الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا معدل عنهم، فاستوزر أبا نصر أحمد، ولقب ألقاب أبيه قوام الدين نظام الملك صدر الإسلام، وحكّمه، ومكّنه، وقوى أمره.
ذكر قتل الأمير صدقة بن مزيد
«1»
كان مقتله في سنة إحدى وخمسمائة، وكان سب ذلك أنه قد عظم أمره، واشتهر ذكره، واستجار به الأكابر من الخلفاء، فمن دونهم، وأجار على الخلفاء والملوك، وكان ممن أكد أسباب «2» دولة السلطان محمد، وأقام في حقه، وعضده، وجاهر السلطان بركياروق بسببه «3» ، فلما استوثق الأمر للسلطان محمد، زاده على ما بيده من الإقطاع زيادة عظيمة، منها مدينة واسط، وأذن له في أخذ البصرة، ثم أفسد ما بينهما العميد أبو «4» جعفر محمد بن الحسن البلخى، وقال للسلطان: إن صدقة عظم أمره، وكثر إدلاله، وهو يحمى كلّ من يفر من السلطان، والتحق به، ونسبه إلى مذهب الباطنية، ولم يكن كذلك، وإنما تشيع، واتفق أن السلطان محمد سخط على أبى دلف سرخاب «5» بن كيخسرو صاحب ساوه، فهرب منه، وقصد صدقة، واستجار به فأجاره، فأرسل السلطان
يطلبه من صدقة، وأمره بتسليمه إلى نوابه، فلم يفعل، وأجاب:
إننى لأمكن منه بل أحامى عنه، أقول ما قاله أبو طالب لقريش لما طلبوا النبى صلى الله عليه وسلم:
ونسلمه حتى نصرّع حوله* ونذهل عن أبنائنا والحلائل وظهر منه أمور أنكرها السلطان، فتوجه السلطان إلى العراق، ليتلافى هذا الأمر، فلما سمع صدقة به، استشار أصحابه فيما يفعله، فأشار عليه ابنه دبيس أن ينفذه إلى السلطان، ومعه الأموال والخيل والتحف ليستعطفه، وأشار سعيد بن حميد صاحب جيش صدقة بحربه، وجمع الجند، وتفريق المال فيهم، واستطال في القول، فمال صدقة إلى قوله ووافقه «1» ، وجمع العساكر، فاجتمع له عشرون ألف فارس، وثلاثون ألف راجل، وأرسل الخليفة المستظهر بالله إلى الأمير صدقة، يحذره عاقبة أمره، وينهاه عن الخروج عن طاعة السلطان، فأجاب: إننى على الطاعة، لكن لا آمن على نفسى فى الاجتماع به، ثم أرسل السلطان إلى صدقة يطيب قلبه، ويبسط ويزيل خوفه، ويأمره بالانبساط على عادته، فأجاب: إن أصحاب السلطان قد أفسدوا قلبه علىّ، وغيرّوا حالى عنده، وزال ما كان عليه في حقى من الإنعام، وذكر سالف خدمته ومناصحته، وقال سعيد بن حميد صاحب جيشه: لم يبق لنا في صلح السلطان مطمع، وليرين خيولنا ببغداد «2» ، وامتنع صدقة من الاجتماع
بالسلطان، وكان السلطان وصل إلى بغداد جريدة في خيل، لا تبلغ ألفى فارس، فأرسل إلى جيوشه، فأتته من كل جهة، وتكررت الرسائل من الخليفة إلى صدقة، وهو يجيب: إننى ما خالفت الطاعة، ولا قطعت الخطبة، وجهز ابنه دبيسا، ليسير إلى السلطان، فبينما هو في ذلك إذ ورد الخبر أن طائفة من عسكر السلطان، قد وقعت الحرب بينهم وبين أصحاب صدقة، وأن عسكر السلطان انهزم، وأسر جماعة من أعيانهم، فأخر صدقة ابنه، ثم ترددت الرسائل من الخليفة إلى صدقة، يقول: إن إصلاح قلب السلطان موقوف على إطلاق الأسرى، ورد جميع ما أخذ من العسكر المنهزم، فأجاب أولا بالخضوع والطاعة، ثم قال: لو قدرت على الرحيل من بين يدى السلطان لفعلت، ولكن ورائى من يثقل ظهرى: ثلاثمائة امرأة لا يحملهن مكان، ولو علمت أننى إذا جئت للسلطان مستسلما قبلنى، واستخدمنى، لفعلت، ولكننى أخاف ألا يقبل عذرى، ولا يعفو، وأما ما نهب فإن الخلق كثير، وعندى من لا أعرفه، وقد نهبوا ودخلوا البر، ولا طاقة لى بهم، لكن إن كان السلطان لا يعارضنى فيما في يدى، ولا فيمن أجرته ويقر سرخاب «1» على إقطاعه بساوة، ويتقدم بإعادة ما نهب من بلدى. ويحلفه «2» وزير الخليفة بما أثق به من الأيمان، على المحافظة فيما بينى وبينه، فحينئذ أخدم بالمال، وأدوس «3» بساطه بعد ذلك، فعادت الرسائل بذلك «4» مع أبى منصور بن
معروف، وأصر صدقة على قوله، فعند ذلك سار السلطان في ثامن شهر رجب إلى الزعفرانية، وسار صدقة في عسكره إلى قرية مطر، وأمر جنده بلبس السلاح، واستأمن نائبه «1» سلطان بن دبيس وهو ابن»
عم صدقة إلى السلطان، فأكرمه، وعبر السلطان «3» إلى دجلة، ولم يعبر هو، فصاروا هم وصدقة في أرض واحدة، بينهما نهر، والتقوا في تاسع عشر شهر رجب، وكانت الريح في وجوه أصحاب السلطان، فلما التقوا صارت في وجوه أصحاب صدقة، ورمى الأتراك بالنشاب، فكان يخرج في كل رشقة سبعة عشر ألف فردة، لا تقع إلا في فارس أو فرس، فكان أصحاب صدقة إذا حملوا منعهم النهر، والنشاب يصل إليهم، وحمل صدقة على الأتراك، وجعل يقول: أنا صدقة، أنا ملك العرب «4» فأصابه سهم في ظهره، وأدركه غلام اسمه برغش، فتعلق في صدقة وهو لا يعرفه، فسقطا جميعا إلى الأرض، فعرفه صدقة، وقال: يا برغش أرفق، فضربه بالسيف، فقتله، وأخذ رأسه وحمله إلى البرسقى «5» ، فحمله إلى السلطان، فلما رآه عانقه، وأمر لبرغش بصلة، وبقى صدقة طريحا، إلى أن سار السلطان، فدفنه إنسان من المدائن، وكان عمر صدقة تسعا وخمسين سنة، وكانت إمرته إحدى وعشرين سنة،
وحمل رأسه إلى بغداد، وقتل من أصحابه ما يزيد على ثلاثة آلاف فارس، وأسر ابنه دبيس، وسرخاب بن كيخسرو الديلمى، فأحضر بين يدى السلطان، فطلب الأمان، فقال السلطان: أنا عاهدت الله أنى لا أقتل أسيرا، فإن ثبت عليك أنك باطنى قتلتك. قال: ونهب من أموال صدقة ما لا يحد ولا يوصف.
وكان له من الكتب المنسوبة الخطوط ألوف مجلدات، وكان يقرأ ولا يكتب، وكان جوادا حليما، صدوقا، كثير البشر والخير والإحسان، يلقى لمن يقصده بالبشاشه والفضل، ويبسط آمال قاصديه، ويزورهم، وكان عاقلا، عفيفا، دينا، حاز الأوصاف الجميلة، رحمه الله تعالى.
قال: ولما قتل صدقة عاد السلطان إلى بغداد، ولم يصل الحلة، وأرسل أمانا لزوجة صدقة، فأصعدت إلى بغداد، فأطلق السلطان ابنها دبيسا، وأنفذ معه جماعة من الأمراء لتلقيها، فلما جاءت اعتذر السلطان إليها من قتل صدقة، وقال: وددت أنه حمل إلى حتى كنت أفعل معه ما يعجب الناس منه، لكن الأقدار غلبتنى عليه، واستحلف ابنها دبيسا أنه لا يسعى بفساد.
وفي سنة إحدى وخمسمائة في شعبان أطلق السلطان الضرائب والمكوس، ودار البيع، [والإجتيازات]«1» ، وغير ذلك، مما يناسبه بالعراق، وفيها خرج السلطان إلى أصفهان، وكان مقامه ببغداد، فى هذه الدفعة خمسة أشهر وسبعة عشر يوما.
وفي سنة اثنتين وخمسمائة استولى مورود، وعسكر السلطان على الموصل، وكان جاولى سقاوة قد تغلب عليها، فأخذت منه، بعد حرب وحصار، ثم عاد جاولى إلى خدمة السلطان.
وفي سنة ثلاث وخمسمائة سيّر السلطان وزيره نظام الملك أحمد ابن نظام الملك إلى قلعة ألموت، لقتال الحسن بن الصباح، ومن معه من الإسماعلية، فحصرهم، وهجم الشتاء عليهم، فعادوا، وفيها فى شهر ربيع الآخر توجه الوزير نظام الملك إلى الجامع، فوثب عليه الباطنية، وضربوه بالسكاكين، فجرح في رقبته، فمرض مدة وبرأ، وأخذ الباطنى، فسقى الخمر حتى سكر، وسئل عن أصحابه، فأقر على جماعة بمسجد المأمونية، فقتلوا، وفيها عزل الوزير نظام الملك، واستوزر بعده الخطير محمد بن الحسين.
وفي سنة خمس وخمسمائة بعث السلطان الجيوش لقتال الفرنج، وكانوا قد استولوا على البلاد، ففتحوا عدة حصون للفرنج، وقتلوا من بها منهم، وحصروا مدينة الرّها، ثم رحلوا عنها.
وفي سنة تسع وخمسمائة أقطع السلطان محمد الموصل، وما كان بيد آق سنقر البرسقى للأمير جيوش «1» بك، وسير معه ولده الملك مسعود بن محمد.