الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ تَزَوَّجَ أمَةً يَظُنُّهَا حُرَّةً، فَأصَابَهَا، وَوَلَدَتْ مِنْهُ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَيَفْدِيهِمْ بِمِثْلِهِمْ يَوْمَ ولَادَتِهِمْ، وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ غَرَّهُ، وَيُفَرَّقُ بَينَهُمَا إِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الإمَاءِ، وَإنْ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، فَلَهُ الْخِيَارُ، فَإِنْ رَضِيَ بِالْمُقَامِ مَعَهَا، فَمَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَهُوَ رَقِيقٌ،
ــ
قولُ الشَّافعيِّ، كما إذا شَرَطَ ذلك.
3182 - مسألة: (وإن تَزَوَّجَ أمَةً يَظُنُّها حُرَّةً)
أو على أنَّها حُرَّة (فأصابَها، وَوَلدت منه، فالوَلَدُ حُرٌّ، ويَفْدِيهم بمِثْلِهِم يَوْمَ ولادَتِهم، ويَرْجِعُ بذلك على مَن غَرَّه، ويُفَرَّقُ بينَهما إن لم يَكُنْ مِمّن يجوزُ له نِكاحُ الإماءِ، وإن كان مِمَّن يجوزُ له) نِكاحُ الإِماءِ (فله الخِيارُ، فإن رَضِيَ بالمُقامِ معها، فما وَلَدَتْ بعدَ ذلك فهو رَقِيقٌ) الكلامُ في هذه المسألةِ في فصولٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحَدُها، أنَّ النِّكاحَ لا يَفْسُدُ بالغُرُورِ. وهو قولُ أبي حنيفةَ. وقال الشافعي في أحدِ قَوْلَيه: يَفْسُدُ، لأنَّه عَقَدَ على حُرَّةٍ، ولم تُوجَدْ، فأشْبَهَ ما لو قال: بِعْتُكَ هذا الفَرَسَ. فإذا هو حمارٌ. ولَنا، أنَّ المَعْقُودَ عليه في النِّكاحِ الشَّخْصُ دُونَ الصِّفاتِ، فلا يُؤَثِّرُ عَدَمُها في صِحَّتِه، كما لو قال: زَوَّجْتُكَ هذه الحسناءَ. فإذا هي شَوْهاءُ (1). وكذا نقولُ في الأصلِ الذي ذَكَرُوه: إنَّ العَقْدَ صَحِيحٌ، لأنَّ المَعْقُودَ عليه العَينُ المُشارُ إليها. وإن سَلَّمْنا، فالفَرْقُ بينَهما مِن وَجْهَين؛ أحَدُهما، أنَّ ثَمَّ فاتتِ (2) الذاتُ، فإنَّ ذاتَ الفَرَسِ غيرُ ذاتِ الحمارِ، وهاهُنا اخْتَلَفَا في الصِّفَاتِ. والثاني، أنَّ البَيعَ يُؤثِّرُ فيه فَواتُ الصِّفاتِ، بدَليلِ أنَّه يُرَدُّ بفَوَاتِ أيِّ شيءٍ كان فيه نَفْعٌ منها، والنِّكاحُ بخِلافِه.
(1) في م: «سوداء» .
(2)
في م: «الفائت» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الفصل الثاني: أنَّ أوْلادَه منها أحْرارٌ، بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه؛ لأنَّه اعْتَقَدَ حُرِّيَّتَها، فكان وَلَدُه أحرارًا؛ لاعْتِقادِه (1) ما يَقْتَضِي حُرِّيَّتَهم، كما لو اشْتَرَى جارِيَةً يَظُنُّها مِلْكًا لبائِعِها، فبانتْ مَغْصُوبَةً بعدَ أن أوْلَدَها.
(1) في م: «كاعتقاده» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الفصل الثالث: أنَّ على الزَّوْجِ فِداءَ أوْلادِه. كذلك قَضَى عمرُ، وعليٌّ، وابنُ عباس. وهو قولُ مالكٍ، والثَّوْرِيِّ، والشافعَيِّ، وأبي ثَوْرٍ، وأصحابِ الرَّأْي. وعن أحمدَ رِوايةٌ أُخْرَى، ليس عليه فِدَاؤُهُم؛ لأنَّ الوَلَدَ يَنْعَقِدُ حُرَّ الأصْلِ، فلم يَضْمَنْه لسَيِّدِ الأمَةِ (1)؛ لأنَّه لم يَمْلِكْه. وعنه أنَّه يُقالُ له:[افْتَدِ أوْلادَكَ](2)، وإلَّا فهم يَتْبَعُونَ الأُمَّ. فظاهِرُ هذا أنَّه خَيَّرَه بينَ فِدَائِهِم وبينَ تَرْكِهِم رَقِيقًا؛ لأنَّهم رَقِيقٌ بحُكْمِ الأصْلِ، فلم يَلْزَمْه فِداؤُهم، كما لو وَطِئَها وهو يَعْلَمُ رِقَّها. قال الخَلَّالُ:
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «افتداء أولاده» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اتُّفِقَ عن أبي عبدِ اللهِ أنَّه يَفْدِي وَلَدَه، وقال إسحاقُ عنه في موضعٍ: إنَّ الوَلَدَ له، وليس عليه أن يَفْدِيَهُم. وأحْسَبُه قولًا أوَّلَ لأبي عبدِ اللهِ. والصَّحيحُ أنَّ عليه فِداءَهم؛ لقَضاءِ الصحابةِ به، ولأنَّه نَماءُ الأمَةِ المَمْلُوكَةِ، فسَبِيلُه أن يكونَ مَمْلوكًا لمالِكِها، وقد فَوَّتَ رِقَّه باعْتِقادِ الحُريَّةِ، فلَزِمَه ضَمانُهم، كما لو فَوَّتَ رِقَّهُم بفِعْلِه. وفي فِدائِهم ثلاثُ مَسائلَ؛ الأُولَى، في وَقْتِه، وذلك حينَ وَضْعِ الوَلَدِ. قَضَى بذلك عمرُ، وعليٌّ، وابنُ عباس. وهو قولُ الشافعيِّ. وقال أبو بكر، والثَّوْرِيُّ، وأصحابُ الرَّأْي: يَضْمَنُهُم بقِيمَتِهم يومَ الخُصُومَةِ؛ لأنَّه إنَّما يَضْمَنُهم بالمَنْعِ، ولم يمْنَعْهُم إلَّا حال الخُصُومَةِ. ولَنا، أنَّه مَحْكُومٌ بحُرِّيَّتِه عندَ الوَضْعِ، فوَجَبَ أن يَضْمَنَه حِينَئِذٍ؛ لأنَّه فات رِقُّه مِن حِينِئذٍ، ولأنَّ القِيمَةَ التي تزِيدُ بعدَ الوَضْعِ لم تَكُنْ مَمْلُوكَةً لمالِكِ الأمَةِ، فلم يَضْمَنْها، كما بعدَ الخُصُومةِ. فإن قِيلَ: فقد كان مَحْكُومًا بحُرِّيَّتِه وهو [حينَ العُلُوقِ](1). قُلْنا: إنَّه لم يُمْكِنْ (2) تَضْمِينُه حينَئذٍ؛ لعَدَمِ قِيمَتِه والاطِّلاعِ عليه، فأوْجَبْنا ضَمانَه في أوَّلِ حالٍ أمْكَنَ تَضْمِينُه، وهو حالُ الوَضْعِ.
(1) في م: «جنين» .
(2)
في النسختين: «يكن» . وانظر المغني 9/ 442.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المسألةُ الثانيةُ، في صِفَةِ الفِداءِ، وفيها ثلاثُ رِواياتٍ، إحْداهُنَّ، بقِيمَتِهم. وهو قولُ أكثرِ الفقهاءِ؟ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أعْتَقَ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ، قُوِّمَ عَلَيهِ نصِيب شَرِيكِهِ» (1). ولأنَّ الحَيَوانَ مِن المُتَقَوَّماتِ، لا مِن ذَواتِ الأمْثالِ، فيَجِبُ ضَمانُه بقِيمَتِه، كما لو أتْلَفَه. والثانيةُ، يَضْمَنُهُم بمِثْلِهِم عَبِيدًا، الذَّكَرُ بذَكَرٍ، الأُنْثَى بأْنْثَى؛ لِما روَى سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، قال: أَبقَتْ (2) جارِيةٌ لرجل مِن العَرَب، وانْتَمَتْ إلى بعضِ العَرَبِ، فتَزَوَّجَها رجلٌ مِن بَنِي عُذْرَةَ، ثم إنَّ سَيِّدَها دَبَّ، فاسْتاقَها واسْتَاقَ وَلَدَها، فاخْتَصَمُوا إلى عمرَ بنِ الخَطَّابِ، رضي الله عنه، فقَضَى للعُذْرِيِّ بفِداءِ وَلَدِه بغُرَّةٍ (3) غُرَّةٍ؛ مَكانَ كلِّ غُلامٍ بغُلامٍ، ومَكانَ كلِّ جارِيةٍ بجارِيةٍ، وكان عمرُ يُقَومُ الغُرَّةَ على أهلِ القُرَى ومَن لم يَجِدْ غُرَّةً سِتِّينَ دِينارًا. ولأنَّ وَلَدَ المَغْرُورِ حُرٌّ، فلا يُضْمَنُ بِقيمَتِه، كسائرِ الأحْرارِ. فعلى هذه الرِّوايةِ، يَنْبَغِي أن يُنْظَرَ إلى مِثْلِهِم في الصِّفاتِ
(1) تقدم تخريجه في 15/ 259.
(2)
في م: «بعت» .
(3)
في م: «يعني» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تقريبًا؛ لأنَّ الحَيَوانَ ليس مِن ذَواتِ الأمْثالِ. ويَحْتَمِلُ أن يَجِبَ مِثْلُهُم في القِيمَةِ. وهو قولُ أبي بكرٍ. والثالثةُ، هو مُخَيَّرٌ بينَ فِدائِهم بمِثْلِهِم أو قِيمَتِهم. قال أحمدُ في روايةِ المَيمُونِيِّ: إمَّا القِيمَةُ أو رَأْسٌ برَأْسٍ؛ لأنَّهما جميعًا يُرْوَيان عن عمرَ، ولكن لا أَدْرِى أيُّ الإِسْنادَين أقْوَى. وهذا اختيارُ أبي بكرٍ. قال في «المُقْنِعِ»: الفِدْيَةُ غُرَّةٌ بقَدْرِ القِيمةِ، أو القِيمةُ، وأيُّهما أعْطَى أجْزَأَ. ووَجْهُ ذلك أنَّه تَرَدَّدَ بينَ الجَنِينِ الذي يُضْمَنُ بغُرَّةٍ، وبينَ إلْحاقِه بغيرِه (1) مِن المَضْموناتِ، فاقْتَضَى التَّخْيِيرَ بينَهما. والصحيحُ أنَّه يُضْمَنُ بالقِيمَةِ، كسائرِ المَضْمُوناتِ المُتَقَوَّماتِ. وقولُ عمرَ قد اخْتُلِفَ عنه فيه، قال أحمدُ في روايةِ أبي طالبٍ: وعليه قِيمَتُهُم، مثل قولِ عمرَ. وإذا تعارَضَتِ الرِّواياتُ عنه، وَجَب الرُّجُوعُ إلى القِياسِ.
المسألة الثالثة (2): في مَن يُضْمَنُ منهم، وهو (3) مَن وُلِدَ حَيًّا في وَقْتٍ يعيشُ لمِثْلِه، سَواءٌ عاش أو مات بعدَ ذلك. وقال مالكٌ، والثَّوْرِيُّ،
(1) في م: «بغرة» .
(2)
في الأصل: «الثانية» .
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأبو ثَوْرٍ، وأصحابُ الرَّأْي: لا ضَمانَ على الأبِ لمَن ماتَ منهم قبلَ الخُصُومَةِ. وهذا يَنْبَنِي على وَقْتِ الضَّمانِ (1)، وقد ذكَرْناه. فأمَّا السَّقْطُ ومَن وُلِدَ لوَقْتٍ لا يَعِيشُ [في مِثْلِه](2)، وهو دون سِتَّةِ أشْهُرٍ، فلا ضَمانَ له؛ لأنَّه لا قِيمَةَ له.
فصل في المَهْرِ: ولا يَخْلُو أن يكونَ مِمَّن يَجُوزُ له نِكاحُ الإِماءِ أو لا؛ فإن كان مِمَّن يَجُوزُ له ذلك، وقد نَكَحَها نِكاحًا صحيحًا، فلها المُسَمَّى، فإن كان لم يدْخُلْ بها واختارَ الفَسْخَ، فلا مَهْرَ لها؛ لأنَّ الفَسْخَ لعُذْرٍ مِن جِهَتِها، فهي كالمَعِيبَةِ يُفْسَخُ نِكَاحُها، وإن كان مِمَّن لا يجوزُ له (3) نِكاحُ الإِمَاءِ، فالعَقْدُ فاسِدٌ مِن أصْلِه، ولا مَهْرَ فيه إن كان قبلَ الدُّخولِ، فإن دَخَل بها، فعليه مَهْرُها. وهل يَجبُ المُسَمَّى أو مَهْرُ المِثْلِ؟ على روايتَين، يُذْكَران في الواجِبِ في النِّكَاحِ الفاسدِ، إن شاء اللهُ تعالى. وكذلك إن كان مِمَّن يجوزُ له نِكاحُ الإِمَاءِ، لكن تَزَوَّجَها بغيرِ إذْنِ سَيِّدِها، أو نحو ذلك ممّا يَفْسُدُ به النِّكاحُ.
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «لمثله» .
(3)
في م: «لهم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الفصل الرابع: أنَّه يَرْجِعُ بما غَرِمَه على مَن غَرَّه، مِن المَهْرِ وقِيمةِ الأوْلادِ. وهو اخْتِيارُ الخِرَقِيِّ، وروايةٌ عن أحمدَ. قال ابنُ المُنْذِرِ: كذلك قَضَى عمرُ، وعليٌّ، وابنُ عباسٍ، وبه قال الشافعيُّ في القدِيمِ. وفيه رِوايةٌ أُخْرَى، لا يَرْجِعُ بالمَهْرِ. اخْتارَه أبو بكرٍ، قال (1): وهو قولُ عليٍّ. وبه قال الثَّوْرِيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصحابُ الرَّأْي، والشافعيُّ في الجديدِ؛ لأنَّه وَجَب عليه في مُقابَلةِ نَفْعٍ وَصَل إليه، وهو الوطءُ، فلم يَرْجِعْ به، كما لو اشْتَرَى مَغْصُوبًا فأكَلَه، بخِلافِ قِيمةِ الوَلَدِ، فإنَّه لم يَحْصُلْ في مُقَابَلتِه عِوَضٌ؛ لأنَّها وَجَبَتْ بحُرِّيَّةِ الوَلَدِ، وحُرِّيَّةُ الولدِ له لا لأبيه. وقال القاضي: الأظْهَرُ أنَّه (2) يَرْجِعُ بالمَهْرِ؛ لأنَّ أحمدَ قال: كنتُ أذهبُ إلى حديثِ عليٍّ، ثم إنِّي هِبْتُه، وكأنِّي أمِيلُ إلى حديثِ عمرَ. يعني في الرُّجُوعِ. ولأنَّ العاقِدَ ضَمِن له سلامَةَ الوَطْءِ، كما ضَمِن له سلامةَ الوَلَدِ، فكما يَرْجِعُ عليه بقِيمَةِ الوَلَدِ كذلك يَرْجِعُ بالمَهْرِ. قال: وعلى
(1) سقط من: الأصل.
(2)
بعده في م: «لم» . والمثبت من الأصل، وهو موافق لما في المغني 9/ 445، والمبدع 7/ 93. وما في المطبوعة موافق لما ذكره في الإنصاف، والمسألة في الإنصاف فها خلاف عما أثبتناه.
وانظر لحديث عمر في الرجوع، ما أخرجه الإمام مالك، في: باب ما جاء في الصداق والحباء، من كتاب النكاح. الموطأ 2/ 526. والإمام الشافعي، في: باب في العيب بالمنكوحة، من كتاب النكاح. الأم 5/ 75. وعبد الرزاق، في: المصنف 6/ 244. وسعيد، في: سننه 1/ 212. والبيهقي، في: السنن الكبرى 7/ 214، 219.
وانظر لحديث على في الرجوع أيضًا ما أخرجه البيهقي، في: السنن الكبرى 7/ 219. وانظر معرفة السنن والآثار 5/ 356.
وفي عدم الرجوع ما أخرجه البيهقي، في: السنن الكبرى 7/ 215.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هذا الأصلِ يَرْجِعُ بأُجْرةِ الخِدْمَةِ إذا غَرِمَها. قال شيخُنا (1): ولا أعْرِفُ عن أصحابِنا بينَهما فَرْقًا. إذا ثَبَت هذا، وكان الغُرُورُ مِن السَّيِّدِ، عَتَقَت، وإن كان بلَفْظٍ غيرِ هذا لم تَثْبُتْ به الحُرِّيَّةُ، فلا شيءَ له؛ لأنَّه لا فائدةَ في أن يَجِبَ له ما يَرْجِعُ به عليه. وإن كان الغرورُ مِن وَكِيِله، رَجَع عليه في الحالِ، وكذك إن كان مِن أجنبيٍّ. وإن كان منها، فليس لها في الحالِ مالٌ، فيُخَرَّجُ فيها وَجْهان، بناءً على دَينِ العبدِ بغيرِ إذْنِ سَيِّدِه، هل يَتَعَلَّقُ برَقَبَتِه، أو بِذِمًّتِه يُتْبَعُ به بعدَ العِتْقِ؟ قال القاضِي: قِياسُ قولِ الخِرَقِيِّ أنَّه يَتَعَلَّقُ بذِمَّتِها؛ لأنَّه قال في الأمَةِ إذا خَالعَتْ زَوْجَها [بغيرِ إذْنِ](2) سَيِّدِها: يَتْبَعُها به إذا عَتَقَتْ. كذا ههُنا، ويَتْبَعُها (3) بجَمِيعِه. وظاهرُ كلام أحمدَ أنَّ الغُرُورَ إذا كان مِن الأمَةِ، لم يَرْجِعْ على أحدٍ؛ فإنَّه قال، إذا جَاءتِ الأمَةُ (4) فقالت: إنِّي حُرَّةٌ. فولَّتْ أمْرَها رجلًا، فَزَوَّجَها [مِن رجلٍ، ثم ظَهَر عليها مَوْلاها، قال: فِكاكُ وَلَدِه على الأبِ؛ لأنَّه لم يَغُرَّه أحَدٌ. أمّا إذا غَرَّه رجلٌ فزَوَّجَها](5) على أنَّها حُرَّةٌ، فالفِداءُ على مَن غَرَّه. يُرْوَى هذا عن عليٍّ، وإبراهيمَ، وحَمَّادٍ. وكذلك قال الشَّعْبِيُّ. وإن قُلْنا: يَتَعَلَّقُ برَقَبَتِها (6). فالسَّيِّدُ مُخَيَّرٌ بينَ فِدائِها
(1) في: المغني 9/ 445.
(2)
في م: «بإذن» .
(3)
في الأصل: «يبيعها» .
(4)
سقط من: الأصل.
(5)
سقط من: م.
(6)
في م: «بها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بقِيمَتِها إن كانت أقَلَّ ممَّا يَرْجِعُ به عليها، أو يُسَلِّمُها (1)، فإنِ اخْتارَ فِداءَها بقِيمَتِها، سَقَط قَدْرُ ذلك عن الزَّوْجِ، فإنَّه لا فائدةَ في أن يُوجِبَه عليه ثم يَرُدَّه إليه. وإنِ اختارَ تَسْلِيمَها، سَلَّمَها وأخَذَ ما وَجَب له. وذَكَر القاضي أنَّ الغُرُورَ المُوجِبَ للرُّجُوعِ، أن يكونَ اشْتِراطُ الحُرِّيَّةِ مُقارِنًا للعَقْدِ، فيقولَ: زَوَّجْتُكَها على أنَّها حُرَّةٌ. وإن لم يَكُنْ كذلك، لم يَمْلِكِ الفَسْخَ. وهذا مذهبُ الشافعيِّ. والصحيحُ خِلافُ هذا، فإنَّ الصحابةَ الذين قَضَوْا بالرُّجُوعِ لم يُفَرِّقُوا بينَ أنواعِ الغُرُورِ، ولم يَسْتَفْصِلُوا، والظَّاهرُ أنَّ العَقْدَ لم يَقَعْ هكذا، ولم تَجْرِ به العادةُ في العُقُودِ، ولا يجوزُ حَمْلُ (2) قَضَائِهم (3) المُطْلَقِ على صُورةٍ نادرةٍ لم تُنْقَلْ، ولأنَّ الغرورَ (4) قد يكونُ مِن المرأَة، ولا لَفْظَ لها في العَقْدِ، ولأنَّه متى أخْبَرَه بحُرِّيَّتِها أو أوْهَمَه ذلك بقَرائِنَ تُغَلِّبُ على ظَنِّه حُرِّيِّتِها، فنَكَحَها على ذلك، ورَغِب فيها، وأصْدَقَها صَداقَ الحَرائِرِ، ثم لَزِمَه الغُرْمُ، فقد اسْتَضَرَّ بِناءً على قولِ المُخْبِرِ له والغَارِّ، فتَجِبُ إزالةُ الضَّرَرِ عنه بإثْباتِ الرُّجُوعِ على مَن غَرَّه وأضَرَّ به. فعلى هذا، إن كان الغُرُورُ مِن اثْنَين أو أكْثَرَ، فالرُّجُوعُ على جَميعِهم، وإن كان الغُرُورُ منها ومِن الوَكِيلِ، فعلى كلِّ واحدٍ منهما نِصْفُه.
الفصل الخامس: أنَّه إن كان الزَّوْجُ مِمَّن يَحْرُمُ عليه نِكاحُ الإِمَاءِ،
(1) في م: «تسليمها» .
(2)
سقط من: م.
(3)
في الأصل: «قضاياهم بهم» .
(4)
في م: «الغرر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإنَّه يُفَرَّقُ بينَهما؛ لأنَّنا تَبَيَّنَّا أنَّ النكاحَ فاسدٌ مِن أصْلِه؛ لعَدَمِ شَرْطِه. وهكذا إن كان تَزْويجُها بغيرِ إذْنِ سَيِّدِها، أو اخْتَلَّ شرطٌ مِن شُرُوطِ النِّكاحِ، فهو فاسدٌ، يُفَرَّقُ بينَهما. والحكمُ في الرُّجُوعِ على ما ذَكَرْنا. وإن كان مِمَّن يجوزُ له نِكاحُ الإِمَاءِ، وكانتِ الشَّرَائِطُ مُجْتَمِعَةً، فالعَقْدُ صحيحٌ، وللزَّوْجِ الخِيارُ بينَ الفَسْخِ والمُقامِ على النِّكاحِ. وهذا معنى قول الخِرَقِيِّ، وظاهِرُ مذهبِ الشافعيِّ. وقال أبو حنيفةَ: لا خِيارَ له؛ لأنَّ الكَفاءَةَ غيرُ مُعْتَبَرَةٍ في جانبِ المرأةِ، ولأنَّه يَمْلِكُ الطَّلاقَ، فَيُسْتَغْنى به عن الفَسْخِ. ولِنا، أنَّه عَقْدٌ غُرَّ فيه أحدُ الزَّوْجَينِ بحُرِّيَّةِ الآخَرِ، فيَثْبُتُ له الخيارُ كالآخَرِ، ولأنَّ الكَفاءةَ وإن لم تُعْتَبَرْ، فإنَّ عليه ضَرَرًا في اسْتِرْقاقِ وَلَدِه ورِقِّ امْرَأَتِه، وذلك أعْظَمُ مِن فَقْدِ الكَفاءةِ. فأمَّا الطَّلاقُ فلا يَنْدَفِعُ به الضَّرَرُ؛ فإنَّه يُسْقِطُ نِصْفَ المُسَمَّى، والفَسْخُ يُسْقِطُ جَمِيعَه. فإذا فَسَخ قبلَ الدُّخُولِ فلا مَهْرَ لها، وإن رَضِيَ بالمُقامِ معها، فله ذلك؛ لأنَّه يَحِلُّ له نِكاحُ الإِمَاءِ، وما. وَلَدَتْ بعدَ ذلك فهو رَقِيقٌ لسَيِّدِها؛ لأنَّ المانِعَ مِن رِقِّهِم في الغُرُورِ اعْتِقادُ الزَّوْجِ حُرِّيَّتَها، وقد زال ذلك بالعِلْمِ. ولو وَطِئَها قبلَ العِلْمِ فعَلِقَتْ منه، ثم عَلِم قبلَ الوَضْعِ، فهو حُرٌّ؛ لأنَّه وَطِئَها مُعْتَقِدًا حُرِّيَّتَها.
فصل: والحكمُ في المُدَبَّرَةِ وأُمِّ الوَلَدِ [والمُعْتَقَةِ بصِفَةٍ](1)، كالأمَةِ
(1) في م: «والمعتق نصفها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القِنِّ؛ لأنَّها ناقِصَةٌ بالرِّقّ، إلَّا أنَّ وَلَدَ أُمِّ الوَلَدِ (1) يُقَوَّمُ كأنَّه عَبْدٌ له حُكْمُ أُمِّه، وكذلك مَن أُعْتِقَ بعضُها، إلَّا أنَّه إذا فَدَى الوَلَدَ، لم يَلْزَمْه إلَّا فِداءُ ما فيه مِن الرِّقِّ؛ لأنَّ بَقِيَّتَه حُرٌّ بِحُرِّيَّةِ أُمِّه، لا باعْتِقادِ الوَاطِئ. فإن كانت مُكاتَبَةً، فكذلك، إلَّا أنَّ مَهْرَها لها؛ لأنَّه مِن كَسْبِها، وكَسْبُها لها، وتَجِبُ قِيمَةُ وَلَدِها على الرِّوايةِ المشهورةِ. قال أبو بكرٍ: ويكونُ ذلك تَسْتَعِينُ به في كِتابَتِها. فإن كان الغُرُورُ منها، فلا شيءَ لها، إذ لا فائدةَ في إيجابِ شيءٍ (2) لها يَرْجِعُ به عليها، وإن كان الغُرُورُ مِن غيرِها، غَرِمَه لها، ورَجَع به على مَن غرَّه.
فصل: ولا يَثْبُتُ أنَّها أمَةٌ بمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، ويَثْبُتُ بالبَيِّنَةِ. فإن أقَرَّتْ أنَّها أمَةٌ، فقال أحمدُ في رِوايةِ أبي الحارثِ: لا يَسْتَحِقُّها بإقْرارِها؛ لأنَّ إقْرارَها يُزِيلُ النِّكاحَ عنها، ويُثْبِتُ حَقًّا على غيرِها، فلم يُقْبَلْ، كإقْرارِها بمالٍ على غيرِها. وقال في رِوايةِ حَنْبَلٍ: لا شيءَ حتى تَثْبُتَ له، أو تُقِزَّ هي أنَّها أمَتُه. فظاهِرُ هذا أنَّه يُقْبَلُ إقْرارُها؛ لأنَّها مُقِرَّةٌ على نَفْسِها بالرِّقِّ، أشْبَهَ غيرَ الزَّوْجَةِ. والأوَّلُ أوْلَى. ولا نُسَلِّمُ أنَّه يُقْبَلُ مِن غيرِ ذاتِ الزَّوْجِ إقْرارُها بالرِّقِّ بعدَ إقْرارِها بالحُرِّيَّةِ؛ لأنَّها أقَرَّتْ بما يَتَعَلَّقُ به حَقُّ الله تعالى.
فصل: فإن حَمَلَتِ المَغْرُورُ بها، فضَرَبَها ضارِبٌ فألْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا،
(1) بعده في المغني 9/ 447: «والمدبرة» .
(2)
سقط من: م.