الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصورة الأولى
فى ذكر توسيع مسجد الرسول لأول مرة
.
انشغل حضرة الصديق فى زمن خلافته بحركات الردة التى ظهرت بين العربان فى شكل مفزع مخيف ولم يهتم بتجديد مسجد الرسول وتوسيعه إلا أنه أصلح وعمر بعض أماكنه، وتكاثرت فيما بعد الجماعات الإسلامية حتى أصبح المسجد الشريف لا يستوعبها، واستدعى الفاروق الأعظم فى السنة السابعة عشرة كبار المهاجرين والأصحاب وقال لهم:«إننى كنت قد سمعت من فم النبى صلى الله عليه وسلم المحسن قوله يلزم توسيع المسجد الشريف» ولما رأيت الآن بعين الافتخار والمباهاة تكاثر الجماعات الإسلامية فأرغب فى توسيع حرم ساحة المسجد الشريف وقد تلقى العموم هذا الرأى بالاستحسان وتحمسوا له، وبناء على ذلك هدم الجدار القبلى دون أن يمس جهة حجرات النبى وسحب الجدار إلى الخلف ما يقرب من عشرة أذرع ووسع مسجد السعادة بقدر استيعاب الجماعات الإسلامية التى فى عهده وأعلى جدرانه قليلا، وأعلى أخشاب سقفه مقدار ذراعين وعلى قول آخر مقدار ثلاثة أذرع، وفتح ستة أبواب اثنان منهما فى جهة باب السلام واثنان فى جهة باب جبريل والاثنان الآخران فى جهة باب النساء، كما أنه بنى جدران المسجد بحجارة منحوتة قدر ارتفاع ذراعين من الأرض.
وبناء عليه قد اكتسب مسجد السعادة فى ذلك الوقت شهرة بنظامه وانتظامه يمكن أن يقال إنه بالنسبة لزمنه أنه فوق العادة، وبلغ طول سطحه الداخلى أربعين ومائة وعمقه عشرين ومائة ذراع، وقد أضيف إلى المسجد فى هذا التعمير لتوسيعه من الجهة القبلية والشامية أرض تقترب من ثلاثين ذراعا.
قال بعض الرواة إن الجهة القبلية من المسجد النبوى كانت فى طول أحد عشر ذراعا ومن الجهة القبلية إلى الجدار الشامى كان فى امتداد ما يقرب من أربعين ذراعا، فى ذلك الوقت وعلى هذا الحساب يكون حضرة الفاروق قد أضاف
عشرين ذراعا عرضا؛ وبعد أن أنهى حضرة الفاروق عمليات التجديد والتعمير والتوسيع فرش جهة باب النساء بالرمل وجعلها مثل الساحة الرملية للمسجد الحرام، وكانت الساحة الرملية لمسجد السعادة متصلة بالرباط المنسوب لخالد بن الوليد وكان الصحابة الكرام يجتمعون فى هذه الساحة لإنشاد الشعر، وكانت هذه العادة غير مذمومة اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم الذى وضع كرسيا فى المسجد الشريف لحسان بن ثابت وجعله يلقى القصائد فى ذم الكفار، إلا أن هذه العادة أسئ استخدامها فيما بعد إذ أخذ فى إنشاد الأشعار فى كل مكان من المسجد بطريقة غير لائقة خارجة عن توقير المسجد واحترامه؛ لذا تأثر حضرة الفاروق من هذه الحالة وألغى عادة إنشاد الشعر فى مسجد الرسول توأم حرم الجنة وفى ذلك الوقت رأى سائب بن يزيد قد تمدّد فى المسجد وظل نائما فأيقظه وهو غاضب أشد الغضب وقال له:«لو لم تكن من أهل الطائف أى من قبائل مكة المعظمة لأوسعتك ضربا» .وعاتبه بهذه الأقوال ثم فرش فى منتهى الجهة الشامية من المسجد الشريف رملا وحصر ذلك المكان لإقامة من يريدون إلقاء الشعر وفصله عن الحرم الشريف، وكان الجدار الذى أقامه حضرة الفاروق وما نصبه من الأساطين قد بنى على شكل مستحسن مطبوع، وكان أسفل الجدران من الحجارة وأعلاها من اللبن.
إن الأساطين التى فى الصف الأول خارج السور الخشبى الذى فى الجهة القبلية من الروضة المطهرة حتى الآن من الأساطين التى نصبها عمر بن الخطاب، وبعد الحريق قد جددت على الشكل السابق وقد حولها السلطان عبد المجيد خان إلى الرخام وقويت وبدت فى غاية المتانة.
استدعى حضرة الفاروق قبل أن يشرع فى توسيع المسجد العباس بن عبد المطلب ومهد لطلبه قائلا: يا عباس قد كثر المسلمون بفضل الله ولطفه وإحسانه، ومن هنا ظهرت الحاجة الشرعية لتوسيع المسجد. قد اشتريت جميع المنازل التى حول المسجد كلها ودفعت ثمنها، ولم تظل إلا دور أمهات المؤمنين ودارك، إننى أستحى أن أشترى دور أمهات المؤمنين التى تضارع الثريا؛ ولكننى آمل أن آخذ دارك، إذا ما بعتم دفعت لكم ثمنها وإذا ما تبرعتم بها أعرض لكم
شكرى وحمدى، وبهذه المقدمة طلب منه داره، فأجابه العباس:«قد أعطانى الرسول صلى الله عليه وسلم ساحة هذه الدار وساعدنى فى بنائها متنازلا؛ وأنى لكم الحق فى مطالبتى بها وأنت تعرف هذه الأمور؟!» وبعدما أدارا كئوس الحوار فترة أحالوا الأمر لفصل القضية لحكم أبى بن كعب من أفاضل الصحابة؛ وفتح أبى بن كعب فمه ناقلا عن النبى صلى الله عليه وسلم أراد الله-سبحانه وتعالى-جل شأنه عن الشبيه- أن يبنى داود-عليه السلام-مسجدا وطلب منه ذلك، وخط داود-عليه السلام-حول عرصة بيت المقدس خطا مربع الأضلاع دائرا ما دار، وبما أنه سيتخذ هذه الساحة مسجدا فإنه يأمل أن يشترى جميع المنازل التى تقع فى داخل الدائرة التى خطها.
وأنبأ أصحاب الدور بذلك، وتقبل جميع أصحاب البيوت التى فى داخل الدائرة عرض النبى داود قبولا حسنا وقبلوا أن يتنازلوا عن دورهم إلا واحدا منهم خالف داود-عليه السلام-ورفض إعطاء منزله فبين له داود-عليه سلام الله الودود-أنه سيقدر لمنزله قيمة وسيدفع له هذا الثمن المقدر ويستولى على بيته جبرا، عندئذ صدر من الله-سبحانه-خطابه معاتبا يا داود هل تريد أن تدخل مالا مغصوبا فى البيت الذى ستؤسسه من أجلى وهذا لا يليق، وبهذا الخطاب أقلق داود عليه السلام، وهكذا جعل أبى بن كعب الحق بجانب العباس بن عبد المطلب، وقد سر العباس بن عبد المطلب من حكاية أبى بن كعب المحايدة وتنازل عن داره للمسجد الشريف بلا مقابل متبركا. وتقع هذه الدار فى مكان الأعمدة التى فى الصف الأول ابتداء من المنبر المنير والتى تنتهى إلى باب السلام فى مكان العمود الخامس من تلك الأعمدة التى ألحقت بمسجد السعادة والمكان المواجه لها دار مروان بن الحكم.
ويروى البعض أن الدار التى كانت مثار المنازعة فى أخذها وشرائها هى الساحة التى كان النبى صلى الله عليه وسلم قد اختارها لجعفر بن أبى طالب الذى كان فى الحبشة، واشترى نصف هذه الساحة عمر بن الخطاب واشترى نصفها الآخر عثمان بن عفان وألحقها بالمسجد الشريف، ويروون أن عمر بن الخطاب دفع لنصف هذه الساحة ألف درهم ومائة ثمنا لها.