الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بلاد خراسان، ووصل إلى غزنة في صحبة بعض المتصوفين، ثم لزم أبا على بن شادان متولّى الأمور ببلخ لداود والد السلطان ألب أرسلان، فحسنت حاله معه، وظهرت كفايته، وأمانته، وصار معروفا عندهم بذلك، فلما حضرت أبا على الوفاة أوصى ألب أرسلان به، فولاه شغله، ثم صار وزيرا له إلى أن ولى السلطنة، وتنقّل في الوزارة، فكانت وزارته ثلاثين سنة. هذا أحد ما قيل في ابتداء أمره.
وأما سيرته: فإنه كان عالما أديبا جوادا كثير الحلم والصفح عن المذنبين، وكان مجلسه عامرا بالفقهاء، والفقراء، وأئمة المسلمين، وأهل الخير والصلاح. أمر ببناء المدارس في سائر الأمصار والبلاد، وأجرى لها الجرايات العظيمة، وأسقط. المكوس والضرائب، وأزال لعن الأشعرية من على المنابر، فإن الوزير عميد الملك الكندرى كان قد حسّن للسلطان لعن الرافضة، وأضاف إليهم الأشعرية، وكان نظام الملك رحمه الله تعالى إذا سمع المؤذن أمسك عما هو فيه، ويجيبه، فإذا فرغ من الأذان لا يبدأ بشىء قبل الصلاة، وله من حسن الآثار ما هو موجود باق إلى وقتتا هذا رحمه الله تعالى.
ذكر وفاة السلطان ملكشاه وشىء من سيرته
كانت وفاته ببغداد في يوم الجمعة منتصف شوال سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وذلك أنه لما قتل الوزير نظام الملك كما قدمناه، سار السلطان إلى بغداد، فدخلها في الرابع والعشرين من شهر رمضان من السنة، وخرج في أوائل شوال إلى ناحية دجيل للصيد، فاصطاد
وحشا «1» وأكل من لحمه، فابتدأت به العلة، فعاد إلى بغداد، فتوفى ولم تشهد جنازته، ولا صلى عليه في الصورة الظاهرة، ولا هلب عليه ذنب فرس كعادة أمثاله من الملوك، ولا لطم عليه وجه، وحمل إلى أصفهان، ودفن بها في مدرسة له موقوفة على طائفة الشافعية، والحنفية.
قال: وكان مغرما بالعمارة، فحفر الكثير من الأنهار. وعمر الأسوار على كثير من البلاد، وصنع في طريق مكة مصانع، وكان كثير الصيد، وكانت السبل في أيامه آمنة ساكنة تسير القوافل مما وراء النهر إلى أقصى الشام، وليس معهما خفير، وحكى محمد ابن عبد الملك الهمذانى: أن السلطان «2» لما توجه لحرب أخيه تكش اجتاز بمشمد على بن موسى الرضا بطوس، فدخل ومعه نظام الملك الوزير فصليا، وأطال الدعاء، ثم قال لنظام الملك: بأى شىء دعوت قال: أن ينصرك الله، ويظفرك بأخيك، فقال: أما أنا ولم أدع بهذا، وإنما قلت اللهم انصر نفعنا للمسلمين والرعية، وحكى عنه حكايات تدل على محاسنه، وجودته، وخيره.
وكان قد قرر ملك البلاد لمماليكه، فجعل غلامه برسق يحارب الروم، فضايقهم حتى قرر عليهم ثلاثمائة ألف وثلاثين ألف دينار جالية، ثم توجه إلى القسطنطينية وحاصرها، وقرر عليهم ألف ألف دينار،