الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفريق قدم القياس عليه، لأنه دليل معتبر ولا دليل يعارضه.
قال الشيخ أبو زهرة: المشهور عند الحنابلة المقرر عند علمائهم أن أحمد رضي الله عنه كان في كثير من الأحيان يباعد الاجتهاد بالرأي تورعًا حتى كان إذا لم يجد أثرًا أخذ بفتاوى علماء الأثر، كمالك والثوري وابن عيينة والأوزاعي وغيرهم، ومن كان شأنه كذلك فلابد أنه كان يقبل فتاوى بعض كبار التابعين كسعيد بن المسيب والفقهاء السبعة الذين انتهى إليهم فقه عمر وابن عمر وزيد بن ثابت، ولا يأخذ بهذِه الأقوال على أنها أصل فقهي، بل بالاحتياط والاستئناس كما كان شأنه في الخبر الضعيف (1).
*
الأصل الرابع: الأخذ بالحديث المرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه
اعتبر الإمام أحمد المرسلات من الأحاديث حجة، ولكنه أخرها عن فتوى الصحابة، وضعها في قرن مع الأحاديث الضعيفة -وليس المراد بالضعيف عنده الباطل ولا المنكر ولا ما في روايته متهم بحيث لا يسوغ الذهاب إليه فالعمل به بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح وقسم من أقسام الحسن ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف (2)، بل إلى صحيح وضعيف- وللضعيف عنده مراتب، فإذا لم يجد في الباب أثرا يدفعه ولا قول صاحب ولا إجماعا على خلافه كان العمل به عنده
(1)"أحمد بن حنبل: حياته وعصره وآراؤه الفقهية" لأبي زهرة صـ 300.
(2)
قال ابن تيمية في "الفتاوى" 18/ 23: وأما قسمة الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، فهذا أول من عرف أنه قسمه هذه القسمة أبو عيسي الترمذي، ولم تعرف هذه القسمة عن أحد قبله، وقد بين أبو عيسي مراده بذلك، فذكر أن الحسن ما تعددت طرقه ولم يكن فيهم متهم بالكذب، ولم يكن شاذا، وهو دون الصحيح الذي عرفت عدالة ناقليه وضبطهم.
أولى من القياس.
وليس أحد من الأئمة إلا وهو موافقه على هذا الأصل من حيث الجملة: فقدَّم الإمام أبو حنيفة حديث القهقهة في الصلاة على محض القياس، وأجمع أهل الحديث على ضعفه، وقدَّم حديث الوضوء بنبيذ التمر على القياس وأكثر أهل الحديث يضعفه، وقدَّم حديث أكثر الحيض عشرة أيام وهو ضعيف باتفاقهم على محض القياس فإن الذي تراه في اليوم الثالث عشر مساو في الحد والحقيقة والصفة لدم اليوم العاشر، وقدَّم حديث لا مهر أقل من عشرة دراهم وأجمعوا على ضعفه بل بطلانه على محض القياس فإن بذل الصداق معاوضة في مقابلة بذل البضع فما تراضيا عليه جاز قليلا كان أو كثيرًا.
وقدَّم الإمام الشافعي خبر تحريم صيد وج مع ضعفه على القياس، وقدم خبر جواز الصلاة بمكة في وقت النهي مع ضعفه ومخالفته لقياس غيرها من البلاد، وقدم في أحد قوليه حديث من قاء أو رعف فليتوضأ وليبن على صلاته على القياس مع ضعف الخبر وإرساله.
وأما الإمام مالك فإنه يقدم الحديث المرسل والمنقطع والبلاغات وقول الصحابى على القياس.
ويمكن تلخيص موقف الإمام أحمد من الحديث المرسل والحديث الضعيف في النقاط الآتية:
1 -
أن الإمام أحمد رحمه الله يأخذ بالمرسل إذا لم يجد نصا، ولا قول صاحب، ولا إجماعا على خلافه، فإن ذلك مقدم عليه.
2 -
أن المرسل عنده في رتبة الحديث الضعيف، ورأيه فيه قريب من رأيه في الضعيف. فالحديث الضعيف لم يكن يقول به إذا وجد خلافه، أو أثبت منه، وإنما كان يقدمه، ويقدم المرسل على القياس، كما ذكر ابن القيم عنه.