمرت بأن تقف فيه، ولا تشغلوا أنفسكم ولا تتعبوها بغية ضيافتى واتركوا زمام ناقتى كما أمسك بزمام الناقة من سكان حى بنى سالم ومن أغنياء المدينة المنورة ورؤسائهم «عتبان بن مالك، ونوفل بن عبد الله بن مالك بن عجلان» و «عبادة بن الصّامت بن نضلة» وقالوا:
«يا رسول الله! بما أننا نفوق البطون الأخرى كثرة فى العدد ووفرة فى الغنى فنحن أقدر على رعايتكم» وطلبوا نزوله عندهم راجين إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أجاب قائلا: «لا تتعرضوا لناقتى إذ إنها مأمورة من قبل الله تعرف مكان النزول» .
وحينما وصل خطيب منبر الرسالة-عليه أكمل التحية-إلى مسجد بنى سالم، فألقى خطبة فى الأصحاب ذوى الاحترام الذين وجدوا فى ركاب النبى السلطانى ثم ركب راحلته وأمال زمامها إلى الجهة اليمنى من الطريق وكم كانت خطبته البليغة المعجبة فصيحة حتى إن سكان الملأ الأعلى صاحوا محسنين لها.
عندما وصل فى محاذاة منازل بنى حبلى أراد أن ينزل عند دار «عبد الله بن أبى» ،إلا أنه أرخى عنان ناقته لعدم وجود صاحب الدار فى منزله وعندما وصل إلى محلات «سعد بن عبادة» وبنى ساعدة تلاقى مع «منذر بن عمرو» و «أبى دجانة» وفى الأمام مع «سعد بن الربيع» و «عبد الله ابن رواحة» و «بشر بن سعدة» وفى حى بنى بياضه مع «زياد بن وليد» و «فروة بن عمرو» و «عدى بن النجار» وإن كان هؤلاء أيضا أرادوا أن يستضيفوه إلا أنهم تلقوا نفس الإجابة التى سبق ذكرها.
وأراد جمهور المؤرخين أن يثبتوا أن الضيافة قد عرضت على النبى صلى الله عليه وسلم أولا من بنى بياضة وبعدهم من بنى سالم وعقب ذلك من بنى عدى بن النجار إلا أن ابن إسحاق قال إنه قد عرض عليه صلى الله عليه وسلم النزول أولا من بنى سالم ثم بنى بياضه وبعدها من بنى الحارث وفى النهاية من بنى النجار. وكلما كان النبى يركب البراق-عليه صلوات الله الرزاق-يجيب الذين يرجونه النزول عندهم الإجابة سالفة الذكر كانت الناقة كريمة الأطوار تنظر يمينا ويسارا، ونهاية الأمر بركت أمام بئر جمل وعندئذ أحاط به أبطال بنى النجار وأخذوا يزورون النبى صلى الله عليه وسلم.
وبعد أن وقفت الناقة عريقة الأصل أمام بئر «جمل» قليلا، قامت وسارت وبركت أمام باب دار أبى أيوب الأنصارى-رضى الله عنه-الذى كان فى اتصال منزلى ابن عائذ وسعيد بن منصور، وبعد عدة دقائق قامت لتبرك مكان المنبر الحالى لمسجد السعادة وأخرجت صوتا خاصا بالنياق ومدت رقبتها عندئذ ترجل النبى صلى الله عليه وسلم قائلا:«هذا المنزل إن شاء الله» ،وبناء على إذن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذه أبو أيوب الأنصارى إلى داره وقد ساعده زيد بن حارثة على حمل ملابسه عليه السلام-وأشياءه الخاصة.
عندما بركت ناقة النبى صلى الله عليه وسلم أمام باب دار أبى أيوب الأنصارى خرجت جوارى بنى النجار فى الشوارع أخذن فى إنشاد.
نحن جوار من بنى النجار
…
يا حبذا محمد من جار
ويضربن الدفوف
(1)
وأخذن فى إظهار سرورهن وقال ذلك النبى محبوب العالم صلى الله عليه وسلم لهن هل تحببننى؟ فقلن: «نعم وإننا نعلن عن سرورنا بهذه الطريقة» فقال: «ثلاث مرات أقسم بالله وإننى أحبكن» وعلى رواية «يعلم الله إننى أيضا أحبكن» وزاد سرورهن بهذه الالتفاتة النبوية الكريمة فزدن فى إظهار علامات الفرح والابتهاج.
وقد زاد فرح وابتهاج أهالى دار الهجرة الكرام فى ذلك اليوم وقد تحولت دار القرار المدينة المنورة فى ذلك اليوم إلى منزل عرس وخرجت نساء الخدور إلى الشوارع وهن ينشدن:
طلع البدر علينا
…
من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا
…
ما دعا لله داع
(1)
حينما مر بنو إسرائيل من بحر فرعون كانت أخت موسى «كلثوم» أيضا قد غنت وهى تضرب الدف للإعلان عن سرورها.
أيها المبعوث فينا
…
جئت بالأمر المطاع
جئت شرفت المدينة
…
مرحبا يا خير داع
كما أن بعضهم أظهروا علامات سرورهم قائلين.
أشرق البدر علينا
…
واختفت منه البدور
مثلك ما رأينا
…
قط يا وجه السرور
لم يستطع سكان دار السكينة فى ذلك اليوم أن يتمالكوا حرية إرادتهم وأخذوا يظهرون فرحهم وسرورهم على طريقتهم ولا سيما الأطفال كانوا يهنئ بعضهم البعض ببشرى «جاء محمد رسول الله» ،ولما لم ير كل الناس من شدة الازدحام صاحب الرسالة وجماله النبوى صعدوا فوق أسطح المنازل وأخذ يسأل بعضهم بعضا، هذا هو محمد؟ هذا هو رسول الله.
لما كانت ثنية الوداع مكانا فى الطرف الشامى من المدينة المنورة ذهب بعض المؤرخين إلى أن النبى صلى الله عليه وسلم قد شرف المدينة المنورة من ناحية الشام؛ إلا أنهم مخطئون فى ذهابهم هذا؛ وفى الواقع وإن كانت ثنية الوداع فى ناحية الشام؛ إلا أن كل ثنية يودع فيها الناس بعضهم تسمى «ثنية الوداع» ومن هنا ففى المدينة عدة ثنيات للوداع، وليس هناك شك فى أن النبى صلى الله عليه وسلم قد شرف مقبلا من ناحية مكة المكرمة حتى إن مصراع «من ثنيات الوداع» يدل على أن المدينة المنورة عدة ثنيات.
إن منزل أبى أيوب الأنصارى-رضى الله عنه-السعيد كان قصرا يجذب القلوب بناه تبع الحميرى لملك العالم-صلى الله عليه وسلم-قبل وقوع الهجرة النبوية النافعة قبل سبعمائة سنة كما ذكر فى الصورة الثالثة من الوجهة الرابعة لمرآة مكة.
وفى أثناء انتقاله من يد لآخر أخذ كل واحد من ملاكه يضيف إليه زينة حتى وصل إلى يد خالد بن زيد وتحت تصرفه وبناء على هذا التقدير قد شرف سيد العرب والعجم المنزل الذى أسس وطرح من أجله منذ سبعمائة عام.
وكانت منازل بنى النجار فى ذلك العصر فى غاية المتانة بالنسبة لمنازل الأنصار، والمكان الذى بركت فيه الناقة وهى ترعى هو الساحة التى بنى فيها فيما بعد المسجد النبوى الشريف.
وكانت ساحة مسجد السعادة فى مائة ذراع طولا وعرضا وكان مكانا مخصصا لتجفيف البلح وكان يمتلكها يتيمان وسيمان ابنا رافع بن عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك ابن النجار واللذان تربيا فى حجر معاذ بن عفراء وعلى قول، أسعد بن زرارة وكان معاذ خال عبد المطلب بن هاشم، لأن كل واحد من أهل المدينة فى تلك الأوقات له ساحة لتجفيف البلح قدر حاله، وقد اشترى النبى صلى الله عليه وسلم هذه الساحة بعشر قطع ذهبية وطرح عليها مسجده الشريف وأسسه.
قد امتلك منزل أبى أيوب الأنصارى عبدة بن أفلح وباعه فيما بعد لمغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بألف قطعة ذهبية، وقد اشتراه بعد مدة الملك المظفر ابن أيوب بن شادى وهدمه وبنى على ساحته مدرسة مكتملة خاصة بعلماء المذاهب الأربعة وجعل فى داخلها مكتبة ووقف لها كتبا كثيرة نفيسة متنوعة.
كما أوقف مشروطا لتلك المدرسة والمكتبة بعض البساتين فى المدينة وعقارات متعددة فى الشام، كما اشترى كثيرا من الدكاكين والأراضى فى بلده وأوقفها، ولكن لشدة الأسف! أن تقلبات الزمان قد محت ولم تترك اسما ولا ذكرا لهذه الأشياء سواء أكانت تلك الكتب النفيسة التى أوقفها أو ما أوقفه من عقارات وأملاك شرط تعمير المدرسة وترميمها.
وكانت هذه المدرسة فى العصور القديمة عامرة ومشهورة بين الأهالى بالمدرسة «الشهابية» وقد خربت قبل عدة مئات من السنين، ويروى المؤرخون أن فى الميدان الصغير الذى كان فى داخل المدرسة «الشهابية» وفى الطرف الغربى