الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر فتح سومنات
«1»
وفي سنة ست عشرة وأربعمائة فتح يمين الدولة عدة حصون ومدن من بلاد الهند، وأخذ الصنم المعروف بسومنات، وهو أعظم أصنام الهند، وكانوا يحجّون إليه كلّ ليلة خسوف، فيجتمع عنده ما ينوف على ألف «2» إنسان، وزعم الهنود أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت «3» إليه فينشئها فيما ينشأ، وأن المدّ والجزر إنما هو عادة للبحر ويحملون إليه كلّ علق نفيس، ويعطون سدنته الأموال الجليلة، وفيه من نفيس الجواهر ما لا تحصى قيمته، وبينه وبين نهر الكنك الذى تعظّمه الهنود نحو مائتى فرسخ يتحملون من ماء هذا النهر إلى سومنات ماء يغسل به في كل يوم، وعنده من البراهمة ألف رجل لعبادته، وتقديم الورّاد إليه، وثلاثمائة رجل تحلق رءوس زواره ولحاهم، وخمسمائة رجل، وخمسمائة امرأة يغنّون، ويرقصون على باب الصنم، ولكلّ منهم في كل يوم شىء معلوم، وكان لسومنات من الضّياع الموقوفة عليه ما يزيد على عشرة آلاف ضيعة. قال: وكان يمين الدولة كلّما فتح فتحا من بلاد الهند، وكسر أصناما، تقول الهنود:«إنا هذه الأصنام قد سخط عليها سومنات، ولو أنّه راض عنها لأهلك من تقصدها بسوء» ، فلما بلغ ذلك يمين الدولة عزم على غزوه، وإهلاكه لعل الهنود إذا فقدوه، ورأوا دعاواهم باطلة
دخلوا في دين الإسلام؛ فاستخار الله تعالى، وسار من غزنة في عاشر شعبان من هذه السنة في ثلاثين ألف فارس من عساكره سوى المتطوعة، وسلك طريق الملتان فوصلها في منتصف شهر رمضان، وفي طريقه إلى الهند قفار لا تسلك، لا ماء فيها ولا ميرة، فحمل ما يحتاج إليه هو وعسكره، وزاد بعد الحاجة عشرين ألف جمل، تحمل الماء والميره، وقصد «1» أنهلوارة، فلما قطع المفازة رأى في طريقها حصونا مشحونة بالرجال فيسّر الله فتحها عليه، وامتار منها، وسار إلى أنهلوارة، فوصلها في مستهل ذى القعدة، فهرب عنها صاحبها المدعو نهيم، وقصد حصنا له يحتمى به، فاستولى يمين الدولة على المدينة وسار إلى سومنات، فلقى في طريقه عدة حصون بها كثير من الأوثان تشبه الحجّاب والنقباء لسومنات، فقاتل من بها، وفتحها وخربّها وكسر أصنامها، وسار «2» منها إلى مفازة قفر قليلة المياه، فلقى فيها عشرين ألف مقاتل من سكانها لا يدينون لملك، فهزمهم، وغنم مالهم، وامتار من عندهم، وسار حتى بلغ دبو الواره «3» ، وهى على مرحلتين من سومنات، وقد ثبت
أهلها ظنا منهم أن سومنات «1» يمنعهم، ويدفع عنهم، فاستولى عليها، وقتل رجالها، وغنم أموالها، وسار عنها، فوصل إلى سومنات فى يوم الخميس منتصف ذى القعدة، فرأى حصنا حصينا على ساحل البحر تبلغه أمواجه، وأهله على الأسوار ينظرون المسلمين، فلما كان الغد، وهو يوم الجمعة زحف، وقاتل حتى قارب السور، فصعده المسلمون. هذا والهنود تتقدم إلى سومنات، وتعفّر وجوهها في الأرض وتسأله النصر، واستمر القتال إلى الليل، ثم بكر المسلمون إليهم، وقاتلوهم، فأكثروا في الهنود، وأزاحوهم عن المدينة، فالتجئوا إلى بيت صنمهم، فقاتلوا على بابه أشد قتال، فكان الفريق منهم بعد الفريق يفرون إلى الصنم، فيستغيثون به، ويبكون، ويتضرعون إليه، ويخرجون، فيقاتلون إلى أن يقتلوا حتى كاد الفناء يستوعبهم وبقى منهم شرذمة دخلوا البحر في مركبين لهم، فأدركهم المسلمون فقتلوا بعضهم، وغرق بعضهم.
وأما البيت الذى فيه سومنات، فإنه مبنى على ست وخمسين سارية من الساج المصفح بالرصاص، وسومنات حجر طوله خمسة أذرع، ثلاثة مدوّرة ظاهرة، وذراعان في البناء، وليس هو بصورة مصوّرة، فكسره يمين الدولة، وأحرق بعضه، وأخذ بعضه معه إلى غزنة، فجعله عتبة لباب الجامع، وكان بيت الصنم مظلما، وإنما كان الضوء فيه من قناديل الجوهر، وكان عنده سلسلة ذهب فيها جرس وزنها مائتا منّ كلما مضت طائفة من
البراهمة من عبادتهم حركوا الجرس، فتأتى طائفة أخرى، وعنده خزانة فيها عدة كثيرة من الأصنام الذهب والفضة وعليها الستور «1» المزصعة بالجوهر. كل منها منسوب إلى عظيم من عظماء الهند، وقيمة ما في البيوت يزيد على عشرين «2» ألف دينار، فأخذ الجميع وكانت عدة القتلى تزيد على خمسين ألف قتيل، ثم ورد الخبر على يمين الدولة أن نهم صاحب أنهلوارة قصد قلعة تسمى كندهة، فى البحر بينها وبين البر من جهة سومنات أربعون فرسخا، فسار يمين الدولة من سومنات، فلما حاذى القلعة رأى صيادين، فسألهم عن خوض البحر هناك «3» ، فقالوا إنه ممكن، ولكن إذا تحرك الهواء غرق من فيه، فاستعان بالله تعالى، وخاض هو ومن معه، فسلموا، فرأوا نهيم قد فارق القلعة، وأخلاها، فعاد عنها، وقصد المنصورة، وكان صاحبها قد ارتدّ عن الإسلام، ففارقها واحتمى [بغياض]«4» منيعة، فأحاط يمين الدّولة بتلك الغياض؛ فقتل أكثر من بها من الهند وغرق بعضهم ولم ينج منهم إلا القليل، ثم سار إلى بهاطية فأطاعه أهلها، فرحل إلى غزنة، فوصلها في عاشر صفر سنة سبع عشره وأربعمائة، فكانت غيبته فى هذه الغزوة ستة شهور.