الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمَةٍ نِكَاحُ كَافِرٍ بِحَالٍ، وَلَا لِمُسْلِمٍ نِكَاحُ كَافِرَةٍ، إلا حَرَائِرَ أَهْلَ الْكِتَابِ،
ــ
عَقَد أحَدٌ نِكاحًا لمُحْرِم أو على مُحْرِمَةٍ، أو عَقَد المُحْرِمُ نِكاحًا لنفسِه أو لغيرِه، لم يَصِحَّ؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَنْكِحُ المُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ، وَلَا يَخْطُبُ» . رَواه مسلمٌ (1). وعنه، أنَّ عَقْدَ المُحْرِمِ النِّكاحَ لغيرِه صحيحٌ؛ لأنَّه حَرُمَ عليه، لكَوْنِه مِن دَواعِي الوَطْءِ، ولا يَحْصُلُ ذلك بكونِه وَليًّا. والأَوَّلُ أوْلَى؛ لعُمُومِ الخَبَرِ. وقد ذَكَرْنا هذه المسألةَ في الحَجِّ، وذكرنا الاخْتِلافَ فيها.
3154 - مسألة: (ولا يَحِلُّ لمُسْلِمَةٍ نِكاحُ كافِرٍ بحالٍ)
لقولِ اللهِ تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} (2). ولقولِه سبحانه: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ} (3). ولا نَعْلَمُ خِلافًا في ذلك.
3155 - مسألة: (ولا)
يَحِلُّ (لمُسْلِمٍ نِكاحُ كافِرَةٍ بحالٍ، إلَّا حَرائِرَ أهْلِ الكِتابِ) ليس بينَ أهلِ العلمِ، بحمدِ اللهِ، اخْتِلافٌ في حِلِّ حَرائِرِ (4) أهلِ الكتابِ للمُسْلِمِ، ومِمَّن رُوِيَ عنه ذلك؛ عمرُ،
(1) تقدم تخريجه في 8/ 325.
(2)
سورة البقرة 221.
(3)
سورة الممتحنة 10.
(4)
في م: «نساء» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعثمانُ، وطلحةُ، وحذيفةُ، وسلمانُ، وجابرٌ، وغيرُهم. قال ابنُ المُنْذِرِ: لا يَصِحُّ عن أحدٍ مِن الأوائِلِ أنَّه حَرَّمَ ذلك. وروَى الخَلَّالُ بإسنادِه، أنَّ حُذيفَةَ، وطلحةَ، والجارودَ بنَ المُعَلَّى، وأُذَينَةَ العَبْدِيَّ، تَزَوَّجوا نساءً مِن أهلِ الكتابِ. وبه قال سائِرُ أهلِ العلمِ، ولم يُنْقَلْ تَحْرِيمُه إلَّا عن الإِمَامِيَّةِ، تَمَسُّكًا بقولِه تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} . و: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} . ولَنا، قولُ الله تعالى:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} . إلى قولِه: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (1). وإجْماعُ الصحابةِ. فأَمَّا قولُه سبحانَه: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} . فرُوِيَ عن ابنِ عباسٍ، أنَّها نُسِخَتْ بالآيةِ التي في سورةِ المائِدَةِ. وكذلك يَنْبَغِي أن يكونَ ذلك في الآيةِ الأُخْرَى؛ لأنَّهُما مُتَقَدِّمتان، والآيَةُ التي في المائِدَةِ مُتأخِّرَةٌ عنهما. وقال آخرون: ليس هذا نَسْخًا، فإنَّ لَفْظَةَ
(1) سورة المائدة 5.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُشْرِكين [بإطلَاقِها، لا تَتَناوَلُ أهلَ الكتابِ، بدلِيلِ قولِه سبحانه: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ](1) مُنْفَكِّينَ} (2). وقال: {إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} (3). وقال: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} (4). وقال: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ} (5). وسائِرُ آيِ (6) القرآنِ يَفْصِلُ بينَهما (7)، فدَلَّ على أنَّ لَفْظَةَ المشركين بإطلاقِها لا تَتَناوَلُ أهلَ الكتابِ خاصَّةً (8)، وهذا مَعْنَى قول سعيدِ بنِ جُبَيرِ، وقَتادَةَ، ولأنَّ ما احْتَجُّوا به عامٌّ في كلِّ كافِرَةٍ (9)، [وآيَتُنا خاصَّةٌ](10) في حِلِّ (11) نساءِ أهلِ الكتابِ، والخاصُّ يَجِبُ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سورة البينة 1.
(3)
سورة البينة 6.
(4)
سورة المائدة 82.
(5)
سورة البقرة 105.
(6)
سقط من: الأصل.
(7)
في الأصل: «بينهم» .
(8)
سقط من: م.
(9)
في النسختين: «كافر» . والمثبت من المغني 9/ 546.
(10)
في م: «وما بينا خاص» .
(11)
في الأصل: «كل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَقْدِيمُه. إذا ثَبَت هذا، فالأَوْلَى أن لا يَتَزَوَّجَ كِتابِيَّةً؛ لأنَّ عمرَ قال للَّذينَ تَزَوَّجُوا نساءً مِن (1) أهلِ. الكتابِ: طَلِّقُوهُنَّ. فَفَعَلُوا إلَّا حُذَيفَةَ، فقال له عمرُ: طَلِّقْها. قال: أتَشْهَدُ أنَّها حرامٌ؟ قال: هي جَمْرَةٌ (2)، طَلِّقْها. قال: تَشْهدُ أنَّها حرامٌ؟ قال: هي جَمْرةٌ (2). قال: قد عَلِمْتُ أنَّها جَمْرةٌ (2)، ولكنَّها لي حلالٌ. فلما كان بعدُ طَلَّقَها، فَقِيلَ له: أَلَا طَلَّقْتَها حينَ أمَرَكَ عمرُ؟ قال: كَرِهْتُ أن يَرَى النَّاسُ أنِّي رَكِبْتُ أمْرًا لا يَنْبَغِي لي (3). ولأنَّه رُبَّما مال إليها قَلْبُه (4) فَفَتَنَتْه، ورُبَّما كان بينَهما وَلَدٌ فيَمِيلُ إليها.
فصل: وأهْلُ الكتابِ الذِينَ هذا حُكْمُهم، أهلُ التَّوْراةِ والإِنْجِيلِ، قال اللهُ تعالى:{أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَينِ مِنْ قَبْلِنَا} (5). فأهلُ التَّوْراةِ اليَهُودُ والسَّامِرَةُ، وأهلُ الإِنْجِيلِ النَّصارَى ومَن وافَقَهم مِن [الإِفْرنْجِ و](6) الأرْمَنِ، وغيرِهم. وأمّا الصَّابِئونَ فاخْتَلَفَ فيهم السَّلَفُ كثيرًا، فرُوىَ عن أحمدَ أنَّهم جِنْسٌ مِن النَّصارَى.
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «حرة» .
(3)
أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 6/ 78، 79، 7/ 176، 177. وانظر ما أخرجه سعيد، في: سننه 1/ 193، 194. وابن أبي شيبة، في: المصنف 4/ 158. والبيهقي، في: السنن الكبرى 7/ 172.
(4)
سقط من: الأصل.
(5)
سورة الأنعام 156.
(6)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ونَصَّ عليه الشافعيُّ، وعَلَّقَ القولَ فيهم في موضعٍ آخَرَ. وعن أحمدَ قال: بَلَغَنِي أنَّهم يَسْبِتُونَ، فهؤلاءِ إذًا يُشْبِهُون اليَهُودَ. والصحيحُ فيهمِ أنَّهم إن (1) كانوا يُوافِقون اليهودَ أو النَّصارَى في أصْلِ دِينِهم، ويُخالِفُونهمَ في فُرُوعِه (2)، فهم مِمَّن وَافَقُوه (3)، وإن خَالفُوهم في أصلِ الدِّينِ، فليس هم منهم. فأمّا مَن سِوَى هؤلاء مِن الكفارِ، مثلَ المُتَمَسِّكِ بصُحُفِ إبراهيمَ وشِيثٍ، وزَبُورِ دَاودَ، فليسوا بأهلِ كتابٍ، لا تَحِلُّ مُناكَحَتُهم ولا ذَبائِحُهُم. وهذا قولُ الشافعيِّ. وذَكَر القاضي فيه وَجْهًا آخَرَ، أنَّهم مِن أهلِ الكتابِ، تَحِلُّ ذَبائِحُهُم، ونِكاحُ نسائِهم، ويُقَرُّونَ بالجِزْيَةِ؛ لأنَّهم تَمَسَّكُوا بكتابٍ مِن كُتُبِ اللهِ، فأشْبَهوا اليهودَ والنَّصارَى. [ولَنا، قولُ اللهِ تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَينِ مِنْ قَبْلِنَا}. ولأنَّ تلك الكُتُبَ كانت مواعِظَ وأمْثَالًا، [لا أحكامَ فيها](4)، فلم يَثْبُتْ لها حكمُ الكُتُبِ المُشْتَمِلَةِ على الأحْكامِ] (5).
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «فروعهم» .
(3)
في م: «وافقوهم» .
(4)
في م: «فيها أحكام» . والمثبت من المغني 9/ 547.
(5)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فأَمَّا المَجُوسُ، فليس لهم كتابٌ، ولا تَحِلُّ ذَبائِحُهم، ولا نِكاحُ نسائِهم. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو قولُ عامَّةِ العلماءِ، إلَّا أبا ثَوْرٍ، فإنَّه أباحَ ذلك؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«سُنُّوا بِهِم سُنَّةَ أهْلِ الْكِتَابِ» (1). ولأنَّه يُرْوَى أنَّ حُذَيفَةَ تَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً (2). ولأنَّهم يُقَرُّونَ بالجِزْيَةِ، فأشْبَهُوا اليهودَ والنَّصارَى. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} (3). وقولُه: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} (4). فخصَّ (5) مِن (6) ذلك أهلَ الكِتابِ، فمَن عدَاهُم يَبْقَى على العُمُومِ، ولم يَثْبُتْ أنَّ للمَجُوسِ كتابًا. وسُئِلَ أحمدُ: أيَصِحُّ (7) أنَّ للمَجُوسِ كِتَابًا؟ فقال: هذا باطلٌ. واسْتَعْظَمَه جدًّا. ولو ثَبَت أنَّ لهم كِتابًا، فقد بَيَّنَّا أنَّ
(1) أخرجه الإمام مالك، في: باب جزية أهل الكتاب والمجوس، من كتاب الزكاة. الموطأ 1/ 278.
(2)
أخرجه البيهقي، في: السنن الكبرى 7/ 173، وقال: فهذا غير ثابت، والمحفوظ عن حذيفة أنه نكح يهودية.
(3)
سورة البقرة 221.
(4)
سورة الممتحنة 10.
(5)
في الأصل: «فرخص» .
(6)
سقط من: م.
(7)
بعده في المغني 9/ 548: «عن علي» . وانظر ما تقدم في 10/ 396، 397.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حُكْمَ أهلِ الكتابِ لا يَثْبُتُ لغَيرِ (1) أهلِ الكِتابَين. وقولُه عليه الصلاة والسلام: «سُنُّوا بِهِم سُنَّةَ أَهْلِ الكِتَابِ» . دليلٌ على أنَّه لا (2) كِتابَ لهم، وإنَّما أرادَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حَقْنِ دِمائِهم وإقْرَارِهم بالجِزْيَةِ لا غيرُ، وذلك أنَّهم لمّا كانت لهم شُبْهَةُ كتابٍ، غُلِّبَ ذلك في تَحْرِيمِ دِمائِهم، فيجِبُ أن يُغَلَّبَ حُكْمُ التَّحْرِيمِ لنسائِهم وذبائحِهم، فإنَّا إذا غَلَّبْنَا الشُّبْهَةَ في التَّحريمِ، فتَغْلِيبُ الدليلِ الذي عارضتْه الشُّبْهَةُ في التَّحريمِ أوْلَى، ولمِ يَثْبُتْ أنَّ حُذَيفَةَ تَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً، [وضَعَّفَ أحمدُ روايةَ مَن روَى عن حُذيفَةَ أنَّه تَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةَ](3)، وقال: أبو وائِلٍ يقولُ: تَزَوَّجَ بيَهُودِيَّةٍ. وهو أوْثَقُ مِمَّن روَى عنه أنَّه تَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً. وقال ابنُ سيرينَ: كانتِ امرأةُ حُذَيفَةَ نَصْرَانِيَّةً. ومع (4) تعارُضِ الرِّواياتِ لا يَثْبُتُ حكمُ إحدَاهُنَّ إلَّا بتَرْجيحٍ، ولو ثَبَت عن حُذَيفَةَ، لم يَجُزْ الاحْتِجاجُ به مع مُخالفَةِ الكِتابِ وقولِ سائِرِ العلماءِ. وأمّا إقْرَارُهم بالجِزْيَةِ، فلأنَّنا غَلَّبْنَا حكمَ التَّحْريم [لدِمائِهم، فيَجِبُ أن نُغَلِّبَ حُكْمَ التَّحْريمِ](5) في ذَبائحِهِم ونسائِهم.
(1) في م: «بغير» .
(2)
سقط من: م.
(3)
سقط من: م.
(4)
في الأصل: «وقع» .
(5)
سقط من: الأصل.