الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو في أعداد كثيرة فقهرناه، وأخذنا مملكتة بخوارزم، وهرب بين أيدينا إلى خمسمائة فرسخ من موضعه، فظفرنا به، وأسرناه، وقتلناه، واستولينا على ممالك خراسان، وسجستان، وصرنا ملوكا متبوعين، بعد أن كنا أصاغر تابعين، وما تقتضى نعم الله علينا أن نقابلها بهذه المقابلة، فقال طغرلبك: قل له في الجواب:
يأخى أنت ملكت خراسان، وهى بلاد عامرة، فخربتها، ووجب عليك مع استقرار قدمك عمارتها، وأنا وردت بلادا أخربها من تقدمنى، واجتاحها من كان قبلى، فما أتمكن من عمارتها، والأعداء محيطة بها، والضرورة تقود إلى طرقها بالعساكر، فلا يمكن دفع مضرتهم عنها.
ولداود مناقب كثيرة، وكان له من الأولاد: ألب أرسلان، وياقوتى، وسليمان، وقاورد بك. ولما مات ملك بعده ابنه ألب أرسلان، وتزوج طغرلبك بزوجة أخيه داود، وهى والدة سليمان، ووصّى له بالملك بعده، وفي سنة اثنين وخمسين توفيت زوجة السلطان طغرلبك، فوجد عليها وجدا شديدا، ونقل تابوتها إلى الرى.
ذكر زواج السلطان طغرلبك بابنة الخليفة
وفي سنة أربع وخمسين وأربعمائة عقد السلطان طغرلبك على ابنة الخليفة القائم بأمر الله، وكانت الخطبة تقدّمت في سنة ثلاث وخمسين، مع أبى سعيد «1» قاضى الرى، فانزعج الخليفة من ذلك،
[وأرسل]«1» فى الجواب أبا محمد التميمى، وأمره أن يستعفى، فإن أعفى والآكمّ الأمر، على أن يحمل السلطان ثلاثمائة ألف دينار، ويسلم «واسط» وأعمالها، فلما وصل إلى السلطان ذكر لعميد الملك الكندرى الوزير ما ورد فيه من الاستعفاء، فقال: لا يحسن أن يردّ السلطان، وقد سأل وتضرّع، ولا يجوز أيضا مقابلته بطلب الأموال والبلاد، فهو يفعل أضعاف ما طلب منه، فقال له:
التميمى: الأمر لك، ومهما فعلته فهو الصواب. فبنى الأمر على الإجابة، وطالع به السلطان، [فسرّ به]«2» وجمع الناس، وعرفهم أن همّته قد سمت إلى الإتصال بهذه الجهة النبوية، وبلغ من ذلك ما لم يبلغه سواه من الملوك، وتقدّم إلى الوزير عميد الملك أن يسير، ومعه أرسلان خاتون ابنة أخيه داود، وهى زوجة الخليفة القائم بأمر الله، وأن يصحبها مائة ألف دينار برسم «3» الجمل، وما شاكلها من الجواهر، وغيرها، ووجه معه فرامرز «4» بن كاكويه، وغيره من وجوه الأمراء، وأعيان الرى، فلما وصلوا امتنع الخليفة من الإجابة، وقال: إن أعفينا، وإلا خرجنا من بغداد، فقال عميد الملك:«كان الواجب الامتناع من غير اقتراح وعد «5» الإجابة إلى ما طلب، فالامتناع سعى على دمى» ، وأخرج خيامه إلى النهروان فاستوقفه قاضى القضاة، والشيخ أبو منصور بن يوسف فانهيا إلى
الخليفة عاقبة انصرافه، فكتب الخليفة إلى عميد الملك يقول:
نحن نرد الأمر إلى رأيك، ونعوّل على أمانتك ودينك، فحضر يوما عند الخليفة، ومعه جماعة من الأمراء، والحجّاب، والقضاة والشهود، فتكلم، وقال للخليفة: أسأل مولانا أمير المؤمنين، التطوّل بذكر ما شرف به العبد المخلص شاهنشاه ركن الدين فيما رغب ليعرفه الجماعة، فغالطه، وقال: قد سطر في المعنى ما فيه كفاية، فانصرف عميد الملك، ورحل في السادس والعشرين من جمادى الآخرة، وأخذ المال معه إلى همذان، فكتب السلطان إلى قاضى القضاة، وإلى الشيخ أبى منصور بن يوسف يعتب، ويقول:
هذا جزائى من الخليفة الذى قتلت أخى في خدمته، وأنفقت مالى فى نصرته، وأهلكت خواصّى في محبته، وأطال العتاب، فعاد الجواب بالاعتذار، وطلب السلطان طغرلبك ابنة أخيه زوجة الخليفة؛ لتعاد إليه، وجرى ما كاد يقضى إلى الفساد الكلى، فلما رأى الخليفة شدّة الأمر أذن في ذلك، وكتب الوكالة باسم عميد الملك الوزير، وكان العقد في شعبان سنة أربع وخمسين بظاهر تبريز، وهذا ما لم يجر مثله، فإن بنى بويه مع تحكّمهم على الخلفاء ما طمعوا بمثل هذا، وحمل السلطان أموالا كثيرة، وجواهر نفيسة للخليفة، ولولى العهد، وللجهة المطلوبة، ولوالدتها، وغيرهم.