الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إخطار
إن العجائب والأمور الخارقة للعادة التى ظهرت من صاحب المعجزات فى خيمة أم معبد غير قابل للتعريف والتفصيل ولا داعى لذكرها هنا لأن أكثرها قد ذكرت وحكيت فى كتب السير، إلا أننا رأينا لزوم ذكر
المعجزة
الآتية المنقولة عن هند بنت الجون لأنها غير مذكورة فى كتب السير التركية.
المعجزة
قالت هند بنت الجون: «إن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم غسل يدى إعجازه الشريفتين فى خيمة خالتى أم معبد ثم تمضمض ثم نثر المياه التى ملأ بها فمه المبارك بجانب جذور شجرة العوسج
(1)
التى فى خارج الخيمة؛ ولما خرج الرسول الكريم من الخيمة وآن وقت الليل نمنا كالعادة.
ولما أصبح الصبح رأينا أن العوسج قد أصبح شجرة كبيرة مثمرة وعليها ثمار فى لون «الورس» وفى حلاوة العسل ذات رائحة طيبة، ولما ثبت بالتجربة أن الذين يأكلون من ثمار هذه الشجرة يشبعون إذا كانوا جائعين ويرتوون إذا كانوا عطشى ويشفون إذا كانوا مرضى، والنياق والنعاج التى تأكل أوراقها تدر لبنا كثيرا ومن هنا أطلقنا عليها اسم المباركة، ولما انتشرت هذه المعجزة بين عربان البادية فإذا ما كان فى أية قبيلة أصحاب الأمراض المزمنة كانوا يأتون لزيارة الشجرة ويأكلون من ثمارها فيشفون من أمراضهم، وبعد خمسة أو عشرة أعوام سقطت جميع ثمار الشجرة وذبلت أوراقها وعقب ذلك تلقينا خبر ارتحال الرسول صلى الله عليه وسلم عن دنيانا، وبعد فترة نمت الشجرة وكبرت وأدمت كذلك ما يقرب من ثلاثين عاما، فرأينا فى صباح يوم ما أن ثمارها سقطت وتحولت من أسفلها إلى أعلاها إلى شجرة الشوك، وذهبت عنها نضارتها واصفرت وإذا بعلى بن أبى طالب كان قد ارتحل عن دنيانا.
وبعد هذه الواقعة لم تثمر شجرة العوسج إلا أننا كنا نستفيد من أوراقها، وبعد
(1)
هى شجرة شائكة إذا تناول أوراقها الجمال أصابها المرض.
مرور فترة من الزمن رأينا فى ليلة ما أن الدماء الغليظة تنبع من فروعها وذبلت أوراقها وسقط كلها، وهذا علامة شر ومن هنا أخذنا نستطلع الأحوال وننصت للأخبار فعرفنا بعد فترة استشهاد الحسين بن على-رضى الله عنهما-وبعد هذه الحادثة لم تفلح شجرة العوسج وقد جفت هذه الشجرة من بعد ذلك من جذورها وانمحت.
(ربيع الأبرار للزمخشرى).
إن أم معبد بنت خالد الخزاعى من الأصحاب الكرام وزوجة أبى معبد الخزاعى وهى الصحابية «عاتكة الخزاعية» .
وجاء بعد نهضة النبى صلى الله عليه وسلم وخروجه من الخيمة زوج عاتكة أبو معبد ورأى فى داخل الخيمة كثيرا من اللبن وهذا غير مأمول فقال متحيرا: «يا أم معبد! ما سبب كثرة هذا اللبن مع أن أغنامنا فى مراعى بعيدة، وكلها خالية من الحمل ولا نملك حيوانا يدر اللبن؟!» ،ولما عرفت أم معبد زوجها بما وقع وما يتصف به رسول الله صلى الله عليه وسلم من شمائل ممتازة بعبارات بليغة فصيحة بالتفصيل أصبح أبو معبد عاشق محبوب الصمد غيابيا وبعد مدة أسلم مع زوجته ونال شرف الصحبة، رضى الله عنهما.
ولما بحث مشركو قريش عن النبى صلى الله عليه وسلم ولم يجدوه استولى عليهم اليأس والحرمان والحيرة ولم يدروا ماذا يفعلون، عندئذ أنشد الهاتف الغائب من فوق جبل أبى قبيس هذا البيت.
فإن يسلم السعدان يصبح محمد
…
من الأمن لا يخشى خلاف المخالف
وقالوا عندما استمعوه؛ ليتنا نعرف من هو سعد هذا، فألقى لمشركى قريش هذين البيتين وبهذا أفهمهم أن ملك خطة الرسالة-عليه أكمل التحية-قد شرف المدينة المنورة.
أيا سعد سعد الأوس كن أنت مانعا
…
ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا إلى داعى الهدى تمنّيا
…
من الله فى الفردوس زلفة عارف
وكان طلحة أو الزبير بن العوام-رضى الله عنهما-من أهالى مكة عائدين من الشام فى تلك الآونة، وقد تلاقى بقائد جماعة الأصفياء-عليه سلام الله الأعلى-فى مكان بين الحرمين فعرض عليه عددين من الخرقة الشامية البيضاء علامة للإخلاص والمخادنة ورجاه أن يتفضل بقبولهما.
وقبل سيد الأتقياء (عليه أزكى التحية) هاتين الخرقتين من ذلك الشخص قصد تلطيفه فلبس إحداهما وألبس الأخرى لجناب الصديق واستمرا فى طريقهما.
عندما وصل خبر قيام النبى صلى الله عليه وسلم إلى أهالى المدينة المنورة غشيهم بحر من الفرح والسرور-المهاجرين والأنصار-وكانوا يذهبون إلى مكان يسمى «حرة واقم» وضيعهم وشريفهم كل صباح حتى ينالوا قصب السبق وهم متجهون لتلك القبلة التى تبشر بالمستقبل السعيد إلا أنهم كانوا يعودون وقت الزوال غير متحملين حرارة الشمس الشديدة.
وفى يوم الاثنين من أول ربيع الأول أو الثانى عشر منه من السنة الهجرية الأولى كانوا قد خرجوا أيضا لإجراء مراسم الاستقبال إلى الحرة المذكورة عند حلول وقت الزوال.
ورأى أحد اليهود الذين ظلوا خارج المدينة المنورة بغتة الموكب النبوى وبدلا من أن يقول: «يا معشر الكرام! قد شرف الشخص الذى أجلتم أبصاركم مدة مديدة منتظرين وصوله السعيد» ،قال على طريق التنظيم «هذا جدكم» يعنى ظل بمجرد الصدفة ذلك اليهودى المذكور خارج المدينة وبينما يرسل نظراته المتجسسة إلى الأطراف والأكناف إذا به يرى فى طريق مكة عدة أشخاص بملابس بيضاء قد
ظهروا منيرين الطريق وحينما أدرك أن الذى شرف النبى ورفيقه لم يمتلك صبره وصاح قائلا: يا بنى قيلة
(1)
هذا جدكم».
إن أخيار الأنصار وهم أفراد قبائل الأوس والخزرج قد سروا من الخبر الذى يجلب الصفاء والذى ينشره اليهودى بسرعة فتسلح جميعهم وامتطوا جيادهم حتى يكونوا فى شرف استقبال الركب المحمدى الذى يرسل أنواره كنور القمر وذهبوا إلى الحرة المذكورة من قبل وبعد أن نال كل واحد منهم شرف تقبيل قدم حبيب رب العزة قدم أهل المدينة الذين وصلوا واحدا تلو الآخر بإيراد خطب مناسبة، وقد أظهر المستعدون لقبول الإيمان الفرح والسرور وخرجوا خارج المدينة كما أن اليهود والمشركين قد خرجوا خارج المدينة مغتاظين متنفرين حتى خلت دار الهجرة فى ذلك اليوم المنير من الناس.
وأحنى الأنصار البررة جباههم لتراب أقدام سيد الكونين وعرضوا على رياحين إخلاصهم وطاعتهم وأظهر كل واحد منهم فرحته وسروره على طريقته، وأنشد من كان شاعرا فيهم ولا سيما الذين سروا من مقام سيدنا محمد فيهم قصائد مدح ممتازة للنبى صلى الله عليه وسلم، فسر النبى صلى الله عليه وسلم من هذه الحالة وتحرك فرحا مسرورا وإذ رأى موحدى أرض يثرب عامة حالة الفرحة والصفاء التى سادت الموقف أخذ كل واحد منهم يأتى بحركة تدل على عدم المبالاة إلا أنها كانت فى حدود الأدب، وفى الواقع فإن تلك الساعة كانت من أجل أهل المدينة المحظوظين كانت ساعة من مسرة خاصة بهم حتى إن سكان الملأ الأعلى قد خرجوا لمشاهدتها ونشرت الشمس وأرسلت أضواء الفرحة والمباهاة فوق أهل يثرب، وحينما تحرك الموكب النبوى من موقع الحرّة، تقدمه أبطال الأوس والخزرج وقاموا بمهمة الدلالة، ووصل الذات النبوى العالى إلى منازل بنى عمرو بن عوف، ونزل فى ظل نخلة وقام من هناك ليضع ظله الجليل فى منزل «كلثوم بن هدم» من العرب المعروفين أو فى منزل «طاهر بن يحيى» فى القرب من بئر غرس، وكان يقول للصحابة الذين يرجونه أن يشرف منازلهم «إننى سأذهب إلى منازل بنى النجار
(1)
هم الأنصار؛ وقيلة اسم جدّة كانت لهم.