الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَن يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخيهِ إِنْ أُجِيبَ، وَإنْ رُدَّ، حَلَّ، وَإنْ لَمْ يَعْلَمِ الْحَال فَعَلَى وَجْهَينِ.
ــ
ومُواعَدَةُ السِّرِّ أن يقولَ: عندِي جِماعٌ يُرْضِيكِ. [ونحوُه قولُه: رُبَّ جِماعٍ يُرْضيكِ](1). فنُهِيَ عنه لِما فيه مِن الهُجْرِ والفُحْشِ والدَّناءَةِ والسُّخْفِ.
فصل: فإن صَرَّحَ بالخِطْبَةِ، أو عَرَّضَ في مَوْضِعٍ يَحْرُمُ التَّعْرِيضُ، ثم تَزَوَّجَها بعدَ حِلِّها، صَحَّ نِكاحُه. وقال مالِكٌ: يُطَلِّقُها تَطْلِيقَةً، ثم يَتَزَوَّجُها. ولا يَصِحُّ هذا؛ لأنَّ هذا المُحَرَّمَ لم يُقارِنِ (2) العَقْدَ، فلم يُؤثِّرْ فيه، كما في النِّكاحِ الثانِي، أو كما لو رَآها مُتَجَرِّدَةً ثم تَزَوَّجَها.
3077 - مسألة: (ولا يَجُوزُ للرجلِ أن يَخْطُبَ على خِطْبَةِ أخِيه إن أُجِيبَ، وإن رُدَّ، حَلَّ، وَإن لم يَعْلَمِ الحَال فعلى وَجْهَين)
الخطْبَةُ بالكَسْرِ: خِطْبَةُ الرجلِ المرأةَ ليَتَزَوَّجَها. وبالضَّمَ: حَمْدُ اللهِ والتَّشَهُّدُ. ولا يَخْلُو حالُ المَخْطُوبَةِ مِن ثَلاثةِ أقْسام:
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل: «يفارق» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحَدُها، أن تَسْكُنَ إلى الخاطِبِ لها، فتُجِيبَه، أو تَأذَنَ لوَلِيِّها في إجابَتِه، فهذه يَحْرُمُ على غيرِه خِطْبَتُها؛ لما روَى ابنُ عُمرَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«لَا يَخْطُبُ أحدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أخيهِ» . وعن أبي هُريرةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَخْطُبُ احدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أخِيهِ، حَتَّى يَنْكِحَ أو يَتْرُكَ» . مُتَّفَق عليهما (1). ولأنَّ في ذلك إفسادًا على الخاطِبِ الأوَّل، وإيقاعَ العَداوَةِ بينَ الناسِ، ولا نَعْلَمُ في هذا خِلافًا بينَ أهلِ العِلْمِ، إلَّا أنَّ قَومًا حَمَلُوا النَّهْيَ على الكَراهَةِ، والأوَّلُ أوْلَى.
(1) تقدم تخريجهما في 11/ 179، 180. ويعدل في تخريج الحديث الأول عارضة الأحوذي من 1/ 480 إلى 5/ 70. وحديث أبي هريرة بهذا اللفظ إنما أخرجه البخاري، في: باب لا يخطب على خطبة أخيه. . . .، من كتاب النكاح. صحيح البخاري 7/ 24. والنسائي، في: باب النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، من كتاب النكاح. المجتبى 6/ 60. وليس هذا اللفظ عند مسلم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القسمُ الثاني، أن تَرُدَّه أو (1) لا تَرْكَنَ إليه، فيجوزُ خِطبَتُها؛ لما رَوَتْ فاطِمَةُ بِنتُ قَيس أنها أتَتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فذَكَرَتْ أنَّ مُعاويَةَ وأبا جَهْم خَطَباها، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«أمَّا مُعاويَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَال له، وَأمَّا أبو جَهْم فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، انْكِحِي أسَامَةَ بنَ زَيدٍ» . مُتَّفَقٌ عليه (2). فخَطَبَها النبي صلى الله عليه وسلم بعدَ إخبارِها إيَّاه بخِطْبَةِ مُعاويَةَ وأبي جَهْم لها. ولأنَّ تَحْرِيمَ خِطْبَتِها على هذا الوَجْهِ إضرارٌ بها؛ فإنَّه لا يَشاءُ أحَدٌ أن يَمْنَعَ المراة النِّكاحَ (1) إلَّا مَنَعَها بخِطْبَتِه إيَّاها. وكذلك لو عَرَّضَ لها في عِدَّتِها بالخِطْبَةِ فقال: لا تَفُوتِيني بنَفْسِكِ. وأشْبَاه هذا، لم تَحْرُمْ خِطْبَتُها؛ لأنَّ في قِصَّةِ فاطمةَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«لَا تَفُوتِينَا بِنَفْسِكِ» .
(1) سقط من: م.
(2)
تقدم تخريجه في 11/ 181، وفي صفحة 53.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولم يُنْكرْ (1) خِطْبَةَ أبي جَهْم ومُعاويَةَ لها. وذَكَر ابنُ عبدِ البَرِّ (2) أنَّ ابنَ وَهْبٍ روَى بإسنادِه عن الحارِثِ بنِ سعدِ بنِ أبي ذُبابٍ (3)، أنَّ عمرَ بنَ الخطَّابِ خَطَب امرأةً على جَريرِ بنِ عبدِ اللهِ، وعلى مَرْوانَ بنِ الحَكَمِ، وعلى عبدِ اللهِ بنِ عمرَ، فدَخَلَ على المرأةِ وهي جالِسَةٌ في بيتها، فقال عمرُ: إنَّ جَرِيرَ بنَ عبدِ اللهِ خَطَب، وهو سَيِّدُ أهلِ المشرِقِ، ومروانَ يَخطُبُ، وهو سَيِّدُ شَبابِ قُرَيش، وعبد الله بِنَ عُمرَ، وهو مَن قد عَلِمْتم، وعمرَ بنَ الخطابِ. فكَشَفَتِ المراة السِّتْرَ، فقالت: أجادٌّ أميرُ المؤمنينَ؟ فقال: نعم. فقالت: قد أنْكحْتُ أميرَ المؤمنينَ، فأنْكحُوه. فهذا عمرُ قد خَطَب على واحدٍ بعدَ واحدٍ، قبلَ أن يَعْلَمَ ما تقولُ المرأةُ في الأوَّلِ.
(1) في م: «يذكر» .
(2)
في: الاستذكار 11/ 16، والتمهيد 13/ 21. كما أخرجه ابن عساكر في تاريخه 16/ 344.
(3)
في م: «سعيد عن أبي رئاب» .
وهو الحارث بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد بن أبي ذباب. انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 2/ 147.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القسمُ الثالثُ: أن يُوجَدَ مِن المرأةِ ما يَدُلُّ على الرِّضَا والسُّكُونِ، تَعْرِيضًا لا تَصْريحًا، كقولِها: ما أنْتَ إلَّا رِضًا. و: ما عَنْكَ رَغْبَةٌ. فهذا في حُكْمِ الأوَّلِ، لا يَحِلُّ لغيرِه خِطْبَتُها. هذا ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، وظاهِرُ كلامِ أحمدَ، فإنَّه قال: إذا رَكَن بعضُهم إلى بعضٍ، فلا يَحِلّ لأحدٍ أن يَخْطُبَ. والرُّكُونُ يُسْتدلُّ عليه بالتَّعْرِيضِ تارَةً، وبالتَّصريح أخْرَى. وقال القاضي: ظاهِرُ كلامِ أحمدَ إباحَةُ خِطْبَتِها. وهو مذهبُ الشافعي في الجديدِ؛ لحديثِ فاطمةَ، حيثُ خَطَبَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم. وزَعَموا أنَّ الظاهِرَ مِن كلامِها رُكُونُها إلى أحَدِهِما. واسْتَدَلَّ القاضي بخِطْبَتِه لها قبلَ سُوالِها هل وُجِد منها ما دلَّ على الرِّضَا أو لا. ولَنا، عُمُومُ قولِه عليه الصلاة والسلام:«لا يَخْطُبُ أحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أخيهِ» . ولأنَّه وُجِد منها (1) ما دَلَّ على الرِّضَا، فحَرُمَتْ خِطْبَتُها، كما لو صَرَّحَتْ بذلك. وأمّا حديثُ فاطمةَ، فلا حُجَّةَ لهم فيه، فإنَّ فيه ما يَدُلَّ على أنَّها لم تَرْكَنْ إلى واحِدٍ منهما مِن وَجهَينَ؛ أحَدُهما، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم
(1) سقط من: الأصل.