الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلطان الأرض ويد الخليفة، وأجلس على كرسى، فقال الخليفة لرئيس الرؤساء: قل له إن أمير المؤمنين شاكر لسعيك، حامد لفعلك، مستأنس بقربك، وقد ولّاك جميع ما ولّاه الله من بلاده، ورد إليك مراعاة عباده، فاتّق الله فيما ولّاك، واعرف نعمته عليك في ذلك، واجتهد في نشر العدل، وكف الظلم، وإصلاح الرعية، فقبّل الأرض، وأمر الخليفة بإفاضة الخلع عليه، فقام إلى موضع لبسها فيه، وعاد فقبل يد الخليفة، ووضعها على عينيه، وخاطبه الخليفة بملك المشرق والمغرب، وأعطى العهد، وخرج، فأرسل إلى الخليفة هدية كبيرة، منها خمسون ألف دينار، وخمسون مملوكا أتراكا، من أجود ما يكون بخيولهم وسلاحهم، وغير ذلك من الثياب، وغيرها.
ذكر مفارقة ابراهيم ينال الموصل وما كان من أمره الى أن قتل
وفي سنة خمسين وأربعمائة فارق إبراهيم ينال الموصل، وتوجه نحو بلاد الجبل، فنسب السلطان رحيله إلى [العصيان]«1» وأرسل إليه يستدعيه، وبعث الفرجية التى خلعها عليه الخليفة، وكتب الخليفة أيضا إليه كتابا، فرجع إبراهيم إلى السلطان، وهو ببغداد، فخرج الوزير الكندرى «2» لاستقباله، وأرسل الخليفة إليه الخلع، ولما فارق إبراهيم الموصل استولى عليها البساسيرى، كما قدمناه،
فسير السلطان إليها جريدة في ألفى فارس، وكان قد فرق عساكره بسبب النوروز، ففارقها البساسيرى ومن معه، فسار السلطان إلى نصيبين، ليتبع آثارهم، ويخرجهم من البلاد، ففارقه أخوه إبراهيم ينال، وسار نحو همذان، فوصل إليها، لأربع بقين من شهر رمضان سنة خمسين وأربعمائة، وقد قيل: إن المستنضر كاتبه، وكاتب البساسيرى، وأطمعه في السلطنة والبلاد، ففعل ذلك، وسار السلطان في أثره، وهو في قلّة من العسكر، وكان إبراهيم قد اجتمع له كثير من الأتراك، وحلف لهم أنه لا يصالح أخاه طغرلبك، ولا يكلّفهم المسير إلى العراق، فلم يقو السلطان «1» له، وأتى إلى إبراهيم محمد، وأحمد ابنا أخيه [أرتاش]«2» في خلق كثير، فازداد بهم قوة، وازداد طغرلبك ضعفا، فانزاح بين يديه إلى الرى، وكاتب ألب أرسلان، وياقوتى [وقاورد]«3» بك أولاد أخيه، وكان داود قد مات على ما نذكره، وملك بعده ابنه أرسلان خراسان، واستدعاهم، فقدموا إلى عمّهم طغرلبك بالعساكر الكثيرة، فلقى إبراهيم بالقرب من الرى، فانهزم إبراهيم، ومن معه، وأخذ أسيرا هو، ومحمد، وأحمد ابنا أخيه، فأمر السلطان به، فخنق بوترقوسه في تاسع جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين، وقتل ولدى أخيه، وفي أثناء هذه السنة عند اشتغال السلطان طغرلبك بحرب أخيه إبراهيم، استولى
البساسيرى على بغداد، وأخرج الخليفة منها، وكان ما قدمناه في أخبار القائم بالله، وكان إبراهيم ينال قد خرج على أخيه مرارا، وهو يقدر عليه، ويعفو عنه، وإنما قتله في هذه الواقعة لأنه علم أن الذى جرى على الخليفة كان بسببه، ولما فرغ طغرلبك من أمر أخيه، عاد إلى العراق، وأعاد الخليفة إلى بغداد، وكان ما قدمناه من مقتل البساسيرى.
ذكر وفاة جغرى «1» بك داود صاحب خراسان، وملك ابنه ألب أرسلان
كانت وفاته في شهر رجب سنة إحدى وخمسين، وقيل في صفر سنة اثنين وخمسين وأربعمائة، وعمره نحو سبعين سنة، كان له خراسان، وكان حسن السيرة معترفا بنعمة الله عليه، شاكرا عليها؛ فمن ذلك أنه أرسل إلى طغرلبك مع عبد الصمد قاضى سرخس، يقول:
قد بلغنى إخرابك للبلاد التى فتحتها وملكتها، وجلاء أهلها عنها، وهذا ما لا خفاء به في مخالفة أمر الله تعالى، فى بلاده وعباده، وأنت تعلم ما فيه من سوء السمعة، وإيحاش الرعية، وقد علمت أننا لقينا أعداءنا، ونحن في «2» ثلاثين رجلا، وهم في ثلاثمائة، فغلبناهم، ثم كنا في ثلاثمائة، وهم في ثلاثة آلاف، فغلبناهم، ثم كنا في ثلاثة آلاف، وهم في ثلاثين ألفا، فدفعناهم، وقاتلنا بالأمس شاه ملك،