الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصورة الثانية
فى ذكر القبائل التى كانت فى أرض يثرب وقت أن هاجر إليها الأوس
والخزرج بن ثعلبة
(1)
.
عندما هاجر الأوس والخزرج بن ثعلبة إلى المدينة المنورة كانوا من أفراد قبائل بنى أنيف
(2)
بن مزيد بن معاوية بن الحارث بن بهثة بن سليم.
بنو الجذماء
(3)
،بنو قريظة، بنو قصيص، بنو ناعضة، بنو هذال، بنو عمرو، بنو نفير، بنو زعورا، بنو ثعلبة، أهل زهره، أهل جوانيه، بنو ماسكة، بنو محمم، بنو زيد، بنو قينقاع، بنو حجر، بنو عكوة، بنو نزاية، بنو شوط،بنو والج، بنو زبالة
(4)
وبنو أنيفلة وبنو ناعضة
(5)
وبنو قصيص من هؤلاء سكنوا فى قرية «قيا» وفى قرية بنى قريظة سكن بنو نضير
(6)
فى موقع نواعم وسكن بنو زعورا فى قرية سبيل أم إبراهيم وبنو زيد
(7)
فى مكان يقال له «لات» وبنو قينقاع فى مكان واقع فى جهة العالية من جسر بطحا، وبنو زهرة وبنو ثعلبة
(8)
فى زهرة
(1)
قبائل الأنصار كلها من سلالة هذين الشخصين.
(2)
أفراد هذه القبيلة كانوا بقايا أقوام العمالقة.
(3)
كان هؤلاء من أهل اليمن.
(4)
كان هؤلاء من طوائف اليهود.
(5)
كانت هذه القبيلة طائفة من أهل اليمن سكنوا إلى خلافة حضرة الفاروق فى منازل شعب بنى حرام، وفى خلافة ابن الخطاب حملهم من ذلك المكان وأسكنهم فى حى مساجد الفتح.
(6)
وكان كعب بن الأشرف من مشاهير اليهود من صناديد بنى النضير على رواية فى ناحية «عهر» وكان منازل بنى مزيد المتشعب من هذه القبيلة فى «بنى حاطمة» وكانت منازل بنو ناعمة بن هيم بن هشام وبنى معاوية قى موقع «بنى أمية بن مزيد» وكان بنو ماسكة بجانبهم. ويروى أن الخرائب التى ترى الآن فى الجهة القريبة من موقع يطلق عليه «ضيات» وفى قرية «مفر» من بقايا حصون تلك القبائل.
(7)
بناء على قول ابن زبالة إن سلسلة نسب هاتين القبيلتين تنتهى إلى جماعة يرتبط نسبهم بحضرة يوسف- عليه السلام-وهم من أجداد عبد الله بن سلام «رضى الله عنه العلام» .
(8)
وكان فيطون الدون الذى اعتاد فض بكارة عرائس أهل المدينة، من رؤساء أفراد قبائل بنى ثعلبة.
وبنو جوانية فى قرى الجوانية وبنو جذماء
(1)
بنى مقبر بنى أشهل وقصر ابن عراك.
وكان بنو عكوة وبنو حارثة وبنو نزاية يسكنون فى قرية «ناس» وبنو زبالة فى قرية «عين فاطمة» وبلغوا إذ ذاك إلى ما يقرب من سبعين قبيلة
(2)
إذ ارتبطوا واتحدوا واتفقوا مع جيرانهم من قبائل العربان واتخذت جماعة كل قبيلة برجا فى حدود ثروته ويساره أو برجين وأسسوا حول هذه الأبراج بيوتا منظمة ومنازل مستحكمة وشكلوا جماعة كبيرة بالنسبة لتلك الأوقات.
وكان لليهود إلى وقعة سيل العرم المشهورة تسع وخمسون قرية وقدر كثرة هذه القرى من النفوس، لذا كانوا متغلبين على القبائل الأخرى، ولكن بعد ظهور الوقعة المذكورة أخذت قوتهم وشوكتهم تزول وتنقرض ولا سيما فى عهد بنى ثعلبة صاروا يداسون تحت الأرجل.
وقد حدث سيل العرم نتيجة لهطول الأمطار لمدة طويلة، وعلى قول بسبب انهيار سد مأرب.
وعرف عمرو مزيقيا أبو ثعلبة خراب السد وتوقع انهياره قبل وقوعه كما سنيين فيما يأتى وترك وطنه.
عمرو مزيقيا-هو ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أو عامر ماء السماء بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد. وكان نقطة استناد أهالى اليمن فى كل الأمور وكان له ثلاثة عشر ولدا
(3)
من امرأته «طريفة الحميرية» من الكاهنات المهرة.
(1)
نقل أفراد هذه القبيلة إلى مكان يسمى «راتج» فيما بعد.
(2)
وكان العشرون من القبائل المذكورة من بقايا العماليق واليهود والباقى من قبائل العربان ولكن طائفة اليهود كانت بالنسبة للأقوام الآخرين أكثر اجتماعا ومدنا.
(3)
وكان عشرة منهم يعيشون فى حياة أبيهم يعنى «ثعلبة (1) حارثة (2) جفنة (3) وداعة (4) أبا حارثة (5) الحارث (6) عوف (7) كعب (8) مالك (9) عمران (10) وكان الأوس والخزرج ابنى ثعلبة و «خزاعة» بنى حارثة و «غسان» ابن جفنة وكلهم كانوا من حفدة عمرو مزيقيا.
وبما أنه كان من أصحاب الثراء المفرط؛كان يعيش حياة رفاهية ولا شك أن إلى عمرو مزيقيا ينتهى نسب أفراد قبائل اليمن، قد اختلف المؤرخون الأسلاف فى تعريف قحطان قال بعضهم أن قحطان هو بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام ابن نوح-عليه السلام-وقال بعض منهم أنه هود-عليه السلام-نفسه.
إن عمران أخو عمرو مزيقيا كان محروما من النعمة الجليلة للتناسل وكانت مهارته فى الكهانة معروفة لدى الجميع.
وقد تكهن يوما بانهيار سد مأرب وخرابه وأخبر أخاه عمرو مزيقيا بذلك، وأيدت طريفة الحميرية ما قاله عمران ببعض العبارات المسجوعة قائلة:«إذا ظهرت الفئران حول السد فهى علامة انهياره» ونبئ يوما أن الفئران التى ظهرت فى أماكن قريبة من السد، وأنها أخذت تحرك الحجارة التى لا يستطيع تحريكها خمسون أو ستون رجلا وقلبها وحرقها وصدق عمرو مزيقيا ما قاله أخوه وأصبح رهنا لليأس والحرمان، وقال:«إن الفئران التى تتصف بهذه القدرة تستطيع أن تهدم وتخرب سد مأرب وقتما تشاء» وقد عرف يقينا أن لا بقاء لهذا السد، وقد شغل هذا القلق فكره وفى نهاية الأمر كتم الأمر عن أهل سبأ وقرر فى نفسه أن يترك وطنه ويبيع ما يملكه؛ وأولم وليمة للأهالى عامة وأخذ المنازعة التى حدثت فى أثناء الطعام سببا لانفعاله وغضبه، وقال:«بما أن هذا الموضوع قد جرح شرفى وكبريائى فلا أستطيع أن أبقى فى هذه البلاد» ثم باع أمواله وأشياءه وأخذ القليلين ممن عرضوا عليه تبعيتهم من قبيلة بنى أزد وخرج تاركا أرض سبأ.
ينقل المؤرخون سبب هجرة عمرو مزيقيا من بلاد سبأ على هذه الصورة أيضا فيقولون:
قد تيقن عمرو مزيقيا أن بلاد سبأ سترضخ لاسم الله الجليل «القهار» وذلك سواء أكان من خلال ما سمع من أخيه الكاهن المشهور عمران، أو زوجته الكاهنة طريفة التى رأت الرؤى المفزعة أو مما استخرجا من علامات مخوفة بمقتضى كهانتهما، وهى أسباب كافية تؤدى إلى الهجرة إلى بلاد أخرى بأولاده
وعياله وأحفاده وتوابعه، وأخذ يبحث عن سبب يؤدى إلى الهجرة ويختلقه، وبناء على هذه الفكرة هيأ مأدبة دعا لها وجوه البلد وأعيانه كما أوجد فيها كثيرين من عامة الناس، وكان بين المدعوين رجل قد تيتم صغيرا فبسط عمرو عليه حمايته وصحبه ورباه حتى أصبح فى زمن قصير من أغنياء أهالى مأرب الأوائل وتزوج باختيار عمرو وتصويبه واكتسب مكانة بين الأهالى، وقد دعا عمرو مزيقيا ذلك الشخص قبل إقامة المأدبة خفية وقال له منبها: «إننى سآمرك فى أثناء الطعام ببعض الأوامر فعليك أن تتحرك خلاف أوامرى، ويجب أن تخالف جميع أقوالى وإذا سببتك فقابلنى بالمثل وأظهر لى الخصومة قولا وفعلا وإذا لزم الأمر اصفعنى عدة صفعات!! وعندما أخبره الرجل أنه لن يستطيع أن يقوم بمثل هذا السلوك المشين ولن يتجرأ على ذلك، فرجا منه عمرو أن يوافق على اقتراحه مبينا له أن هذا العمل سيكون محض خير فى حقه وحق عمرو، ولما حل يوم الوليمة وأخذ الأهالى يتوافدون زرافات، وشغلوا بالطعام وأخذوا يأكلون ويشربون متآنسين ومتحدثين، عندئذ أحضر عمرو مزيقيا الشخص الذى اتفق معه وطلب منه أن يهيئ بعض الأشياء اللازمة للمجلس وأن يحضرها ولكنه قوبل بمعاملة غير لائقة، فأظهر عمرو الحدة وبادر بضربه بالعصا التى فى يده مهددا، إلا أن الرجل أخذ العصا من يد عمرو رئيس البلد ولكمه عدة لكمات، وساد الوجوم فى المجلس وسر بعض الناس اغتمّ الآخرون، وقد تأثر عمرو مزيقيا من إهانته وعدم إعانة أولاده وأحفاده وأعوانه فأقسم على أنه سينتقل ويرتحل من سبأ. وأعلن أنه سيبيع كل ما يملكه ويهاجر إلى بلاد أخرى فى المجلس نفسه.
وطمع بعض من لهم نفوذ من الأهالى فى الرياسة كما طمع آخرون فى شراء أموال عمرو بثمن رخيص حتى يغتنوا ومن هنا أظهروا سرورهم من هجرة عمرو وأقبلوا على شراء ممتلكاته، كما أن عمرو أخذ معه أولاده وأحفاده وزوجاته ومن يتبعونه من أعوان وخرج من حدود بلاد سبأ.
وبناء على بعض الأقوال أن عمرو مزيقيا مات قبل ظهور «سيل العرم»
(1)
(1)
قد كتبت كيفية حدوث سيل العرم فى الصورة الثالثة بالوجهة الأولى من مرآة الجزيرة استطرادا.
واطلع ثعلبة ابنه على انهيار سد مأرب وهاجر من أرض سبأ، وأن الكاهنة طريفة ليست أمه بل زوجته.
وعلى رأى من يرجحون هذه الأقوال أن عامر أصبح رئيس قبيلة بعد وفاة أخيه عمرو مزيقيا وقام بإقامة وليمة عظيمة لأهالى سبأ وفى أثناء الطعام لطم ابن أخيه حارثة صفعة.
ولم يتحمل حارثة الإهانة التى تعرض لها على ملأ من الناس وعقد النية على ترك الوطن، وإن كان عامر ندم كثيرا وقال:«يا حارثة إننى ضربتك فاضربنى أنت أيضا» وأسرع يرجو منه ذلك ملحا حتى يهدئ ثائرة نفس ابن أخيه إلا أن حارثة لم يستطع أن يقنع ضميره بضرب عمه، وإهانته كما أنه لم يستطع أن يكظم غيظه وغضبه ومن هنا خرج من أرض سبأ مهاجرا.
وأدت هجرة عمرو مزيقيا إلى انتشار الإشاعات بين الأعيان وقام والناس بعضهم ضد بعض؛ وفى أثناء ذلك هبطت الأمطار متتالية ولم تراعى منافذ السد وظهرت وقعة «سيل العرم» فانهار سد مأرب المشهور فغرق جملة الأهالى وهلكوا وخربت آثار تلك البلاد الميمونة وانمحت وأصبح ذلك السد الذى قام منذ عدة آلاف سنة خرابا يبابا ومسرحا للبوم والغراب.
هاجر عمرو مزيقيا من أرض سبأ ومعه قبائل «بنو أزد، آل سدير، آل خزيمة» ، وانتشر بنو أزد فى بلاد عمان، وآل وداعة فى «أرض همدان» ،وبنو خزاعة فى «بطن مكة» ،والأوس والخزرج فى أرض يثرب، وآل جفنة وآل غسان فى «البصرة» ،وآل سدير فى «ممالك الشام» ،وآل خزيمة فى «ديار العراق» ،وهيأكل هؤلاء حيث وجدوا أملاكا وأراضى كافية لمعيشتهم وتوطنوا فيها.
وظل بعض أفراد قبيلة أزد على سواحل نهر يسمى غسان عندما هاجر عمرو مزيقيا من أرض سبأ تجول كثيرا راغبا فى إسكان القبائل التى فى رفقته فى مكان واسع المرعى كثير المياه هادئ وأدخل أهالى البلاد فى طاعته ووصل إلى حدود الميمونة كعبة الله، ونزل فى مكان مناسب وبعث ابنه ثعلبة إلى مكة المعظمة
وأفهم أهلها «أنه سيقيم فترة فى ساحة حرم الله السعيد» .وقال ثعلبة ضمن ما قاله فى تليين أفكار الأهالى: «منذ أن خرجنا من موطننا بلاد سبأ حيثما مررنا بمكان سكنّا برضا أهله هناك حتى نجد لنا مكانا يليق بإقامتنا، وبهذه الصورة وصلنا هنا فأذنوا لنا بالإقامة فى بلادكم فترة وعندما يصل أبناء قومنا إلى هذا المكان سيبعثون عدة أشخاص إلى الإمام ليبحثوا ويتحروا عن بلاد مناسبة وعندما يرد هؤلاء سيرتحلون من هنا، وعلى كل حال فنحن نريد عونكم» وبذل سعيه بهذه الطريقة ليكتسب رضا أهالى مكة، إلا أن أهالى مكة الذين كانوا من الطوائف المتسلطة والجراهمة العصاة الذين كانوا اغتصبوا حجابة الكعبة من أيدى بنى إسماعيل وحكومتها واعتادت على أن تمنع القبائل التى لا تريدها من الدخول إلى أرض مكة فأعادوا ثعلبة خائبا إذ رفضوا طلبه.
وعندما اطلع عمرو مزيقيا على أفكار المكيين القاسية بعث ابنه مرة أخرى وهو يهدد قائلا: «مهما كان الأمر فإننى قد هيأت السبل والأسباب لقتال الجراهمة حتى آخر نفر من قبيلتى لأدخل مدينة مكة المعظمة!!» والتقى ثعلبة للمرة الثانية بأعيان الجراهمة وصناديدهم وافتتح كلامه ذاكرا أن والده قد تهيأ للحرب والقتال وقال: «لابد وأننا سنقيم فى بلدة مكة المفخمة المعظمة! إذا ما وافقتم على ذلك فإننا سنعرض عليكم مراسم شكرنا ونحمد لكم موقفكم! أما إذا أظهرتم الرفض والمخالفة والخصومة، سنستولى على مراعيكم وآباركم فى ظل قوة أدرعتنا وشجاعتنا وننتزع حكومة مكة الجليلة من أيديكم. ولن نعطى لأفراد قبيلتكم قطرة من الماء، إلا إذا رضيتم بشرب ما زاد عن حيواناتنا من مياه موحلة، أما إذا قابلتمونا بالمثل عندئذ سنشعل وطيس الوغى ونقاتلكم فنقهر أبطالكم وندمرهم ونكبل أطفالكم ونساءكم بالسلاسل» .
وردت طائفة الجراهمة ثعلبة بالرفض مرة أخرى مستندين على كثرة عددهم وقوة نفوذهم واحتضنوا أسلحتهم وحاربوا ثلاثة أيام ليلا ونهارا، ولكنهم انهزموا انهزاما غير منتظر وتشتتوا وتفرقوا.