الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقصد نهاوند «1» ، والدينور ففتحهما «2» وعدة قلاع، وأخذ ما فيها من ذخائر حسنوية، وكانت جليلة المقدار، وأصاب عضد الدولة في هذه السفرة صرع، كان قد حدث به وهو بالموصل، فكتمه، وصار كثير النسيان لا يذكر الشىء إلا بعد جهد كبير، وبقى الصرع يعاوده إلى أن قتله على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر ملك عضد الدولة بلد الهكارية
وفي هذه السنة سير عضد الدولة جيشا إلى الأكراد الهكّارية بأعمال الموصل، فأوقع بهم، وحصر قلاعهم، وطال مقام الجند في حصرها، وكان من بالحصون من الأكراد ينتظرون نزول الثلج ليرحل العسكر عنهم، فقدر الله تعالى أن الثلج تأخر نزوله في تلك السنة، فطلبوا الأمان، فأجيبوا إليه، وسلّموا القلاع ونزلوا إلى الموصل مع العسكر، فلم يفارقوا أعمالهم غير يوم واحد حتى نزل الثلج، ثم أن مقدم الجيش غدر بالهكّارية، وقتلهم على جانبى الطريق من معلثايا «3» إلى الموصل نحو خمسة فراسخ. والله أعلم بالصواب.
ذكر وفاة عضد الدولة وشىء من أخباره وسيرته
كانت وفاته ببغداد في ثامن شوال سنة اثنين وسبعين وثلاثمائة، وذلك أنه اشتد به ما كان يعتاده من الصرع، وضعفت قوته عن دفعه،
فخنقه، فمات، ودفن بمشهد على بن أبى طالب رضى الله عنه، وجلس ابنه صمصام الدّولة للعزاء، وأتاه الخليفة الطائع لله، فعزّاه به، وكان عمر الدولة سبعا وأربعين سنة، مدة سلطنته بالعراق خمس سنين وستة شهور، وأما مدة ملكه ببلاد فارس منذ وفاة عمّه عماد الدولة وإلى أن توفى هو: ثلاث وثلاثون سنة وأربعة أشهر وواحد وعشرون يوما «1» . قال: ولما حضرته الوفاة لم ينطلق لسانه بغير قول الله تعالى: «ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ. هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ»
«2» ، وكان عاقلا حسن السياسة، شديد الهيبة، بعيد الهمة ثاقب الرأى محبا للفضائل وأهلها، باذلا في مواضع العطاء، مانعا في أماكن الحزم، ناظرا في عواقب الأمور، وكان له شعر حسن فمنه قوله- وقد أرسل إليه أبو تغلب بن حمدان يعتذر من مساعدته لبختيار، ويطلب الأمان- فقال عضد الدولة:
أأفاق حين وطئت ضيق خناقة
…
يبغى الأمان وكان يبغى صارما
فلأركبنّ عزيمة عضدّية
…
تاجية تدع الأنوف رواغما
وقال أبياتا، فمنها بيت لم يفلح بعده، وهى:
ليس شرب الكاس إلا في المطر
…
وغناء من جوار في السحر
غانيات سالبات للنهى
…
ناعمات «3» فى تضاعيف الوتر
مبرزات الكأس من مطلعها
…
ساقيات الراح من فاق البشر
عضد الدّولة وابن ركنها
…
ملك الأملاك غلاب «1» القدر.
ومن أخباره أنه كان في قصره جماعة من الغلمان يحمل إليهم مشاهراتهم من الخزانة، فأمر أبا نصر خواشاذه أن يتقدم بصرف جوامكهم إلى نقيبهم في شهر، وقد بقى منه ثلاثة أيام، قال أبو نصر: فأنسبت ذلك أربعة أيام، سألنى عضد الدولة عن ذلك، فاعتذرت بالنسيان، فأغلظ لى، فقلت: أمس استهل الشهر، والساعة يحمل المال، وما هذا مما يوجب شغل القلب، فقال:
المصيبة بما لا نعلم من الغلط أكبر منها في التفريط، أما تعلم أنا إذا أطلقنا لهم ما لهم قبل محّله كان الفضل لنا عليهم، وإذا أخّرنا عنهم ذلك حتى استهلّ الشهر الآخر حضروا عند عارضهم «2» ، وطالبوه، فيعدهم، ثم يحضرون في اليوم الثانى، فيعدهم، ثم يحضرون في اليوم الثالث، ويبسطون ألسنتهم، فتضيع المنّة، وتحصل الجرأة، وتكون إلى الخسارة أقرب منا إلى الربح، وكان لا يعوّل في الأمور إلا على الكفاءة، ولا نجعل للشفاعات طريقا إلى معارضة ما ليس «3» من جنس الشافع، ولا فيما يتعلق به.
حكى أن مقدّم جيشه أسفار بن كردويه شفع في بعض أنباء العدول ليتقدّم عند القاضى بسماع البيّنة بتزكيته، وتعديله، فقال له:«ليس هذا من أشغالك، إنما الذى يتعلق بك الخطاب في زيادة قائد، ونقل رتبة جندى، وما يتعلق بهم، وأما الشهادة وقبولها، فهى إلى القاضى وليس لنا، ولا لك الكلام فيه، ومتى عرف القضاة من إنسان ما تجوز معه قبول شهادته، فعلوا ذلك بغير شفاعة» ، وكان رحمه الله يخرج كل سنة أموالا كثيرة للصدقة، والبر في سائر البلاد، ويأمره بتسليم ذلك إلى القضاة، ووجوه الناس ليصرفوه إلى مستحقه، وكان يوصل إلى العمال المتعطلين ما يقوم بهم، ويحاسبهم به إذا عملوا، وكان محبا للعلوم وأهلها، مقرّبا لهم، محسنا إليهم وكان يجلس معهم، ويعارضهم في المسائل، فقصده العلماء من كل بلد، وصنفوا له الكتب منها: الإيضاح في النحو، ومنها الحجّة في القراآت، ومنها الملكى في الطلب، والتاجى في التاريخ إلى غير ذلك، وعمل المصالح العامة في سائر البلاد كالبمارستان «1» والقناطر، فمن جملة ما عمره: المدينة التى سماها «كرد فناخسرو» ، وهى على دون الفرسخ من شيراز، وساق إليها الماء من عين كانت على أربع فراسخ منها، وبدأ بالعمارة في يوم الأحد لثمان بقين من شهر ربيع الأول سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، قال الصابى: بلغت النفقة عليها عشرين ألف ألف درهم، ومن غريب عمائره: السكر «2» الذى
أنشأه على النهر المعروف بالكر «1» اصطخر، وحرمه «2» على عشرة فراسخ من قصبة شيراز، وهو شاذروان «3» عظيم، ينحط الماء من رءوس الجبال ويجتمع عليه، وينحط إلى أغوار كانت قفار او مهامه، فلما تم له ذلك بنى في تلك الأراضى ثلاثمائة قرية، ونقل إليها الفلاحين، وسماها رستاق فناخسرو، وصار في مقدار خراج بلاد فارس. قال الصابى: وانتهت النفقة عليه ألفى ألف دينار، واجتمع لعضد الدولة من الممالك سجستان، وكرمان، وجرجان، وطبرستان، والرى وأصفهان، وهمذان، وسائر بلاد أذربيجان، وبلاد فارس، وعمان، والعراق «4» ، والموصل، وديار مصر، وديار بكر، والجزيرة، وكان مع ما فعله من الخير والبر أحدث في آخر أيامه رسوما جائرة في المساحة، والضرائب، وكان يتوصّل إلى أخذ المال بكل طريق، وكان يرفع «5» إليه من الأعمال في كل سنة بعد ما رتّبه من الصّلات، والإدرارات، وجهات البر إثنان وثلاثون ألف ألف دينار.
أولاده: شرف [الدولة]«6» أبو الفوارس شيرزيل، صمصام الدولة أبو كاليجار المرزيان، بها، الدولة أبو نصر خسرو فيروز، وقيل فيروزشاه، تاج الدولة أبو الحسين أحمد، وهو أديب آل بويه،