الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبناء على ما رواه الإمام أحمد بواسطة رجال ثقاة عن سهل بن سعد أن منبر السعادة قائم على ترعة تثير الشوق.
وبناء على قول أبى واقد الليثى أن أرجل المنبر فوق أرض الجنة الساحرة وأن الروضة المطهرة والمنبر المنير المزهر مهما مدحا وأثنى عليهما يستحقان ذلك، وقال معاذ بن الحارث من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم الكرام إننى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فوق منبره يقول «إن قدمى على ترعة
(1)
من ترع الجنة» ونقل أبو سعيد الخدرى أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم فى أثناء خطبة فوق منبره يقول «أنا قائم الساعة على
(2)
حوضى» كما نقل ابن زبالة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال «أنا على الحوض
(3)
الآية» كما نقل نافع بن جبر هذا الخبر الصحيح «أحد شقى المنبر على عقر الحوض فمن حلف عنده يمين فاجره يقطع بها حق امرئ مسلم فليتبوأ مقعده من النار» وروى أبو داود وابن حبان وحاكم هذا الحديث.
نقل النسائى حديث «من حلف عند منبرى هذا يمينا كاذبة استحل بها مال امرئ مسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل» ونقل الطبرانى حديث «منبرى على ترعة الجنة وما بين منبرى وبيت عائشة روضة من رياض الجنة» وقد نقلا هذين الحديثين الشريفين ليعرفا أن الروضة المطهرة والحجرة المعطرة والمنبر اللطيف أماكن واجبة الاحترام.
بيان المصلى النبوى وبيان حدوده
قال خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم ليعين حدود مصلاه الميمونة «ما بين حجرتى ومصلاى روضة من رياض الجنة» ومن هنا اختلف علماء السلف فى تعيين حدود مصلى النبى صلى الله عليه وسلم.
(1)
الترعة بمعنى البئر أو حديقة مرتفعة عن الأرض. وانظر مجمع الزوائد 8/ 4 - 9.
(2)
العقر يقال للمكان الذى يشرب منه الماء أو على قول يطلق على خلف الحوض إذ ينبع ماء الحوض من هنا. وانظر فى هذا الحديث: المستدرك على الصحيحين 294/ 4 - 298.
(3)
المقصود بهذا الحوض حوض الكوثر وبناء على ما جاء فى الحديث الشريف «زواياه سواء وأنه حوض متساوى الأضلاع مربع الشكل» .
قال بعض الأئمة الكرام: المقصود بهذا اللفظ هو مسجد السعادة وقال الآخرون المقصود من المصلى هو مصلى العيد النبوى إذا ما نظر إلى ما رواه راوى الحديث الثانى عقب حديثه أن أباه يحيى قال إننى سمعت عندما، سمع سعد بن أبى وقاص هذا الحديث سارع بشراء بيت فخم بين المسجد الشريف ومصلى العيد وبالنظر أيضا إلى ما قاله، جناح النجار كنت ذهبت مع عائشة بنت أبى وقاص إلى مكة فسألتنى ونحن نخرج من المدينة قائلة «يا جناح أين يقع المنزل الذى تسكنه؟» فلما أجبت قائلا «فى بلاط المدينة» فقالت:«أحذر من التفريط فى هذا المنزل لأن والدى سعد بن أبى وقاص كان يقول إنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «بين مسجدى ومصلاى روضة من رياض الجنة» .ومن هنا يلزم المصلى التى وردت فى الأحاديث أن يكون مصلى العيد.
التوضيح: بما أن الموقع المسمى ببلاط قد عرف فى بحث (أرواق المدينة) فهو رصيف الجادة الواسعة الذى يبدأ من المسجد النبوى وينتهى عند مصلى العيد.
وبما أنه قد ثبت أن ما بين مصلى العيد ومسجد السعادة روضة من رياض الجنة فمن هنا يلزم أن يكون مسجد السعادة كله الروضة المطهرة ويومئ ما ذكره طاهر بن يحيى وجناح النجار اقتضاء هذا الحكم.
وعلى هذا التقدير قد بين أفضل الناس (عليه الصلوات) أن منبر السعادة سيحشر يوم القيامة مثل سائر المخلوقات وأنه سيوضع فى محله الذى فيه الآن وأن الذين أدوا الصلاة بجانب المنبر ذى الفيوضات سيكونون كالذين أدوا الصلاة فى عقر الكوثر فالذين يداومون على أداء الصلاة فى الروضة المطهرة كأنهم يتعبدون فى جهة من حوض الكوثر وقاموا بأعمال صالحة تتيح لهم شرب الماء من ذلك الحوض، قد بين ذلك فى الأحاديث التى سطرت فيما سبق وبهذه الإشارة الواضحة رغب ضعفاء أمته للتعبد بجانب منبر السعادة وقد اتفق العلماء فى نقل منبر السعادة إلى عرصة العرصات فى يوم القيامة إلا أنهم اختلفوا فى كون المنقول المنبر الحالى أو سيخلق ويصنع منبر آخر لائق بخطيب منبر اللاهوت عليه السلام؟ قال فريق من العلماء إن المنبر الحالى سينقل كما هو إلى أرض
المحشر وأنه سيركز فى عقر حوض الكوثر وقد قرر فريق آخر أنه سيخلق منبر آخر قد رجح ذلك ابن عساكر ومن يوافقون رأيه من الأكابر كما أن ابن النجار قبل ذلك الرأى ونشره.
وقد حمل الإمام مالك فى بحث تعريف الروضة المقدسة الحديث السالف على ظاهره وقال: الروضة المطهرة روضة نفيسة من رياض الجنان، لأجل ذلك لن تمحى وتباد مثل المنازل الأخرى وستنقل إلى أرض الجنان الساحرة على هيئتها، وقد قبل أكثر العلماء هذا الرأى المصيب حتى قال برهان بن فرحون ناقلا عن ابن الجوزى وآخرين إن الصلوات التى تؤدى فى الروضة تستلزم دخول الجنة المطهرة وتنزل أقسام الرحمة فإنها مثل رياض الجنة من حيث المداومة فى العبادة فى الروضة المطهرة وملازمتها.
وقال إن استمرار النبى صلى الله عليه وسلم فى العبادة والطاعة فى ذلك المكان المطهر محمول على هذا السر وبهذا أيد قول الإمام مالك.
وأن الحكم على موقع بأنه مسعود ومبارك يتوقف على أن ذلك الموقع قد اكتسب شرفا وسعادة بطاعات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعباداته، وإذا قيل بمقتضى (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) إن العبادة لله-سبحانه وتعالى-حيثما تكون تؤدى إلى دخول الجنة يلزم منه أن تخصيص المنبر المنير والروضة المطهرة بزيادة الشرف الثابت بدلالة الأحاديث الصحيحة لا فائدة منه ولا قيمة له، وهذا لا يجوز، ومن هنا فمن الأولى أن يحكم أن الروضة المطهرة جزء من الجنة بناء على قول الإمام مالك كما يقال إن الحجر الأسود من حجارة الجنان.
يقول ابن زبالة إن أسامة بن زيد بن حارثة رأى ناقل الحديث إبراهيم مصليا فى ركن من أركان المسجد الشريف وبعد السلام أمسكه من يده وذهب به إلى المنبر الشريف وقال يلزم عليك أن تصلى ها هنا فمن المحتمل أن يكون هذا المكان بالذات من رياض الجنة، كما أن الحجر الأسعد من أحجار الجنة! إن الروضة المطهرة ستنقل إلى الجنة فى يوم الحشر إن هذه المزيه تدل على منزلة نبينا صلى الله عليه وسلم،
كما تدل على متابعته لإبراهيم (على نبينا وعليه التسليم).قد أنعم الله سبحانه وتعالى على إبراهيم بالحجر الأسود وهو من حجارة الجنة كما أنعم على نبينا صلى الله عليه وسلم بالروضة المطهرة.
كما لا يخفى على أهل الفهم والذوق أن هناك فرق بين التخصيص والتنصيص فإذا حمل الحديث السالف الذكر على ظاهره وفق قول الإمام مالك المختار فرجحان المدينة المنورة على سائر البلاد وفضلها ومزيتها يصل إلى درجة اليقين والثبوت نورها الله تعالى إلى يوم القيامة.
إن الروضة المطهرة التى ثبت بالبراهين المقنعة أنها جنة من رياض الجنان إلا أن العلماء قد اختلفوا فى تعيين وتعريف حدودها، فقال بعضهم إنها من المنبر المنير إلى أن يتصل بالجهة القبلية والشمالية من الجهة القبلية والشمالية للحجرة المعطرة بالتدريج.
ولما كان طول منبر السعادة خمسة أشبار تظهر الروضة المطهرة تقريبا مثلثا ذى أربعة أضلاع، وبناء على هذا التعريف يلزم أن يكون داخل الخطوط الأربعة فى الشكل الأول الروضة المطهرة وبناء على هذا يقتضى ألا تكون مقدارا من الأرض التى توجد فى الجهة القبلية بين القبر الشريف والحجرة اللطيفة يعنى المحل الذى يتسع لصف من المصلين وألا يعد من الروضة المطهرة، مع أن هذا المكان الذى ما بين الصف الأول من الأساطين التى فى الجهة القبلية للروضة المقدسة والسور الخشبى الذى أمام محراب النبى ولما كان وجود مكان سجود النبى صلى الله عليه وسلم يكسب الروضة المطهرة مزية فلا يحكم على صحة القول المذكور.
وقال بعض العلماء إن الجهات الأربعة للروضة المطهرة متساوية إلا أن محاذاة الحجرة المعطرة التى هى بيت عائشة-رضى الله عنها-من الشمال والجنوب فى محاذاة منبر السعادة فى الناحية الشمالية والجنوبية.
وبناء على ما يظهر فى الشكل الثانى فإنه عندما تعرض المنبر الشريف مع جدرانه ومسجد السعادة للحريق مرة ثانية ورئى تجديدهما سحب الجدار الجديد
ناحية الحجرة المعطرة وبهذا قد خرج عن محاذاة الجدار القديم قليلا ومد ناحية الجنوب وبهذا أخذت هيئة الروضة المطهرة شكلا مربعا ولما كان المحل الملحق مسقفا فى عصر السعادة فحكم على أنه من الروضة المطهرة.
قد ذهب بعض الناس من المؤرخين العلماء إلى أن بعض محراب النبى- وعلى قول-كله أنه الطرف الخارجى للروضة المقدسة، ولم يرد دليل قوى يؤيد هذه الرواية وتردد العلماء قديما فى التصديق على أن يكون محراب النبى خارج الروضة المطهرة وبناء على هذا فلابد أن يكون المؤرخون مخطئين فى ذهابهم إلى هذا إذا ما نظر إلى الشكل الثالث بدقة يرى أن المصلى الشريف فى داخل الحجرة المعطرة فيفهم من أول نظرة أن الرأى الذى ذهب إليه حكم باطل.
وإن كان هناك اختلاف فى المسافة التى بين مرقد النبى والمنبر الشريف من حيث مساحته الذراعية إلا أن هذا الاختلاف فى تعيين مدى سمك جدران حجرة السعادة وقد ذهب فريق من المؤرخين إلى أن المسافة بين المنبر المنير ومرقد السعادة أربعة وخمسون ذراعا وستة أصابع وذهب فريق آخر إلى أن المسافة ثلاثة وخمسون ذراعا وستة وشبر واحد وفى الحقيقة أن المسافة ثلاثة وخمسون ذراعا وستة أصابع وبناء على هذا الحساب فإن الفريق الثانى قد قاسها من داخل الحجرة الشريفة.