الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرحلة الثالثة: مرحلة تحرير المذهب وضبطه وتنقيحه (من منتصف القرن الخامس حتى أواخر القرن التاسع الهجري)
استقر المذهب في هذه المرحلة من حيث المسائل الفقهي، لكن كان يحتاج إلى مزيد من ضبط وتحرير وتنقيح، واستيعابًا لمسائل أبواب الفقه الفرعية التي تخرج على المسائل المروية عن الإمام وعلى أصول المذهب.
وهنا جاء دور كثير من محققي المذهب وشيوخه الذين خدموا المذهب بالتصنيف في الفقه والأصول وتأليف المتون والشروح عليها، وهذِه المرحلة تضم "طبقة المتوسطين" ورأس هذِه الطبقة ورئيسها حامل لواء المذهب القاضي أبو يعلى الفراء (ت 458 هـ) وتنتهي بوفاة ابن مفلح (ت 884 هـ)، وهي طبقة حافلة بشيوخ المذهب الكبار، وبيوت الحنابلة في العراق والشام (1)، ويدخل في هذِه المرحلة المرداوي (ت 885 هـ) وهو من المصنفين في "طبقة المتأخرين".
وقد حوت "طبقة المتوسطين" وحدها نحو (166) علمًا من فقهاء المذهب، وقد بلغت تآليفهم في الفقه الحنبلي وأصوله نحو (5) كتابًا.
ويمكن أن نوجز أهم جهود رجال هذِه المرحلة في:
أولًا: ضبط القواعد العامة في نقل المسائل المروية عن الإمام أحمد وأصحابه، ومن ثَمَّ تبين ما هو منصوص، وما ليس منصوصًا، وما هو منصوص: هل فيه رواية واحدة أو أكثر؟ وهل الروايات المتعددة مختلفة أو متفقة؟ وهكذا.
ثانيًا: تخريج الفروع على الأصول، وبناء غير المنصوص على
(1) انظر "المدخل المفصل" الشيخ بكر أبو زيد 1/ 463 وما بعدها.
المنصوص.
ثالثًا: الترجيح بين الروايات، والوجوه، والاحتمالات، وتولدت من جراء ذلك عدة اصطلاحات فنية استخدامية.
وهذا النوع من النشاط الاجتهادي امتد حتى عصور متأخرة، وكثرت عليه التعقبات والتصحيحات، حتى أواخر القرن التاسع تقريبًا، وكان خاتمتهم في ذلك العلامة المرداوي (885 هـ).
رابعًا: وضع "قواعد" عامة و"ضوابط" خاصة لفقه المذهب، وتنظيم فروعه، ليسهل على الطلاب والعلماء والمحققين معرفة القول الشاذ من المطرد، ورد كل حكم إلى قاعدته ما أمكن، وجمع النظير إلى النظير، وقرن الشبيه بالشبيه، وضبط ما يمكن ضبطه من المتشابهات في الباب الواحد بضابط عام، كما ظهرت إلى جانب ذلك جهود كثيرة في تحديد "الفروق" بين المسائل المتشابهة.
خامسًا: استكمال البحث في أصول الفقه الحنبلي على غرار المذاهب الأخرى.
سادسًا: إثراء المذهب بالمصطلحات المختلفة المتنوعة، كالاصطلاحات المفردة في ألفاظ الإمام أحمد، والاصطلاحات المختصة بالنقل والرواية، والاصطلاحات المختصة بالترجيح وطرقه، والاصطلاحات اللفظية الموضوعية في التعبير عن الأحكام، ومختلف أنواعها ودرجاتها.
وهذِه المصطلحات كثرت وطغت على كتب المختصرات، ومصنفات المتأخرين، الذين عنوا بتصحيح المذهب، وتولد عند الحنابلة فقه خاص بالمصطلحات يسمى "لغة الفقهاء". ويعد ابن الجوزي (597 هـ) في كتابة