الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصورة السابعة
فى تعريف الهيئة الكاملة لمسجد السعادة فى الوقت الحالى
.
تقع مدينة مهجر الرسول-على صاحبها أفضل التحية-فى نقطة متوسطة من المدينة الساحرة ويقع مضجع حبيب الله-أى الحجرة المعطرة التى كانت سببا لاشتهار مدينة طيبة المقدسة-أمام الموقع الذى تطلق عليه «صفة أصحاب الصفة» وبالجانب الشرقى المتصل بالروضة المطهرة.
فالمؤرخون الذين قاسوا مساحة عرض المسجد الشريف المقدس اختلفوا فى أقوالهم ومن ضمن هؤلاء «مولانا عبد الرحمن» الجامى-قدس الله سره السامى-إذ قال فى أثره القيم
(1)
إن المسافة من حائط مسجد النبى الجنوبى إلى جداره الشمالى طولا مائتان وخمسون ذراعا وعرضه من الجدار الشرقى إلى جداره الغربى مائة وخمسون ذراعا إلا أن طوله وعرضه فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كل واحد منهما مائة ذراع. وأضاف «إننى قست الروضة المطهرة وصفة أهل الصفة كل واحدة على حدة وعددت أعمدتها الموجودة واحدا واحدا فوجدت طول الروضة المطهرة خمسة وثلاثين ذراعا وطول الصفة الشريفة اثنى عشر ذراعا ووجدت عرض الروضة المطهرة عشرين ذراعا وعرض الصفة عشرة أذرع كما أخبر أن هذا الذراع ذراع شرعى.
قد قست أنا المؤلف ساحة مسجد السعادة من الخريطة المسطحة التى رسمت بعد أن قيست من قبل المهندسين الذين أرسلوا فى عهد السلطان عبد المجيد- طيب الله ثراه-بالذراع المعمارى فوجدت طول المسجد مائة وستة وخمسين ذراعا وثمانية أصابع وعرضه جنوبا سبعة وتسعين ذراعا وثمانية عشر إصبعا وشمالا
(1)
للجامى مؤلفات كثيرة قيمة أهمها: نفحات الأنس، واللوائح، وشواهد النبوة، وغيرها.
وهو أحد شعراء إيران العظام فى العهد التيمورى، ومن خير المفكرين المسلمين تلقى علوم الحقيقة على مشيخة سعد الدين الكاشغرى شيخ الطريق النقشبندية وصحبه حتى مات عام (860 هـ)،فاتخذ الجامى مسكنه إلى جوار قبر شيخه ولم يفارقه إلا حاجا لبيت الله الحرام مرتين إلى أن وافاه الأجل عام 898 هـ، ودفن مع شيخه سعد الدين الكاشغرى رحمه الله رحمة واسعة.
تسعة وثمانين ذراعا وستة أصابع إلا أن الجدار الشرقى للمسجد قد زيد فى عهد السلطان المغفور له ما يقرب من ثمانية أذرع فوصل عرض جهته الجنوبية إلى مائة وخمسة أذرع معمارية.
وللمسجد الشريف خمسة أبواب هى: «باب السلام، باب الرحمة، باب جبريل، باب النساء، باب التوسل» ونافذتان تعرفان باسم «نافذة جبريل» و «نافذة المواجهة» وله خمسة محاريب تعرف باسم محراب النبى، محراب عثمان، المحراب السليمانى، محراب التهجد ومحراب النساء. و «باب التوسل» فتح فى عهد السلطان عبد المجيد.
وقد أطلقت هذه الأسماء لبيان الأماكن التى صليت بها، فمحراب النبى المكان المقدس الذى صلى فيه النبى صلى الله عليه وسلم مؤتما لأصحابه، ومحراب عثمان المحراب الذى اتخذ فى عصر عثمان-رضى الله عنه-والمحراب السليمانى المحراب الذى صنعه السلطان سليمان بن السلطان سليم وخصه لأئمة المذهب الحنفى ومحراب التهجد هو المحل الذى كان يؤدى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة التهجد ومحراب النساء هو المكان الذى فى داخل باب النساء وفى مؤخرة حرم السعادة وخاص بالنساء والذى ميز بأقفاص خضراء، وقد أسس «محراب النساء» فى عصر السلطان عبد المجيد خان عصر المبرات عند تجديد مسجد السعادة الأخير.
ولمسجد السعادة فى جهاته الأربعة خمس مآذن، وفى داخل الحرم الشريف أربعمائة وثلاثة وعشرون عمودا وله أربعون قبة؛ عشر منها كبيرة وست عشرة منها أبيض وأربع وستون منها متوسطة الحجم والباقية صغيرة، وله ألف وسبعمائة وواحد وتسعون قنديلا، وخمسة وعشرون شمعدانا، وثلاث عشرة ثريا، وتوقد مائتان واثنان وعشرون من القناديل المذكورة فى ليالى الأيام العادية والبقية فى إحياء ليالى السلطان الشريف وفى الزمن الذى قاسه فيه حضرة «الجامى» كان سبعة وعشرون من أعمدته مصنوعا من الآجر الملون وسبعة وخمسون منها من الرخام وبعضها من الحجر العادى والبقية منحوتة من الخشب.
وعند التعمير الأخير يعنى عندما جدد المرحوم السلطان عبد المجيد المسجد وأحياه جعل جميع أعمدته من الرخام وخفض عدد الأساطين إلى «327» .
يقال للأعمدة المصنوعة من الرخام «أسطوانة» فأكثر الأعمدة المصنوعة من الآجر الملون فى داخل الروضة المطهرة وبعضها فى الأماكن الخاصة بإقامة خدمة الحجرة المسعودة والأساطين العادية فى مواقع أخرى.
مائة وأربعة وستون من هذه الأعمدة مربعة، ومائتان وتسعة وخمسون منها مستديرة، وفى التعمير الأخير قد جعل كلها مستديرا فأربعة وخمسون منها فى داخل جدران الجهات الأربعة واثنان وعشرون منها فى داخل الحجرة السعيدة وبيت فاطمة والباقى منها أبواب الحرم السعيد والجهات الأخرى.
يقال لإحدى المآذن «الرئيسية» وللثانية «باب السلام» وللثالثة «باب الرحمة» وللرابعة «المجيدية» وللخامسة «العزيزية» وكل هذه المآذن قصيرة الطول بالنسبة للأخريات وأعلى هذه المآذن المئذنة الرئيسية الخاصة برئيس المؤذنين وباب هذه المئذنة مقابل نافذة الحجرة المعطرة وعلى الركن الشرقى لجدران القبلة.
ويقع المرقد النبوى السعيد فى الجهة الشرقية من الجدار القبلى للمسجد الشريف والروضة المطهرة بين الحجرة المضيئة والمنبر المنير والقبر اللامع لفاطمة الزهراء-رضى الله عنها-يقع فى نهاية الحجرة المعطرة الشمالية.
يروى أن قبر السيدة فاطمة الزهراء فى حظيرة ضريح عباس بن عبد المطلب وبجانب قبره فى مقبرة بقيع الغرقد والذى يؤيد صحة هذه الرواية أكثر من الروايات الأخرى قراءة زوار البقيع اليوم الفاتحة لروح السيدة فاطمة وهم يزورون ضريح عباس بن عبد المطلب.
وأطراف الحجرة المعطرة محاطة بشبكة حديدية، ويطلق على المكان الذى يقع بين المنبر المنير والمكان الذى يرقد فيه رأس النبى «الروضة المطهرة» ،وعلى الجهة اليمنى لقبر الرسول «المواجهة الشريفة» وعلى اليسار من قبر الرسول حيث محل إقامة خدام الحجرة الشريفة «الدكة» ،وللربع الذى فى داخل الشبكة اللطيفة حيث قبر الرسول «الحجرة المعطرة» .
ولما كانت الروضة المطهرة والمواجهة الشريفة والدكة اللطيفة خارج شبكة الحجرة المعطرة لا يستطيع الدخول فيها إلا العظماء والسادات والسعداء من أهل المدينة من طينة طيبة أما الزوار السعداء الآخرون فيقفون أمام نافذة المواجهة الشريفة التى فى خارج الشبكة المنورة ويؤدون مراسم الزيارة.
الجهة اليسرى من جدار القبلة ابتداء من باب السلام إلى سبيكة النور شبكة القبر الشريف مفروشة بالرخام، والجهة اليمنى لهذه الأرض المفروشة بالرخام إلى اتصال العمود الشرقى للشبكة اللطيفة أى جهة الاتصال بجدار القبلة محدود بالسور الخشبى
(1)
فى ارتفاع ذراع ونصف ذراع معمارى وحول محراب النبى والمحراب السليمانى من اليمين واليسار بابان ينفتحان إلى جهة الروضة المطهرة.
إن هذه الساحة الرخامية طريق خاص بالزوار الذين يريدون أن يذهبوا لزيارة الحجرة المعطرة وهو متسع قدر ذراع ونصف ذراع معمارى وهناك ساحة رخامية أخرى تنتهى إلى الساحة الرخامية لباب السلام من الجهة الداخلية وهذه الساحة الرخامية أيضا طريق للزوار الذين يريدون أن يزوروا الحجرة المعطرة من باب الرحمة.
ويقع محراب النبى صلى الله عليه وسلم بين شبكة مرقد السعادة الشريف والمنبر المنير وفى وسط الروضة المطهرة. وقد كتب فوق طاقتى البابين اللذين فى اليمين والشمال كتب فوق أحدهما الحديث النبوى «ما بين قبرى ومنبرى روضة من رياض الجنة»
(2)
(حديث شريف) وفوق طاقة الباب الآخر «من زارنى فى مماتى فكأنما زارنى فى حياتى»
(3)
(حديث شريف)،وكتب فوق طاقى البابين على جانبى المحراب السليمانى الذى يقع فى جهة باب السلام من المنبر كتب فوق طاق أحدهما «من زار قبرى وجبت له شفاعتى»
(4)
وفوق طاق الثانى الآية الكريمة {وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ} (الأنبياء 107).
(1)
حينما لم يكن هذا السور الخشبى موجودا كان ذلك المكان محدودا بدواليب خدمة الحرم السعيد وعند التعمير الأخير فى عصر السلطان عبد المجيد صب ذلك السور من النحاس ..
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
رواه الطبرانى فى الكبير والصغير والأوسط من طرق عن ابن عمر وكلها فيها ضعفاء.
انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمى 2/ 4.
(4)
رواه البزار عن ابن عمر بإسناد فيه عبد الله بن إبراهيم الغفارى وهو ضعيف. انظر مجمع الزوائد 2/ 4.
وقد نقش بالذهب فوق كمر نافذة المواجهة السعيدة الحديث الشريف «إنما الأعمال بالنيات»
(1)
.
الميدان الواقع فى شمال الحرم السعيد مفروش برمل أصفر وهذه الساحة مكشوفة وجهاته الأربعة مغطاة بقبة الفلك الربانى ويطلق على الجهة الجنوبية الشرقية وعلى محاذاة صفة أهل الصفة «روضة الرسول» صلى الله عليه وسلم وهى حديقة مربعة الأضلاع قد أحيطت بسور خشبى جميل وفى داخل هذه الحديقة: نخلتان كبيرتان وستة من أشجار النخيل وشجرة تمر هندى وشجرة سدر وفى الطرف الذى تهب منه الرياح بئر ذات ماء حلو. وماء هذه البئر فى غاية اللذة وهو ماء مقبول لدى الأهالى وقيم مثل ماء زمزم.
وقد ذهب بعض الرواة إلى أن روضة الرسول هى حديقة الرسول صلى الله عليه وسلم وأشجار النخيل التى فى داخلها قد غرسها بيده الشريفة، إلا أن روضة الرسول وحديقة السيدة فاطمة-رضى الله عنها-قد غرس بعض أشجار النخيل التى فى داخلها شيخ الخدمة «عزيز الدولة» وقال ابن جبير: إنه كان فيها فى وقت عزيز الدولة خمس عشرة شجرة. وقال مجد الدين اللغوى: كان فيها أكثر من خمس عشرة شجرة. وأشار ابن فرحون إلى أن أشجار النخيل هذه غرست قبل زمن عزيز الدولة.
همّ بعض سادات المدينة ألا يستحسنوا وألا يستصوبوا فكرة غرس عزيز الدولة أشجار النخيل فى الساحة الرملية للحرم السعيد ولكنهم اختاروا الصمت مراعاة لخاطره وتوقيا من سوء معاملته. وكانت الرياح العاصفة التى هبت فى عصر شيخ الخدمة ياقوت الرسول قد جففت هذه الأشجار، ولكنه انتزع الأشجار اليابسة وغرس مكانها أشجارا جديدة.
واعترض الأهالى فى هذه المرة على غرسه لأشجار النخيل قائلين «قد ابتدعت
(1)
أخرجه البخارى فى أول الصحيح حديث رقم (1) فتح البارى 15/ 1،باب بدء الوحى وأعاده فى باب ما جاء إنما الأعمال بالنية والحسبة .. ،حديث رقم (54)،ومواضع أخرى فى صحيحه حديث 2529، 6953،6689،5070،3898.
شيئا جديدا» إلا أنهم خسروا دعواهم، وأراد الشيخ طوعان أن يزيد عدد هذه الأشجار فى سنة 873 ولكنه لم يوفق نتيجة لاعتراض الناس ومخالفتهم، ولما كانت هذه المسألة موضع اختلاف بين العلماء فلا قيمة لاعتراض الأهالى حينئذ.
وقد حكم بعض العلماء بكراهية غرس الأشجار فى حرم مسجد السعادة بينما أباحه الآخرون.
قال مؤلف «زهر البساتين» :ويجوز غرسه مع الكراهة إذا لم تزعج أغصانها الجماعة وإذا غرس بنفسه فهو حرام.
«وقال ابن حجر» تنتفع الجماعة من ظلها واختلف فى حق ثمارها فحكم بعض العلماء قائلين: «فثمارها مباحة لجميع المسلمين مثل ثمار الأشجار التى تنبت فى المقابر» واعترض ابن حجر على هذا الحكم قائلا: «بما أن غرسها جائز فهى ملك لمسجد السعادة فلا يجوز أكل ثمارها يجب أن تباع ويصرف ثمنها لأمور المسجد» .
ما زالت أشجار النخيل التى غرسها ياقوت الرسول موجودة وثمارها السنوية خاصة لأغوات حرم السعادة، وتظل أحيانا نخلة واحدة وأحيانا تزيد وتصل إلى ثلاث أو أكثر من النخلات ويقتطف أغوات الحرم الشريف تمر هذه الأشجار ويهدونه إلى عظماء البلاد الإسلامية وأعيانها.
وقد جدد المسجد النبوى منذ الهجرة النبوية إلى الآن كما ذكر فى الوجهة السابعة سبع مرات وآخر مرة جدد وعمر فى «1127 و 1277» هـ.
وإنه لا ينكر ما بذل من الجهود وما أنفق من النقود فى سبيل تعمير وتجديد مبانى مسجد السعادة فى عهود الملوك الأموية والخلفاء العباسيين وملوك الشراكسة المصرين؛ إلا أن ما بذل من المساعى وما أنفق من النقود فى عهد السلاطين العثمانية الخالية من الجهود، ولا سيما فى عهد سلطنة الخليفة عبد المجيد خان والد سلطاننا كثير المحامد، تفوق جميع الجهود التى بذلت فى عهد جميع الملوك السابقين ولا تقاس هممهم بهمم الحكام المسلمين السابقين.