الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الخطبة لملكشاه بن السلطان بركياروق ببغداد
قد ذكرنا وصيّة والده له بالملك، واستخلافه الأمراء، وتقرير قواعده، وإنفاذه إلى بغداد. قال: ولما جاءه الخبر بوفاة أبيه، سار به أتابكه الأمير إياز، وإيلغازى شحنة بغداد، ودخلا به إلى بغداد، وخطب له [بجوامعها]«1» فى شهر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، ولقب بألقاب جدّه جلال الدولة، ونشرت الدنانير على الخطباء، ثم قدم عمه السلطان محمد على ما نذكره.
ذكر أخبار السلطان محمد
هو غياث الدين أبو شجاع محمد طبر يمين أمير المؤمنين ابن السلطان جلال الدولة ملكشاه ابن السلطان عضد الدولة ألب أرسلان محمد بن داود جغرى بك بن ميكائيل بن سلجق، وهو الخامس من ملوك الدولة السلجقية.
قد قدمنا من أخبار هذا السلطان، ووقائعه مع أخيه السلطان بركياروق وحروبه، والخطبة له ببغداد مرة بعد أخرى ما يستغنى عن إعادته، ونحن الآن نذكر أخباره في سلطنته بعد وفاة أخيه. قال:
لما مات السلطان بركياروق، وخطب لولده ملكشاه ببغداد كما ذكرناه، كان السلطان محمد إذ ذاك يحاصر جكرمش، وسكمان القطبى «2» ،
وغيرهما من الأمراء وكان سيف الدولة صدقة صاحب الحلة قد جمع خلقا كثيرا من العساكر بلغت عدتهم خمسة عشر ألف فارس، وعشرة آلاف راجل، وأرسل ولديه بدران، ودبيس إلى السلطان محمد يستحثه على الحضور إلى بغداد، فاستصحبهما معه، فلما سمع الأمير إياز بمسيره إليه خرج هو والعسكر الذى معه من الدور، ونصبوا الخيام بالزهراء «1» خارج بغداد، وجمع الأمراء، واستشارهم فيما يفعله، فبذلوا الطاعة واليمين على قتال السلطان، ودفعه عن السلطنة، والاتفاق على طاعة ملكشاه بن بركياروق، وكان أشدهم «ينال، وصبارو «2» ، فلما تفرفوا، قال له وزيره الصفىّ أبو المحاسن:
«اعلم أن حياتى مقرونة بثبات نعمتك ودولتك، وأنا أكثر التزاما بك من هؤلاء، وليس الرأى ما أشاروا به، فإن كل واحد منهم يقصد أن يسلك طريقا، ويقيم سوقا لنفسه، وأكثرهم يناوئك فى المنزلة، وإنما يقعد بهم عن منازعتك قلة العدد والمال، والصواب مصالحة السلطان محمد، والدخول في طاعته، وهو يقرك على ما بيدك من الإقطاع، ويزيدك عليه ما أردت» ، فتردّد رأى الأمير إياز في الصلح إلا أنه يظهر المباينة، وجمع السفن التى ببغداد، وضبط المشارع من متطرق إلى عسكره، أو إلى البلد، ووصل السلطان محمد إلى بغداد في يوم الجمعة لثمان بقين من جمادى الأولى، سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، ونزل بالجامع الغربى، وخطب له بالجامع، وأما جامع المنصور، فإن الخطيب قال:«اللهم أصلح سلطان العالم» . لم يزد على
ذلك، وركب إياز في عسكره، وهم عازمون على الحرب، وسار حتى أشرف على عسكر السلطان محمد، وعاد إلى مخيّمه، فدعا الأمراء إلى اليمين مرة ثانية على المخالصة لملكشاه، فأجاب بعضهم، وتوقف البعض، وقالوا: قد حلفنا مرة، ولا فائدة في إعادة اليمين لأنا إن وفينا بالأولى، وفينا بالثانية، فأمر إياز حينئذ وزيره الصفى أبا المحاسن بالعبور إلى السلطان محمد، والمشى في الصلح، وتسليم السلطنة إليه، فعبر يوم السبت لسبع بقين من الشهر إلى عسكر محمد، واجتمع بوزيره سعد الملك أبى المحاسن سعد بن محمد، وعرّفه ما جاء فيه، فأحضره إلى السلطان، فأدى الرسالة، واعتذر عن صاحبه، فأجابه السلطان جوابا لطيفا، وطيب نفسه، وأجاب إلى اليمين، فلما كان الغد حضر قاضى القضاة، والنقيبان، والصفى وزير إياز عند السلطان، فقال له وزيره سعد الملك: إن إياز يخاف لما تقدم منه، وهو يطلب العهد لنفسه، وللأمراء الذين معه.
فقال السلطان: أما ملكشاه فلا فرق بينه وبين أخى، وأما إياز والأمراء الذين معه، فأحلف لهم إلا ينال الحسامى وصبارو، وحلف لهم، فلما كان الغد حضر الأمير إياز إلى السلطان، فلقيه الوزير، وكافة الناس، ووصل سيف الدولة صدقه في ذلك الوقت، ودخلا جميعا إلى السلطان، فأكرمهما، وأحسن إليهما، وقيل: بل ركب السلطان، ولقيهما، وأقام السلطان ببغداد إلى شعبان، وسار إلى أصفهان على ما نذكره إن شاء الله تعالى.