الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به حتى لبس السواد، ورأيت من جهله أشياء أستحيي أن أذكرها.
ثم أعطته السعادة ما كان في الغيب، فجاء من أعرق الملوك بتدبير الممالك، وسياسة الرعايا، وكان وصوله إلى أخيه في سنة عشرين وثلاثمائة.
ذكر مقتل مرداويج
كان مقتله في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، وسبب ذلك أنه كان كثير الإساءة إلى الأتراك، وكان يقول: إن روح سليمان بن داود حلت فيه، وإن الأتراك هم المردة والشياطين، فإن أقهرهم «1» ، وإلا أفسدوا، فثقلت وطأته عليهم، فلما كان في ليلة الميلاد من هذه السنة، أمر بأن يجمع الحطب من الجبال والنواحى، وأن يجعل على جانبى الوادي المعروف بزندره «2» ، ويعمل مثله على الجبل المعروف «بكر ثم كوه» ، المشرف على أصفهان من أسفله إلى أعلاه بحيث إذا اشتعلت النيران يصير الجبل كله نارا، وعمل مثل ذلك بجميع الجبال والتلال التى هناك، وجمع النفط، ومن يلعب به، وجمع له أكثر من ألفى غراب وحدأة ليجعل في أرجلها النفط، وترسل لتطير في الهواء، وأمر بعمل سماط. عظيم كان فيه مائة فرس، ومائتا رأس من البقر مشوية صحاحا، وثلاثة آلاف رأس من الغنم شواء، غير
المطبوخ ومن الأوز والدجاج عشرة آلاف طائر، وما يناسب ذلك من الحلوى، وركب آخر النهار بغلمانه فطاف بالسماط، ونظر إليه، وإلى تلك الأحطاب، فاستحقر الجميع لسعة البرية، ولعن وغضب وعاد فدخل خركاه «1» ، وقام، فلم يجسر أحد أن يكلّمه، واجتمع الأمراء والقواد وغيرهم، وكادت الفتنة تقوم لخوفهم منه، فأتاه وزيره العميد، وتلطف به، وعرّفه ما الناس فيه، فخرج، وجلس على السّماط، وأكل ثلاث لقم، ونهب الناس الباقى، ولم يجلس للشراب، وعاد إلى مكانه، وأقام ثلاثة أيام لا يظهر، فلما كان في اليوم الرابع أمر بإسراج الخيل ليعود إلى منزله، فاجتمع خلق كثير [وشغبت]«2» الدواب مع الغلمان، وصهلت، ولعبت، فصار الغلمان يصيحون بها لتسكن، فاجتمع من ذلك أصوات هائلة مختلفة منكرة.
وكان مرداويج نائما، فاستيقظ، فسمع ذلك، وسأل عنه، فعرف صورة الحال، فازداد غضبا، وقال ما كفى من إخراق الحرمة ما فعلوه من نهب السماط، وما أرجفوا به حتى انتهى أمر هؤلاء الطلاب إلى هذا، وسأل عن أصحاب الخيل، فقيل: إنها للأتراك، وقد نزلوا للخدمة، فأمر أن تحط. السروج عن الدواب، وتوضع على ظهور أصحابها، ويأخذون بإرسال الدواب إلى الاصطبلات، ومن امتنع من ذلك ضربه الديلم، ففعلوا ذلك، فكانت صورة قبيحة أنفت منها نفوسهم. ثم ركب مع خاصته، وهو يتوعد الأتراك حتى صار إلى داره بعد العشاء بعد أن ضرب جماعة من أكابر الأتراك،
فاجتمعوا، وقالوا ما وجه صبرنا على هذا الشيطان، وتحالفوا على الفتك به، واتفق دخوله الحمام، وكان كورتكين يحرسه في حمامه وخلواته، فأمره في ذلك اليوم أن لا يتبعه، فتأخر مغضبا، وكان هو الذى يجمع الحرس، فلم يأمر الحرس باتباعه. وكان له خادم أسود يتولى خدمته بالحمام، فاستمالوه، فمال إليهم، وهجم الأتراك على الحمام، فقام أستاذ داره «1» ، وهو خادم، ليمنعهم، فضربه بعضهم بالسيف، فقطع يده، فصاح، فعلم مرداويج، فغلق باب الحمام، وتربسه بسرير كان يجلس عليه إذا غسل رأسه، فصعدوا السطح، وكسروا الجامات «2» ، ورموه بالنشاب، ثم كسروا باب الحمام، ودخلوا عليه، وقتلوه، وكان الذى جمع الناس على قتله توزون، وهو الذى صار أمير العساكر بالعراق، وياروق «3» ، ومحمد ابن ينال الترجمان، وبجكم «4» وهو الذى تولى إمرة العراق. قال:
ولما قتلوه أعلموا أصحابهم، فنهبوا قصره، وهربوا. هذا ولم يعلم بهم الديلم، فلما علموا ركبوا في آثارهم، فلم يلحقوا منهم إلا نفرا يسيرا، فقتلوهم، وعادوا، واجتمع رؤساء الديلم والجيل، وتشاوروا على من يقوم مقامه، فاجتمعوا على طاعة أخيه وشمكير.