الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما كتب عنه الميموني مسائل، قال له الإمام أحمد: لولا الحياء منك ما تركتك تكتبها، وإنه عليَّ لشديد، والحديثُ أحبُّ إليَّ منها، قلتُ: إنما تطيب نفسي في الحمل عنك، إنك تعلم أنه منذ مضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد لزم أصحابه قوم، ثم لم يزل يكون للرجل أصحاب يلزمونه، ويكتبون، قال: مَنْ كتب؟ قلتُ: أبو هريرة، قال: وكان عبد اللَّه بن عمرو يكتب، ولم أكتب، فحفظ وضيعت. فقال لي: فهذا الحديث، فقلتُ له: فما المسائل إلا الحديث، ومن الحديث تُشْتق.
غير أن هذا لم يكن موقف الإمام أحمد الذي استمر عليه فَقد روى الخطيبُ البغدادي أنَّ إسحاقَ بن مَنصور بَلغه أن أحمدَ بن حنبلٍ رَجع عن بعضِ تلك المسائلِ التي علقها عنه، قال: فجمعَ إسحاقُ بن منصور تلكَ المسائلَ في جرابٍ وحَملها على ظهره وخرج راجلًا إلى بغداد، وهي على ظَهره، وعرضَ خطوطَ أحمدَ عليه في كل مسألةٍ استفتاهُ فيها فأقرَّ له بها ثانيًا، وأُعجب بذلك أحمدُ من شأنه.
الحاجة لهذه الموسوعة:
نستطيع القول أنَّ مَذهبَ الإمام أحمد مُودعٌ في مروياته في الحديث والفَتَاوى والأَجْوبة، ومِنْ هنا تأتي أهميةُ كُتُبِ المسائل بالنِّسبة لمذهب الإمام أحمد، فهي التي اعتمد عليها أصحابُ التصانيف في فِقْهِ الإمام.
وكما الحال في مذاهب الأئمة فقد جاء من أتباع مذهب الإمام أحمد من يعتني بجمع مسائل وأقوال الإمام، وأبرز هؤلاء أحمد بن محمد بن هارون، أبو بكر الشهير بالخلال (234 - 311)، الذي رحل إلى فارس والشام والجزيرة يطلب فقه الإمام أحمد وفتاويه وأجوبته، ولم يقتصر على الرواة الكبار للمسائل، بل تتبع الرواة على اختلافهم في الكثرة والقلة،
والمباشرين له والذين رووا عنه بواسطة، فنال من ذلك قدرًا عظيمًا لم يسبقه إليه سابق، ولم يلحقه بعده لاحِق، وأطلق على هذا الديوان "الجامع لعلوم أحمد" تارة، و"جامع الرواية عن أحمد" تارة، و"الجامع في الفقه من كلام الإمام أحمد" تارة.
وقد رتبه على الكتب والأبواب والمسائل بأسلوب فذ دقيق كما يتضح لنا من الموجود منه، ولم يظهر من هذا الجامع إلا أجزاء وهي:"الوقوف"، و"الترجل"، وكتاب "أحكام أهل الملل"، و"أحكام النساء"، وبعض الأبواب الصغيرة كـ "الحث على التجارة" و"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". إضافة إلى ما في كتاب "السنة" له -وهو في العقيدة- أما الباقي فهو في عداد المفقود.
وقد تناقل كثيرٌ من علماءِ المذهب الروايات عن الإمام أحمد في كتبهم إما من طريق الخلال أو من طريق أصحاب أحمد، غير أن الكثير منهم لم يدقق في ذكر راوي المسألة، أو لم يتقيد باللفظ الوارد عن الإمام، بل يذكر المسألة حسب السياق الذي يتكلم فيه، والطريقة التي يصنف بها.
والباحثون في المذهب في هذا العصر بحاجة للرجوع للمصدر الأصلي لأقوال الإمام أحمد بطريقة سهلة ميسورة موثقة؛ ولهذه الأسباب فإن الحاجة كانت ماسة لإعادة بناء جامع الخلال: ولا ندعي أننا قد حققنا الغاية كاملة؛ لأن هناك بعض ما لم نقف عليه برواية صريحة، لكننا نستطيع القول أننا أعدنا بناء قدرًا كبيرًا من كتاب الخلال ولكن بالطبع بطريقة مختلفة؛ بل زدنا عليه في مواضع؛ فقد وجدنا القليل من المسائل ليست لدى الخلال في الأبواب التي وصلت إلينا من جامعه، مما يدل على عدم استيعابه لكل المرويات، وقد يكون وضعها في غير هذِه الأبواب مما لم يصلنا.