الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النقباء رسول الخليفة أن يخرج إليه، ويعلمه أنه لبس بخلع الخليفة واستعفاه من الحضور، فقال: لا بد من حضوره، وأن يبطل الأذان بحى على خير العمل، فامتنع محمود، واشتد الحصار على البلد، وغلت الأسعار، وزحف السلطان يوما، فوقع حجر منجنيق [على]«1» فرسه، فلما عظم الأمر على محمود صاحب حلب خرج ليلا هو وأمه، ودخلا على السلطان، وقالت له: هذا ولدى تفعل به ما تحب، فتلقاهما بالجميل، رأحسن إلى محمود، وخلع عليه، وأعاده.
ذكر خروج ملك الروم الى خلاط وأسره
ولما عاد السلطان من حلب وصل إلى مدينة «خوىّ» من أذربيجان، فبلغه خروج أرمانوس ملك الروم في مئتين ألوف من الروم، والفرنج والعرب المتغره «2» ، والكرج، والروس، وغيرهم من طوائف تلك البلاد، وأنه وصل إلى بلاد «خلاط» ، فلم يتمكن السلطان من جمع العساكر لبعدها، وقرب العدو، فسيّر أثقاله مع نظام الملك إلى همذان، وسار هو، فيمن معه من العسكر، وهم خمسة عشر ألف فارس «3» ، وجد في السير، وجعل له مقدمة، فالتقت بمقدمة العدو، وهم عشرة آلاف فارس من الروس، فقاتلوهم، فانهزم الروس، وأسر مقدمهم، وحمل إلى السلطان، فجدع أنفه، وأرسل إلى ملك الروم يطلب منه المهادنة، فأجاب: لا هدنة إلا «بالرى» ،
فلما كان يوم الجمعة بعد الصلاة ركب السلطان، وقال لأصحابه:
من أراد الانصراف، فالينصرف، فما هاهنا سلطان يأمر وينهى، وبكى، وأبكى، ورمى القوس والنشاب، وأخذ السيف والدبوس، وعقد ذنب فرسه بيده، وفعل عسكره مثله، ولبس البياض، وتحنط، وقال: إن قتلت، فهذا كفنى، وذلك لخمس بقين من ذى القعدة سنة ثلاث وستين، وزحف إلى الروم، وزحفوا له، فلما قاربهم ترجّل، وعقر وجهه في التراب، وبكى، وأكثر من الدعاء، ثم ركب وحمل، فأعطى الله النصر للمسلمين، فقتلوا من العدو ما لا يحصى كثرة، وأسر ملك الروم، أسره بعض غلمان كوهراتين، ولم يعرفه، وأراد قتله، فقال له خدم معه: هذا الملك لا تقتله، وكان هذا الغلام قد عرض على عضد الدولة، فلم يجز عرضه استحقارا له، فشكره كوهراتين، فقال نظام الملك: عسى أن يأتينا بملك الروم أسيرا، فكان كذلك، فلما أسره الغلام أحضره إلى مولاه كوهراتين، فأحضره إلى السلطان، فضربه السلطان ثلاث ضربات بالمقرعة، وقال: ألم أرسل إليك في الهدنة، فأبيت، فقال: دعنى من التوبيخ، وافعل ما تريد، فقال السلطان: ما عزمت أن نغفل بى إن أسرتنى؟ فقال: كنت أفعل كل قبيح، قال:
فما تظن أنى أفعل معك؟ فقال: إما أن تقتلنى، وإما أن تشهرنى في البلاد، والأخرى بعيدة، وهى العفو، وقبول الأموال، واصطناعى باتباعك، وقال: ما عزمت على غير هذا، ففدى نفسه بألف ألف وخمسمائة ألف دينار، وقطيعة في كل سنة ثلاثمائة ألف وستين ألف
دينار، وإطلاق كل أسير في بلاد الروم من «1» المسلمين، وأن ينفذ إليه عساكر الروم متى طلبها، واستقر الأمر على ذلك، وأنزله السلطان في خيمة، وأطلق له جماعة من أسر من البطارقة، وخلع عليه من الغد، وأرسل إليه عشرة آلاف دينار يتجهز بها، وقام ملك الروم إلى جهة الخليفة، وكشف رأسه، وأومأ إلى الأرض بالخدمة، ثم جهز السلطان معه عسكرا يوصله إلى مأمنه، وشيّعه فرسخا، وأما الروم فلما بلغهم خبر الوقعة وثب ميخائيل على المملكة، وملك البلاد، فلما وصل أرمانوس الملك إلى قلعة دوفنه «2» ، بلغه الخبر، فلبس الصوف، وأظهر الزهد، وأرسل إلى ميخائيل يعرفه ما تقرر بينه وبين السلطان، فأجاب ميخائيل بإيثار ما استقر، وجمع أرمانوس ما عنده من المال، فكان مائة ألف دينار «3» ، وطبق عليه جواهر بتسعين ألف دينار، فحمل ذلك إلى السلطان، وحلف أنه لا يقدر على غيره، ومضى أرمانوس بمن معه إلى بلاد الأرمن، فملكها، وقتل ملكها، وأرسل رأسه إلى بغداد، ودعا للسلطان بها.
ذكر ملك أتسز بيت المقدس «1» والرملة ودمشق
وفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة قصد [أتسز بن أوق]«2» الخوارزمى، وهو من أمراء السلطان ملكشاه، فجمع الأتراك، وسار إلى فلسطين، ففتح الرملة، وسار منها إلى بيت المقدس «3» ، وحصره، وفيه عساكر المصريين، ففتحه، وملك ما يجاورهما «4» من البلاد ما عدا عسقلان، وقصد دمشق، فحصرها، وتابع النهب لأعمالها حتى خرّبها، وقطع الميرة عنها، ولم يقدر عليها، ثم فتحها في سنة ثمان وستين وأربعمائة في سلطنة ملكشاه في خلافة المقتدى، وذلك أنه جعل يغير عليها في كل سنة، ويقصد أعمالها عند إدراك المغل «5» ، فيقوى هو وعسكره، ويضعف أهل دمشق وجندها، ثم حصر دمشق في شهر رمضان سنة سبع وستين، وأميرها يوم ذاك المعلّى بن حيدره من قبل المستنصر صاحب مصر، فعجز عن فتحها، فانصرف عنها في شوال، واتفق أن أميرها المعلى أساء المسيرة مع الجند والرعية، فثار به العسكر، فهرب إلى «بانياس» ، ثم منها إلى «صور» ، ثم سار إلى مصر، فحبس بها حتى مات، ولما هرب من دمشق اجتمعت