الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على ورد البساتين، واستصوبوا على أن يقطع الرسول صلى الله عليه وسلم فى ليلة من الليالى وهو نائم وذلك بواسطة بعض الملاعين البدائيين الذين سيحيطون دار النبى صلى الله عليه وسلم من جهاتها الأربع، وعقب هذا القرار نزل جبريل الأمين باسطا أجنحته للنبى صلى الله عليه وسلم وعرض عليه قرار هيئة الندوة وأفهمه أن وقت الهجرة إلى دار السكينة قد حان، عندئذ قرر النبى صلى الله عليه وسلم أن يهاجر بعد أن يسلم الأمانات التى لديه إلى أصحابها.
فجعل على ينام على فراشه وأمنه من مكائد أعداء الدين، ونام ذلك البطل ذو قلب الأسد فى فراش الرسول صلى الله عليه وسلم بائعا نفسه لله-سبحانه وتعالى-ليحمى نفس النبى صلى الله عليه وسلم النفيسة مستجيبا لإرادة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتف ببردة رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضراء وراح فى نوم دون فتور، وأول من ضحى بنفسه فى سبيل إنقاذ حياة الرسول صلى الله عليه وسلم من الأصحاب الكرام هو على بن أبى طالب-رضى الله عنه- وتتضمن أبياته الآتية تلك النكتة اللطيفة.
عربى
وقيت بنفسى خير من وطئ الحصا
…
ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
رسول الخلق إذ مكروا به
…
فنجاه ذو الطول الكريم من المكر
وبت أراعيهم متى ينشروننى
…
وقد وطنت نفسى على القتل والأسر
وبات رسول الله فى الغار آمنا
…
موقى وفى حفظ الإله وفى ستر
رواية
حتى الملائكة قد استحسنوا تضحية على بن أبى طالب هذه! إذ يقول الإمام الغزالى فى إحياء العلوم: «قد أوحى الله-سبحانه وتعالى-لجبريل وميكائيل-
عليهما السلام-فى الليلة التى نام فيها على بن أبى طالب على فراش النبى صلى الله عليه وسلم» وقال لهما «فإذا ما جعلتكم إخوة وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر فأى واحد منكم كان يريد أن يكون عمره أطول من عمر أخيه؟» ،عندئذ قال الله تعالى «إننى جعلت عليا أخا لحبيبى، قد ضحى على الليلة بعمره لأجل أخيه وقدم موته على حياة أخيه، لماذا لم تصلا إلى درجته فى كمال الأخوة؟ مادامت فضيلة هذه تفوق فضيلتكم، اذهبا الليلة واحفظاه من أعدائه واحمياه» .
وبناء على هذا الأمر الإلهى وقف جبريل أمام رأسه كما وقف ميكائيل أمام قدميه وشغلا بحفظه، حتى إن جبريل-عليه السلام-يهنئ تضحية على هذه قائلا:«يا أيها السعيد ابن أبى طالب، إن الله تفاخر بك على ملائكته» .
وقد اجتمع فى تلك الليلة بعد أن أظلم الجو أبو جهل وأبو لهب، أبى بن خلف وبنيه، منية ابن حجاج، النضر بن الحارث، عقبة بى أبى معيط،الحكم بن العاص، طلحة بن عدى من قبل هيئة دار الندوة.
وبعض الملاعين من سائر أقوام العرب وتحت قيادة بعضهم اجتمعوا لينفذوا الفكرة المستحيلة وهى إعدام حبيب العلام وحاشا وتوجهوا نحو منزل سلطان الأنبياء، ليقوموا بإجراء ما فى ضمائرهم من الفكرة الخبيثة، وأحاطوا ببيت النبى صلى الله عليه وسلم من جميع جهاته حتى لا يفلت من أيديهم وحرسوه حتى الصباح متناوبين، وكان ترك إجراء هذا الأمر دسيسة مدبرة من أبى لهب حتى يعلم أبطال بنى عبد المطلب وشجعان بنى هاشم أن العرب متفقون فى إجراء هذا الأمر، مع أن سلطان بلاد الرسالة (عليه أقوى التحية) خرج بكل وقار وإجلال من بيته فاتحا بابه مع أنه محاط بملاعين المشركين، وأخذ من الأرض حفنة من التراب وقرأ عليه سورة يس الجليلة ونثره فوق أذلة المشركين المحتشدين وخرج من بينهم كالروح السائرة وذهب إلى بيت الصديق الأكبر السعيد.
إن التراب المنثور فوق الكفار المحتقرين الذين يحيطون بدار النبى ذات الفيوضات الباهرة قد أعمى عيونهم بحكمة الله-تعالى-ولم يروا النبى صلى الله عليه وسلم وكل من أصابه هذا التراب قد أصبحوا هدفا للمرض والموت.
وكان الصديق الأكبر فى انتظار الهجرة
(1)
من مدة طويلة وقدم أحد الجملين اللذين يملكهما إلى قائد القوافل (عليه أقوى التحايا) بثمانمائة درهم.
كما نبه الدليل وعرفه أن يتواجد فى جبل الثور وهو عبد الله بن أريقط أو عبد الله بن أريقد من رجال قبيلة «دؤل» بعد ثلاثة أيام وخرج فى رفقة النبى صلى الله عليه وسلم إلى الطريق ودخلا فى غار الثور خامس يوم الاثنين لبيعة الأنصار الأخيرة.
بعد أن ظل قائد جيش الأنبياء عليه سلام الله الأعلى فى غار الثور ثلاثة أيام توجه إلى المدينة المنورة يوم الاثنين
(2)
الأول من شهر ربيع الأول وظهرت على يديه معجزات كثيرة فى أثناء الطريق.
وانحرفا عن الطريق المعهود الشهير سارا على شاطئ أرض عسفان مدة مديدة وفى النهاية وجهوا مطاياهم ناحية وادى القديد وبعد أن قطعوا مسافة قليلة فمروا بخيمة «أم معبد» الخزاعية التى كانت منصوبة فى ذلك الوادى.
كانت طائفة الجن أخبرت أهل مكة بنزول محمد صلى الله عليه وسلم ضيفا على أم معبد، إذ يروى عن أسماء بنت أبى بكر بن قحافة-رضى الله عنهما-أنها قالت:«عندما خرج النبى صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة لم نستطع أن نحدد خط سيره» ،وأتى إلى منزلنا عدة أشخاص من المشركين الذين يبحثون عنه-عليه السلام-ومعهم أبو جهل وسألونى عن والدى، وقد أجبناهم قائلين «والله إننا أيضا لم نعرف بعد مكان وجودهم» فصفعنى أبو جهل على وجهى صفعة عندما تلقى منى هذه الإجابة وكانت صفعة الخبيث شديدة بدرجة أنها أوقعت قرطى من أذنى، ثم تلا أحد الأشخاص البيت الذى يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه
…
رفيقين حلا خيمتى أم معبد
وإذ سمع صوت قائل البيت المذكور ولم ير شخصه قد فهمنا أن القائل من طائفة الجن كما فهمنا من مدلول البيت السابق أن الرسول الأكرم فى خيمة أم معبد.
(1)
انظر فى حديث الهجرة: الطبرى 375/ 2،ابن هشام 123/ 2 وابن سعد 153/ 1/1،والدرر ص 80 وما بعدها.
(2)
هناك من يقول أنه كان يوم الخميس.