الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد:
التعريف بالجامع لعلوم الإمام أحمد ومدى الحاجة إليه والمصادر التي اعتمدنا عليها
الحمد للَّه الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا نعمته ورضي لنا الإسلام دينا، والصلاة والسلام على البشير النذير الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه
أما بعد، فإن شجرة الإسلام أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَما كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وإنَّ الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المشتهرة ممن يصدق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم " العلماءُ وَرَثةُ الأنبياءِ " وقد ملئوا الدنيا علما، وبلغت أقوالهم واستنباطاتهم الآفاق، فصاروا أعلام الأمة في علوم الدين، وبخاصة الفقه؛ لذا فقد اعتُني بنقل أقوالهم وجمعها وترتيبها، ونذكر من ذلك على وجه الاختصار:
أما الإمام أبو حنيفة: فقد ترك من بعده أثرًا فقهيًا كبيرًا حتى قال الإمام الشافعي: إن الناس كلهم عيال عليه في الفقه، ويعتبر الإمام هو أول من اشتغل بالفقه التقديري، وفرض المسائل التي لم تقع بعد، وبين أحكامها؛ فزاد علم الفقه اتساعًا ومجاله انبساطًا، وقد اعتنى بنقل أقواله وتقعيد أصول مذهبه رجلان هما القاضي أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني، وكان أبو يوسف أول من وضع الكتب على مذهب أبي حنيفة وأملى المسائل ونشرها، ومن كتبه:"الآثار"، "الخراج"، و"اختلاف أبي حنيفة وابن ابي ليلى"، وإن كان أبو يوسف أول من دون في المذهب
فتأتي كتب محمد بن الحسن لتكون المراجع الأصلية لمذهب الإمام، وقد اهتم بها الفقهاء فيما بعد شرحًا وتعليقًا، ومن أهم كتبه:"المبسوط" أو "الأصل""السير الكبير"، و"السير الصغير"، "الجامع الكبير"، و"الجامع الصغير" "الزيادات" وغيرها. وظهرت بعد ذلك الكثير من المصنفات التي تُعنى بجمع أقوال أصحاب المذهب الثلاثة: الإمام أبي حنيفة وأبي يوسف القاضي ومحمد بن الحسن، مثل:"المبسوط" للسرخسي، و"المحيط البرهاني" لبرهان الدين بن صدر الشريعة.
وأما الإمام مالك: فقد كان أول من عرف بالتدوين والتأليف في الإسلام، ويعد كتابه "الموطأ" أقدم مؤلف معروف له، وإن كان ينسب إليه غيره، قال القاضي عياض: وله تأليف غير الموطأ مرويه عنه، أكثرها بأسانيد صحيحة في غير فن من العلم، ولكن لم يشتهر غير الموطأ، وهو أول تدوين مأثور في الحديث والفقه -وإن كانت فكرة التدوين قد وجدت من قبل- وقد كان منهجه في تدوينه أن يذكر الأحاديث في الموضوع الفقهي الذي اجتهد فيه، ثم يذكر عمل أهل المدينة المجمع عليه، ثم يذكر رأي من التقى بهم من التابعين وأهل الفقه، ثم يذكر الرأي المشهور بالمدينة، فإن لم يكن شيء من ذلك بين يديه في المسألة؛ اجتهد.
وأول من كتب مسائل الإمام مالك التي سئل عنها، تلميذه أسد بن الفرات قاضي القيروان، وسميت "الأسدية"، وكتبها عنه سحنون، ثم جاء بها إلى ابن القاسم -صاحب الإمام مالك- سنة 188 هـ فعرضها عليه، وأصلح ما فيها من مسائل ورتبها وأضاف عليها من موطأ ابن وهب وغيره في كتابه المشهور "المدونة".
وأما الإمام الشافعي: فمن أهم كتبه التي صنفها أو أملاها كتاب "الأم" وهو مرتب حسب أبواب الفقه، رواه عنه تلميذه الربيع بن سليمان المرادي،
وقد ألحق به كثير من الكتب الأخرى التي كتبها الإمام نفسه مثل: "جماع العلم"، "إبطال الاستحسان"، "اختلاف مالك والشافعي"، "الرد على أهل المدينة "، "اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى"، و"سير الأوزاعي" وغيرها. ويعتبر الإمام الشافعي رحمه الله أول من أرسى قواعد علم أصول الفقه في كتابه "الرسالة" وهو الكتاب الثاني له الذي يتضمن قواعد مذهبه.
وقد انتشر المذهب على أيدي تلاميذ الإمام في العراق وبلاد ما وراء النهر وفارس والشام، ولكن انتشاره كان أقوى بمصر.
وأما الإمام أحمد بن حنبل: فقد صنَّفَ "المسند" في الحديث و"فضائل الصحابة" و"الرد على الزنادقة" وغير ذلك، أما أقواله في الفقه فقد نقلها من أصحابه أكثر من خمسمائة نفس بحسب إحصائنا؛ منهم من له رواية واحدة عن الإمام، وقد عدّهم المرداوي (131) نفسًا، والمكثرون منهم (33) واعتنوا بتدوينها في حياته وبعد مماته، وقد اطلع الإمام أحمد على بعضها كما نُقل عنه في مسائل الكوسج، وأملى الكثير من المسائل وناقش أقوال الفقهاء كالحسن والأوزاعي والثوري كما هو ثابت في المسائل التي وصلت إلينا، وهذِه المسائل تفوق كثير مما روي عن غيره من الأئمة في دقة النقل؛ فهي أولا منقولة بالنص عنه، مع مراجعته لبعضٍ منها، فضلا عن تعدد النقل عنه في المسألة الواحدة، ولا أبالغ إذا قلتُ إن المسائل المنقولة عن الإمام أحمد قد تكون أكثر وأشمل مما نُقل عن غيره من الأئمة، أو على الأقل تماثلها، فنحن نرى أن النقل عن الإمام مباشر أو بإسناد متصل إليه، بلفظ الإمام كما خرج من فِيه في جل مسائله، وهذا تأثر من تلاميذه بطريقة أهل الحديث في نقل السنة، وعلى هذا فإنه من الغريب والعجيب أن يُقال بعد ذلك: إن الإمام أحمد رجل حديث لا رجل فقه!