الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
إِنَّ الحَمْدَ للَّه نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ باللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا فَمَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادَيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران: 102].
وبعد
فقد كانَ أئمة هذا الدين قوَّامين عليه حِفْظًا وبلاغًا وإرشادًا، وكانُوا خيرَ قدوةٍ للنَّاسِ، ومَثَلًا عَليًّا في إصابةِ الحقّ وتأييدِهِ، وكَشفِ الباطِلِ وإزهاقِهِ، التفَّ حولَهُم الناسُ وقصدوهم ليُظْهِرُوا لهم الدينَ الخالِصَ بما ورِثوه عَنْ نبيّهم صلى الله عليه وسلم، فيجدونَ عندَهُم ما يَرْوِي غلَّتَهُم ويزيلُ شبهتَهُم ويزيدُ يقينَهم باللَّه عز وجل وشريعتِهِ، وانتشرَ كلامُهم في الآفاقِ، وأضحى مَنْهلًا عَذْبًا لكلِّ طالبِ حقٍّ ومريدِ صِدْقٍ.
وإنَّ المَذهب الحنْبلي واحدٌ من المَذاهب الأربعة التي كَتَبَ اللَّه لها القبولَ في الأرضِ، وقد كانَ على رأسِ هذا المذهب إمام جليل، جاهَد في اللَّه حقَّ جهاده، فهو جبلٌ راسخ لم تزعزعه الأهواء، عن الدنيا ما كان أَصبره، وبالماضين ما كان أشبهه، وبالصالحين ما كان أَبصره، أتت له الدنيا فأَباها، والبدَعُ فنفاها، واخْتَصَّهُ اللَّهُ سبحانه بنصرةِ دينه، والقيام بحفظِ سُنته، ورضيه لإقامة حجته ونصرة كلامه حين عجز عنه الناس.
وكانَ شديدَ الحياءِ، كريمَ الأخلاقِ، يُعجبُهُ السخاءُ.
وفيه قالَ الإمامُ الشافعيُّ: أحمدُ إمام في ثمانِ خصال: إمامٌ في الحديث، إمامٌ في الفِقهِ، إمامٌ في اللغةِ، إمامٌ في القُرآنِ، إمامٌ في الفَقْرِ، إمامٌ في الزُّهدِ، إمامٌ في الوَرَعِ، إمامٌ في السُّنَّة.
لقد اسْتَحق هذا الإمام أنْ تُولى علومُه بالعنايةِ والاهتمامِ، ونشرِها بين الأنامِ، وقد قامَ بذلكَ العديدُ مِنْ أَهْلِ العلْمِ وأصحابِ المُصنفاتِ، قديمًا وحديثًا، وقد أردْنا أنْ نَلْحَقَ بهؤلاء، لعلَّ اللَّه يجعلُ لنا هذا مِنَ العلمِ الذي يُنتَفعُ به، فيكتب لنا أجرَهُ إلى يومِ نلقاه، نسأله ذلك وهو القادرُ عليه.
وقد عزمنا في ذلك أنْ نقومَ بخدمةِ المذاهبِ الأربعةِ والفقهِ الإسلامي بأعمالٍ مميزةٍ وخدماتٍ جليلة، مراعين في ذلك حاجَةَ طالبِ العلمِ والباحثين والعلماء، وهو مقصد تَفْنى فيه الأعْمار، ويُضحَّى فيه بالغالى والنفيس، وتُجاهد فيه الأنفس؛ طلبًا لحُسن المقصد.
وهذا الكتابُ هو أول السِّلسلة التي وَسَمْناها بـ "مدونة الحنابلة"، وسيليه بعونِ اللَّه مجموعةٌ مِنَ الأعمالِ التي تخدم المذهب الحنبلي، مما سيقر أَعْين أهلِ العِلْمِ وطُلَّاب الحق.
وإني أُقدِّمَ هذا الكتابَ لبنةً في صَرْحِ المَوْسُوعات العِلْمية بجهودِ الباحِثِيْن بدارِ الفَلَاح، سائلين المولى عز وجل أَنْ يجعله في مَوَازين حسناتنا، وأن يرزقنا الإخلاص فيه لوجهه الكريم، وأَنْ ينفعَ به جموع المسلمين، وطلبة العلم منهم خاصة، وأن يكتب لهذا العمل القبول، وأن يجزي خيرًا كلَّ مَنْ ساهَمَ في هذا العملِ وبخاصةٍ إخوتي في الدار، الذين صَبروا معي عليّ مشقة هذا العمل، وعلى ما أصابهم مِنْ أذًى في أعمالٍ سابقةٍ مِنْ تطاول السفهاءِ وأذى الجاهلين، وليس هذا مقام لذكرِ هذا الأمر؛ وإنما أشرتُ إلى ذلك ليُعلَمَ أننا لم نُصنف هذا الكتابَ في رفاهيةٍ، ولم تكن الأمورُ معنا طواعيةً، فقد سَطَرْناه بعرقٍ وجهدٍ، وصبرٍ عليّ البلاءِ وقلةِ ذاتِ اليد، مع أخطارٍ تهددنا ومصائبٍ تطُّل علينا برأسِها، والحمد للَّه أولًا وآخرًا، والشكوى إليه عاجِلًا وآجلًا، واللَّه المَوعدُ، وإليهِ المَقصدُ.
هذا وإن كنا لازلنا نُعاني مِنْ بعضِ ذلك وآثاره فإنَّما هي مرحلة وستنتهي بخيرٍ إنْ شاء اللَّه، وستستعصي شجرةُ الفلاحِ على الحاقدينَ والحاسدينَ رغم مَكْرهم بالليل والنهار، وبعونِ اللَّه وتوفيقِهِ ستظل تجود بِما أَنعمَ اللهُ عليها مِنْ عطاءٍ، وما ذلكَ عَلَى اللَّه بعزيز.
نسأل اللَّه العلي القدير أن يوفق كلَّ مريدٍ للخير إلى ما يريد، وأنْ يعيذنا مِنْ شياطينِ الإنسِ والجن، وأن يُلهمنا رُشدنا، ويَسلل سخيمةَ قلوبنا، إنه هو الرَّحيمُ الغَفُور.
قال الإمام أحمد: إذا عَرَفَ الرَّجلُ نفسَهُ فما يَنْفَعُه كلامُ النَّاس.
ونَقَلَ عن إبراهيم بن أدهم قال: "ما صدَقَ اللَّهَ عبد أحبَّ الشهرة"، فنسأل المولى عز وجل الإخلاص في القولِ والعملِ.
وروى الإمام الذهبي قول الإمام أحمد بعد أنْ حدَّث بحديث معاوية رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّه لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنيا إلا بلاءٌ وفِتْنةٌ" فأَعِدُّوا للبلاءِ صَبْرًا، فجعل يقول: اللهمَّ رضِّنا اللهمَّ رَضّنا.
وصلى اللَّه على المبعوثِ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.