الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَحِلُّ لِحُرٍّ مُسْلِم نِكَاحُ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ، إلا أَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ، وَلَا يَجِدَ طَوْلَا لِنِكَاحِ حُرَّةٍ، وَلَا ثَمَنَ أَمَةٍ.
ــ
3158 - مسألة: (ولا يَحِلُّ لحُرِّ نِكاحُ أمَةٍ مُسْلِمَةٍ، إلَّا أن يَخافَ العَنَتَ، ولا يَجِدَ طَوْلًا لنِكاحِ حُرَّةٍ، ولا ثَمَنَ أَمَةٍ)
الكلامُ في هذه المسألةِ في فَصْلَين؛ أحَدُهما، أنَّه يَحِلُّ له نِكاحُ الأمَةِ المُسْلِمَةِ إذا وُجِدَ فيه الشَّرْطان؛ خَوْفُ العَنَتِ، وعَدَمُ الطَّوْلِ. وهذا قولُ عامَّةِ العلماءِ، لا نَعْلَمُ بينَهم فيه اخْتِلافًا، لقولِ اللهِ سبحانَه:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} . الآية. والصَّبْرُ عنها مع ذلك خَيرٌ وأفْضَلُ، لقولِ اللهِ تعالى:{وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيرٌ لَكُمْ} . الفصلُ الثاني، إذا عُدِمَ الشَّرْطان أو أحَدُهما، لم يَحِلَّ نكاحُها لِحُرٍّ. رُوِيَ ذلك (1) عن جابِرٍ، وابنِ عباس. وبه قال عطاءٌ، وطاوُسٌ، والزُّهْرِيُّ، وعَمْرُو بنُ دِينارٍ، ومَكْحُولٌ، ومالكٌ، والشافعيُّ، [وإسحاقُ] (2). وقال مجاهدٌ: مِمّا وَسَّعَ اللهُ على هذه الأُمَّةِ نِكاحُ الأمَةِ وإن كان مُوسِرًا. وبه قال أبو حنيفةَ، إلَّا أن يكونَ تَحْتَه حُرَّةٌ، لأنَّ القُدْرَةَ على النِّكاحِ لا تَمْنَعُ النِّكاحَ، كما يَمْنَعُه
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وُجُودُ النِّكاحِ، كنِكاحِ الأُخْتِ والخامِسَةِ. وقال قَتادَةُ، والثَّوْرِيُّ: إذا خَافَ العَنَتَ، حَلَّ له نِكاحُ الأمَةِ [وإن وَجَد الطَّوْلَ؛ لأنَّ إباحَتَها لضَرُورَةِ خَوْفِ العَنَتِ، وقد وُجِدَتْ، ولا يَنْدَفِعُ إلَّا بنِكاحِ الأمَةِ](1)، فأشْبَهَ عدمَ الطَّوْلِ. ولَنا، قولُ اللهِ سبحانه وتعالى:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} إلى قولِه تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} . فشَرَطَ في نِكاحِها عَدَمَ اسْتِطاعَةِ الطَّوْلِ، فلم يَجُزْ مع الاسْتِطاعَةِ، لفَواتِ شَرْطِه، وكالصَّوْمِ في كَفّارَةِ الظِّهارِ مع استِطاعةِ الإِعْتاقِ. ولأنَّ في تَزْويجِ الأمَةِ إرقاقَ وَلَدِه مع الغِنَى عنه، فلم يَجُزْ، كما لو كان تَحْتَه حُرَّةٌ. وقياسُهم لا يَصِحُّ؛ لأنَّ نِكاحَ الخامسةِ والأُختِ إنَّما حَرُمَ لأجْلِ الجَمْعِ، وبالقُدْرَةِ على الجَمْعِ لا يَصِيرُ جامِعًا، والعِلَّةُ ههُنا هو الغِنَى عن إرْقاقِ وَلَدِه، وذلك يَحْصُلُ بالقُدْرَةِ على نِكاحِ الحُرَّةِ. وأمّا مَن يَجِدُ (2) الطَّوْلَ ويَخافُ العَنَتَ، فإن كان ذلك لكَوْنِه لا يَجِدُ إلَّا حُرَّةً صغيرةً أو غائبةً أو مَريضةً لا يُمْكِنُ وَطؤُها، أو وَجَد مالًا ولم يُزَوَّجْ لقُصُورِ نَسَبِه، فله نِكاحُ الأمَةِ. نَصَّ عليه أحمدُ في الغائبةِ.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «لا يجد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو ظاهِرُ مذهبِ الشافعيِّ. وقال بعضُهم: لا يجوز؛ لوُجْدانِ الطَّوْلِ. ولَنا، أنَّه غيرُ مستطيعٍ للطَّوْلِ إلى حُرَّةٍ تُعِفُّه، فأشْبَهَ مَن لا يَجِدُ شيئًا، ألا تَرَى أنَّ الله سبحانه نَزَّلَ ابنَ السَّبِيلِ الذي له اليَسارُ في بَلَدِه فَقِيرًا؛ لعَدَمِ قُدْرَتِه عليه في الحالِ. وإن كانت له حُرَّةٌ يتَمَكَّنُ مِن وَطْئِها والعِفَّةِ بها، فليس بخائِفٍ للعَنَتِ.
فصل: فإن قَدَر على شِراء أمَةٍ تُعِفُّه، فهو كما لو وَجَد طَوْلَ الحُرَّةِ، لا يَحِلُّ له نِكاحُ الأمَةِ؛ لأنَّه أمْكَنَه صِيانَةُ وَلَدِه عن الرِّقِّ، فأشْبَهَ القادِرَ على طَوْلِ الحُرَّةِ، وكذلك إن قَدَر على تَزْويجِ كِتابِيَّةٍ تُعِفُّه. وهذا ظاهرُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مذهبِ الشافعيِّ، وذَكَرُوا وَجْهًا آخَرَ أنَّه [يجوزُ له] (1)؛ لقولِ اللهِ تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} . وهذا غيرُ مستطيعٍ لذلك. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى:{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} . وهذا غيرُ خائِفٍ له، ولأنَّه قَدَر على صِيانةِ وَلَدِه مِن الرِّقِّ، فلم يَجُزْ له إرْقاقُه، كما لو قَدَر على نِكاحِ مُؤْمِنَةٍ.
فصل: ومَن كانت تحتَه حُرَّةٌ يُمْكِنُ أن يَسْتَعِفَّ بها، لم يَجُزْ له نِكاحُ أمَةٍ، لا نعلمُ في هذا خِلافًا، ولافَرقَ بينَ المُسْلِمَةِ والكِتابِيَّةِ في ذلك؛ لِما ذَكَرْنا مِن قبلُ.
(1) في م: «لا يجوز» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ومَن يَجِدْ طَوْلًا، لكنْ وَجَد مَن يُقْرِضُه ذلك، لم يَلْزَمْه؛ لأنَّ عليه ضَرَرًا في بَقاءِ الدَّين في ذِمَّتِه، ولصاحِبِه مُطَالبَتُه [به في الحالِ. وكذلك إن رَضِيَتِ الحُرَّةُ بتَأْخِيرِ صَداقِها، أو تَفْويضِ بُضْعِها (1)؛ لأنَّ لها مُطالبَتَه](2) بفَرْضِه (3). وكذلك إن بَذَل له باذِلٌ (4) أن يَزِنَهُ (5) عنه، أو يَهَبَه إيَّاه، لم يَلْزَمْه؛ لِما عليه مِن ضَرَرِ المِنَّةِ، [وله في ذلك كلِّه](6) نِكاحُ الأمَةِ. فإن لم يَجِدْ مَن يُزَوِّجُه إلَّا بأكثرَ مِن مَهْرِ المِثْلِ، وكان قادِرًا عليه، ولا يُجْحِفُ به، لم يَكُنْ له نِكاحُ الأمَةِ. وقال أصحابُ الشافعيِّ: له ذلك، كما لو لم يَجدِ الماءَ إلَّا بِزيادَةٍ على ثَمَنِ المِثْلِ، فله التَّيَمُّمُ. ولَنا، قولُ الله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} . وهذا مُسْتَطِيعٌ، ولأنَّه
(1) في النسختين: «بعضها» . وانظر المغني 9/ 557.
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: «بقرضه» .
(4)
في الأصل: «بإذن» .
(5)
في الأصل: «يرثه» .
(6)
في م: «في» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قادِرٌ على نِكاحِ حُرَّةٍ بما لا يَضُرُّه، فلم يَجُزْ له إرْقاقُ وَلَدِه، كما لو كان بمَهْرِ مِثْلِها، وما ذَكَرُوه مَمْنُوعٌ، ثم إنَّ هذا مُفارِقٌ للتَّيَمُّمِ مِن وَجْهين؛ أحَدُهما، أنَّ التَّيَمُّمَ رُخْصَةٌ عامَّةٌ، وهذا أُبِيحَ للضَّرُورَةِ، ومع القُدْرَةِ على الحُرَّةِ لا ضَرُورَةَ. الثاني، أنَّ التَّيَمُّمَ يَتَكَرَّرُ، فإيجابُ شِرائِه بزِيادَةٍ على ثَمَنِ المِثْلِ يُفْضِي إلى الإِجْحافِ به، وهذا لا (1) يَتَكَرَّرُ، فلا ضَرَرَ فيه.
فصل: فإن كان في يَدِه مالٌ فذَكرَ أنَّه مُعْسِرٌ، وأنَّ المال لغيرِه، فالقولُ قولُه؛ لأنَّه حُكْمٌ بينَه وبينَ اللهِ سبحانه وتعالى، فقُبِلَ قولُه فيه، كما لو ادَّعَى مَخافَةَ العَنَتِ. ومتى تَزَوَّجَ الأمَةَ، ثم ذَكَر أنَّه كان مُوسِرًا حال النِّكاحِ،
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فُرِّقَ بينَهما؛ لأنَّه أقَرَّ بفَسادِ نِكاحِه. وهكذا إن أقَرَّ أنَّه لم يَكُنْ يَخْشَى العَنَتَ، فإن كان قبلَ الدُّخُولِ فصَدَّقَه السَّيِّدُ، فلا مَهْرَ، وإن كَذَّبَه، فله نِصْفً المَهْرِ؛ لأنَّه يَدَّعِي صِحَّةَ النِّكاحِ، والأصْلُ معه. وإن كان بعدَ الدُّخُولِ، فعليه المُسَمَّى جميعُه. فإن كان مَهْرُ المِثْلِ أكثرَ مِن المُسَمَّى، فعلى قولِ مَن أوجَبَ مَهْرَ المِثْلِ في النِّكاحِ الفاسِدِ، يَلْزَمُه مَهْرُ المِثْلِ (1)، لإِقْرارِه به. وإن كان المُسَمَّى أكثرَ، وَجَب [للسَّيِّدِ، إلَّا أن](2) يُصَدِّقَه فيما قال، فيكونُ له مِن [مَهْرِ المِثْلِ](3) ما يَجِبُ في النِّكاحِ الفاسِدِ. وهل ذلك المُسَمَّى أو مَهْر المِثْلِ؟ على رِوايَتَين.