الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ، مِنَ الْمَرْأَةِ وَالْوَلِيِّ. وَعَنْهُ، لَا يَرْجِعُ.
ــ
عَبْدٍ. والدليلُ على أنَّ النِّكاحَ صحيحٌ، أنَّه وُجِدَ بشُرُوطِه وأركانِه، فكان صحيحًا، كما لو لم يَفْسَخْه، ولأنَّه لو لم يَفْسَخْه لكان صحيحًا، فكذلك إذا فَسَخَه، كنِكاحِ الأمَةِ إذا عَتَقَتْ تحتَ عَبْدٍ، ولأنَّه تَتَرَتَّبُ عليه أحكامُ الصِّحَّةِ مِن ثُبُوتِ الإِحْصانِ والإِباحَةِ للزَّوْجِ الأوَّلِ، وسائرُ أحْكامِ الصَّحيحِ، ولأنَّه لو كان فاسدًا لمَا جاز إِبْقاؤُه وتَعَيَّنَ فَسْخُه. وما ذَكَرُوه لا يَصِحُّ؛ فإنَّ الفَسْخَ يَثْبُتُ حُكْمُه مِن حِينِه، غيرَ سابقٍ عليه، وما وَقَع على صِفَةٍ يَسْتَحِيلُ أن يكونَ واقِعًا على غيرِها. وكذلك لو فُسِخَ البَيعُ بعَيبٍ، لم يَصِرِ العَقْدُ فاسدًا، ولا يكونُ النَّماءُ لغيرِ المُشْتَرِي، ولو كان المَبِيعُ أمَةً فَوَطِئَها، لم يَجِبْ به مَهْرُها، فكذلك النِّكاحُ.
3207 - مسألة: (ويَرْجِعُ به على مَن غَرَّه، مِن المرأةِ والوَلِيِّ. وعنه، لا يَرْجِعُ)
المذهبُ أنَّه يَرْجِعُ، وهو الذي ذَكَرَه الخِرَقِيُّ. وقال أبو بكرٍ: فيه رِوايةٌ أُخْرَى، أنَّه لا يَرْجِعُ. قال شيخُنا (1): والصحيحُ أنَّ المذهبَ رِوايةٌ واحدةٌ، أنَّه يَرْجِعُ؛ فإنَّ أحمدَ قال: كنتُ أذْهَبُ إلى قولِ
(1) في: المغني 10/ 64.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليٍّ فَهِبْتُه، فمِلْتُ إلى قولِ عمرَ: إذا تَزَوَّجَها، فرأى جُذَامًا أو بَرَصًا، فإنَّ لها صَدَاقَها (1) بمَسِيسِه إيَّاها، ووَلِيُّها ضامِنٌ للصَّداقِ (2). وهذا يَدُلُّ على أنَّه رَجَع إلى هذا القولِ. وبه قال الزُّهْرِيُّ، وقَتادَةُ، ومالكٌ، والشافعيُّ في القديمِ. ورُوِيَ عن عليٍّ، أنَّه لا يَرْجِعُ (3). وبه قال أبو حنيفةَ، والشافعيُّ في الجديدِ؛ لأنَّه ضَمِنَ ما اسْتَوْفَى بَدَلَه، وهو الوَطْءُ، فلا يَرْجِعُ به على غيرِه، كما لو كان المَبِيعُ مَعِيبًا (4) فأكَلَه. ولَنا، ما روَى مالكٌ، عن يَحْيَى بنِ سعيدٍ، عن سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، قال: قال عمرُ بنُ الخطابِ: أيُّما رجلٍ تَزَوَّجَ امرأةً بها جُنُونٌ أو جُذَامٌ أوَ بَرَصٌ، فمَسَّها، فلها صَداقُها، وذلك لزَوْجِها غُرْمٌ على وَلِيِّها (5). ولأنَّه غَرَّه في النِّكاحِ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
انظر ما تقدم في صفحة 439.
(3)
انظر ما تقدم في صفحة 439.
(4)
في م: «معينا» .
(5)
تقدم في صفحة 439.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بما يُثْبِتُ الخِيارَ، فكان المَهْرُ عليه، كما لو غَرَّه بحُرِّيةِ أمَةٍ. إذا ثَبَت هذا، فإن كان الوَلِيُّ عَلِم، غَرِم، وإن لم يكنْ عَلِم، فالتَّغْرِيرُ مِن المرأةِ، فيَرْجِعُ عليها بجميعِ الصَّدَاقِ، وإنِ اخْتَلَفُوا في عِلْمِ الوَلِيِّ، فشَهِدَتْ عليه بَيِّنَةٌ بالإِقْرَارِ بالعلمِ، وإلَّا فالقولُ قولُه مع يَمِينِه. وقال الزُّهْرِيُّ، وقَتادَةُ: إن عَلِم الوَلِيُّ غَرِمَ، وإلَّا اسْتُحْلِفَ باللهِ، أنَّه ما عَلِمَ، ثمَّ هو على الزَّوْجِ. وقال القاضي: إن كان أبًا أو جَدًّا، أو ممَّن يَجُوزُ له أن يَراها، فالتَّغْرِيرُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن جِهَتِه، عَلِم أو لم يَعْلَمْ، وإن كان ممَّن لا يَجُوزُ له أن يَرَاها، كابنِ العمِّ، والمَوْلَى، وعَلِمَ، غَرِمَ، وإن أنْكَرَ ولم تَقُمْ بَيِّنَةٌ بإقرارِه، فالقولُ قولُه مع يَمِينِه، ويَرْجِعُ على المرأةِ بجميعِ الصَّدَاقِ. وهذا قولُ مالكٍ، إلَّا أنَّه قال: إذا رَدَّتِ المرأةُ ما أخَذَتْ، تَرَك لها قَدْرَ ما تُسْتَحَلُّ به، لئلَّا تَصِيرَ كالمَوْهُوبةِ. وللشافعيِّ قَوْلان، كقولِ مالكٍ والقاضي. ولَنا، على أنَّ الوَلِيَّ إذا لم يَعْلَمْ لا يَغْرَمُ، أنَّ التَّغْرِيرَ مِن غيرِه، فلم يَغْرَمْ، كما لو كان ابنَ عَمٍّ. وعلى أنَّه يَرْجِعُ بكلِّ الصَّداقِ، أنَّه مَغْرُورٌ منها، فرجَع بكلِّ الصَّدَاقِ، كما لو غَرَّه الوَلِيُّ. وقولُهم: لا يَخْفَى على مَن يَرَاها. لا يَصِحُّ؛ فإنَّ عُيُوبَ الفَرْجِ لا اطِّلَاعَ له عليها، ولا يَحِلُّ له رُؤْيَتُها، وكذلك العُيوبُ تحتَ الثِّيابِ، فصار في هذا كمَن لا يَراها، إلَّا في الجُنُونِ، فإنَّه لا يَكادُ يَخْفَى على مَن يَراها، إلَّا أن يكونَ غائِبًا. وأمَّا الرُّجوعُ بالمَهْرِ، فإنَّه بسَبَبٍ آخَرَ، فيكونُ بمَنْزِلَةِ ما لو وَهَبَتْه إيَّاه، بخلافِ المَوْهُوبَةِ.
فصل: فإنْ طَلَّقَها قبلَ الدُّخولِ، ثمَّ عَلِمَ أنَّه كان بها عَيبٌ، فعليه نِصْفُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصَّداقِ، ولا يَرْجِعُ به؛ لأنَّه رَضِيَ بالْتِزَامِه، فلم يَرْجِعْ على أحدٍ، وإن ماتتْ أو ماتَ قبلَ العِلْمِ بالعَيبِ، فلها الصَّداقُ كامِلًا، ولا يَرْجِعُ به على أحدٍ؛ لأنَّ سَبَبَ الرُّجوعِ الفَسْخُ، ولم يُوجَدْ، وههُنا اسْتَقَرَّ الصَّداقُ بالمَوْتِ، فَلا يَرْجِعُ به.
فصل: ولا سُكْنَى لها ولا نَقَقَةَ؛ لأنَّ ذلك إنَّما يَجِبُ لمَن لزَوْجِها عليها الرَّجْعَةُ، وهذه تَبِينُ بالفَسْخِ، كما تَبِينُ بالثَّلاثِ، وليس لزَوْجِها عليها وَجْعَةٌ، فلم تَجِبْ لها نَفَقَةٌ ولا سُكْنَى؛ لقولِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لفاطمةَ بنتِ قَيسٍ:«إنَّما (1) النَّفَقَةُ والسُّكْنَى للمْرَأَةِ إذَا كَانَ لِزَوْجِها عليها الرَّجْعَةُ» . رَواه النَّسائِيُّ (2). وهذا إذا كانت حائِلًا، فإن كانت حامِلًا، فلها النَّفَقَةُ؛ لأنَّها بائِنٌ مِن نِكاحٍ صحيحٍ وهي حامِلٌ، فكانت لها النَّفقةُ،
(1) سقط من: م.
(2)
في: باب الرخصة في ذلك، من كتاب الطلاق. المجتبى 6/ 117.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 6/ 373، 417.