الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا الْأَبُ لَهُ تَزْويجُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَالْمَجَانِينِ وَبَنَاتِهِ الْأَبْكَارِ بِغَيرِ إِذْنِهِمْ. وَعَنْهُ، لَا يَجُوزُ تَزْويجُ ابْنَةِ تِسْعِ سِنِينَ إلا بِإِذْنِهَا.
ــ
3091 - مسألة: (إلَّا الأبُ له تَزْويجُ أولادِه الصِّغارِ والمَجانِينِ وبَناتِه الأبكارِ بغيرِ إِذْنِهِمِ)
أمَّا الغُلامُ العاقلُ، فلا نَعْلَمُ بين (1) أهلِ العلمِ خِلافًا (2)، في أنَّ لأبِيه تزْويجَه. كذلك قال ابنُ المُنْذِرِ. وهذا قولُ الحسنِ، والزُّهْرِيِّ، وقَتادَةَ، ومالكٍ، والثَّوْرِيِّ، والأوْزاعِيِّ، وإسْحاقَ، والشافعيِّ، وأصْحابِ الرَّأي؛ لِما رُوِيَ أنَّ ابنَ عمرَ زَوَّجَ ابْنَه وهو صَغِيرٌ، فاخْتَصَموا إلى زيدٍ، فأجازاه جَمِيعًا. رَواه
(1) في م: «من» .
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأثْرَمُ (1). وأمَّا الغلامُ المَعْتُوهُ، فلأبِيه تَزْويجُه. وقال الشَّافعيُّ: لا يَجُوزُ؛ لأنَّه يُلْزِمُه بالتَّزْويجِ حُقُوقًا مِن المَهْرِ والنَّفَقَةِ، مع عَدَمِ حاجَتِه، فلم يَجُزْ له، كغيرِه مِن الأوْلِيَاءِ. ولَنا، أنَّه غيرُ بالِغٍ، فمَلَكَ الأبُ تَزْويجَه، كالعاقِلِ، ولأنَّه إذا جازَ تَزْويجُ العاقِلِ مع أنَّ له عندَ احْتِيَاجِه إلى التَّزْويجِ رَأيًا ونَظرًا لنَفْسِه، فلَأن يَجُوزَ تَزْويجُ مَن لا يُتَوَقَّعُ فيه ذلك أولَى. ووَصِيُّ الأبِ يَقُومُ مَقامَه في ذلك كَوَكِيلِه، إذا قُلْنا بصِحَّةِ الوَصِيَّةِ في النِّكاحِ، وفيه اخْتِلاف نَذْكُرُه إن شاءَ اللهُ تعالى.
فصل: وليس لغيرِ الأبِ أو وَصِيِّه تَزْويجُ الغُلامِ قبلَ بُلُوغِه. وقال القاضي في «المُجَرَّدِ» : للحاكِمِ تَزْويجُه؛ لأنَّه يَلي ماله. وقال الشافعيُّ: يَمْلِكُ وَلِيُّ الصَّبِيِّ تَزْويجَه، ليَألَفَ حِفْظَ فَرْجه عندَ بُلُوغِه. وليس بسَدِيدٍ، فإنَّ غيرَ الأبِ لا يَمْلِكُ تَزْويجَ الجارِيَةِ الصَّغِيرَةِ، فالغُلامُ أوْلَى. وفارَقَ الأبَ ووَصِيَّه؛ فإنَّ لهما تَزْويجَ الصَّغِيرَةِ وولايةَ الإِجْبارِ. وسَواءٌ أذِنَ الغُلامُ في تَزْويجِه أو لم يَأذَنْ، لأنَّه لا (2) إذْنَ له.
(1) أخرجه البيهقي مختصرًا، في: السنن الكبرى 7/ 143.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وللأبِ تَزْويجُ البالِغِ المَعْتُوهِ، في ظاهِرِ كلام أحمدَ، والخِرَقِيِّ، مع ظُهُورِ أماراتِ الشَّهْوَةِ وعَدَمِها. وقال القاضي: إنَّما يَجُوزُ تَزْويجُه إذا ظَهَرَتْ منه أماراتُ الشَّهْوَةِ باتِّباعِ النِّساءِ ونحوه. وهو مَذْهَبُ الشافعيِّ، لأنَّ في تَزْويجِه مع عَدَم حاجَتِه إضْرارًا به، بإلْزامِه حُقُوقًا لا مَصْلَحَةَ له في إلْزامِها. وقال أبو بكَرِ: ليس للأبِ تَزْويجُه (1) بحالٍ؛ لأنَّه رجلٌ، فلم يَجُزْ إجْبارُه على النِّكاحِ، كالعاقِلِ. وقال زُفَرُ: إن طَرَأ عليه الجنُونُ بجدَ البُلُوغِ لم يَجُزْ، وإن كان مُسْتَدامًا جازَ. ولَنا، أنَّه غيرُ مُكَلَّفٍ، فجازَ لأبيه تَزْويجُه، كالصغيرِ، فإنَّه إذا جازَ تَزْويجُ الصَّغِيرِ مع عَدَمِ حاجَتِه في الخالِ وتَوَقُّعِ نَظَرِه، فعندَ الحاجَةِ أوْلَى. ولَنا على التَّسْويَةِ بينَ الطَّارئ والمُسْتَدام، أنَّه مَعْنًى يُثْبِتُ الولايةَ، فاسْتَوَى طارِئُه ومُسْتَدامُه، كالرِّقِّ، ولأَنَّه جُنُونٌ يُثْبِتُ الو لايةَ على مالِه، فأثْبَتَها عليه في نِكاحِه، كالمُسْتَدام. فأمَّا اعْتِبارُ الحاجَةِ، فلا بُدَّ منها، فإنَّه لا يَجُوزُ لوَلِيِّه تَزْويجُه إلَّا إذا رَأى المَصْلَحَةَ فيه، غيرَ أنَّ الحاجَةَ لا تَنْحَصِرُ في قَضاءِ الشَّهْوَةِ، بل قد تَكونُ حاجَتُه إلى الإِيواءِ والحِفْظِ، ورُبَّما كان دَواءً له يُتَرَجَّى به شِفاؤه، فجازَ التَّزْويجُ له، كقَضاءِ الشَّهْوَةِ.
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ومَن يُخْنَقُ (1) في الأحْيانِ لا يَجُوزُ تَزْويجُه إلَّا بإذْنِه؛ لأنَّ ذلك مُمْكِنٌ، ومَن أمْكَنَ أن يَتَزَوَّجَ لنَفْسِه، لم تَثْبُتِ الولايةُ عليه، كالعاقِلِ. ولو زَال عَقْلُه ببِرْسَامٍ أو مَرَض مَرْجُوِّ الزَّوالِ، فهو كالعاقِلِ، فإنَّ ذلك لا يثبِتُ الولادةَ على مالِه، فعلى نَفْسِه أولَى. وإن لم يُرْجَ زَوالُه، فهو داخِلٌ فيما ذَكَرْناه.
فصل: وليس لغيرِ الأبِ ووَصِيِّه تَزْويجُ المَعْتُوهِ البالِغِ. وبه قال مالكٌ. وقال أبو عبدِ اللهِ بن حامِدٍ: للحاكِمِ تَزْويجُه إذا ظَهَر منه شَهْوَةٌ للنِّساءِ، بأن يَتْبَعَهُنَّ. وهذا مذهبُ الشافعيِّ؛ لأنَّ ذلك مِن مَصالِحه، وليس له حالٌ يُنْتَظَرُ فيها إذْنُه. وسنَذْكُرُ ذلك في تَزْويج المَجْنُونَةِ (2). ويَنْبَغِي أن يَجُوزَ تَزْويجُه إذا قال أهْلُ الطِّبِّ: إنَّ في ذلك ذَهابَ عِلَّتِه. لأنَّه مِن أعْظَمِ مَصالِحِه.
(1) في م: «يجن» ، والخُناق، بالضم: داء يمتنع معه نفوذ النفَس إلى الرئة والقلب.
(2)
في م: «المجنون» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا زَوَّجَ الصغيرَ أو (1) المجنونَ، فإنَّه يَقْبَلُ لهما النِّكاحَ، ولا يَأذَنُ لهما في قَبُولِه؛ لأنَّهما ليسَا مِن أهلِ التَّصَرُّفِ. فإن كان الغُلامُ ابنَ عَشْر، وهو مُمَيِّزٌ، فقِياس المذهبِ جَوازُ تَفْويضِ القَبُولِ إليه، حتى يتَوَلَّاهُ بنَفْسِه، كما يُفَوَّضُ أمْرُ البَيعِ (2) إليه. وإن تَزَوَّجَ له الوَلِيّ جازَ، كما يَجُوزُ أن يَبْتاعَ له. وهذا على الرِّوايَةِ التي تقولُ بصِحَّةِ بَيعِه ووُقُوعِ طَلاقِه. فإن قُلْنا: لا يَصِحُّ ذلك منه. فهذا أولَى.
(1) في م: «و» .
(2)
في م: «المبيع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وذَكَر القاضي أنَّه لا يَجُوزُ أن يَتَزَوَّجَ لهما بأكثرَ مِن مَهْرِ المِثْلِ؛ لأنَّه مُعاوَضَةٌ في حَقِّ الغيرِ، فلم تَجُزِ الزِّيادَةُ فيها على عِوَضِ المِثْلِ، كبَيعِ مالِه. وهذا مذهبُ الشافعي. وإذا قُلْنا: إنَّ للأبِ تَزْويجَ ابْنَتِه (1) بدونِ صَداقِ مِثْلِها. فهذا مِثْلُه، فإنَّه قد يَرَى المَصْلَحَةَ في ذلك، فجازَ له بَذْلُ المالِ فيه، كما يَجُوزُ في مُدَاوَاتِه، بل الجوازُ ههُنا أوْلَى؛ فإنَّ الغالِبَ أنَّ المرأةَ لا تَرْضَى بتَزْويجِ المجنونِ إلَّا أن تُرَغَّبَ بزِيادَةٍ على مَهْرِ مِثْنها، فيتَعَذَّرُ الوُصولُ إليه (2) بدونِ ذلك، بخِلافِ المرأةِ. وذكَر القاضي في «المُجَرَّدِ» ، أنَّ قِياسَ المذهبِ أنَّه لا يُزَوَّجُ (3) بأكثرَ مِن امرأةٍ واحِدَةٍ؛ لعَدَمِ حاجَتِه إلى زِيادَةٍ عليها، فيكونُ بَذْلًا لمالِه فيما لا حاجَةَ به إليه. وذَكَر في «الجامِعِ» ، أنَّ له تَزْويجَ ابْنِه الصغيرِ بأرْبَع؛ لأنَّه قد يَرَى المَصْلَحَةَ فيه. وليس له تَزْويجُه بمَعِيبَةٍ عَيبًا يُرَد به النِّكاحُ؛ فإنَّ فيه ضَرَرًا به، وتَفْويتَ مالِه فيما لا مَصْلَحَةَ له فيه، فإن فَعَل، خُرِّجَ في صِحَّةِ النِّكاحِ وَجْهان؛ فإن قُلْنا: يَصِحُّ. فهل للوَلِي الفَسْخُ في الحالِ؟ على وَجْهَين، نَذْكُرُ تَوْجِيهَهما في تَزْويجِ الصغيرةِ بمَعِيبٍ. فإن لم يَفْسَخْ حتى بَلَغَ الصَّبِيُّ
(1) في م: «أمته» .
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: «يتزوج» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو عَقَل المجنونُ، فلهما الفَسْخُ. وليس له تَزْويجُه بأمَةٍ؛ لأنَّ إباحَتَها مَشْرُوطَةٌ بخَوْفِ العَنَتِ، وهو مَعْدُومٌ في حَقِّ الصَّبِيِّ، غيرُ مَعْلوم في حَقِّ المجنونِ.
فصل: فأمَّا الإِناثُ، فللأبِ تَزْويجُ ابْنَتِه البِكْرِ الصغيرةِ التي لم تَبْلُغ تِسْع سِنِين، بغيرِ خلافٍ، إذا وَضَعَها في كَفاءَةٍ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كُل مَن نَحْفَظُ عنه مِن أهلِ العلمِ، أنَّ نِكاحَ الأبِ ابْنَتَه الصغيرةَ جائِزٌ، إذا زَوَّجَها مِن كفْءٍ، يَجُوزُ له ذلك مع كَراهَتِها وامْتِناعِها. وقد دَلَّ على جَوازِ تَزْويجِ الصغيرةِ قولُ اللهِ تعالى:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} (1)، فجعَلَ
(1) سورة الطلاق 4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لِلَّائِي لم يَحِضْنَ عِدَّةَ ثلاثةِ أشْهُرٍ، ولا تكونُ العِدَّةُ ثلاثةَ أشْهُر إلَّا مِن طَلاقٍ في نِكاحٍ [أو فسْخٍ](1)، فدَلَّ ذلك على [أنها تُزَوَّجُ](2) وتُطلَّقُ، ولا إذْنَ لها يُعْتَبَرُ. وقالت عائشةُ: تَزَوَّجَنِي النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأنا ابْنَةُ سِتٍّ، وبَنَى بي وأنا ابنةُ تِسْعٍ. مُتَّفَقٌ عليه (3). ومَعْلُومٌ أنَّها لم تَكُنْ في تلك الحالِ مِمَّن يُعْتَبَرُ إذنها. وروَى الأثْرَمُ أنَّ قُدامَةَ بن مظْعُونٍ تزَوَّجَ ابْنةَ الزُّبَيرِ حينَ نَفِسَتْ، فقِيلَ له، فقال: ابنةُ الزُّبَيرِ إن مِتُّ وَرِثَتْني، وإن عِشْتُ كانتِ امْرَأتِي. وزَوَّجَ على ابْنَتَه أمَّ كُلْثُوم وهي صغيرة عمرَ بنَ الخَطَّابِ، رضي الله عنهما.
فصل: وفي البِكْرِ البالغةِ العاقلةِ رِوايتان، إحْدَاهما، إجْبارُها على النكاحِ. وهذا مذهبُ مالكٍ، وابنِ أبي ليلَى، والشَّافعيِّ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في م: «تزويج» .
(3)
تقدم تخريجه في 6/ 132. ويضاف إليه: وأخرجه مسلم، في: باب تزويج البكر الصغيرة، من كتاب النكاح. صحيح مسلم 2/ 1038، 1039.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[وإسْحاقَ](1). والثانيةُ، ليس له ذلك. اخْتارَها أبو بكر. وهو مذهبُ الأوْزاعِيِّ، والثَّوْرِيِّ، وأبي عُبَيدٍ، وأبي ثَوْرٍ، وأصْحابِ الرَّأي، وابنِ المُنْذِرِ؛ لِما روَى أبو هُرَيرَةَ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُنْكحُ الأيِّمُ حَتَّى تُسْتأمرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأذَنَ» . فقالوا: يا رسولَ اللهِ، فكيف إذنها؟ قال:«أَنْ تَسْكُتَ» . مُتَّفَقٌ عليه (2). وروَى أبو داودَ، وابنُ ماجَه (3)، عن ابنِ عبّاسٍ، أنَّ جاريَةً بِكْرًا أتَتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فذَكَرَتْ أنَّ أباهَا زَوَّجَها وهي كارِهَةٌ، فخَيَّرَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم. ولأنَّها جائِزَةُ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
أخرجه البخاري، في: باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها، من كتاب النكاح، وفي: باب في النكاح، من كتاب الحيل. صحيح البخاري 7/ 23، 9/ 32. ومسلم، في: باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق. . . .، من كتاب النكاح. صحيح مسلم 2/ 1036، 1037.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الاستئمار، من كتاب النكاح. سنن أبي داود 1/ 482. والنسائي، في: باب إذن البكر، من كتاب النكاح. المجتبى 6/ 71. والترمذي، في: باب ما جاء في استئمار البكر والثيب، من أبواب النكاح. عارضة الأحوذي 5/ 23. وابن ماجه، في: باب استئمار البكر والثيب، من كتاب النكاح. سنن ابن ماجه 1/ 602. والدارمي، في: باب استئمار البكر والثيب، من كتاب النكاح. سنن الدارمي 2/ 138. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 250، 279، 425، 434.
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب في البكر يزوجها أبوها ولا يستأمر ها، من كتاب النكاح. سنن أبي داود 1/ 483. وابن ماجه، في: باب من زوج ابنته وهي كارهة، من كتاب النكاح. سنن ابن ماجه 1/ 603.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التَّصَرُّفِ في مالِها، فلم يَجُزْ إجْبارُها، كالثَّيِّبِ، والرجلِ. ووَجْهُ الأولَى، ما روَى ابنُ عباسٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«الْأيمُ أحقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأمَرُ، وَإذنهَا صُمَاتُهَا» . رَواه أبو داودَ (1). فلمَّا قَسَمَ النِّسَاءَ قِسْمَين، وأثْبَتَ الحقَّ لأحَدِهما، دَلَّ على نَفْيِه عن الآخَرِ،
(1) في: باب في الثيب، من كتاب النكاح. سنن أبي داود 1/ 484.
كما أخرجه البخاري، في: باب في النكاح، من كتاب الحيل. صحيح البخاري 9/ 33. وسلم، في: باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق. . . .، من كتاب النكاح. صحيح مسلم 2/ 1037. والترمذي، في: باب ما جاء في استئمار البكر والثيب، من أبواب النكاح. عارضة الأحوذي 5/ 25. والنسائي، في: باب استئذان البكر في نفسها، من كتاب النكاح. المجتبى 6/ 69. وابن ماجه، في: باب استئمار البكر والثيب، من كتاب النكاح. سنن ابن ماجه 1/ 601. والدارمي، في: باب استئمار البكر والثيب، من كتاب النكاح. سنن الدارمي 2/ 138. والإمام مالك، في: باب استئذان البكر والأيم في أنفسهما، من كتاب النكاح. الموطأ 2/ 524، 525. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 219، 242، 261، 274، 345، 355، 362.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو البِكْرُ، فيَكونُ وَلِيُّها أحَقَّ منها بها، ودَلَّ الحديثُ على أنَّ الاسْتِئْمارَ ههُنا، والاسْتِئْذانَ في حَدِيثهم مُسْتَحَبٌّ غيرُ واجِبٍ، كما روَى ابنُ عمرَ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «آمِرُوا النِّسَاءَ فِي بَنَاتِهِنَّ» . رَواه أبو داودَ (1). وحديثُ التي خَيَّرَها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلٌ، ويَحْتَمِلُ أنَّها التي زَوَّجَها أبوها مِن ابنِ أخِيه ليَرْفَع بها خَسيستَه (2)، فتَخْيِيرُها لذلك.
(1) في: باب في الاستئمار، من كتاب النكاح. سنن أبي داود 1/ 483، كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 2/ 34.
(2)
في م: «خسيسه» . والحديث أخرجه النسائي، في: باب البكر يزوجها أبوها وهي كارهة، من كتاب النكاح. المجتبى 6/ 71. وابن ماجه، في: باب من زوج ابنته وهي كارهة، من كتاب النكاح. سنن ابن ماجه 1/ 602. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 6/ 136.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[ولأنَّ ما](1) لا يُشْتَرَطُ في نِكاحِ [الصغيرةِ لا يُشترطُ في نكاحِ](2) الكَبِيرَةِ، كالنُّطْقِ (وعن أحمدَ، لا يَجُوزُ تَزْويجُ ابْنَةِ تِسْعِ سِنِينَ بغيرِ إذْنِها) اخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ عن أحمدَ في الجارِيَةِ إذا بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ،
(1) في م: «ولأنه مما» .
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فالمَشْهُورُ عنه أنَّها كمَن لم تَبْلُغْ تِسْعًا. نصَّ عليه في رِوايَةِ الأثْرَم. وهو قولُ مالكٍ، والشافعي، وأبي حنيفةَ، وسائِرِ الفُقَهاءِ، قالوا: حُكمُ بِنْتِ تِسْع حُكْمُ بِنْتِ ثَمانٍ؛ لأنَّها غيرُ بالغةٍ، ولأنَّ إذنها لا يُعْتَبَرُ في سائِرِ التَّصَرُّفاتِ، فكذلك في النِّكاحِ. والرِّوايَةُ الثانيةُ، حُكْمُها حُكْمُ البالغةِ. نَصَّ عليه في رِوايَةِ ابنِ مَنْصورٍ؛ لمَفْهُوم الآيَةِ، ولدَلالةِ الخَبَرَين بعُمُومِهما على أنَّ اليتيمَةَ تُنْكَحُ بإذْنِها، وإنَّ أبتْ فلا جَوازَ عليها، وقد انْتَفَى الإِذْنُ فيما دُرنَها، فيَجِبُ حَمْلُه على مَن بَلَغَتْ تِسْعًا. فعلى هذه الرِّوايَةِ، يَجُوزُ لغيرِ الأبِ تَزْويجُها بإذْنِها، وحُكْمُها حُكْمُ البالغةِ في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جَوازِ إجْبارِها، للأبِ فيه الرِّوايتان (1). وقد روَى الإِمامُ أحمدُ (2) بإسْنادِه عن عائشةَ، رضي الله عنها، أنَّها قالتْ: إذا بَلَغَتِ الجارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فهي امْرأةٌ. ورَواه القاضي بإسْنادِه عن ابنِ عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم (3). ومَعْناه، واللهُ أعلمُ، في حُكْمِ المرأةِ. ولأنَّها بَلَغَتْ سِنًّا يُمْكِنُ فيه حَيضُها، وتَحْدُثُ لها حاجَةٌ إلى النِّكاحِ، فيُباحُ تَزْويجُها، كالبالغةِ إذا زُوِّجَتْ. وقد خَطَب عمرُ أمَّ كُلْثُومٍ بنتَ أبي بكرٍ بعدَ مَوْتِه إلى عائشةَ، فأجابَتْه، وهي لدُونِ عَشْر؛ لأنَّها إنَّما وُلِدَتْ بعدَ مَوْتَ أبِيها، وإنَّما كانت ولايةُ عمرَ عَشْرًا، فكَرِهَتْه الجارِيَةُ، فتَزَوَّجَها (4) طَلْحةُ بنُ عُبَيدِ اللهِ، ولم يُنْكِرْه مُنْكِرٌ، فدَلَّ ذلك على اتِّفاقِهِم على صِحَّةِ تَزْويجِها قبلَ بُلُوغِها بولايةِ غيرِ أبِيها.
(1) في الأصل: «روايتان» .
(2)
تقدم تخريجه في 2/ 385. ولم نجده في المسند.
(3)
أخرجه أبو نعيم، في: تاريخ أصبهان 2/ 273. والديلمي، انظر: فردوس الأخبار 1/ 385. وضعف إسناده في الإرواء 1/ 199.
(4)
في م: «فزوجها» .