المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مقدمة في مكانة مذهب الإمام أحمد - الجامع لعلوم الإمام أحمد - المقدمات - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد:التعريف بالجامع لعلوم الإمام أحمد ومدى الحاجة إليه والمصادر التي اعتمدنا عليها

- ‌الحاجة لهذه الموسوعة:

- ‌أقسام الموسوعة:

- ‌فريق العمل

- ‌منهج العمل

- ‌مصادر الجامع لعلوم الإمام أحمد

- ‌الباب الأول التعريف بمذهب الإمام أحمد ومراحل نشأته وتطوره

- ‌ مقدمة في مكانة مذهب الإمام أحمد

- ‌ نشأة المذهب وتطوره

- ‌المرحلة الأولى: مرحلة النشأة والتأسيس

- ‌المبحث الأول: النشأة والتأسيس

- ‌المبحث الثاني: من آثار الإمام أحمد

- ‌أولًا: الكتب المطبوعة:

- ‌ثانيًا: الكتب المخطوطة:

- ‌ثالثًا: الرسائل المطبوعة:

- ‌رابعًا: الرسائل المخطوطة:

- ‌المبحث الثالث: أصحاب الإمام أحمد

- ‌ التعريف بأصحاب الإمام أحمد

- ‌ الرواة الذين رووا المسائل عن الإمام أحمد ولم يذكر لهم تاريخ وفاة

- ‌ أولا: الرجال

- ‌ ثانيا: الكنى

- ‌ ثالثا: النساء

- ‌ الرواة الذين لم نجد لهم ترجمة إلا ذكر بعض مروياتهم

- ‌المرحلة الثانية: مرحلة نقل المذهب وتطوره

- ‌ التعريف بأهم علماء تلك المرحلة وأهم مؤلفاتهم

- ‌ أبو بكر الخلال (ت 311 ه

- ‌ أبو القاسم الخرقي (ت 334 ه

- ‌ ابن المُنادي (336 ه

- ‌ أبو بكر النّجّاد (348 ه

- ‌ أبو بكر الآجُرّي (ت 360 ه

- ‌ غلام الخلال (ت 363 ه

- ‌ ابن شاقلا (369 ه

- ‌ أبو حفص العكبري، المعروف بـ "ابن المسلم"، (387 ه

- ‌ ابن بطة (387 ه

- ‌ أبو حفْص البَرْمَكي (389 ه

- ‌ ابن حامد (403 ه

- ‌المرحلة الثالثة: مرحلة تحرير المذهب وضبطه وتنقيحه (من منتصف القرن الخامس حتى أواخر القرن التاسع الهجري)

- ‌ويمكن أن نوجز أهم جهود رجال هذِه المرحلة في:

- ‌ التعريف بعلماء المذهب في هذه المرحلة وأهم مؤلفاتهم

- ‌ أبو الفضل التميمي (ت 410 ه

- ‌ أحمد بن إبراهيم القطان، أبو طاهر (ت 424 ه

- ‌ ابن شهاب العُكْبَرِي (ت 438 ه

- ‌ ابن أبي موسى الهاشمي (ت 428 ه

- ‌ القاضي أبو يعلى (458 ه

- ‌ الحسين العُكْبَري (ت بعد 313 ه

- ‌ علي بن محمد الآمدي (ت 467 ه

- ‌ ابن جَدَا (ت 468 ه

- ‌ ابن منده (ت 470 ه

- ‌ الشريف أبو جعفر الهاشمي العباسي (ت 470 ه

- ‌ ابن البناء (ت 471 ه

- ‌ ابن جلبة (ت 476 ه

- ‌ يعقوب بن إبراهيم البرزبيني (ت 486 ه

- ‌ رزق اللَّه التميمي (ت 488 ه

- ‌ أبو الفضل بن الحداد (ت 493 ه

- ‌ السراج جعفر بن أحمد (ت 500 ه

- ‌ أبو علي بن شهاب العكبري

- ‌ محمد بن على المراق (ت 505 ه

- ‌ أبو الخطاب الكلوذاني (ت 510 ه

- ‌ أبو الوفاء بن عقيل (ت 513 ه

- ‌ ابن أبي يعلى (ت 526 ه

- ‌ أبو خازم ابن أبي يعلى (ت 537 ه

- ‌ أبو الحسن علي بن الزاغونى (ت 537 ه

- ‌ أحمد الدّينوري (ت 532 ه

- ‌ محمد بن أبي الخطاب (ت 533 ه

- ‌ عبد الوهاب الشِّيرازي (536 ه

- ‌ الحسين بن الهمذاني

- ‌ عبد الرحمن الحلواني (ت 546 ه

- ‌ ابن بركة (ت 554 ه

- ‌ أبو حكيم النّهْرَواني (ت 556 ه

- ‌ علي بن عبدوس (ت 559 ه

- ‌ أبو يعلى الصغير (ت 560 ه

- ‌ يحيى بن هُبيرة، أبو المظفر (ت 560 ه

- ‌ الشيخ عبد القادر الجيلاني (561 ه

- ‌ مَكّي بن هُبَيْرة (567 ه

- ‌ أبو العلاء الهمذاني (ت 569 ه

- ‌ محمد بن عبد الباقي المُجمَّعي (ت 571 ه

- ‌ علي بن محمد بن بكروس (ت 576 ه

- ‌ عبد المغيث بن أبي حرب (ت 583 ه

- ‌ نصر بن فتيان ابن المنِّيِّ (ت 583 ه

- ‌ أحمد بن الحسين العراقي (ت 588 ه

- ‌ عبيد اللَّه بن يونس (ت 593 ه

- ‌ ابن الجوزي (597 ه

- ‌ إبراهيم بن الصقّال (ت 599 ه

- ‌ الحافظ عبد الغَني المَقْدسي (ت 600 ه

- ‌ يحيى الأزجي (ت بعد 600 هـ بقليل)

- ‌ عبد الحليم ابن تيمية (603 ه

- ‌ أسعد بن المُنَجَّا (606 ه

- ‌ غُلام ابن المَنِّي، ابن الماشطة (610 ه

- ‌ محمد بن معالي بن الحلاوي (ت 611 ه

- ‌ العماد المقْدِسي (ت 614 ه

- ‌ أبو البقاء العُكْبَري (ت 616 ه

- ‌ محمد بن عبد اللَّه بن سنينة السامري (ت 616 ه

- ‌ ابن بُخْتِيار البَعْقوبي (ت 617 ه

- ‌ الموفّق ابن قُدامة المقْدسي (620 ه

- ‌ سليمان بن عمر بن المشبك (ت بعد 620 ه

- ‌ الفخر ابن تيمية (622 ه

- ‌ البهاء المقدسي (ت 634 ه

- ‌ سلامة بن صدقة (ت 627 ه

- ‌ الحسين بن المبارك (631 ه

- ‌ نصر بن عبد الرزاق الجيلي (ت 633 ه

- ‌ ابن الحنبلي (ت 634 ه

- ‌ ابن أبي الفهم الحراني (634 ه

- ‌ عبد الغني ابن تيمية (ت 639 ه

- ‌ عمر بن المنجا (ت 641 ه

- ‌ عبد الرحمن المقدسي (643 ه

- ‌ الضياء المقدسي (643 ه

- ‌ أحمد بن عيسى بن قدامة (643 ه

- ‌ المجد بن تيمية (652 ه

- ‌ شعْلَة (ت 656 ه

- ‌ ابن رزين (ت 656 ه

- ‌ يوسف بن الجوزي (656 ه

- ‌ يحيى الصرصري (ت 656 ه

- ‌ عبد الرزاق الرسعني (ت 661 ه

- ‌ محمد بن تميم الحراني (ت 675 ه

- ‌ يحيى بن الصيرفي (678 ه

- ‌ عبد اللَّه بن رفيعا (ت 679 ه

- ‌ الجلال العَكبري (681 ه

- ‌ كُتَيْلَة (ت 681 ه

- ‌ الشمس ابن أبي عمر (682 ه

- ‌ عبد الرحمن الضرير (684 ه

- ‌ ابن كوشيار (بعد 690 ه

- ‌ أحمد بن حمدان الحراني (ت 695 ه

- ‌ أبو البركات بن المُنَجّا (695 ه

- ‌ ابن نعمة النابلسي (697 ه

- ‌ ابن عبد القوي (699 ه

- ‌ الأدمي (700 هـ وقيل: 815 ه

- ‌ ابن أبي الفتح البعلي (709 ه

- ‌ مسعود بن أحمد الحارثي (ت 711 ه

- ‌ ابن شيخ الحزاميين (711 ه

- ‌ الطوفي (ت 716 ه

- ‌ محمد الجيْلي (723 ه

- ‌ شيخ الإسلام ابن تيمية (728 ه

- ‌ الزِّريراني (729 ه

- ‌ الدجيلي (733 ه

- ‌ عبد الرحمن بن محمود بن عبيدان (ت 734 ه

- ‌ صفي الدين القطيعي (739 ه

- ‌ المرتب (ت 742 ه

- ‌ الشّرف الزّريْراني (741 ه

- ‌ ابن الحَبّال (ت 749 ه

- ‌ ابن قيم الجوزية (ت 751 ه

- ‌ ابن مُفْلح (ت 763 ه

- ‌ يوسف المَرْدَاوي (769 ه

- ‌ ابن شيخ السَّلاميَّة (769 ه

- ‌ ابن قاضي الجبل (771 ه

- ‌ الزّرْكَشي (ت 772 ه

- ‌ ابن المُجاوِر (ت 772 ه

- ‌ السُّرَّمَرِّي (ت 776 ه

- ‌ بدْر الدين البعْلي (ت 777 هـ، وقيل: 778 ه

- ‌ يوسف المَرْداوي (783 ه

- ‌ العيفناوي (ت 784 ه

- ‌ ابن بَرْدَس (ت 786 ه

- ‌ الحافظ ابن رجب (ت 795 ه

- ‌ الشمس الجعفري (ت 797 ه

- ‌ الجمال المقدسي (798 ه

- ‌ إبراهيم ابن مفلح (803 ه

- ‌ ابن النقيب المقدسي (ت 803 ه

- ‌ ابن اللحام (ت 803 ه

- ‌ ابن أبي المجد (804 ه

- ‌ الشمس النابلسي (805 ه

- ‌ نصر اللَّه التستري (812 ه

- ‌ عبد الرزاق الحنبلي (819 ه

- ‌ عز الدين المقدسي (820 ه

- ‌ ابن المُغْلي (ت 828 ه

- ‌ ابن زكنون، ابن عروة الحنبلي (ت 837 ه

- ‌ المخزومي (ت 841 ه

- ‌ الجعفري (ت 842 ه

- ‌ أبو شعر (ت 844 ه

- ‌ ابن نصر اللَّه البغدادي (ت 844 ه

- ‌ عبد العزيز بن علي المقدسي (ت 846 ه

- ‌ محمد بن أحمد بن سعيد المقدسي (ت 855 ه

- ‌ ابن قندس (ت 861 ه

- ‌ ابن زهرة الحمصي (ت 868 ه

- ‌ عز الدين الكناني (876 ه

- ‌ يوسف بن علي بن عادل (بعد 880 ه

- ‌ ابن التنبالي (ت 883 ه

- ‌ الجراعي (ت 883 ه

- ‌ البرهان ابن مفلح (884 ه

- ‌ العلاء المرداوي (885 ه

- ‌المرحلة الرابعة: مرحلة استقرار المذهب (من أواخر القرن التاسع الهجري حتى وقتنا الحالي)

- ‌ ابن العماد الحموي (885 ه

- ‌ الشهاب ابن المبرد (899 ه

- ‌ العلاء البغدادي (900 ه

- ‌ بدر الدين السعدي (902 ه

- ‌ يوسف ابن عبد الهادي (909 ه

- ‌ الشهاب العسكري (910 ه

- ‌ الشيشيني (ت 919 ه

- ‌ عبد الرحمن العليمي (ت بعد 928 ه

- ‌ الشويكي (939 ه

- ‌ ابن عطوة (948 ه

- ‌ الشهاب ابن النجار (949 ه

- ‌ موسى الحجاوي (968 ه

- ‌ ابن النجار (972 ه

- ‌ الفارضي (981 ه

- ‌ مَرْعي الكَرْمي (1033 ه

- ‌ منصور البُهُوتي (1051 ه

- ‌ سليمان بن مُشَرّف التَّميمي (1079 ه

- ‌ البَلْباني (1083 ه

- ‌ محمد الخَلْوتي (1088 ه

- ‌ ابن العماد (1089 ه

- ‌ ابراهيم العوفي (ت 1094 ه

- ‌ عثمان بن أحمد بن قائد (ت 1097 ه

- ‌ صالح البُهُوتي (1121 ه

- ‌ أحمد المَنْقور (1125 ه

- ‌ عبد القادر التّغْلبي (1135 ه

- ‌ السّفَاريني (1188 ه

- ‌ الشهاب الحلبي (1189 ه

- ‌ إبراهيم الشّمَّري (1189 ه

- ‌ عبد الرحمن البَعْلي (1192 ه

- ‌ الدَّمَنْهوري (1192 ه

- ‌ إسماعيل الجُرَاعي (1202 ه

- ‌ ابن فَيْروز (1205 ه

- ‌ الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1206 ه

- ‌ الميِقَاتي (1223 ه

- ‌ عبد اللَّه بن داود الزُّبيْري (1225 ه

- ‌ سليمان بن عبد اللَّه بن عبد الوهاب (ت 1233 ه

- ‌ غَنَّام النَّجْدي (1237 ه

- ‌ ابن جامع النّجْدي (1240 ه

- ‌ مُصْطفى الرُّحيْباني (1243 ه

- ‌ عبد اللَّه ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1242 ه

- ‌ ابن سَلُّوم (1346 ه

- ‌ حَسَن الشَّطّي (1274 ه

- ‌ أبا بُطَيْن (1282 ه

- ‌ محمد الشَّطِّي (1307 ه

- ‌ عبد الغني بن ياسين اللَّبدي (1317 ه

- ‌ محمد بن سبيع البسيوني (ت بعد 1338 ه

- ‌ ابن بَدْران (1346 ه

- ‌ ابن عَتيِق النّجْدي (1349 ه

- ‌ ابن خُوقِير (1349 ه

- ‌ ابن ضُوَيَّان (1353 ه

- ‌ عبد اللَّه العنْقَري (1373 ه

- ‌ عبد الرحمن بن ناصر السَّعْدي (1376 ه

- ‌ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (1389 ه

- ‌ عبد الرحمن بن محمد بن علي بن قاسم (ت 1393 ه

- ‌ الشيخ عبد العزيز ابن باز (ت 1420 ه

- ‌ الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت 1421 ه

- ‌المرحلة الخامسة: إحياء تراثه (بدأت من منتصف القرن الرابع عشر الهجري حتى وقتنا الحاضر)

- ‌الباب الثاني أصول مذهب الإمام أحمد والأصحاب من بعده

- ‌المبحث الأول: الأصول المتفق عليها

- ‌ الأصل الأول: النصوص

- ‌مرتبة السنة من الكتاب عند الإمام أحمد:

- ‌ الأصل الثاني: فتاوى الصحابة

- ‌مرتبة الأخذ بفتوى الصحابي عنده في الأصول:

- ‌ الأصل الثالث: الاختيار من أقوال الصحابة إذا اختلفوا

- ‌فتاوى الصحابة عند الإمام أحمد كانت على درجتان:

- ‌ فتوى التابعي:

- ‌ الأصل الرابع: الأخذ بالحديث المرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه

- ‌ الأصل الخامس: القياس للضرورة

- ‌هل يجري القياس في جميع المسائل الشرعية أو لا

- ‌المبحث الثاني: الأصول المختلف فيها

- ‌ أولًا: الاستحسان

- ‌ ثانيًا: الاستصحاب

- ‌ ثالثًا: سد الذرائع وإبطال الحيل

- ‌ رابعًا: المصالح المرسلة

- ‌ خامسًا: شرع من قبلنا

- ‌ سادسًا: العرف

- ‌الباب الثالث: مصطلحات مذهب الإمام أحمد

- ‌المبحث الأول: ألفاظ الإمام أحمد في أجوبته ودلالتها

- ‌1 - ألفاظ الوجوب:

- ‌2 - ألفاظ الندب:

- ‌3 - ألفاظ التحريم:

- ‌4 - ألفاظ دالة على الكراهة:

- ‌5 - ألفاظ دالة على الإباحة:

- ‌6 - ألفاظ تدل على التسوية في الحكم عند بعضهم، وعلى الفرق عند الآخرين:

- ‌7 - ألفاظ تدل على الإذن بأنها مذهبه مع ضعف لا يوجب الرد:

- ‌8 - ألفاظ تدل على الوقف لا غير:

- ‌9 - ألفاظ تدل على إعلام السائل بالأحكام وبيان المراد لا التوقف:

- ‌10 - ألفاظ تدل على التوسعة على السائل وترك الضيق عليه:

- ‌11 - ألفاظ تدل على رده ما عورض به من جواب من أحد أصحابه:

- ‌المبحث الثاني: مصطلحات الأصحاب في نقل المذهب وحكايته، والترجيح فيه

- ‌المبحث الثالث: مصطلحات الأصحاب في نقل بعضهم عن بعض

- ‌المبحث الرابع: حروف الخلاف في المذهب الحنبلي

- ‌المبحث الخامس: مصطلحات الكتب في كتب الحنابلة

- ‌المبحث السادس: مصطلحات الأعلام في كتب الحنابلة

- ‌المبحث السابع رموز حرفية ذكرت في كتب المذهب الحنبلي

- ‌الباب الرابع تعدد الروايات عند الإمام أحمد: أسبابه، وكيف تعامل أصحابه معها

الفصل: ‌ مقدمة في مكانة مذهب الإمام أحمد

‌الباب الأول التعريف بمذهب الإمام أحمد ومراحل نشأته وتطوره

*‌

‌ مقدمة في مكانة مذهب الإمام أحمد

قد جَعَلَ اللَّهُ أهلَ الحديثِ والعلمِ أركانَ الشريعةِ، وهدمَ بهم كلَّ بدعةٍ شنيعة، فإنَّ الكتابَ عدَّتُهم، والرَّسول صلى الله عليه وسلم حجَّتُهم، وهم أوعيةُ العلمِ وحملته، وحَفَظة السُّنة وخزنتها، طريقهم قويم، وسبيلهم مستقيم، فإذا أُضيف إلى ذلك تَحمل البلاء المُبين، وردّ شُبه المبتدعة أصحاب الجاه المُتمكنين، والوقوف سدًّا منيعًا في وجْهِ الانحراف العقائدي، ودرْء الفتنة عن جموعِ المسلمين، يظهر لك مكانةُ الإمام أحمد وعلمه وأثره في جيله وما بعده مِنْ أجيال إلى أنْ يقومَ النَّاسُ بين يدي ربِّ العالمين.

قال الإمام الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي في "المناقب": اعلم وفقك اللَّه أنه مما يتبين الصواب في الأمور المشتبهة لمن أعرض عن الهوى والتفت عن العصبية وقصد الحق بطريقه ولم ينظر في أسماء الرجال ولا في صيتهم فذلك الذي ينجلي له غامض المشتبه فأما من مال به الهوى فعسير تقويمه. واعلم أننا نظرنا في أدلة الشرع وأصول الفقه وسبرنا أحوال الأعلام المجتهدين فرأينا هذا الرجل -يعني الإمام أحمد- أوفرهم حظًّا من تلك العلوم فإنه كان من الحافظين لكتاب اللَّه عز وجل وقرأه على أساطين أهل زمانه وكان لا يميل شيئا في القرآن، ويروي قوله صلى الله عليه وسلم:"أنزل القرآن فخما ففخموه"(1)، وكان لا يدغم شيئا في القرآن إلا {اتخذتم} وبابه،

(1) رواه الطبراني "المعجم الكبير" 2/ 1426، ولفظه:"أنزل القرآن بالتفخيم".

ص: 55

كأبي بكر، ويمد مدًّا متوسطًا، وكان رضي الله عنه من المصنفين في فنون علوم القرآن من التفسير والناسخ والمنسوخ والمقدم والمؤخر إلى غير ذلك. وأما النقل فقد سلَّم الكل له بانفراده فيه بما لم ينفرد به سواه من الأئمة من كثرة محفوظه منه ومعرفة صحيحة من سقيمه وفنون علومه وقد ثبت أنه ليس في الأئمة الأعلام قبله من له حظ في الحديث كحظ مالك ومن أراد مقام معرفة أحمد في ذلك من مقام مالك فلينظر فرق ما بين المسند والموطأ. وقد كان أحمد يذكر الجرح والتعديل من حفظه إذا سئل عنه كما يقرأ الفاتحة ومن نظر في كتاب "العلل" لأبي بكر الخلال عرف ذلك ولم يكن هذا لأحد من بقية الأئمة.

وكذلك انفراده في علم النقل بفتاوى الصحابة وقضاياهم وإجماعهم واختلافهم لا تنازع في ذلك.

وأما علم العربية، فقد قال أحمد: كتبت من العربية أكثر مما كتب أبو عمرو الشيباني. وأما القياس فله من الاستنباط ما يطول شرحه (1).

قال أبو القاسم ابن الجبلي: أكثر الناس يظنون أن أحمد إنما كان أكثر ذكره لموضع المحبة وليس هو كذلك كان أحمد بن حنبل إذا سئل عن المسألة كان علم الدنيا بين عينيه.

وقال إبراهيم الحربي: أدركتُ ثلاثةً لن يرى الناس مثلهم أبدا وتعجز النساء أن يلدن مثلهم رأيت أبا عبيد القاسم ابن سلام فما مثلته إلا بجبل نفح فيه روح، ورأيتُ بِشر بن الحارث فما شبهته إلا برجل عجن من قرنه إلى قدمه عقلا، ورأيتُ أحمد بن حنبل فرأيته كأن اللَّه جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف يقول ما شاء ويمسك ما شاء.

(1)"المناقب" ص 599 - 600.

ص: 56

وقال أحمد بن سعيد الرازي: ما رأيت أسود رأس أحفظ لحديث رسول اللَّه ولا أعلم بفقهه ومعانيه من أحمد.

وروى ابن الجوزي عن عبد اللَّه بن أحمد قال: سمعت أبي يقول: قال لي الشافعي: أنتم أعلم بالحديث منا فإذا صح الحديث فقولوا لنا حتى نذهب إليه (1).

قال الإمام أبو الوفاء علي بن عقيل الحنبلي البغدادي: ومن عجيب ما نسمعه عن هؤلاء الجهال أنهم يقولون أحمد ليس بفقيه لكنه محدث، وهذا غاية الجهل؛ لأنه قد خرج عنه اختيارات بناها على الأحاديث بناء لا يعرفه أكثرهم، وخرج عنه من دقيق الفقه ما ليس نراه لأحد منهم، وانفرد بما سلموه له من الحفظ وشاركهم وربما زاد على كبارهم، ثم ذكر ابن عقيل مسائل دقيقة مما استنبطه الإمام.

ثم قال: ومما وجدنا من فقه الإمام أحمد ودقة علمه أنه سُئل عن رجلٍ نذر أن يطوف بالبيت على أربع؟ قال: يطوف طوافين ولا يطوف على أربع. فانظروا إلى هذا الفقه كأنه نظر إلى المشي على أربع فرآه مثله وخروجا عن صورة الحيوان الناطق إلى التشبيه بالبهائم، فصانه وصان البيت والمسجد عن الشهرة، ولم يبطل حكم القضية في المشي على اليدين، بل أبدلها بالرجلين اللتان هما آلة المشي.

ثم قال: ولقد كانت نوادر أحمد نوادر بالغة في الفهم إلى أقصى طبقة.

قال: ومَنْ هذا فقهه واختياراته لا يحسن بالمنصف أن يغض منه في هذا العلم وما يقصد هذا إلا مبتدع قد تمزق فؤاده من خمول كلمته وانتشار علم أحمد حتى إن أكثر العلماء: يقولون أصلي أصل أحمد، وفرعي فرع فلان،

(1)"المناقب" ص 601.

ص: 57

فحسبك ممن يرضى به في الأصول قدوة.

قال ابن الجوزي: إن أحمد ضم إلى ما لديه من العلم ما عجز عنه القوم من الزهد في الدنيا وقوة الورع ولم ينقل عن أحد من الأئمة أنه امتنع من قبول أوقاف السلاطين وهدايا الإخوان كامتناعه ولولا خدش وجوه فضائلهم رضي الله عنهم لذكرنا عنهم ما قبلوا ورخصوا بأخذه (1).

وقال قتيبة: لولا أحمد لأحدثوا في الدين، أحمد إمام الدنيا (2).

واعلم أن اختيار العلماء للمذهب المراد به: السلوك على طريقة أصوله في استنباط الأحكام وليس تقليده في الفروع، وكيف يظن بمثل أحمد بن جعفر ابن المنادي وأبي بكر النجاد، ومحمد بن الحسن أبو بكر الآجري، والحسن بن حامد، والقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفرا، وأبي الوفاء علي بن عقيل البغدادي، وأبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني، وعلي بن عبيد اللَّه الزاغواني، وموفق الدين عبد اللَّه بن قدامة المقدسي، وشيخ الإسلام المجد ابن تيمية، وحفيده الإمام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، والمحقق شمس الدين محمد بن القيم، وغيرهم أنهم مقلدون في الفروع وكتبهم الممتلئة بالأدلة طبقت الآفاق ومداركهم ومسالكهم سارت بمدحها الركبان وكتبهم ملأت قلب كل منصف من الإيمان والإيقان (3).

(1)"المناقب" ص 600.

(2)

"سير أعلام النبلاء" 11/ 195.

(3)

انظر "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل" لابن بدران ص 111 وما بعدها.

ص: 58