الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وفاة السلطان سنجرشاه، وشىء من أخباره وسيرته
كانت وفاته في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، أصابه قولنج بعد ذرب، فمات منه، ودفن بقبة بناها لنفسه، وسماها دار الآخرة، وكان مولده بسنجار في الخامس والعشرين من شهر رجب سنة سبع وسبعين وأربعمائة، فكان عمره أربعا وسبعين سنة وثمانية أشهر، ومدة ملكه- منذ سلم له أخوه السلطان بركياروق خراسان، فى خامس جمادى الأولى سنة تسعين وأربعمائة، وإلى هذا التاريخ- إحدى وستين سنة وعشرة أشهر وأياما، ومنذ استقل بالسلطنة، بعد وفاة أخيه محمد نحوا من أربعين سنة، ولم يزل أمره عاليا إلى أن أسره الغز، كما ذكرناه، وكان من أكابر الملوك، وعظمت مملكته، ملك من «1» نهاوند، وغزنة، وسمرقند، إلى خراسان، وطبرستان، وكرمان، وسجستان، وأصفهان، وهمذان، والرى، وأذربيجان، وأرمينية، ودانية، والعراق، وبغداد، والموصل، وديار بكر، وربيعة، ومضر، والجزيرة، والشام، والحرمين، وخطب له على منابرها، وضربت السكة باسمه، فى هذه الأقاليم وبلادها، ووطئت ملوكها بساطه، وكان من أعظم الملوك همة، وأكثرها عطاء، ذكر عنه أنه اصطبح خمسة أيام متواليات، ذهب فى الجود بها كل مذهب، فبلغ ما أعطاه من العين سبعمائة ألف أحمر، غير ما وهب من الخيول، والخلع، وغيرها، وفرق في يوم واحد ألف
ثوب أطلس، واجتمع في خزانته ما لم يسمع أنه اجتمع في غيره من الأكاسرة، قال الشيخ جمال الدين أبو الحسن على بن أبى المنصور ابن ظافر بن حسين الأزدى، صاحب كتاب الدول المنقطعة: صح عند جميع الناس أن الجوهر الذى اجتمع عنده كان وزنه ألفا وثلاثين رجلا، قال: وكان لسنجر مماليك اختصهم بالمحبة؛ فكان يشترى أحدهم بما قام في نفسه، ويهواه ويسعده حتى إذا بقل عذاره، سلاه وجفاه، وطرده، أو قتله؛ فمنهم سنقر الخاص، كان لصيرفي اشتراه السلطان بألف ومائتى دينار ركنية، وتشريف، فبلغ مبلغا عظيما؛ حكى عنه عبد العزيز صاحب خزائنه [عن]«1» غرامه بسنقر هذا، قال: استدعانى السلطان، وقال لى: أنت تعلم أن سنقر الخاص؟؟؟ دقنى، التى أنظر بها، وقلبى الذى أفهم به، وهذه خزائنى تحت؟؟؟ بدك، وحمول غزنة، وخوارزم قد وصلت، وأريد أن تصير له سرادقا كسرادقى، وخيلا مثل خيلى، وتشترى له ألف مملوك يمشون في ركابه، وتحل إقطاع من تراه، وتضيفه إليه، وتعمل له خزانه كخزانتى، وأريده يكون صاحب عشرة آلاف فارس، وحثّنى على ذلك، فشرعت فى ترتيبه «2» ، وكلته في مقدار عشرين يوما، فأنفقت عليه سبعمائة ألف دينار ركنية، سوى ما نقلته من الخزائن ومن الجواهر والثياب، وغير ذلك، وأخبرت السلطان به فسره، وشكرنى عليه، وفوض إلى أمر خزانته، مضافا إلى الخزانة، ولم يمض سنيات حتى
احضرّ عذاره فسلاه السلطان، وتمادى هو في بسطه، [وأساءت]«1» على أكابر الأمراء، فتهدده، فلم يلتفت، فأمر الأمراء بقتله إذا دخل عليه، فقتلوه بالسيوف.
وممن بلغ عنده مبلغا لم يبلغه أحد قبله، الأمير المغترب اختيار الدين جوهر التاجى الخادم، كان خادما لوالدة السلطان سنجر، فلما توفيت في شوال سنة عشر وخمسمائة انتقل إليه، فشغف به، وغلب حبه عليه، وارتفع إلى حد لم يرتفع إليه غيره، وبلغت عدة عسكره ثلاثين ألف فارس، وكان أمره لا يرد، وإذا ركب مشى الأمراء في ركابه، وإذا جلس وقفوا، حتى يأذن لهم، وأعطاه الرى، ثم مله بعد ذلك، وكرهه، ودس عليه بعض الباطنية، فقتله غيلة.
قال: ولما مات السلطان سنجر انقطع استبداد السلجقية بمملكة خراسان، واستولى عليها خوارزم شاه أتسز بن محمد، على ما نذكره إن شاء الله تعالى في أخباره.
وزراؤه: العميد أبو الفتح بن أبى الليث إلى أن قتل في يوم عاشوراء سنة خمسمائة، واستوزر بعده ولده صدر الدين محمد إلى أن قتل ببلخ، فى الثالث والعشرين من ذى الحجة سنة إحدى عشرة وخمسمائة. قتله قايماز مملوك السلطان، الذى كان يهواه، فقتله به، واستوزر أبا جعفر محمد بن فخر الملك أبى المظفر بن الوزير نظام الملك، ثم قتله كما قدمناه، واستوزر بعده الوزير شهاب الإسلام عبد الدوام ابن إسحاق، أخى نظام الملك، إلى أن توفى بسرخس، فى يوم
الخميس سابع المحرم سنة خمس عشرة وخمسمائة، واستوزر بعده الوزير بغاى بك الكاشغرى، فأحسن التدبير، وكان أعور، فصرفه فى نصف صفر سنة ثمان عشرة، واستوزر بعده معين الدين مختص القاشانى، فقتله الباطنية، فى تاسع عشر صفر سنة إحدى وعشرين، فاستوزر نصير الدين أبا القاسم محمود بن أبى توبة المروزى، وكان من أفضل الوزراء، وأجملهم سيرة، وأحسنهم طريقة، [وأغزرهم «1» ] أدبا وعلما، وكثر في أيامه أهل العلم والأدب، وصرف في سنة ست وعشرين، واستوزر الوزير القوام أبا القاسم «2» الدزكزينى، واستمر فى وزارته إلى أن توفى، فى ذى الحجة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.
قال: ولما حضرت السلطان سنجر الوفاة استخلف على خراسان الملك محمود بن محمد بغراخان، وهو ابن أخت السلطان، ولم يكن من السلجقية، وإنما هو من أولاد الملوك الخانية، فأقام بها خائفا من الغز، وبقيت خراسان على هذا الاختلاف، إلى سنة أربع وخمسين، وخمسمائة، ثم راسله الغز، وسألوه أن يملكوه عليهم، فالتحق بهم، ثم خلع في جمادى الآخرة سنة ست وخمسين، وسمل، وإنما أوردنا اسمه هاهنا، على سبيل الاستطراد؛ ولأن سنجر عهد إليه بالملك بعده.
انتهت أخبار الدولة السلجقية بخراسان وما يليها، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
كمل الجزء الرابع والعشرون من كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب للنويرى رحمه الله، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.