الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر فتح مدينة آنى، وغيرها من بلاد النصرانية
قال: وسار ألب أرسلان من الرى إلى أذربيجان في أول شهر ربيع الأول، وقد عزم على جهاد الروم، وغزوهم، فأتاه أمير من الروم كان يكثر غزوهم اسمه طغركين «1» ، ومعه من عشيرته خلق كثير قد ألفوا الجهاد، وخبروا تلك البلاد، وحثه على قصد بلاد الروم، وضمن له سلوك الطريق المستقيم، فسار معه فوصل إلى نفجوان، وأمر بعمل السّفن لعبور النهر، وجمع العساكر، وسار إلى بلاد الكرج، وجعل مكانه في عسكره ولده ملكشاه، والوزير نظام الملك، فساروا إلى قلعة فيها جمع كثير من الروم، فحاصروها، فملكها المسلمون، وقتل أميرها، وساروا منها إلى قلعة سمارس «2» .
وهى قلعة فيها الأنهار الجارية، والبساتين، فملكوها، وفتحوا قلعة أخرى بالقرب منها، وشحنوها بالرجال والذخائر والأموال، والسلاح وسلم هذه القلاع إلى أمير نقجوان، ثم سار إلى مدينة مريم ونسين، وفيها كثير من الرهبان والقسوس، وملوك النصارى، وعامتهم يتقربون لأهل هذه البلد، وهى مدينة حصينة، وسورها من الحجر المبنى بالرصاص والحديد، وعندها نهر كبير؛ فأعدّ نظام الملك السفن لقتال من بها، وداوم القتال ليلا ونهارا إلى أن يسّر الله فتحها، وأحرقوا البيع، وقتلوا كثيرا من أهلها، وأسلم كثير، فنجوا
من القتل، ثم استدعى السلطان ابنه، والوزير، فسارا إليه، ففرح بما يسّره الله من الفتح على يد ملكشاه ابنه، وفتح عدة من الحصون فى طريقه، وأسر من النصارى ما لا يحصى كثرة، وساروا إلى سيبد سهر، فجرى بين أهلها، وبين المسلمين حروب شديدة، ثم يسّر الله فتحها، وملكها السلطان، وسار منها إلى مدينة أعال لال، وهى حصينة عالية الأسوار شاهقة، وهى من جانبيها الشرقى والغربى على جبل عال، وعليه عدّة من الحصون، ومن الجانبين الآخرين نهر كبير لا يخاض، وكان ملكها من الكرج، فجرى عليها حروب عظيمة، ويسّر الله فتحها، واعتصم جماعة من أهلها في برج من أبراج المدينة، فأحرقه السلطان بالنار، وغنم المسلمون من المدينة ما لا يحصى، وخرجوا إلى خيامهم، فلما جن الليل عصفت الريح، فاحترقت المدينة من نار البرج، وذلك في شهر رجب سنة ست وخمسين وأربعمائة، وملك السلطان قلعة حصينة كانت إلى جانب المدينة، وأخذ ما فيها، وسار منها إلى ناحية قرش «1» ، ومدينة آنى وبالقرب منها بسل وورده. وجوده، فخرج أهلها مذعنين معلنين بالإسلام، وخربوا البيع، وبنوا المساجد، وسار منها إلى مدينة آنى، فرآها حصينة لا ترام. ثلاثة أرباعها على نهر أرس «2» ، والربع الآخر على نهر عميق شديد الجرية لو طرحت الحجارة فيه لحملها، والطريق إليها على خندق عليه سور من الحجارة الصمّ، وهى مدينة
عامرة آهلة، فحصرها، وضيّق على من بها إلا أن المسلمين أيسوا من فتحها لما رأوا من حصانتها، فأتى من لطف الله تعالى ما لم يكن في حساب، وانهدم من السّور قطعة كبيرة لم يعلم سبب هدمها، فدخل المسلمون في المدينة، وقتلوا من أهلها ما لا يحصى كثرة، وأسروا نحوا مما قتلوا، وسارت البشائر بهذا الفتح في البلاد، وقرئ كتاب الفتح ببغداد في دار الخلافة، فبرز خط الخليفة بالثناء على ألب أرسلان، والدعاء له، فرتّب السلطان بالمدينة أميرا في عسكر جرار، وعاد عنها، وقد راسله ملك الكرج في الهدنة، وصالحه على أداء الجزية في كل سنة، وعاد السلطان إلى أصفهان، وكرمان، ثم إلى مرو، وزوج ابنة ملكشاه بابنة خاقان ملك ما وراء النهر، وزفت إليه في هذه السنة، وزوّج ابنه أرسلان شاه بابنة صاحب غزنه، فاتحد البيت السلجقى والمحمودى، واتفقت الكلمة.
وفي سنة سبع وخمسين وأربعمائة ابتدئ بعمارة المدرسة النظامية ببغداد، وكملت عمارتها في سنة تسع وخمسين، وتقرر التدريس بها للشيخ أبى اسحاق الشيرازى، فلما اجتمع الناس لحضور الدروس طلب، فلم يوجد، وكان سبب تأخره أنه لقيه صبّى، فقال:«كيف تدرس في مكان مغصوب؟» ، فلم يحضر، فلما أيس الناس من حضوره درس بها أبو نصر الصبّاغ صاحب كتاب الشامل، ثم تلطف نظام الملك بالشيخ أبى إسحاق، حتى درّس بها بعد عشرين يوما.